الباب الثالث والعشرون:
underprivileged
(disadvantaged)
هما كلمتان، ولكن معناهما واحد، وهما ينتميان إلى الكناية التي أتى بها مذهب اللباقة
أو
الكياسة الاجتماعية political correctness ومعناها (على نحو
ما سبق أن ألمحنا إلى ذلك) هو أن تتجنَّب ذكر المعايب مباشرة، وأن تستعيض عنها بما تُكنى
بها عنها، مثل إشارتك إلى الأطفال المعوَّقين handicapped
بأنهم من ذوي الحاجات الخاصة with special needs، أو إشارتك
إلى الأبله أو الأهبل بأنه مختلف idiot as different (وفكرة
الهبل أي الفقدان تشير هنا إلى فقدان العقل)، وإلى الشيوخ الواهنين بأنهم كبار أو قدامى
المواطنين senior citizens، وإلى الزنوج
Negroes، والسود blacks
في أمريكا بأنهم أفريقيون أمريكيون (أفرو أمريكيون
Afro-Americans). وهذا اللون من الكناية ليس جديدًا على
اللغة الإنجليزية؛ فالإنجليز يُطلقون صفة الغزَّالة
spinster على العانس ولا يقولون old
maid إلا فيما ندر، وهم نادرًا ما يُشيرون إلى السِّمنة باسمها
(obesity)، ولا يقولون إن امرأةً سمينة، بل إن قوامها
ممتلئ fuller figure (حرفيًّا أكثر امتلاءً من غيرها!).
والواضح أن هذه الكنايات تستهدف إخفاء العيوب التي لا يَدَ للفرد في إحداثها، وقد شاع
استخدام الكنايات حتى أصبحت تكاد تُنافس الكنايات المستخدمة للتعبير عمَّا يعتبره المجتمع
من الكلمات المحظورة (tabu) taboo words؛ فيتبوَّل ليست
urinate إلا عند الأطباء، وحلَّ محلَّها تعبير
to pass water، ثم حلَّ في الاستخدام الاجتماعي
المهذَّب كلمة عامية هي go to the loo أو
the lavatory بالفصحى الشائعة؛ أي مكان الاغتسال، أو
the ladies (أي المكان المخصَّص للسيدات). كما يُكنى عن
المرحاض بغرفة (خلع) العباءة cloak room أو
convenience(s)؛ أي مرافق الراحة (وبالأمريكية
restroom الذي يقابل العامية المصرية بيت الراحة!)
وتقول السيدة التي تريده إنها تودُّ وضع البودرة على أنفها to powder my
nose، والأنف هنا كناية عن الوجه، فيكون المعنى أُريد استعمال مساحيق
التجميل، وكلنا يعرف أن «التسريحة» أي المنضدة ذات المرآة التي تتجمَّل أمامها المرأة
اسمها
toilet وقرينتها
toilette تعني لبس الزينة، وكلٌّ منهما يُستخدم للإشارة
إلى المرحاض!
ولكن كلمات اللباقة ليست بديلًا عن كلماتٍ محظورة اجتماعيًّا، بل هي ثمرة ما يزعمه
الغربيون من تراحمٍ ومن إشفاقٍ على مصائب الآخرين؛ ولذلك يُفضِّل الكُتَّاب أن يُشيروا
إلى
الفئات الفقيرة التي تعيش على هامش المجتمع (على نحو ما سبق إيضاحه)، لا بالفئات الهامشية
marginal، بل بالفئات المهمَّشة
marginalized؛ أي التي أدَّى النظام الاجتماعي إلى
وضعها في الهامش، بحيث يكون اسم المفعول دليلًا على أن ثَمَّ فاعلًا لذلك، وهو ما يعني
توافر الفرصة لتصحيح الأوضاع ما دمنا أقررنا بوجود فاعل نعرفه، لا بأن هذه الحال قدرية
لا
مفر منها ولا سبيل لتداركها.
(١–٢٣) وهكذا نجد أن الكلمتَين اللتَين نناقشهما هنا من أسماء المفعول التي تُستخدم
صفات،
وأمَّا تعريف المعجم الأمريكي الحديث (١٩٩٤م) للأولى فهو:
disadvantaged: deprived of a decent standard of living,
education … etc. by poverty and a lack of
opportunity–underprivileged.
المحرومون من «التمتُّع» بمستوًى معيشي لائق، أو مستوًى تعليمي لائق … إلخ بسبب الفقر
وعدم توافر الفرص، من يتمتَّعون بمزايا أقل من غيرهم.
فالكلمة الأساسية هنا هي الحرمان، ولكن الصيغة الصرفية تجعل كلمة
by التي تتلوها كلمات تمثِّل الفاعل في الحقيقة، ذات
أهمية لا تقل عن أهمية الكلمة الأساسية؛ فالفقر وانعدام الفرص عاملان داخلان في صلب المعنى،
وهما المسئولان عن الحرمان. ولكن ما شأن المعنى الاشتقاقي للكلمة؟ إنه يعني حرفيًّا
«المحرومون من المزايا» وحسب.
