الباب الثاني: معنى صعوبة الترجمة
(١–٢) قد تنشأ صعوبة الترجمة للألفاظ من أي مصدرٍ
للصعوبة ممَّا عرضناه آنفًا؛ فقد يقف المترجم عند كلمةٍ جديدة عليه وهي قديمة أو مهجورة
في
اللغة الإنجليزية، أو مقصورة على الاستعمال المتخصِّص، وهذه أيسر الصعوبات نسبيًّا. وقد
يقف
عند الصعوبة الرئيسية وهي اختلاف المعنى باختلاف السياق، وقد تُعينه المعاجم أيضًا، ولكنه
يحتاج إلى ما هو أجدى من المعاجم ألَا وهو الخبرة الطويلة بمعاني الكلمات الشائعة في
سياقاتها المختلفة. وما دامت الخبرة لا تُكتسب إلا بمرور الزمن والممارسة الطويلة مع
الإرشاد والتوجيه، فقد يكون من المفيد للمترجم أن يحظى بثمار خبرات مَن سبقوه من
المترجمين.
(٢–٢) أمَّا صعوبة الترجمة التي تستطيع الخبرة أن تقهرها، فهي الصعوبة التي ترجع
إلى
اختلاف نظرة كل لغة إلى العالم، كما يقولون؛ أي إن صاحب كل لغة «يقسِّم العالم» أقسامًا
خاصة به، على نحو ما يقول به علماء اللغة المحدثون، خصوصًا أساتذة علم الدلالة؛ أي إنه
يرى
الأشياء من زاويةٍ خاصة ويضعها في أقسامٍ خاصة، ويجرِّد منها مفاهيم خاصة، ممَّا يستلزم
من
المترجِم إجراء المقابلات المتواصلة سعيًا للمضاهاة الصحيحة، وقد لا تتأتَّى المضاهاة
إلا
بالموازنة التي قد لا يتساوى فيها معنى كلمة مفردة مع معنى كلمة مفردة من لغةٍ أخرى،
وقد
يتساوى مع معنى عدة كلمات، وفي هذا ما فيه من عسر. وإذا كان تحديد معنى اللفظة حسب التقسيم
الإنجليزي عسيرًا، فما بالك بمضاهاته بمعنًى قد لا يكون من اليسير تحديده أيضًا وفق التقسيم
العربي؟ والصعوبة لا تبدو لعين المبتدئ؛ لأن أساتذته الذين علَّموه الإنجليزية صبيًّا
كانوا
يستعينون بالألفاظ العربية في تحديد معاني الكلمات الإنجليزية. ولا مفرَّ من مواجهة هذه
الحقيقة؛ أي إننا نتعلَّم الإنجليزية مستعينين بمفاهيم اللغة الأم، وهي العربية، ممَّا
يتضمَّن قدرًا كبيرًا من الترجمة. ولأبدأ بأقرب مثل على ذلك من المدرسة؛ إن المدرِّس
الذي
ينصح تلميذه بأن يذاكر الدرس يستخدم فعلًا مشتقًّا من التراث العربي وهو «ذاكر»؛ أي أحيا
في
الذاكرة فكرةً أو قَدرًا من العلم (المعلومات). وعندما يقول العربي القديم إنه ذاكر صاحبه
فهو يعني أنه ذكر له ما ذكره بشيءٍ ما أو بخبرٍ ما فتذكَّره، والتذاكر إذن تبادل الذكر؛
ولذلك فعندما يتعلَّم دارس الإنجليزية أن يقول «عليَّ أن أذهب إلى المنزل للمذاكرة I must go home to study» سوف يقابل في ذهنه ولو على مستوًى
باطن بين المذاكرة وstudy، ولن يقول (في نفسه أو لصاحبه)
إنه سيذهب إلى الدرس في المنزل، فربما اقترنت كلمة الدرس بالدرس الرسمي أو حتى بالدرس
الخصوصي! والمدرِّس الذي يقول للتلميذ إن عليه أن «يحفظ الدرس» You should learn this lesson سوف يجعله يقابل بين
فعل «الحفظ» وفعل learn، وقد يتصوَّر الطالب أنه يعني
الحفظ عن ظهر قلب learning by rote/heart، أو أن
الكلمة الإنجليزية تعني التعلُّم فقط؛ فمعنى الحفظ مرتبطٌ بتراث العربية الشفاهي الذي
كان
الطالب فيه «يحفظ» في «ذاكرته» كل ما يتعلَّمه؛ ولذلك أصبحَت المفاهيم الإنجليزية مضاهاةً
بمفاهيمَ عربية قد تختلف في بعض الأحيان عنها؛ فقد يكون المقصود بالمذاكرة أو بالاستذكار
الفهم understanding وحسب، وقد يكون المقصود حل التمارين
الرياضية أو الهندسية أو المسائل الحسابية (problems) أو
كتابة موضوع يقتضي التفكير والرجوع إلى المراجع، ممَّا يدخل إن شئنا الدقة في عداد الدراسة
والتربية education، لا في عداد الاستذكار أو المذاكرة أو
الحفظ أو التلقين instruction.
