الملحق الثاني:
كلماتٌ متخصِّصة خلافية
ونبدأ بكلمة خلافية controversial التي تعني أنها مَثار
خلاف في الترجمة لا في المعنى، ثم بكلمة literature التي لا
خلاف على دلالتها عند المتخصِّصين؛ فلها معنيان الأول هو كل ما يُكتب، والثاني هو الأدب
بمعناه الحديث وأنواعه المعروفة genres، من شعرٍ ونثر
ورواية وقصة قصيرة ودراما. أمَّا المعنى الأول فقد أصبح مُتخصِّصًا بسبب شيوعه في الأبحاث
العلمية، بمعنى ما كُتب في الموضوع من دراساتٍ وبحوث؛ ولذلك فقد يُذيِّل الباحث بحثه
بقائمةٍ بهذه الدراسات تحت عنوان literature، ونحن نُترجمها
في الجامعة بتعبير الدراسات السابقة. وأمَّا مصدر الخلاف فهو مَيل بعض غير المتخصِّصين
الذين اختلط عليهم المعنيان إلى إطلاق كلمة «أدبيات» على هذه الدراسات العلمية، وهذا
مثالٌ
على ذلك:
(1) The use of nitrogen compounds in enhancing soil fertility
has been adequately handled by the scientists and can hardly constitute an original
contribution; you should have consulted the literature before proposing this
topic.
(١) إن استعمال مُركَّبات النيتروجين لزيادة خصب (خصوبة) التربة، من الموضوعات التي
درسها
العلماء فأوفَوها حقَّها، ولا يمكن اعتباره إضافةً أصيلة (إلى المعرفة الإنسانية)، وكان
ينبغي عليك الرجوع إلى الدراسات السابقة قبل اقتراح (دراسة) هذا الموضوع.
لاحِظ ترجمة adequately وترجمة
consulted، والأخيرة شائعة بمعنى الاطلاع على المراجع
و«الاستئناس بآراء» السابقين «لا استشارة الكتب!»
(2) There is nothing in the literature to support your view
that “social” may be equated with “societal”: in fact a recent study has shown them
to be vastly different.
(٢) لا يوجد في الدراسات السابقة ما يؤيِّد ما تذهب إليه من أن كلمة «اجتماعي» تُوازي
كلمة «مجتمعي»، بل لقد بيَّنَت إحدى الدراسات الحديثة وجود اختلافات شاسعة بينهما.
ويمكن تعديد الأمثلة المستقاة من شتَّى المباحث العلمية
disciplines، التي لا تترك أي مجال للظن بأن فكرة الأدب
قائمة في هذه الدراسات. ولننظر إلى الكلمة التي أضفناها بين أقواسٍ وهي المعرفة
knowledge. إنها ليست خلافيةً في هذا السياق، ولكن
الخلاف يبدأ عندما يختلط معناها بكلمة cognition؛ أي عملية
اكتساب المعرفة، وكلمة epistemology؛ أي نظرية المعرفة وهي
مبحثٌ فلسفي راسخ؛ ولذلك ذهب المتخصِّصون إلى قَصر استخدام المعرفة على
cognition، والصفة منها
cognitive معرفي، والاحتفاظ بنظرية المعرفة للكلمة
الأخيرة، ثم ترجمة knowledge بالمعارف تمييزًا لها عن أيٍّ
منهما.
(3) The theatre is often regarded as a cognitive activity not
because it adds to human knowledge but because it represents a different approach
to
learning about man.
(٣) كثيرًا ما يُعتبر المسرح نشاطًا معرفيًّا، ليس لأنه يزيد من معارف الإنسان؛ بل
لأنه
يمثِّل منهجًا مختلفًا لمعرفة الإنسان.
ونأتي إلى كلمة approach التي أصبحت خلافيةً بسبب مَيل
بعض المتخصِّصين إلى ترجمة الكلمة ترجمةً حرفية، قائلين إنها تعني «المقاربة»، وهي كلمة
تُفيد في العربية الاقتراب بحذر، ولهؤلاء العذر في تقديم المعنى الحرفي، فهو المعنى الأصلي
للكلمة، ولكن استخدامها في البحث العلمي هو في الحقيقة اختصار لتعبير method
of approach الذي يعني منهج التناول أو منهج المعالجة، وكلمة
method بمعنى منهج لا خلاف عليها، ولكن
approach تعني أيضًا
path/way في جميع المعاجم؛ أي الطريق أو النهج الذي
يُؤدِّي إلى غاية، ولا بأس إذن من اعتبارها موازيةً للمنهج، إمَّا بصفة اقترانها بكلمة
method أو وحدها.
(4) Your approach is all wrong: you begin with conclusions
instead of ending with them, though some may seem self-evident or even
axiomatic.
