الملحق الأول: كلماتٌ متخصِّصة شاع استعمالها
لا يكاد القارئ يرى كلمة global ومشتقاتها اليوم حتى ترد
إلى ذهنه المعاني الجديدة المرتبطة بما يُسمَّى بالعولمة
globalization/globalism (وسوف نناقشها بالتفصيل)، أو
بما يُسمِّيه الدكتور أحمد شوقي بالكوكبية نسبةً إلى كوكب الأرض planet
earth، وقد أدَّى ذلك إلى طمس المعنى الراسخ في الاقتصاد للصفة
global؛ أي الشامل أو الكامل، ولاسم المفعول المستخدم
صفة globalized، وهو المعنى الأصلي في المصطلح الشهير
globalized system of preferences؛ أي نظام الأفضليات
المُعمم، ومعناه عدم استثناء سلعة من سلع إحدى الدول من التمتُّع بالأفضلية التي تتمتَّع
بها سلعها الأخرى في التجارة مع دولةٍ مُعيَّنة؛ أي إن التعميم هنا ينطبق على أشياءَ
لا على
دول، ويُعرِّفه المعجم على النحو التالي:
(1) complete or comprehensive.
(2) embracing the whole of a group of items,
etc.
ومعنى العالمية مستقًى من globe التي تعني الكرة (من
اللاتينية globus بالمعنى نفسه)، والكلمة تُطلق على الكرة
الأرضية أو على نموذج الكرة الأرضية المعروف، كما عرَّبها المصريون بكلمة «كلوب»، ويعنون
بها المصباح الذي يتخذ شكلًا كرويًّا، ومن هنا جاء معنى العالمية، ومنه جاء معنى الاكتمال
أو الشمول؛ ولذلك فنحن نلتمس للمترجم العذر إن اختلطت الدلالة الأصلية بالدلالة الاصطلاحية.
وكان من بين الدلالات الاصطلاحية الأولى الدلالة القائمة في علم المالية
finance، ويُحدِّدها معجم المالية بأنها قدرة المستثمر
في إحدى أسوق الأوراق المالية stock market على شراء أسهم
shares أو سندات bonds
في سوقٍ مالية أجنبية مباشرة؛ أي دون وُسطاء intermediaries
أو سماسرة brokers نتيجة التقدُّم التكنولوجي، وخصوصًا
استعمال الكمبيوتر (الحاسب الآلي/الحاسوب). وهي بهذا المعنى توازي دلالة كلمةٍ أخرى مُهمَّة
هي disintermediation؛ أي التعامل دون وُسطاء، وهو من ثمار
إلغاء الضوابط التي كانت الحكومات تفرضها على هذه المعاملات فيما يُسمَّى بتحرير التعامل
(في البورصة) deregulation.
أمَّا المعنى الجديد الذي يُترجم بالعولمة فقد بدأ إدراجه في المعاجم بعد عام ١٩٩٤م،
وعلى
استحياء، بسبب غموض دلالته؛ إذ يقول ملحق معجم أكسفورد الكبير ١٩٩٩م إن
globalization تعني تدعيم الروابط التجارية عن طريق
إزالة الحواجز الجمركية وغيرها tariff and non-tariff
barriers، نتيجة عقد اتفاقية الجات ١٩٩٤م وإنشاء منظَّمة التجارة
العالمية (WTO)، ممَّا يستتبع معاملة جميع الدول باعتبارها
دولًا أَولى بالرعاية most-favoured-nation (MFN)، ومعاملة
الأجانب نفس المعاملة التي يلقاها أبناء البلد. وهكذا فالكلمة تعني الترابط التجاري العالمي
(في هذا السياق)، ولكننا أضفينا عليها في العربية معاني لم تخطر ببال واضعيها فجعلناها
تعني
«الترابط العالمي» على إطلاقه، استنادًا إلى الكلمة الأمريكية الخاصة، التي لم تجد بعدُ
طريقها إلى المعاجم البريطانية، وهي globalism؛ حيث تُفيد
اللاحقة -ism معنى المذهب، ومعجم وبستر لعام ١٩٩٧م
يُعرِّفها بأنها:
a policy or outlook … etc, that is worldwide in
scope.
أي السياسة أو النظرة ذات النطاق العالمي.
وكان من نتيجة خلط الكلمتَين بمعنَيهما المتميزَين أن نشأت لدينا كلمة «العولمة»،
التي
تعني للكثيرين توحيد العالم أو «التوحُّد»، وهو قياسٌ فاسد؛ فالواو أصلية في «واحد» (أحد
–
وحد)، وزائدة في عولم؛ فالاشتقاق من علم يجعل الصيغة الصرفية هي «فوعل»، وهي غير موجودة
في
العربية، ولكن الاشتقاق هنا هو من عالم، والقياس هو على «قالب»، الكلمة التي اشتُقَّت
منها
«قولب، يقولب»، ومن ثم فقد قَبِلتها الأذن العربية وشاعت الكلمة وإن كان المعنى لا يزال
غامضًا. فإن كانت العولمة صيغةً تُحاكي «الفوعلة» (على غرار القولبة)، كان معناها تحويل
الشيء إلى عالم، وهذا غير مقصود قطعًا؛ لأنك إذا صرَّفت الكلمة قلت يُعَولم يتعَوْلم،
وهي
كلمات مشكوكٌ في دلالتها، فإذا قلت إن الاتفاقية تعولم التجارة؛ أي تجعلها عالمية، لم
تُضِف
شيئًا إلى ما هو قائم فعلًا؛ فتجارة العالم عالمية — تعريفًا — ولا معنى لأن تتعولم بسبب
الاتفاقية، أمَّا إذا قلت إن الاتفاقية تهدف إلى عولمة تجارة المبيدات الحشرية
insecticides كنت تعني أن التجارة في هذه المبيدات ليست
عالمية، بل مقصورة على مناطق بعينها دون سواها، وإذا قلت إن الكمبيوتر قد تعولم؛ أي أصبح
شائعًا وذائعًا في كل مكانٍ بالعالم، فما أيسر أن تقول بدلًا من ذلك إن استعمال الكمبيوتر
أصبح عالميًّا، ولكن ذلك كلَّه ليس من المعاني المضمرة في الكلمة الجديدة.