-
أمَّا التعبير المعاصر في العربية وهو سأُعلِّمك درسًا قاسيًا.
I shall teach you a harsh
lesson.
I’ll teach you a sharp lesson
(colloquial).
فهو ينتمي إلى «التقسيم الأجنبي» لا إلى التراث العربي.
واختلاف «التقسيم» إذن معناه اختلاف الدلالات
الدقيقة للكلمات فيما بين اللغتَين، مهما وازَينا وربطنا بينها؛ فالعمارة بالعربية قد
تعني
فنَّ البناء الهندسي architecture، وقد تعني في اللغة
الشائعة أي مبنًى يتكوَّن من شقق a block of flats،
والجبرتي يستخدمها بمعنى العمارة البحرية؛ أي السفن الضخمة، والإحالة واضحة إلى الآية
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ
كَالأعْلَامِ (الرحمن: ٢٤)، فالمنشأة هي المبنى الضخم، وتشبيهها بالجبال
(الأعلام) أوضح من أن يحتاج إلى تعليق. فإذا حاولنا الموازاة بينها وبين
house (مسكن) وجدنا صعوبة الدلالة في اللغة الإنجليزية؛
لأن الكلمة الأجنبية لا توازي العمارة، بل هي أقرب شيء إلى ما نسمِّيه «الفيلا» بالعربية
المعاصرة، إذا كان المنزل مستقلًّا detached house، وقد
يكون المبنى مقسَّمًا إلى منزلَين ملتصقَين كل منهما يُسمَّى semi-detached
house أو إلى أكثر من منزلَين، وقد يُسمَّى كل قسم من أقسامها
cottage (التي شاعت ترجمتها بالكوخ، وإن كانت الكلمة
العربية أقرب إلى shack أو
hut، ومثلها عشَّة بالعامية)، وقد يُسمَّى
bungalow؛ أي شاليه بالعامية المصرية، وهي معرَّبة عن
الفرنسية (Swiss chalet)، وقد تعني بالفرنسية كوخًا
ريفيًّا، والطريف أن يقرنها الفرنسيون بكلمةٍ أخرى (chalet de
nécessité) لتعني المرحاض العام public
convenience (أي مكان قضاء الحاجة)، أمَّا فيلا
villa الإنجليزية فلا تعني ما نعنيه بالفرنسية؛ أي
المنزل الريفي، بل تعني town house، وهو ما يقابل لدينا
شقةً في الطابق الأول من المنزل! وكل من هذه التقسيمات يصلح لإطلاق لفظ
home عليه؛ فالكلمة الإنجليزية تفيد مكان الإقامة
الدائمة، أو المسكن الأصلي (أو الموطن)، ومن ثم فهي لا تتفق مع الكلمة الشائعة «بيت»
أو
«البيت» الذي كان يعني قسمًا من أقسام الخيمة أو حجرة (لا بد أن تكون الحجرة على مستوى
سطح
الأرض، فإذا ارتفعت صارت غرفة!) ثم تغيَّر معناها في الشرق، وإن كانت لا تزال تعني الحجرة
في تونس، وأمَّا البيت بالمعنى الشرقي فيسمُّونه دارًا!