(٤) إن المدخل الذي اتبعته خاطئ؛ فأنت تبدأ بالنتائج بدلًا من الانتهاء إليها، وإن
كان
بعضها، فيما يبدو، لا يحتاج إلى إثباتٍ أو قُل من البديهيات.
«المدخل» لا شك أقرب إلى معنى approach في ذاتها، ولكن
المدخل هو السبيل الذي يسلكه الداخل إلى البحث؛ ولذلك فهو منهجٌ أيضًا، وما دام لدينا
عدة
سُبل لولوج مبحث من المباحث العلمية، أو عدة طرائق؛ أي many possible
approaches، فلا ضير علينا إذا نحن ترجمنا هذه الكلمة بالمدخل أو
بالسبيل أو بالمنهج، وترجمنا method of approach إمَّا
بمنهج التناول/المعالجة، أو أسلوب التناول/المعالجة. ولاحظ أننا نُترجم الكلمة بكلمةٍ
عربية
أخرى حين تقع في سياقٍ مختلف.
(5) If all else fails, you should approach the minister
himself: he is surely sympathetic towards the project.
(٥) عليك إذا سُدَّت جميع السبل في وجهك أن تُخاطب الوزير شخصيًّا فهو ولا شك متعاطفٌ
مع
المشروع.
والفعل approach بهذا المعنى شائع.
(6) Shall I approach the authorities then rather than my
dears friends?
(٦) هل ألجأ إذن إلى السلطات (المختصَّة) بدلًا من أصدقائي المقرَّبين؟
والمختصَّة كما سبق أن أوضحنا هي competent، وقد تكون هنا
بمعنى المعنية concerned، وهي موحًى بها في النص الإنجليزي،
ويمكن للمترجم أن يحذفها أو يُضيفها، ومعنى اللجوء هو المخاطبة أو المكاتبة، وهو من المداخل
المتاحة للمتحدِّث، أو من سُبل العمل المطروحة (لا المقاربات)، وانظر المثال التالي:
(7) Your approach is flawed by resorting to too many
secondary sources, when primary sources are available and quite
reliable.
(٧) يعيب منهجك الاستناد إلى المراجع إلى حدٍّ غير مقبول، وأمامك المصادر اللازمة
والموثوق بها.
«المرجع» a reference book هو كل ما يتضمَّن التعليقات
والتفسيرات الخاصة بالموضوع، وهو يختلف عن المصدر الذي يتضمَّن المعلومات الأساسية
والبيانات المستقاة من التحليلات والإحصاءات عن الموضوع، والكلمات الإنجليزية تُفيد هذا؛
فمَن يبحث في سطح الأرض أو قشرتها crust، وهو ما يُسمَّى
بعلم المورفولوجيا، سيجد مصادره فيما أنجزه العلماء من تحليلاتٍ علمية بالأجهزة ووسائل
القياس المباشرة، وسيجد مَراجعه في الكتب التي تتناول هذه التحليلات بالتفسير والشرح،
فالأُولى مصادر (أولية)، والثانية مراجع (أو مصادر ثانوية)، وقِس على ذلك من يدرس شعر
شاعر،
فمصادره هي شعر الشاعر نفسه، وما كتبه نثرًا من مقالاتٍ أو خطابات (أي مراسلات
correspondence)، ومراجعه هي آراء النقَّاد فيه وما
كتبه غيره عن حياته وما إلى ذلك. وقد يحتاج الباحث إلى مراجعَ في مبحثٍ آخر لمساعدته
في
بحثه، فإذا ظلَّت هذه المراجع «مراجع» وحسب، لم يخرج الباحث عن نطاق مبحثه، أمَّا إذا
كانت
من المصادر فإن بحثه يُعتبر بحثًا مشتركًا بين اثنَين من التخصُّصات، ويُسمَّى في هذه
الحالة مبحثًا بينيًّا؛ أي interdisciplinary، وانظر هذا
المثال:
(8) For an interdisciplinary study like yours, you should
make use of the data provided by the historians; you will never be able to deal with
a word like “fief” unless you have obtained adequate information on the feudal
system which alone could establish the nexus between “fee” and
“fief”.
(٨) عليك أن تستفيد بالبيانات التي يوفِّرها لنا المؤرِّخون في هذا البحث البيني
الذي
تقوم به؛ إذ لن تستطيع تأصيل كلمةٍ مثل fief؛ أي المقاطعة
التي تدفع الجزية، إلا إذا جمعت المعلومات اللازمة عن النظام الإقطاعي، ولن تستطيع دون
هذه
المعلومات أن تُثبت الصِّلة بين كلمة fee؛ أي المصاريف
والأتعاب، وبين أصل الجزية الإقطاعية.