والمعنى إذن ينصب على تصوُّر أن المجتمع يمنح بعض المزايا لأشخاصٍ أو لفئاتٍ ويحرم
غيرهم
أو غيرها من هذه المزايا، وهو معنًى فيه تكلُّفٌ كثير، وفيه إرهاقٌ للذهن! هل نكتفي بلفظ
الحرمان؟
(٢–٢٣) أمَّا الكلمة الثانية فيُعرِّفها المعجم الأمريكي نفسه (فالكلمة الأولى غير
واردة
في المعاجم البريطانية) على النحو التالي:
underprivileged: deprived of fundamental social rights and
security through poverty, discrimination … etc.
أي: محرومٌ من الحقوق الاجتماعية الأساسية والضمان الاجتماعي الأساسي بسبب الفقر أو
التمييز وما إلى ذلك بسبيل.
وهكذا نجد أن المعنى الحرفي (مَن يتمتَّعون بمزايا أقل) لا يتفق مع المعنى الاصطلاحي؛
لأن
المعنى الحرفي يستند إلى اللباقة الاجتماعية؛ فهو ينسب إلى المحرومين صفة التمتُّع ببعض
المزايا، مهما قلنا إنها قليلة، والواقع أن المعنى الحرفي يتناقض تناقُضًا صارخًا مع
شرح
المعجم الإنجليزي (الأمريكي)، وأمَّا المعجم البريطاني فيورد الشرح التالي:
underprivileged: not having had the educational and social
advantages enjoyed by more fortunate people, social classes, nations …
etc.
أي: كل من لم يتمتَّع بالمزايا التعليمية والاجتماعية التي أُتيحت لغيره من الذين
أسعدهم
الحظ، من الأفراد أو الطبقات الاجتماعية أو الدول أو غير ذلك.
وهذا لا شك تعريفٌ يتفق مع المعنى الأصلي للكلمة، ونطاقه أوسع من نطاق التعريف الأمريكي
الذي يتجلَّى فيه انشغال واضعي المعجم بقضية «التمييز» مثلًا، وقضية الضمان الاجتماعي
social security، وهو التعبير الذي يقتضي وقفةً
قصيرة.
(١–٢–٢٣) من المعاني الأصيلة لكلمة secure (الصفة) معنى
الحصين أو المأمون، ومنها جاء معنى الأمن الشائع، ونحن نقول إن السجن ذا الحراسة المشدِّدة
هو maximum security prison، وإن العامل قد ضمن لنفسه دخلًا
كافيًا:
He has secured an adequate income for
himself.
ومعنى الأمن مستقًى من المعنى الأصلي وهو «التحرُّر من الخوف أو القلق أو الهم أو
الشك أو
الكدر»، فأن يكون الإنسان بريئًا من ذلك كله معناه أنه قد أصبح حصينًا آمنًا، ومن هذا
الضمان جاءت فكرة الضمان الجماعي أو الاجتماعي؛ أي أن يتعاون أفراد المجتمع على تأمين
الفرد
ضد هذه الأشياء، ومن ثم فهو يصبح آمنًا في المجتمع، وترجمة التعبير الإنجليزي على هذا
النحو
ترجمة بالغة التوفيق، وكلمة insecure إذا اقترنت بالصفة
social أصبحت تعني أن الشخص معرَّضٌ لهذه الهزات إمَّا
بسبب الحرمان (المادي) أو بسبب عوامل نفسية أخرى. وقد نترجمها بالقلق أو ما يجري مجراه
من
الأسماء، وإن كان العُرف قد جرى على ترجمتها بعدم الأمان (انظر واحات الغربة للمؤلِّف)،
وأفراد المجتمع يُساهمون بجانبٍ من دخولهم المادية في تأمين أنفسهم وتأمين الآخرين على
شكل
أقساطٍ شهرية أو أسبوعية تُسمَّى «أقساط أو مدفوعات التأمين الاجتماعي
social insurance، وهي تذهب إلى صناديق خاصة
funds؛ أي حسابات في البنوك، بحيث تُصبح رءوسَ أموال
تُستثمر ويُنفق من عائداتها على علاج المرضى ودفع معونةٍ للعاطلين وما إلى ذلك.
(٢–٢–٢٣) وأمَّا التمييز discrimination فهو التفرقة في
المعاملة بين الأفراد أو الفئات استنادًا إلى أسبابٍ لا تقبلها المُثل العليا للإنسان
(مثل
التفرقة على أساس الجنس sex، أو الأصل العرقي
ethnic origin، أو اللغة
language، أو اللون
colour، أو الدين
religion)، وقد يصل التمييز إلى حد الفصل بين بعض
الفئات الاجتماعية segregation، إمَّا على أساسٍ عنصري
racial، أو على أي أساسٍ آخر، على نحو ما كان نظام
الفصل العنصري apartheid يمارسه في جنوب أفريقيا. وأمَّا
المعاني الأخرى للتمييز فهي واردة في كتاب المصطلحات الأدبية الحديثة للمؤلِّف.