أمَّا المعنى الأساسي لدى قُرَّاء العربية فهو أن العالم قد اشتدَّ ترابطه بسبب ثورة
الاتصالات والمعلومات communication and information
revolution، فأصبح الناس في كل مكانٍ يُدركون ما يحدث في العالم، وقد
نقول إنهم أصبحوا يتفاعلون معه إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ أي positively or
negatively؛ أي بالقَبول أو بالرفض. وقد يرى القارئ العربي في تعبير
العولمة معنًى آخر، وهو بروز ثقافة عالمية world culture
تفرضها إحدى الدول القوية على سائر دول العالم، مثلما تفرض الولايات المتحدة ضروبًا من
ثقافتها على الدول الصغيرة التي تدور في فلكها the U. S.
satellites، وأمَّا المعنى الآخر والأهم فهو وجود مظاهر عالمية
universal aspects لحياة الإنسان المعاصر؛ أي مظاهر لا
تقتصر على بلدٍ دون بلد، مثل التعصُّب والتزمُّت وضيق الأفق رغم كل ما يُقال عن عكس ذلك،
والانحلال الخلقي السافر أو المستتر، وانتشار العنف
violence الذي قد يتخذ صورة الإرهاب
terrorism أو صورة البطش بالخصوم؛ أي
cracking down on opponents أو القمع والكبت
suppression repression، وإن كانت لذلك كله صورٌ
متفاوتة، فقد ينفلت عيار شخص ما he may go berserk في
أمريكا فينطلق في سَورة حنق طائشة he may go on the rampage
فيطلق الرصاص على الأبرياء to shoot the innocent، وقد يجيش
غضب جماعة فتقتل وتجرح من تراهم أعداءً لها to kill and woung their
perceived enemies على نحو ما حدث في أرمينيا يوم ٢٦ أكتوبر ١٩٩٩م. وقد
يختطف الغاضب طائرة he may hijack a plane أو يحتجز الرهائن
he may hold hostages، إلى آخر ذلك ممَّا أصبح لا يقتصر
على بلدٍ دون بلد، ولا على ثقافةٍ دون ثقافة.
ويرى دعاة العالمية — وهي كلمة أقرب للفهم من العولمة — أن الإنسان قد تغيَّر نتيجة
الثورة الصناعية والتقدُّم المادي وغلبة نظام الحياة المدنية؛ أي نظام الحياة في المدن
بدلًا من الريف urban systems (as opposed to rural)،
فأصبحت العلاقات بينه وبين أفراد المجتمع واهية، وبات يُعاني من العُزلة
isolation، خصوصًا بعد أن حلَّت وسائل الاتصال
الجماهيرية محل التواصل الشخصي mass communication media as opposed to
personal contact، ممَّا جرَّ عليه ألوانًا من الضيق والبرم إذا كبتها
أدَّت إلى الاكتئاب depression، وإذا أفصح عنها أدَّت إلى
النزق والطيش aberration, deviation, recklessness، فإذا
كانت هذه ظواهرُ عالمية universal phenomena فقد ننتهي من
ذلك إلى أن ثمة عوامل مشتركة تؤدِّي إليها، وقد يكون مرجعها آخر الأمر in
the final analysis هو الحياة المادية التي تغيَّرت تغيُّرًا هائلًا في
ربع القرن المنصرم.
وأمَّا مناهضي العالمية anti-globalists فهم يرَون أن ذلك
كله مقصورٌ على ثقافة الغرب المادية، ولا يمكن تعميمه بمعنى تصوُّر انتشاره إلى الحد
الذي
يُبرِّر افتراض وجوده في كل مكان، وهكذا نرى أن كلمة global
لا تزال تحمل في طَيَّاتها معنى الشمول، والكلمة أو الصفة
universal لا تُشير إلى الكون كله، باعتبار أنها مشتقةٌ
من كلمة universe (الاسم)، بل تشير إلى العالم الأرضي فقط،
ومع ذلك فقد شهدنا من ترجم globalism بالكونية، ومن دافع عن
هذا المفهوم باستماتة desperately، مع أن هذه الكلمة وتلك
تشيران إلى العالم the world؛ أي إلى الدنيا، وهو معنًى
يجتمع فيه مفهوم حياة الإنسان ابن الفناء في هذا الزمن مع مفهوم الأرض نفسها؛ ولذلك فنحن
إذا شئنا المعنى الأول استخدمنا صيغة الصفة worldly
(وأحيانًا ما يكون «الدنيوي» مقابلًا للمادي أو للدنس
profane)، وإذا أردنا المعنى الثاني استخدمنا الاسم صفة
world trade؛ أي تجارة العالم/تجارة الأرض كلها،
وworld resources = موارد العالم/موارد الأرض، وقِس على
ذلك ثروات العالم أو ثروات الأرض، ومستقبل العالم أو مستقبل الأرض! ونحن نستخدم النسبة
«عالمي» و«عالمية» بدلًا من الإضافة، دون إيحاءٍ بالترابط والتجميع، على عكس كلمة
universal، وينبغي أن نذكر أن كلمة الجامعة
university تحمل هذا المعنى بوضوحٍ وجلاء.
(1) Most to be feared in the call for globalism is hegemony:
for who should determine the norms to prevail? Who, unless they are possessed of
adequate power, could make it prevail?