(٣–٢) وإذا كانت هذه الاختلافات قائمةً بين
المجسَّدات التي يسهل رصدها وتحديد معانيها، فما بالك بالمجرَّدات؟! وما دمنا قد ذكرنا
المساكن فلنذكر الفعل «سكن» ومشتقاته؛ فالمعاجم العربية ترى منذ القدم أن كل كلمة لا
بد أن
تُردَّ إلى فعلٍ ثلاثي أو رباعي أو إلى «مادة» lemma،
تُدرِج الكلمة تحتها في بابٍ مستقل، وهي تُدرِج كلمة مسكين في باب سكن، والواضح أنه لا
توجد
علاقة بين الكلمتَين في المعنى، بل ويقول بعض الدارسين إن هذه الكلمة قد تكون لها أصولٌ
أوربية، بدليل أن القرآن الكريم يشتق منها المسكنة وَضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ (البقرة:
٦١)، وهي قريبةٌ من الكلمة الإيطالية المعاصرة meschino
(والجمع meschini وتُنطق مسكيني) التي تعني الحقير، كما شاع
منها في اللغة التمسكن (اتمسكن لمَّا تتمكِّن)، وحجتهم هي أنه لو كانت الميم زائدةً ما
احتاجت العربية إلى إضافتها، فنحن لا نقول يتمنزل أبدًا بل يتنزَّل، ولم تشهد العربية
اشتقاق الفعل من المصدر الميمي إلا في العصر الحديث، عندما ابتدع المغاربة التمعضل والتمفصل
والتمحور (والتمركز التي يذهب شوقي ضيف إلى إجازتها في أحد كتبه؛ استنادًا إلى أنها تُشير
إلى المركز لا إلى الركيزة أو التركيز)، ولكن مباحث الاشتقاق خلافية، ونحن لا نريد إلا
الإشارة إلى أن العلاقة ليست واضحةً بين السكن والمسكن من ناحية، وبين المسكنة والمساكين
من
ناحيةٍ أخرى، والفقهاء لا يزالون في خلافٍ حول تعريف المسكين؛ فالجوهري يقول في الصِّحاح
إن
المسكين هو الفقير، غير عابئ بأن القرآن يردف الفقراء بالمساكين، ولو كانتا لفظتَين
مترادفتَين في المعنى ما وقعتا هكذا في كتاب الله عز وجل، وابن منظور يدافع عن الصِّلة
بين
سكن ومسكين؛ استنادًا إلى قول سيبويه إن كل ميم في أول الكلمة زائدة إلا ميم «مِعْزى
وميم
مَعَد»، ويحتجُّ بأنه قياس على «تمدرع» من المدرعة، وتمندل من المنديل، ويُعقب ذلك بالعبارة
الشهيرة «وهذا شاذ»، وهي عبارة الجوهري، ممَّا جعل أحد الباحثين يستبعد أن يكون الرسول
قد
استعمل هذا الشاذ في الحديث الذي يوجِّهه إلى المصلِّي: «تَبْأَسُ وتَمَسْكَنُ وتُقنِعُ
يديك»، ويرجِّح أنها كلمةٌ مستقلة خُفِّفت تاؤها، والجمهور على أن تَمَسْكَن هنا تعني
«تذلل
وتخضع» فأين هذا من السكون؟ بل إن ابن منظور ينفي الصلة دون أن يقصد حين يحلِّل صيغة
مسكين،
ويورد أقوال الثقات التي تؤكِّد عدم وجود عَلاقة واضحة بينها وبين المسكن والسكن.
وهكذا فلنا أن نعتبر أنهما كلمتان منفصلتان، مهما تكن أصولهما الاشتقاقية، وقِس على
ذلك
مئات الأمثلة التي تقطع بعدم الاطمئنان إلى الأصول المفترضة للكلمات عند تحديد معانيها،
مثلما نفعل في دراستنا للغات الحية حين نَقنع بمحاولة رصد المعنى الجاري بغض النظر عن
الأصول، إلا حين نحتاج إليها في إدراك هذا المعنى، فإذا أردنا ترجمة المسكين وقعنا في
مشكلةٍ لا حلَّ لها؛ إذ إن الخلاف على معنى الكلمة لا يزال قائمًا، فإذا افترضنا أنه
درجةٌ
أشد من الفقر، كما تقول بعض المعاجم، حرنا في تحديد هذه الدرجة؛ فكلمة الفقر في اللغة
الإنجليزية تتضمَّن الكلمة العامة poor أو
impoverished أو
indigent التي قد تبدأ بضيق ذات اليد أو الإملاق
straitened، وتتدرَّج إلى الحاجة إلى المال
penniless أو penurious
أو impecunious. وقد يُشار إلى المُعْوِز بأنه مُعدِم أو
عديم landless، أو مُعوِز وحسب
destitute أو needy،
وهو الذي يحتاج إلى الطعام والملبس والمأوى؛ أي إلى عيش الكَفاف subsistence
living. فأين نضع المسكين بين
تلك الدرجات؟ القول بأن تحديد المعنى يتوقَّف على السياق قولٌ جذَّاب ولكنه غير علمي؛
لأن
السياق أحيانًا لا يكتمل معناه إلا بتحديد الكلمة إذا كانت أساسية. ولقد أجرى علماء
الاقتصاد والاجتماع دراساتٍ كثيرةً في التسعينيات لتحديد مستويات الفقر، ولم يَعُد
الاطمئنان إلى ما ورثناه من معانيه كافيًا لإقامة الموازنات بين العربية والإنجليزية؛
ولذلك
فأنا أعتبر أن كلمة مسكين من الكلمات الصعبة في الترجمة، خصوصًا عندما نحتاج إلى الدقة
العلمية ولا نكتفي بقول القائل إن المسكين هو مَن يعاني من الفقر المُدقِع؛ فالفقر المُدقِع
منسوبٌ إلى إلصاق صاحبه بالدقعاء؛ أي الأرض، ولكنه هنا يعني الشدة وحسب، فأي درجةٍ إذن
من
درجات الشدة؟
(٤–٢) وأمَّا المجرَّدات الإنجليزية فتختلف عن
المجرَّدات العربية في أن معظمها حديث النشأة، ومعظمها ينتمي إلى العلوم الطبيعية أو
هو
مستقًى منها، وقد لا تمثِّل المجرَّدات القديمة صعوبةً تُذكر لسهولة رَدِّها إلى أصولٍ
إنسانية مشتركة، على ما فيها من خلاف، ولكن المجرَّدات الحديثة هي مدار القول في هذا
السياق. ولنبدأ بالمجرَّدات القديمة أولًا.