(٣–٢–٢٣) ويتضمَّن التعريف البريطاني كلمة nation التي
جرى العُرف على ترجمتها بالأمم، وأُترجمها هنا بالدول؛ وسبب ذلك أننا أحيانًا ما نستخدم
أمةً بمعنًى غامض تتداخل فيه المعاني القديمة أو التراثية مع المعاني الحديثة؛ فقد تعني
الأمة في التراث من يدينون بدينٍ واحد: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: ١١٠)، أو يتكلَّمون لغةً واحدة (الأمة
العربية)، أو يُمثِّلون قُطرًا واحدًا أو دولةً واحدة، مثل مُنظَّمة أمم جنوب شرقي آسيا
Association of South-East Asian Nations التي نُشير
إليها بالمختصر آسيان ASEAN فهي تضم دولًا، بل ومثل الأمم
المتحدة نفسها وهي منظَّمة للدول لا للأمم! (لاحظ ترجمة كلمة
association بمنظمة، وارجع إلى الباب الخاص بها)، وهكذا
فإن على المترجم أن يتحاشى مزج القديم بالحديث وإلا اختلط المعنى؛ فالمقصود قطعًا هو
الدول
التي قد لا تتمتَّع بما يتمتَّع به غيرها من مزايا بسبب الاستعمار وما إلى ذلك.
(٣–٢٣) فإذا حاولنا ترجمة كلٍّ من الكلمتَين لم نجد كلمةً عربية واحدة تجمع جميع عناصر
المعنى المنصوص عليه في المعاجم، وقد يُفضِّل المترجم تعبير «الحرمان» على إطلاقه، أو
يحاول
شرح كل كلمةٍ بما يراه ملائمًا للسياق، والأمثلة كفيلة بتوضيح ذلك.
(1) Many disadvantaged people have been left behind in the
current governmental programmes for the rehabilitation of war victims: an
often-cited reason is the lack of funds needed to provide the artificial links
required.
(١) لا يستفيد كثيرون من المعوَّقين من البرامج التي تنهض بها الحكومة حاليًّا لتأهيل
ضحايا الحرب، ومن الأسباب التي تتردَّد كثيرًا (لتبرير ذلك) عدم توافر الأموال اللازمة
لشراء الأطراف الصناعية التي يحتاجون إليها.
(2) Some of the underprivileged seem doomed to their lowly
station because of their ignorance of their fundamental rights: a sensitization
campaign is therefore a necessity.
(٢) يبدو أن بعض المحرومين من حقوقهم الأساسية قد كُتب عليهم أن يعانوا من الحرمان
بسبب
جهلهم بهذه الحقوق، ولا بد لعلاج ذلك إذن من القيام بحملة لتوعيتهم.
والتوعية sensitization من الكلمات المستحدَثة في لغة
الأخبار والصحف، والتونسيون يترجمونها بكلمة «تحسيس»، ولها معنًى مختلف لدينا في مصر،
وهي
لم تُصبح بعدُ شائعةً إلى الحد الذي يدعونا لمناقشتها.
(3) The claim that a disadvantaged person is entitled to all
civil rights, including the vote, is still a burning issue.
(٣) لا يزال الزعم القائل بأن لكل شخصٍ جار عليه الزمان أن يمارس جميع الحقوق المدنية،
ومنها حق التصويت، يُمثِّل قضيةً ساخنة.
(4) To regard the chronically ill as irreparably
underprivileged is to deny a seminal human and social ideal –
solidarity.
(٤) إن اعتبار من يعانون من الأمراض المزمنة فئةً لا يمكن رفع البؤس عنها، معناه التنكُّر
لأحد المُثل العليا الإنسانية، بل والاجتماعية؛ ألَا وهو التضامن.
(5) Drop-outs have always been disadvantages: employers are
unwilling to accept that their poor academic attainment may be due to social factors
rather than to mental retardation.
(٥) يتعرَّض المنقطعون عن التعليم دائمًا إلى الحرمان من فرص العمل؛ إذ لا يعترف أصحاب
العمل بأن ضَعف مستواهم العلمي قد يرجع إلى عواملَ اجتماعية لا إلى التخلُّف العقلي.
والمصطلح المعتاد لكلمة attainment هو مستوى التحصيل؛ أي
مستوى التعليم، ويفرِّق المتخصِّصون في التربية بين هذا المصطلح والكلمة الأخرى المستخدمة
في ترجمة التحصيل وهي performance، ولكن ذلك لا يهمُّنا
هنا. ولاحظ تغيير التعبير «يعزفون عن قَبول» إلى «لا يعترف»، وأعتقد أن هذه الامثلة تكفي
لبيان إمكانيات «التصرُّف» بحيث يقتصر المترجم على المعنى الموحى به في السياق دون غيره
من
المعاني التي ينصُّ عليها التعريف الإنجليزي، بريطانيًّا كان أم أمريكيًّا!