(١) إن أخشى ما نخشاه في الدعوة إلى وحدة العالم هو الهيمنة، إذ من ذا الذي سيحدِّد
لنا
المعايير التي ستسود؟ أو قل من ذا الذي يملك أن يحقِّق لها السيادة ما لم يتمتَّع بالسلطة
اللازمة لفرضها؟
وتعبير «وحدة العالم» هو المقصود هنا لا العولمة، وهو ممَّا يؤكِّده المثال
التالي:
(2) To call for globalization is to advocate uniformity, but
uniformity has never been an ideal; amazingly the globalization proponents have only
made us conscious of the need to maintain diversity.
(٢) إن دعوة العالمية معناها الدعوة إلى النمطية، وهي لم تكن من مُثلنا العليا في
يومٍ من
الأيام، والعجيب أن دعاة العالمية قد جعلونا نُدرك أهمية عكس ذلك، ألَا وهو الحفاظ على
التنوُّع.
ولنا أن نقف وقفةً قصيرة عند كلمة «النمطية» هنا، وقد سبقت لنا مناقشة الكلمة في
باب
typical، ولكنها هنا تعني توحيد كل شيء بحيث تسود نفس
الأنماط في حياة الإنسان، وكلمة uniform تعني موحَّد؛ ولذلك
تُستخدم في وصف الزي الرسمي (لأنه موحِّد) لطائفةٍ من أرباب العمل الواحد، وهي تختلف
عن
المعايير العرفية أو الشخصية أو الاجتماعية norms، أو
المعايير القياسية standards، أو المقاييس المعيارية
parameters، في أن طابع التوحيد الراسخ فيها لا يسمح
بالاختلاف، وأنها لا تشير إلى قيمٍ أو أرقام، بل إلى أشياءَ كما يتضح من الأمثلة
التالية:
(3) By examining the current social norms, the scholar hoped
to establish parameters for identifying individual variations based solely on
psychological traits, primarily conceived in genetic terms: uniformity was
precluded.
(٣) كان الباحث يرجو من فحص الأعراف السائدة في المجتمع أن يتوصَّل إلى مقاييسَ معيارية
لتحديد وجوه الخروج عنها بين الأفراد، على أساسٍ أوحد وهو الصفات النفسية، والتي كان
يحدِّدها أساسًا على ضوء الصفات الوراثية، ولم يكن من ثم أي مجال للنمطية.
إن norms التي تُرجمت بما يوازي
conventions هنا لا تزيد عن كونها طرائق التفكير
والإحساس والسلوك المتعارف عليها في مجتمعٍ ما، ومن ثم فهي معايير اجتماعية للأعراف،
أو هي
ما تعارف عليه المجتمع من معايير؛ ولذلك فليس من الشطط مساواتها بالأعراف، وأمَّا المقاييس
المعيارية فهي القيم الحسابية أو غيرها التي يقاس بها مدى الالتزام بالأعراف أو الخروج
عنها، ومن ثم فلا يوجد مجال للنمطية؛ أي اشتراك أفراد المجتمع كلهم في نمطٍ واحد.
(4) The elimination of certain factors from the sample group,
such as sex, age and education, secured a minimum of variation in their response to
the proposal; their standard reaction was rejection, but the reasons given were far
from uniform.
(٤) أدَّى استبعاد بعض العوامل من العينة (التي أُجريت عليها التجرِبة) بمعنى اختيار
مجموعة تشترك في الجنس والعمر والتعليم، إلى ضمان تقليل الاختلافات الفردية إلى أدنى
حدٍّ
ممكن فيما يتعلَّق باستجابتهم للاقتراح المطروح؛ إذ اتفق الجميع على رفضه، وإن تفاوتت
الأسباب التي أبدَوها تفاوتًا كبيرًا.
معنى الاستبعاد هو توحيد هذه العوامل بحيث تتيح للباحث استبعاد تأثيرها في نتيجة
التجرِبة، والكلمة الحالية هي الكلمة العلمية وهي تقابل في الإنجليزية الشائعة كلمة
exclusion، وكلمة العيِّنة لا خلاف عليها، وهي تُستخدم
هنا صفةً للمجموعة، وإن كانت الترجمة تفصل بينهما وصولًا إلى الوضوح، وسوف يلاحظ القارئ
إضافة بعض الكلمات وصولًا إلى الوضوح، وأن كلمة reaction
(رد فعل) التي توازي استجابة response قد حُذفت، وأن معنى
standard يختلف عن معنى
uniform.
ولا بد من التعرُّض لكلمتَي «إيجابي» و«سلبي» اللتَين تُحيِّران المترجم العربي في
كل
موقع. ومصدر الخلط هو كلمة respond إلى جانب الفرق بين كلمة
negative وكلمة
passive، وكل منهما يُترجم بكلمة سلبي. أمَّا كلمة
respond فقد تعني: (١) يستجيب أو (٢) يُجيب، ومعنى هذا
أن الاستجابة تفيد القَبول، وأن الإجابة تكون بالقَبول أو بالرفض، ويتضح ذلك من الأمثلة
التالية:
(5) The patient is responding to the
treatment.
(٥) المريض يستجيب للعلاج.
(6) My appeal to her pity met with no
response.
(٦) حاولت أن أستثير شفقتها، ولكنها لم تستجب للمحاولة.
(7) Having waited in vain for a positive response to his
application for the last three months, he now gave up all
hope.
(٧) ظل ينتظر عبثًا أن يأتيه ردٌّ إيجابي على الطلب الذي قدَّمه منذ ثلاثة أشهر، ثم
فقد
الأمل تمامًا.
(8) In response to your inquiry, we would like to inform you
that the case has been closed.
(٨) ردًّا على استفساركم، نفيدكم بأن القضية قد حُفظت.
أمَّا كلمة سلبي فقد تعني عكس الإيجاب أي النفي، وتقابلها بالإنجليزية كلمة
negative، بل إن الأمريكيين يستخدمون هذه الكلمة
حاليًّا بدلًا من «لا»؛ أي no في الحوار، وقد تكون عكس
المشاركة الإيجابية أي بالفعل، وفيما يلي الأمثلة التي تُوضِّح ذلك:
(9) The situation required him to take part in the
discussion, but he was as passeive as ever and would not lift a
finger.