(١-٤-٢) أهمُّ المجرَّدات القديمة هي ما يتَّصل منها بمفاهيمِ الحياة الإنسانية العامة؛
من حبٍّ وكراهية واقتران وافتراق ومرض وشفاء وزوال وبقاء وما إلى ذلك بسبيل. ولقد جهد
المترجمون الأوائل في تفصيل معاني هذه المفاهيم ومُضاهاتها بالعربية حتى أصبحت ميسَّرةً
إلى
حدٍّ ما، وضاقت رُقعةُ الخلاف بينها وبين نظائرها العربية إلى حدٍّ كبير؛ فكلمة
beauty عادةً ما تُترجم بالجمال أو بالحسن، وإذا كانت
تُشير إلى حسناء فقد يقول المترجم إنها «فاتنة» مثلًا وفقًا لمفهومه لمقصد الكاتب، بل
قد
يقول إنها «ساحرة» حين يفسِّر الجمال بأنه charming، وقِسْ
على ذلك مفاهيم الكراهية والنفور والبغض والمقت والشنآن، وما يقابلها من ألفاظٍ من
الإنجليزية، مثل الأفعال:
hate/abominate/detest/abhor/execrate/loathe/dislike/immensely,
etc.
فالتفسير هو وحده الفيصل في اختيار الكلمات المقابلة.
(٢-٤-٢) وأمَّا المجرَّدات الجديدة التي تهمُّنا
هنا فهي تضمُّ الأفعال والأسماء والصفات التي شاعت في الكتابات الصحفية، بل وتسرَّبت
إلى
الكتابات العلمية وأصبحت تُمثِّل عقباتٍ لا يعرف المترجم ما عليه أن يفعله حيالها، بل
إنها
شاعت في الحديث اليومي وأصبحت تمثِّل جزءًا من جهاز التفكير المعتاد حتى للناطقين بالعربية،
ممن يتابعون دراساتهم المتخصِّصة بالإنجليزية. وسوف أُفرد لكلٍّ منها بابًا أُتبعه بنماذجَ
وتطبيقات، ولكنني سأضرب في هذا القسم أمثلةً توضيحية وتمهيدية للقارئ العربي؛ ولذلك
سأختارها من الكلمات التي شاعت على ألسنة العرب (والعربي هو كل مَن يتحدَّث العربية)
وأصبح
التخلُّص منها محالًا، وأولها وأهمُّها كلمة «الحرص» ومشتقَّاتها؛ فالحرص في العربية
يعني
اشتداد الغربة في الشيء، كما جاء في التنزيل العزيز وَمَا أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (يوسف: ١٠٣)، والحريص على ماله هو مَن
لا يُفرِّط فيه، كما يعني الإشفاق والجد في النفع والهداية لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (التوبة: ١٢٨)، ويحرص أيضًا يعني
يحترص (ويحترس ويحترز، بل ويحترض بالإبدال)، وقد يعني الحرص أشياء أخرى لا تُهمُّنا في
هذا
السياق وتوردها المعاجم.
أمَّا المعنى الذي شاع للحرص فهو الحرص على السلامة والنفع والبقاء لا غيره من صور
الحرص؛
فنحن نسمع أن أحد المسئولين حريصٌ على العلاقة مع غيره من رجال الحكومة، أو على صداقة
بعض
رجال الصِّحافة، فتفهم أن المقصود هو شدة الرغبة في الإبقاء على تلك العلاقة — في الحالة
الأولى — وشدة الرغبة في الحفاظ على الصداقة إن كانت قائمة، أوفي إقامتها إن لم تكن موجودة.
وإذن فإن الحرص يفيد أكثر من الرغبة وحسب، أي إنه يتكوَّن من عنصرَين: العنصر الأول
ثابت constant، والعنصر الثاني متغيِّر variable، فإذا صرَّح المتحدِّث أو الكاتب بالعنصر
المتغيِّر سهلت ترجمته؛ لأنه واضحٌ ومنصوص عليه صراحةً في النص، مثل:
إنه حريصٌ على كسب
المال (1) He is eager to make money
والمعنى المُضمر في الحرص هنا قد يُظهره المترجم إن أبدل كلمة المال بعبارةٍ مثل
as much money as he can؛ فالحرص فيه عنصر شره أو جشع،
والإضافة تُظهر هذا العنصر، أمَّا إذا قال أحدهم «إنه حريصٌ على المال»، فقد يكون المعنى
هو
ما ذكرناه آنفًا، وقد يكون العنصر المتغيِّر هو «ما لديه من» مال؛ أي:
إنه حريصٌ على
ماله (2) He is careful of his money
وقد أدَّى هذا المعنى الأخير إلى أن أصبح المترجمون يتصوَّرون أن الحرص هو
care؛ ممَّا أوقع الكثيرين في مشكلات البعد عن الدقة؛
لأنه يغيب عن ذهن المترجم في العادة أن هذه الكلمة (حريصٌ) تتكوَّن مثل كثيرٍ غيرها من
عدة
عناصر، بعضها ثابت وبعضها متغيِّر؛ ولذلك فإن تحليل عناصرها، وهو ما يسمَّى في مباحث
الدلالة decomposition أو componential
analysis يقتضي إثبات الثوابت وترك مساحة أو فراغ تشغله المتغيِّرات
التي لا يحدِّدها إلا السياق.