(٩) كان الموقف يتطلَّب منه المشاركة في النقاش، ولكنه ظلَّ على سلبيته المعهودة فلم
يحرِّك ساكنًا.
(10) A passive attitude will never do: you will have to go
and speak to the manager.
(١٠) لن ينجح اتخاذ موقف سلبي أبدًا، بل عليك أن تذهب إلى المدير وتتحدَّث معه (في
هذا
الشأن).
(11) The company’s offer was fair, even generous, but the
response received was negative.
(١١) كان العرض الذي قدَّمته الشركة منصفًا بل وسخيًّا، ولكن الرد الذي تلقَّته كان
سلبيًّا (ولكنها تلقَّت ردًّا بالرفض).
(12) While growth figures for the first quarter were
encouraging, implying an upward trend, the figures for the second were unexpectedly
negative; something ought to be done soon, the minister said, to avoid any further
slump in economic activity.
(١٢) كانت معدَّلات النمو في الربع الأول من العام تبعث على التفاؤل؛ إذ كانت تُشير
ضمنًا
إلى استمرار الزيادة، ولكن الأرقام المسجَّلة في الربع الثاني كانت سلبيةً على غير
المتوقَّع، وقال الوزير إن علينا أن نتخذ إجراءً ما حتى نتحاشى استمرار الهبوط في النشاط
الاقتصادي.
ومعنى الأرقام السلبية هنا أنها كانت بالناقص؛ أي إن الانكماش حلَّ محل النمو، فإذا
كان
الرقم الموجب لمعدَّل النمو هو واحد في المائة، فإن الرقم السالب هو ناقص واحد، وهذا
الأسلوب شائعٌ في التقارير الاقتصادية.
ويجب أن نتوقَّف في ختام هذا الباب عند كلمة situation
التي تُرجمت بالموقف، وكلمة attitude التي تُرجمت بالموقف
أيضًا! والأمم المتحدة تُترجم كلمة situation دائمًا
بالحالة أو الحال، كأنما لتحتفظ للكلمة الأخرى بلفظ الموقف، ولكن السياق قد يقتضي ترجمتها
بالوضع أو بالأوضاع أو حتى الموقف دون أن يختلط الأمر على القارئ. وكلمة الحال قد تقابلها
كلمة condition بالمفرد أو الجمع، أو
state أو status، ولا
داعي للإفاضة في ذلك فالأمر واضحٌ جلي. وسوف يلاحظ القارئ أنني ترجمت
encouraging بتعبير «يبعث على التفاؤل» وهو المعنى
المقصود، وعلى المترجم إذن أن يُحرِّر ذهنه من كلمة التشجيع التي ارتبطت بهذه الكلمة،
بل
ومن الكلمة المضادة وهي discouraging التي تُترجم دائمًا
بتعبير «المثبطة»، ومن الكلمات المرادفة تقريبًا وهي
heartening وعكسها
disheartening فليس في المسألة تشجيع، خصوصًا في بعض
السياقات.
(13) It was disheartening to hear of the planned devaluation
of the national currency, at a time when only another reduction in bank rates could
have averted stagnation.
(١٣) اعترانا الأسى عندما سمعنا اعتزام الحكومة تخفيض سعر صرف العملة المحلية، في
وقتٍ لا
يمكن تحاشي الركود الاقتصادي فيه إلا بزيادة تخفيض سعر الفائدة على القروض المصرفية.
(14) In view of the recent changes in world markets,
especially the upward adjustment in oil prices, it is recommended that more
petrochemical industries be established in the Arab region, and Arab states are
encouraged to seek new outlets for their products, preferably in the vibrant Asian
economies.
(١٤) نوصي بإنشاء المزيد من الصناعات البتروكيميائية في المنطقة العربية، نظرًا
للتغيُّرات التي شهدتها الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة، وخصوصًا ارتفاع أسعار البترول،
وحبذا لو سعت البلدان العربية إلى فتح منافذ بيع جديدة لمنتجاتها، ومن الأفضل أن يكون
ذلك
في البلدان الآسيوية التي انتعش اقتصادها.
ويمكن لمَن لا يحبُّ كلمة «حبذا» أن يقول ومن «المستحسن» أو من «المستحب»، أو أن يستخدم
التعبير الفصيح «وليت البلدان العربية تسعى …» أمَّا التشجيع وخصوصًا الفعل المبني للمجهول
«تُشجَّع» فهو أبعد ما يكون عن المعنى؛ فالكاتب لا يشجِّع بل يحث، وهو حث أقرب إلى التوصية
التي أوردها في صدر العبارة، والمعنى المضمر فيه هو ما أثبتناه هنا.
ونلاحظ أخيرًا تعبير upward adjustment ويقابله تعبير
downward adjustment، كأنما كان رفع السعر أو تخفيضه
بمثابة تعديل يقوم على الانصاف ولا يتضمَّن جورًا أو حيفًا، وهي من العبارات المستحدثة
التي
كثيرًا ما يخطئ فيها المبتدئ ولا تستعصي على الخبير، وهكذا فنحن نُطلق على برامج الإصلاح
الاقتصادي تعبيرًا جميلًا هو التكليف الهيكلي! انظر إلى الأمثلة التالية:
(15) When we refers to economies in transition we usually
have in mind those states which have initiated structural adjustments but have not
as yet attained market economy status.
(١٥) عندما نشير إلى الدول التي يمر اقتصادها بالمرحلة الانتقالية، فنحن عادةً ما
نعني
الدول التي بدأت في تنفيذ برامج التكيف الهيكلي، ولكنها لم تصل بعدُ إلى مرحلة اقتصاد
السوق.