وهكذا فنحن نقول إن الحرص يعني: الرغبة الشديدة +
الحفاظ/الإبقاء على/إقامة + نفع/مصالح … إلخ. ولن نجد في اللغة الإنجليزية كلمةً تتضمَّن
جميع هذه العناصر، ومن ثم فلا بد من استنباطها من السياق؛ أي إن على المترجم أن يحرص
على
جميع العناصر فلا يُغفل منها شيئًا، وفي الآية الكريمة:
لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ … حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، نجد أن العناصر
المحذوفة من المتغيِّرات هي مكمن الصعوبة؛ لأنها تتضمَّن
«التقدير» الذي قد يتضمَّن بدوره بعض التأويل، فإذا رجعنا إلى كتابٍ معتمد هو صفوة التفاسير
للشيخ محمد علي الصابوني (الذي يلخِّص ستة كتب أساسية في تفسير القرآن الكريم) وجدناه
يقول
إن «حريصٌ عليكم» تعني «حريصٌ على هدايتكم»، وهو في هذا يختصر ما قاله آخرون مثل ابن
كثير
الذي يقول: ««حريصٌ عيلكم» أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأُخروي إليكم.» ثم
يروي
بعض الأحداث لتأكيد ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، فإذا رجعنا إلى معجم ألفاظ القرآن الكريم
الذي وضعه مجمع اللغة العربية «الطبعة الثانية ١٩٧٠م»، وجدناه يقول: «حرص على الشيء …
اشتدَّت رغبتُه فيه وعظُم تمسُّكه به فهو حريص.» ثم يورد الآيات التي ورد فيها اللفظ
فعلًا
واسمًا ومنها الآية الكريمة المذكورة. واختلاف التأويل يضع المترجم في حيرة؛ إذ كيف يقطع
بأن العناصر المحذوفة (من المتغيِّرات) هي الصادقة؟ كيف نقطع يقينًا بأن تحليل العناصر
يؤدِّي إلى صيغةٍ دون غيرها من الصيغ التالية:
- (١)
«الرسول» يرغب رغبةً شديدة + في هدايتكم.
- (٢)
«الرسول» يرغب رغبةً شديدة + في هدايتكم + وما فيه نفعكم.
- (٣)
«الرسول» يرغب رغبةً شديدة + في هدايتكم + وما فيه نفعكم في الدنيا
والآخرة.
- (٤)
«الرسول» يرغب رغبةً شديدة + في التمسُّك بكم.
- (٥)
«الرسول» يستمسك بكم.
أي إن المتغيِّرات هنا تُخرج لنا عدة احتمالات لا نستطيع أن نطمئن إلى ابتعاد أحدها عن
الصواب، ومن الصعوبات الأولى عند الترجمة كلمة «هداية» وكلمة «نفع»؛ فمترجمو معاني القرآن
عادةً يترجمون الأولى بكلمة guidance ، ولا شك أنها تتضمَّن
معنى الهداية المقصور على الإرشاد دون تحديدٍ لنوع الغاية التي يُرشَد المرء إليها؛
فالهداية دائمًا ما تتضمَّن غايةً شريفة إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ (القصص: ٥٦)، وإن كان المعجم
الوسيط (مجمع اللغة العربية) لا يذكر ذلك؛ فهو يوازي بين يهدي
وguide بمعنى يرشد فحسب، ولكن المعنى الآخر؛ أي العنصر
الدلالي الآخر قائمٌ في معظم آيات القرآن التي تتضمَّن كلمة الهدى ومشتقَّاتها: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
(الأنعام: ٩٠)، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ
وَهَدَى (طه: ١٢٢)، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ
وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ (الزمر: ١٨)، رَبَّنَا
لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (آل عمران: ٨)، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا
(الأنعام: ٨٤)، وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ (الأنعام: ٨٤). وقد يصرِّح القرآن الكريم بأن الهداية هي
إلى الصراط المستقيم، أو إلى سواء السبيل، أو إلى النور، وقد يوجز فلا يفصح، واللفظ المناقض
للهداية دائمًا هو الضلال، والفعل يضل هو دائمًا mislead
الذي يقابل mis-guide بالإنجليزية؛ ولذلك فقد يحتج أنصار
ترجمة يهدي بكلمة guide وحدها بأنها تتضمَّن أو توحي أيضًا
بغايةٍ شريفة، وأن guidance وحدها تكفي لترجمة كلمة
الهداية، ولكن ذلك مردودٌ عليه بأن الكلمة الإنجليزية قد تعني الإرشاد لأي شيء، أو كما
يقول
الوسيط (في شرح الهدى) الدلالة إلى ما يوصل «إلى المطلوب». وقد تُستخدم في الإنجليزية
في
الإرشاد لغايةٍ غير حميدة كقول القائل:
(3) He was guided by the trail to the best spot from which he
could kill the man and steal his money.