قبل الحديث عن التكيُّف لا بد أن نقف عند كلمة status
التي عادة ما تعني المنزلة أو المكانة، مثل: to enhance the status of
women؛ أي الارتقاء بمكانة المرأة أو منزلتها، ولا يترجمها أحدٌ بتعبير
وضع المرأة خوفًا من المعنى المضمر في الوضع أي الولادة giving
birth/delivery (والأمم المتحدة تترجمها بتعبير «مركز المرأة» ممَّا
يؤدِّي إلى الخلط مع center)، وقد ترجمناها هنا بمرحلة وهو
خروج واضح عن معنى الكلمة المفردة، ولكنه إيضاح للمعنى المقصود، وإذا حاولت وضع كلمة
«حالة»
مثلًا أو أي من الكلمات الشائعة في ترجمتها فلن تكون الترجمة واضحةً بالصورة المطلوبة،
بل
قد نستطيع حذفها تمامًا (… لم تصل بعدُ إلى اقتصاد السوق)؛ فكلمة «حالة» بطبيعتها من
كلمات
الحشو التي تكثر في الإنجليزية ولا لزوم لها عند الترجمة.
(16) In his condition of abject poverty, he must desist from
squandering money.
(١٦) من كان مثله في هذا الفقر المدقع لا بد أن يكفَّ عن إهدار المال.
أمَّا إذا وردت الكلمة في عنوان فلا بد من ترجمتها، وإن كانت الكلمة المختارة تقبل
المناقشة.
(17) The report entitled “status of Implementation” examines
the current obstacles, the difficulties encountered and the possible ways and means
of completing the project.
(١٧) يفحص التقرير، وعنوانه «حالة التنفيذ»، العراقيل القائمة، والصعوبات التي واجهت
المشروع، وجميع السبل والوسائل الممكنة للانتهاء من تنفيذه (لاستكماله).
ومعنى «حالة» هنا «المرحلة التي وصل إليها العمل»، وقد شاعت كلمة
status في هذا السياق بدلًا من
state، وكلاهما صحيح ومُستخدم، ولكننا نعرف أن المقصود
ليس المكانة ولا المنزلة.
أمَّا «التكيُّف» فكلمةٌ مبتدعة للإيحاء بأن الاقتصاد لا يحتاج إلى التعديل؛ حتى
يصبح
ملائمًا للتطوُّر العالمي، والكلمة لا تعني أكثر من الإصلاح، سواء في السياقات العامة
أو
المتخصِّصة، فإذا قال لك قائلٌ adjust your set كان يعني أن
الجهاز يحتاج إلى ضبط، والضبط إصلاح، وإذا قال لك: adjust your
watch كان يعني «اضبط ساعتك!» أي صحِّح ما تشير إليه من وقت، والتصحيح
إصلاح، والتكييف غير واردٍ هنا! وإذا وجدت أن الحُلة التي اشتريتها جاهزة
ready-made لا تلائمك وتحتاج إلى
adjustment، كان المعنى هو أنها تحتاج إلى إصلاحٍ لا
إلى تكييف! ولذلك يلجأ بعض كبار المترجمين إلى موازاة تعبير التكييف الهيكلي بتعبير
«الإصلاح الاقتصادي» (economic reform)، فإذا تساءلت وما
بال كلمة هيكل structure وهي التي تُترجم في مجالاتٍ أخرى
بالبناء، كانت الإجابة هي أن كلمة البناء تكاد تنصرف دائمًا إلى الأبنية المادية والمنشآت
والتشييد، بحيث تختلط structure مع الكلمة الخاصة
construction؛ ولذلك استقرَّ الرأي على تخصيص كلمة
الهيكل بالمعنى الحديث لا بأي من المعاني القديمة، والصفة هيكلي بمعنى بنائي أو تركيبي،
والمقصود كما هو معروف «تركيب» القطاعات الاقتصادية، أو توزيعها بين القطاع العام والقطاع
الخاص public and private sectors؛ أي بين الدولة والأفراد،
ومعنى التكيُّف الهيكلي في الواقع إذن هو الاتجاه إلى ملكية الأفراد وإدارتهم للأنشطة
الاقتصادية؛ أي التحوُّل إلى القطاع الخاص أو ما أصبح يسمَّى اصطلاحًا بالخصخصة
privatization.
وكلمة الخصخصة جديرة بوقفةٍ قصيرة. إنها مشتقةٌ بالتضعيف من خصَّ (خ ص ص)، والتضعيف
الذي
نعنيه هو تكرار فاء الكلمة؛ أي إدراجها مرةً ثانية قبل لامها فيكون الوزن هو (فعفل)،
وهو
وزنٌ صحيح وشائعٌ إلى درجةٍ قد لا يدركها معارضو الكلمة؛ فنحن نقول زلزل من زلَّ، وزعزع
من
زعَّ، ودغدغ من دغَّ، ورعرع من رعَّ، وفضفض من فضَّ، والعامية تتوسَّع في هذا الوزن
توسُّعًا مذهلًا، فنقول مصمص من مصَّ، وشمشم من شمَّ، وفتفت من فتَّ، وهلمَّ جرًّا. أمَّا
الاشتقاق المغربي من خاص بتحويل الألف إلى واو فهو غير مألوف، بمعنى أنه غير وارد في
تصاريف
العربية؛ فهم يقولون خوصصة، وإذا قبلنا هذا الوزن فلا بد أن نقبل وزنًا مماثلًا من عام
هو
«العوممة»، كما قلنا العولمة، بدلًا من التعميم أو ما شابه ذلك! وتعبير التكيُّف الهيكلي
إذن مصطلح يتوسَّل بالكناية لنقل المعنى المشار إليه، وقد سمعنا من يترجمها بالمواءمة
الهيكلية.
(18) Current structural adjustment efforts are being
undermind in certain emergent economies by those transnational corporations which
seek nothing beyond material profit, and often resort to
dumping.
(١٨) تتعرَّض الجهود المبذولة حاليًّا لتحقيق المواءمة الهيكلية للتخريب في بعض الدول
ذات
الاقتصاد الناهض، وذلك من جانب الشركات عبر الوطنية التي لا تسعى إلا لتحقيق الربح المادي،
وكثيرًا ما تلجأ إلى الإغراق.
أمَّا الشركات عبر الوطنية فالمقصود بها الشركات المتعدِّدة الجنسيات، وهي
multinational corporations، وأمَّا الإغراق فلا يعني
إغراق السوق بالسلع كما يظن البعض، ولكنه يعني بيع السلع بسعر التكلفة أو حتى بالخسارة؛
ابتغاء ضمان مكان في الأسواق لهذه الشركات. والكلمة في ذاتها لا تحمل أي دلالة من دلالة
الإغراق العربية، بل يعني «يلقي في الزبالة»، ويقابلها في العامية المصرية تعبير «يحرق»
و«الحرق»!
وقد بدأ شيوع تعبير الهيكلة structuring وإعادة الهيكلة
restructuring بعد شيوع الكلمة الروسية التي أشاعها
جورباتشوف Gorbachev، وهي بيريسترويكا
Perestroika التي تعني حرفيًّا إعادة البناء أو التنظيم
(انظر كلمة reconstruction فيما سبق)، من الفعل الروسي
perestroik الذي يفيد هذا المعنى لا غيره، وكان يمكن
استخدام تعبير «الإصلاح» مثلًا أو «التعمير» أو حتى «إعادة البناء»، لولا أن المترجمين
(من
المتخصِّصين وغير المتخصِّصين) كانوا يريدون الإيحاء بما يُفيد تغيير أُسس البناء ونظمه
لا
البناء نفسه، وهو المعنى القائم ولا شك في الكلمة الروسية، فافترضوا وجود فعل في العربية
هو
هيْكلَ يُهيكِل؛ أي وضع هيكلًا أو خطة معمار خاصة، واشتقوا منه المصدر وهو الهيكلة، وأضافوا
إليها «إعادة»، فأصبح التعبير يفيد وضع رسم جديد a new
layout/plan للاقتصاد، لا إعادة بنائه على الرسم القديم، بحيث يكون
الرسم الجديد موائمًا compatible للتغيُّرات التي شهدها
العالم؛ أي قادرًا على التجاوب معها؛ أي التكيُّف معها، وهذا سر ذيوع المصطلح.
(19) No cosmetic measures could do, Gorbachev said, for
perestroika involves a reformulation of the economic philosophy of the Soviet Union,
and the recent decision to open up the economy seeks to eliminate the root causes
of
our wounds rather than heal them.
(١٩) قال جورباتشوف إن معالجة الاقتصاد بجراحات التجميل لا يمكن أن تنجح؛ إذ إن إعادة
الهيكلة تعني إعادة رسم (تشكيل) الفلسفة الاقتصادية للاتحاد السوفييتي، وأمَّا الهدف
من
القرار الذي صدر مؤخَّرًا والذي يقضي بالانفتاح الاقتصادي، فهو استئصال الأسباب الأولى
التي
تسبَّبت في هذه الجراح لا تضميدها.
ونلاحظ هنا أن الاسم root يُستخدم هنا صفةً لا تعني
«الجذري» (radical)، بل تعني «العميق» أو «الأصلي»، وهو ما
تُرجم «بالأَولى»، ونلاحظ أيضًا أن كلمة التدابير measures
لم تظهر في الترجمة العربية بحروفها بل ظهرت بمعانيها، و«التدبير» كلمة عربية فُصحى توازي
ما نعنيه هذه الأيام بكلمة management والفعل
manage (وفي تونس يُترجمون الكلمة الإنجليزية بهذه
الكلمة العربية)، ونحن نُترجمها في مصر بالإدارة؛ ممَّا أدَّى إلى اختلاط معناها مع
administration فهي تعني الإدارة أيضًا، أمَّا الفرق
فلا تُوضِّحه المعاجم الخاصة، بل تُوضِّحه المعاجم المتخصِّصة القائمة على استعمال كلٍّ
منهما في السياقات الحية؛ فالأخيرة يكاد أن يقتصر معناها على الإدارة العامة، سواء في
السياسة أو في الحكومة أو في التجارة، بل إنها أحيانًا ما تعني الحكومة نفسها مثل
the U. S. Administration؛ فنحن نُترجمها إمَّا
بالإدارة الأمريكية أو بالحكومة الأمريكية، وينطوي معناها على فكرة المذهب أو الفلسفة
الخاصة بالتنظيم؛ فهي أقرب إلى المعنى المجرَّد، بل إننا حتى حين نستخدمها في الإشارة
إلى
هيئةٍ محدَّدة لا يغيب المعنى المجرَّد عن ذهننا.
(20) She has moved up the social ladder, no doubt partly
because of her methodical approach and organizing capacity – though her present work
in administration has deprived us of a creative announcer-
producer.
(٢٠) لقد ارتقت في مدارج المجتمع، ولا شك أن ذلك يرجع إلى حدٍّ ما إلى تفكيرها المنهجي
وطاقتها على التنظيم — ولو أن عملها حاليًّا في الإدارة قد حرمنا من مذيعةٍ ومخرجة
مبدعة.