(٣) استرشد بآثار أقدام الرجل إلى أفضل بقعة لقتله وسرقة ماله.
و«أرشد» كلمة قد تتضمَّن هي الأخرى معنًى شريفًا إذا جاءت في صورة اسم هو «الرشاد» أو
«الرشد»، ولكن الراشد هو العاقل، والرشد والرشاد يتضمَّنان عنصرًا عقلانيًّا يختلف عن
معنى
الهداية التي توحي دائمًا بنور القلب، والفعل «يدل» يتضمَّن العنصر الدلالي المشترك في
هذه
الكلمات جميعًا show/point out/indicate، وأمَّا مَن يحتَج
بأن الله يهدي للخير ويهدي للشر استنادًا إلى الآية الكريمة إِنَّا
هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان: ٣)، فهو
يتجاهل أن فعل الشكر أو الكفر لاحِقٌ على الهداية؛ فالله يهدي إلى السبيل، ثم يَعقب ذلك
الشكر أو الكفر؛ لأن الله لا يهدي الكافرين أبدًا، وأمَّا الإرشاد إلى الكفر فهو ضلال؛
أي
إن مَن يتبع خطوات الشيطان He who follows (in the footsteps of) the
devil فلن يهتدي أبدًا، والنص على هذا صريح: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (النساء: ٦٠)،
والاستثناء الأوحد من ذلك هو قول بعض المفسِّرين إن آية وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَينِ (البلد: ١٠) تعني أن الله يُبيِّن
shows للإنسان طريق الخير وطريق الشر؛ أي يهبه القدرة
على التمييز discrimination سواء أكان ذلك بالعقل أو بالقلب
أو بهما معًا، ممَّا يُفصح عنه سياق الآية أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ
عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (البلد: ١٠)، وما يتلو ذلك دعوة إلى
الهداية الحقة.
معنى الهداية إذن يتطلَّب عند تحليل عناصره إضافة إشارة إلى الغاية؛ ولذلك فقد يرى
المترجم أن يُضيف إليها كلمةً مثل سواء السبيل the right
path أو الصراط المستقيم the straight
path أو الصلاح righteousness أو
التقوى والورع piety أو
الإيمان faith؛ وهكذا تخرج لنا عدة احتمالات، ولنقل إن
تلك الاحتمالات سوف تُخرج لنا العبارات التالية، وهي ليست ترجمات مطلقة الصحة أو
نهائية.
أمَّا الاحتمال الخامس فهو يُغيِّر من الثوابت بحذف الرغبة الشديدة، وقد يَخرج لنا
في
الصورة الإنجليزية المألوفة لمعنى الاستمساك؛ أي عبارة to hold on fast to
…، ومن الطبيعي إزاء هذه الاختلافات ألَّا يتمكَّن المترجم من إدراجها
جميعًا في ترجمة معاني الآية الكريمة، وأن يختار منها ما يظنُّه أقرب إلى ما يقوله المولى
عزَّ وجل، وإن كانت الترجمات المطبوعة تميل في الغالب إلى حذف المتغيِّرات خوفًا من إضافة
شيء إلى نص القرآن الكريم، كأنما كان النص محدودًا بعدد الألفاظ لا قائمًا في معانيها.