فالجهاز الإداري الذي تعمل فيه يتطلَّب كما هو واضح منهجًا علميًّا وقدرةً على التنظيم،
ونلاحظ أن producer في الإذاعة تعني «المخرج»، في حين أن
المخرج في المسرح هو director (ويقتصر معنى
producer على «المنتج» في المسرح والسينما)، ونلاحظ
أيضًا أن partly تعني «إلى حدٍّ ما» لا كما يُترجمها
المبتدئون «جزئيًّا»، ولا بد من النصِّ هنا على الفرق بين
partly وpartially،
وهما الكلمتان اللتان يختلط معناهما حتى على أبناء الإنجليزية، فإذا كانت الأولى تعني
«في
جانبٍ من جوانب الموضوع»؛ فالثانية نسبةً إلى partial التي
تعني «المنحاز إلى»، وعكسها impartial أي غير المنحاز أو
الموضوعي objective،
وpartiality تعني الانحياز أو المحاباة أو التفضيل،
أمَّا مصدر الخلط فهو أن هذه الكلمة قد تعني (في حالة الصفة) نفس معنى الكلمة الأخرى؛
ولذلك
فلا بد من تفصيل القول بالأمثلة:
(21) The army achieved a partial success by crossing the
water barrier in the opposite direction, but it was a pyrrhic victory that caused
too many casualities and immobilized their forces.
(٢١) حقَّق الجيش نجاحًا محدودًا بعبور الحاجز المائي في الاتجاه المضاد، ولكنه كان
نصرًا
أجوف؛ إذ تسبَّب في سقوط عددٍ لا يُحتمل من الضحايا (من القتلى والجرحى)، وأدَّى إلى
شلل
القوات.
وهذه هي المعاني الأخرى:
(22) Human nature is human nature, and there are examiners
who are partial towards pretty women students.
(٢٢) لا بد أن نأخذ الطبيعة البشرية في حُسباننا؛ فبعض الممتحنين يُحابون الطالبات
الجميلات.
(23) “I am no doubt partial to French cuisine”, said, “but
you can’t beat fish and chips after a pint of bitter”.
(٢٣) قال: «إنني مغرمٌ ولا شك بالمأكولات (طرق الطهي) الفرنسية، ولكنني إذا شربت قدحًا
من
البيرة الإنجليزية، فلن أجد ألذ وأشهى من السمك والبطاطس.»
ونُلاحظ عَرَضًا أن كلمة pint التي تنطق «باينت» هي مكيال
إنجليزي أكبر قليلًا من نصف اللتر، وهي المكيال الذي يُستخدم في أقداح الجعة الإنجليزية.
كما نُلاحظ تعبير you can’t beat، وهو اصطلاحٌ عامي يعني
«لا يعلو عليه شيء»، والترجمة هنا تُقدِّم معناه وحسب.
ولكن الاسم partiality لا يعني إلا التحيُّز أو التفضيل،
وقد يُستخدم باعتباره صفحةً مجرَّدة لا تُجمع، فيقابل bias؛
أي الانحياز أو التحيُّز أو باعتباره صفةً تُجمع ويتلوها حرف الجر
for بمعنى التفضيل؛ ولذلك فالأفضل لمن يترجِم إلى
الإنجليزية أن يُحدِّد لنفسه المعنى الذي يريده حتى لا يقع في مثل هذا الخلط. ونقول عرَضًا
إن التعبير الذي شاع في لغة السياسة عن عدم الانحياز
non-alignment، يعني أصلًا عدم الوقوف إلى جانب أو في
صف معسكر دون معسكر؛ فالفعل align يعني «يصُفُّ» أو «يصطف»،
ومن هنا جاء معنى الانحياز.
وأمَّا كلمة management فتختلف في طابعها التنفيذي؛ أي إن
الكلمة هنا أقرب إلى الإدارة التنفيذية، وكلمة manager
تقابل، كما قلنا، «المدبِّر» بالباء الموحَّدة؛ فهو المدير الذي يتولَّى تنفيذ قرارات
وسياسات مجلس الإدارة Board of Directors، وهو في الشركات
عادةً من أعضاء ذلك المجلس الذي يتكوَّن من أصحاب رءوس الأموال المستثمرة فيها؛ ولذلك
فأحيانًا ما يُسمَّى في مصر «عضو مجلس الإدارة المنتدب»؛ أي المنتدب لإدارة العمل، على
المستوى التنفيذي، للشركة، وسرعان ما أدَّى هذا المعنى إلى توليد كلمة جديدة؛ أي تحويلها
من
صفةٍ إلى اسم، وهي executive أي التنفيذي، وكان أصلها
executive director (مدير تنفيذي =
manager)، ثم أصبحت تعني من يعمل بالإدارة التنفيذية،
ثم أصبحت تعني أحد المديرين التنفيذيين، ومن ثم أصبحت تعني المدير فحسب! وتعبير
at the executive level معناه اليوم «على مستوى الإدارة
(التنفيذية)» أو «على المستوى الإداري» فحسب! ودخلت اللغةَ الإنجليزية كلماتٌ كثيرة من
هذا
الباب مثل «سكرتيرة المدير» an executive secretary، ومثل
executive life-style؛ أي أسلوب حياة المديرين
(التنفيذيين)، وأصبحنا نرى في مقدمة بعض التقارير أو الدراسات المرفوعة إلى مجالس الإدارة
مُلخَّصًا مُوجَّهًا إلى المديرين التنفيذيين يُسمَّى executive
summary، وهو «مُلخَّص» لأن المدير التنفيذي لا يتمتَّع بالوقت المتاح
لراسمي السياسات أو واضعيها policy-maker (في قراءة البحوث
وتحليلها)؛ فهو منكبٌّ على التنفيذ، ويريد «ما قل ودل»؛ أي فحوى الدراسة —
the substance of من توصياتٍ وقرارات حتى يعمل على
تنفيذها — ولذلك فهو مُلخَّص للمديرين وليس مُلخَّصًا تنفيذيًّا، وإن كان المعنى الأخير
مُضمرًا في الأول! ولنضرب مثالًا لذلك:
(24) As Executive Secretary of the commission, he had power
to overturn any decision taken by his manager or to intitiate any desperate measures
in a given emergency, provided they tallied with the policies laid down by the
Secretary General whom he represented.