والنتيجة أن الترجمات المطبوعة للكلمة تفتقر إلى بعض عناصرها أو تغيِّر من معنى الثوابت،
بل
وتخرج عن الإنجليزية الاصطلاحية أحيانًا. وفيما يلي نماذجُ محدودة منها:
المتغيِّرات «معاني «عليكم»» |
الثوابت «حريص» |
+ to guide you to the right
path
|
The Prophet is
eager/anxious
|
+ to guide you to righteousness
|
|
+ and to ensure your
welfare
|
|
+ to guide you to (true) faith
|
|
+ and to secure your welfare
|
|
+ in this world and the
next
|
|
+ to maintain + his bond with you
|
|
(يوسف علي) |
ardently desirous is he over you
|
(آربري) |
anxious is he over you
|
(رودويل) |
He is careful over you
|
(داود) |
[he] cares for you
|
(بيكتول) |
full of concern for you
|
(غالي) |
most eager is he for your (welfare)
|
أمَّا الترجمة الأولى فلا معنى لها؛ إذ يستعيض يوسف علي
عن عناصر المعنى الكامنة في الكلمة بإيجاد حرف لا يتمشَّى اصطلاحيًّا مع معاني الصفة
التي
يوردها، ومن ثم لا يؤدِّي أي معنًى محدَّد بالإنجليزية، وإذا شئنا ترجمة ترجمته إلى العربية
لخرجت في قالبٍ غريب لا يقبله العقل:
«لديه رغبةٌ مشبوبة إزاءكم»
وأمَّا آربري فيلجأ إلى الحيلة نفسها وإن كان المعنى الذي يأتي به مختلفًا؛
فترجمته تعني «يساوره القلق عليكم»؛ لأن تغيير الحرف من to
إلى over يُغيِّر معنى
anxious مثلما يؤدِّي تغيير الحرف المستخدم مع
concerned من with إلى
about إلى تغيير المعنى من الاهتمام إلى القلق، ولو أن
المعاجم الإنجليزية لا تدرج الحرف over بين الحروف
الاصطلاحية التي تُستعمل مع هذه الكلمات، ولم أعثر إلا على أمثلةٍ نادرة في معجم أكسفورد
الكبير؛ ويُفيد كلٌّ منها معنى القلق، كما وجدت بعض الأمثلة للاستخدام الذي ربما كان
المترجم يقصده وهو «بشأنكم» أو «إزاءكم»، وسواء أكان «القلق» «بشأنكم» أم «عليكم» أو
«إزاءكم» فليس القلق هو الحرص.
ويَستخدم رودويل الحرف نفسه وإن غيَّر الكلمة فأتى بالصفة من
care، فخرجت ترجمته عجيبةً ومعناها الحرفي «إنه يتوخَّى
العناية/الحرص بشأنكم». ولو قبلنا أن تَوَخِّي الحرص تعني يحرص فليس الحرف مناسبًا للمعنى؛
إذ إن الصفة العربية (حريص) لا يكتمل معناها إلا بحرف الجر «على»؛ ولذلك يبتعد معنى رودويل
كل الابتعاد عن المعنى الذي اتفق عليه المفسِّرون.
وأمَّا الترجمات الثلاث الأخيرة فهي تقترب من المعنى دون استكماله؛ فداود يقول ما
معناه
«إنه مهتم بكم»، والمعنى الحديث للتعبير هو «يحب». ويقترب بيكتول كثيرًا من المعنى، وإن
كانت كلمة concern لا تزال تحمل في ثناياها عناصر القلق.
وأمَّا الدكتور محمد محمود غالي فهو أول مترجم يورد عنصرًا دلاليًّا آخر إلى جانب شدة
الرغبة، وإن كان يختار «النفع والفائدة» فقط دون الهداية، إلا إذا فهمنا الهداية على
أنها
أكبر نفع وفائدة للمسلم. وكأنما أحسَّ غالي بأنه يُضيف شيئًا فوضع كلمة
welfare بين قوسَين؛ توَقِّيًا من أن يُرمى بالتأويل،
ولقد ألهمه الله كلمةً من أصعب كلمات الإنجليزية في الترجمة (وسنعرض لها فيما بعد)؛ حتى
تكون المظلة الدلالية أو the umbrella term التي تضم عناصر
الخير والهناء، بل والهداية كما ألمحت.
وقبل أن نناقش كلمة care ينبغي أن نشير إلى أن الفعل يحرص
من الأفعال التي تكسر القاعدة النحوية القديمة من أن الفعل هو حدثٌ في زمن؛ فالعربية
لا
تختلف عن الإنجليزية في أن لديها أفعالًا بمعنى الصفات؛ أي إنها لا توازي مطلقًا تركيبة
الحدث × الزمن. وقد أفاض المُحدَثون من علماء اللغة في تحليل الزمن
tense عن طريق تقسيماته إلى مظاهره أو جوانبه الدلالية
aspects، فخرجنا — كما يقول جون إليس
Ellis في كتابه عن اللغة والفكر والمنطق — بأن هناك
أسماءً تعني أفعالًا مثل «العاصفة» التي لا تشير إلى شيءٍ ملموس، بل إلى حدثٍ في الطبيعة،
وهناك أفعالٌ لا تتضمَّن أحداثًا، مثل الفعل «يجهل» فأنت تقول بالإنجليزية
He is ignorant of ولا فعل للصفة من لفظها، وتقول
«يسألني وهو يعلم الجواب»، والفعل يعلم يوازي «عالم بالجواب»:
(4) He put the question to me
(a) though he knew the answer
(b) though he had knowledge of …
ولذلك فإن معظم المترجمين هنا استخدموا الصفة مع فعلٍ ناقص في ترجمة الحرص، وهم يُدركون
أن الآية وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ
حَرَصْتُمْ (النساء: ١٢٩) مثلًا تعني ولو كنتم حريصين، وإن الآية إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ (النحل: ٣٧) تعني إن تكن حريصًا على
هداهم؛ ولذلك لم يتردَّد داود في استعمال الفعل cares بدلًا
من الصفة حريص لأن المعنى واحد.
أمَّا care فتعني — تعريفًا — ما يلي:
أولًا: الهم والكدر أو ما يسبِّب ذلك.
a troubled or burdened state of mind, worry, concern, or the
cause of such a state.
وأقرب مثال عليه هو قول شيكسبير [care keeps watch in the eyes of the
old]؛ أي «يسهر الهم في عيون الكبار»، أو قولك بالإنجليزية المعاصرة
[He is worn with cares]؛ أي «برته الهموم»، ومنها
المصطلحان الشائعان care-worn
وcare-laden؛ أي المثقل بالهموم، وعكسها
care-free؛ أي خالي البال! ويلاحظ أن الكلمة تُستخدم في
الجمع كثيرًا لتعني الهموم، ومن هذا المعنى تأتي التعبيرات الشائعة I don’t
care والتنويعات عليها ومنها who care?
«طظ» «ولا يهمك!» وأمَّا التنويعات العامية عليه فلا «تهمنا» هنا!
ثانيًا: الاهتمام الشديد أو الانتباه اليقظ أو
العناية.
Serious attention or careful heed or
watchfulness.
وأقرب أمثلته هو التعبير drive with care؛ أي انتبه وأنت
تقود السيارة، أو [take care over …]؛ أي ابذل اهتمامًا أو
عنايةً بعملك مثلًا، والمعنى هنا ينصرف أساسًا إلى التيقُّظ وتَوَخي الاحتراز في الأداء،
كقولك: «إنه من الزجاج فاحترس» It’s glass! handle with
care.
ثالثًا: الرعاية والإشراف وتحمُّل المسئولية أو
الوصاية.
charge, responsibility, custody, protection,
etc.
والمثال عليه هو ترك طفل في رعاية أخته in his sister’s
care، أو ترك مسئولية الإشراف على شيءٍ لشخصٍ ما leave
it in your care، ومنها child care؛ أي
رعاية الأطفال، والوصاية على القُصَّر وما إلى ذلك مثل [The child was taken
into care]؛ أي أعطي للوصيِّ عليه.
رابعًا: الاهتمام بمعنى الحب والرغبة، وغالبًا ما يقتصر
الاستعمال على الفعل دون الاسم [Do you care for modern
music?]، بمعنى هل تحب الموسيقى الحديثة، وقد يعني الفعل هل تحب أن
تحصل على [Would you care for a cup of tea?]، ومنه
التعبيرات الشائعة I care for you؛ أي إنني أحبك (مشغولٌ
بك).
هذه هي المعاني الرئيسية الأربعة، والمعاجم الإنجليزية تُرتِّبها بنظمٍ مختلفة —
خصوصًا
المعاجم الأمريكية — وإذا كان معنى الحرص واردٌ في كلٍّ منها فهو يختلف عن معنى الحرص
بمعنى
«شدة الرغبة + في تحقيق الخير»، وهما العنصران اللذان سبق تحديدهما في تفسير الآية الكريمة،
وإن كانت السياقات الاخرى أي الآيات الأخرى التي يرد فيها الفعل «ولو حرصتم» يمكن أن
توازي
الفعل الإنجليزي [even though you be careful].
واختلاف المعنى باختلاف السياق إذن هو بيت القصيد هنا، وهو ما يجعلنا نخصِّص كل هذه
الصفات لمعاني حرص ويحرص؛ فالمترجم الذي يعرض لترجمة عبارة باللغة العربية المعاصرة
(القياسية) Modern Standard Arabic M. S. A تقول إن مصر
مثلًا حريصة على علاقتها مع أوربا لن يقنع بكلمة care أو
مشتقاتها؛ فالحرص هنا لا يستتبع أي معنًى من المعاني الرئيسية الأربعة السابقة، ولكنه
يقتضي
تحليل الكلمة وإضافة العناصر المضمرة في المعنى، غير عابئ بما يضيفه من ألفاظ.
(5) Egypt is eager/anxious to maintain her relationship with
Europe.
أمَّا إذا كان التعبير هو: إنني حريصٌ على صداقة فلان؛
فقد يكون المعنى إمَّا الحرص على إنشاء صداقة أو الحفاظ عليها إن كانت قائمة:
make/be friends with …
(6) I am eager/anxious to be friendly
with
(7) I am eager/anxious to maintain/preserve his
friendship.
وتكفي هذه الأمثلة للانتقال إلى الباب التالي.