(٢٤) باعتباره الأمين التنفيذي للجنة، كان من سلطته إلغاء أي قرارٍ يتخذه المديرون
التابعون له، أو اتخاذ أي تدابيرَ استثنائية في حالةٍ من حالات الطوارئ، بشرط أن تكون
متسقةً مع السياسات العامة التي وضعها الأمين العام؛ فهو بمثابة ممثِّلٍ للأمين
العام.
فالأمين التنفيذي هنا هو المدير التنفيذي الأول the chief
executive، وهو يرأس مديرين تنفيذيين
managers لكثيرٍ من الأقسام والفروع والشعب، وهو يستطيع
إلغاء التدابير أي الخطوات التنفيذية فقط؛ أي العملية، لا السياسات العامة، ونحن نُترجم
كلمة policy المفردة بالسياسات (الجمع) تمييزًا لها عن
السياسة politics الخاصة بنظام الحكم وتدابيره، أمَّا كلمة
desperate التي تُرجمت هنا بكلمة استثنائي فهي تعني في
الحقيقة كل ما تقتضيه الضرورة القصوى؛ أي كل ما يلجأ إليه الإنسان في حالة انسداد جميع
الطرق المعتادة في وجهه، وهي لا توازي اليأس مطلقًا، والمعروف أننا نُترجم الصفة
desperate(ly) بالاستماتة، فتقول:
(25) They desperately defended the city, using all means
available, legitimate or otherwise, and finally repulsed the
onslaught.
(٢٥) استماتوا في الدفاع عن المدينة، وتوسَّلوا في ذلك بجميع الوسائل المتاحة، المشروعة
منها وغير المشروعة، حتى تمكَّنوا في النهاية من صد العدوان.
(26) She was desperate, for the failure of her defence would
have meant the chair and her counsel advised invoking a rarely-used section of the
19th Amendment in questioning the competence of the court: She was denied the vote,
which constituted a violation of the section and the relevant clauses, and the
appointment of the court was, as far as she was concerned,
unconstitutional.
(٢٦) استحكمت الضائقة التي انتهت إليها القضية؛ إذ إن فشل دفاعها كان معناه إعدامها
(بالكرسي الكهربائي)، فاقترح محاميها الاستناد إلى نصٍّ يندر الاستناد إليه من نصوص التعديل
التاسع عشر للدستور الأمريكي في الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر القضية، فقال إنها حُرمت
من
حق التصويت، ممَّا يُمثِّل خرقًا لذلك النص وما يتصل به من نصوص، ومن ثم فإن تشكيل المحكمة
يُعتبر غير دستوري في حالتها.
وإذن فإن معنى desperate هنا يختلف عن
desperation أي اليأس، ويتبيَّن هذا بوضوحٍ من المثال
التالي:
desperate times call for desperate
measures.
أي إنه إذا استحكمت الأزمة فلك أن تتخذ خطواتٍ انتحارية! أو إنه إذا سُدت جميع المنافذ
والسبل، فقد يلجأ المرء إلى ما قد يُهلكه طلبًا للنجاة! والكلمة تحمل ظلًّا من ظلال معنى
الاستحالة، وهو من ظلال اليأس دون أن يكون يأسًا.
(27) Desperate for revenge, the group stormed the building
and mowed down the council members.
(٢٧) نفد صبر المجموعة انتظارًا للحظة الثأر، فاقتحمت المبنى وحصدت أرواح أعضاء
المجلس!
(28) He was desperate to talk to any official, and, so soon
as the minister emerged from the car he rushed towards him, only to be shot and
killed.
(٢٨) فاض به الكيل بعد عجزه عن محادثة أي مسئول حكومي، وهكذا فما إن شاهد الوزير يخرج
من
سيارته حتى اندفع نحوه، فأطلق الحُراس النار عليه وأردَوه قتيلًا.
ولنا أن نتوقَّف عند كلمة relevant الواردة في المثال
(٢٦)، والتي ترجمناها بتعبير «ما يتصل به من نصوص»، والأمم المتحدة تفضِّل ترجمة العبارة
بالتعبير التالي «النصوص ذات الصلة»، بل لقد أصبحت هذه العبارة من سمات أسلوب مترجمي
الأمم
المتحدة، وقد يكون الدافع عليها هو الاقتصاد في الألفاظ، وهو ليس من المُثُل العليا للغة
العربية المعاصرة، على عكس إيجاز اللغة التراثية، وانظر بعض الأمثلة على ذلك:
(26) Most of your digressions are relevant and should be
included in the body of the report: only comments by the local press should be kept
in the footnotes.
(٢٩) معظم استطراداتك ترتبط بالموضوع وينبغي إدماجها في متن التقرير، ويجب أن تقتصر
الهوامش على التعليقات الواردة في الصحف المحلية.
والعكس هو «لا علاقة له بالموضوع» أو irrelevant.
(30) The comments he made were irrelevant and certain words
and phrases had to be expunged.
(٣٠) كانت التعليقات التي أبداها لا تتعلَّق بالموضوع، كما كان لا بد من حذف بعض الكلمات
والعبارات.
(31) It is irrelevant whether you approve or not: the report
has been accepted as agenuine expression of the will of the
assembly.
(٣١) إن موافقتك على التقرير أو رفضه أمرٌ لا أهمية له؛ إذ اتفق أعضاء المجلس على
أن
التقرير يُعبِّر تعبيرًا صادقًا عن إرادتهم.
ولاحِظ أن فكرة الأهمية أو عدم الأهمية أصيلة في الكلمة، كما يتضح من المثال
التالي:
(32) The organization has to show, and prove, its relevance
to today’s world: every man and woman must realize that the defence of human rights
is not a luxury.
(٣٢) يجب على المنظمة أن تُبيِّن بل وتُثبت أهميتها لعالم اليوم؛ إذ ينبغي أن يدرك
الجميع
رجالًا ونساءً أن الدفاع عن حقوق الإنسان ليس من قبيل الترف.