كلمة تأصيل تعني حرفيًّا رصد الجذور to trace the roots،
والمعنى موحًى به هنا فحسب، وحبذا لو أخرجه المترجم مباشرةً بدلًا من ترجمة العبارة
الإنجليزية ترجمةً حرفية لا مناص من ركاكتها (أي لن تستطيع معالجة/تناول/أن تتعامل؟ مع)،
أمَّا الكلمة المهمَّة فهي use، والتعبير to
make use of يعني الاستفادة من، ولاحظ أن كلمة
use تختلف أصلًا عن
utilize في أن الأُولى تعني استعمال الشيء فيما جُعل
له، والثانية تعني استعماله فيما لم يُجعل له.
(9) I have utilized the biographical data available in
interpreting the frequency of references to death and graves in his verse, having
learnt that his father was an undertaker.
(٩) انتفعت بالمعلومات البيوغرافية المتاحة في تفسير سر تواتر الإشارات إلى الموت
والقبور
في شعره، بعد أن علمت أن أباه كان حانوتيًّا.
والمعروف أن كلمة حانوتي ليست نسبةً إلى الحانوت، بل هي تحريف لكلمة «الحنوطي»؛ أي
الذي
يتولَّى إعداد «الحنوط» للمتوفَّى، وهي كلمةٌ مُحدَثة أصلها الحناط، وهو كل ما يُخلط
من
الطِّيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة من مسكٍ وكافور وصندل وعنبر وغير ذلك، وأظن أنها
أصل
كلمة التحنيط الذي اشتُهر به قُدَماء المصريين.
ونقف عند كلمة تواتر frequency؛ فهي من الكلمات الشائعة
في مصطلح الحديث النبوي؛ أي إن بعض الأحاديث توصف بأنها متواترة إذا كثر ورودها وتعدَّد
رُواتها، وعكسها infrequent أي النادر، وليتنا نُقلع عن
عادة ترجمة الكلمات التي تسبقها بوادئ النفي negative
prefixes بإضافة «عدم» إلى الكلمة؛ فنحن إذا أضفنا عدم إلى تكرار هنا
خرج لنا معنًى مخالف للنُّدرة؛ أي إذا قلنا إن الحديث لم يتكرَّر (يتسم بعدم تكراره)،
كنا
ننفي عنه وروده ثانيةً في أي سياق، أمَّا إذا وصفناه بالنُّدرة فنحن نقول إنه غير متواتر
وحسب، وكلمة «قليل» تُفيد معنى النُّدرة في سياقاتٍ أخرى، ولن أكف عن ترديد هذا التحذير،
فكلمة dislike لا تعني عدم الحب، بل النفور، وكلمة
disease لا تعني dis +
ease؛ أي عدم الراحة واليسر، بل المرض! ولننظر المثال التالي:
(10) Unlike human rights, gender issues have received a great
deal of attention in literary studies, culminating in the rise of feminism as a new
critical approach.
(١٠) تختلف قضايا المرأة عن قضايا حقوق الإنسان في أنها حظيت باهتمامٍ كبير في الدراسات
الأدبية بلغ أَوجه بنشأة الدراسات النسوية باعتبارها من المناهج النقدية الحديثة.
فالكلمة الأولى في العبارة لا تعني «لا يشبه» بل تعني «يختلف»، وقد يترجمها من يريد
بكلمة
«خلافًا» لكذا، والمهم لدينا هنا هو هذه الكلمة الجديدة التي غزت صفحات الكتب، فأصبحنا
مُضطرين إلى ترجمتها، وهي gender التي تعني في النحو أصلًا
«نوع» الشيء — مذكر أو مؤنث أو جماد — ولا تزال كلمة «النوع» العربية تُطبع في البطاقات
الرسمية ترجمةً لكلمة sex التي عادةً ما نُترجمها بكلمة
«الجنس»، خصوصًا عند الحديث عن التمييز على أساس الجنس؛ أي التمييز بين الرجل والمرأة،
وقد
سبق لي الحديث عن هاتَين الكلمتَين في كتاب المصطلحات الأدبية الحديثة (لونجمان ١٩٩٦م)،
وأنا أعود إليها بسبب ظهور ترجمات جديدة تستدعي مناقشتها، وبسبب ما ترجمته من آلاف الصفحات
الخاصة بالموضوع، والتي تتساوى فيها كلمة gender مع كلمة
المرأة.
يختلف تعبير gender issues في ظاهره عن تعبير
women’s issuesفي أنه يُحدِّد اختلاف المرأة عن الرجل،
لا على أساس الجنس، بل على أساس المكانة التي تشغلها في الثقافة والمجتمع، أو ما يُسمَّى
بالدور الثقافي للمرأة؛ أي إن الكاتب الذي يُناقش قضايا
اﻟ gender أو قضايا النوع لا يناقش قضايا المرأة من حيث هي
أنثى، بل من حيث المفهوم الاجتماعي والثقافي لمنزلتها، وهو ما يضرب بجذوره في تاريخ البشرية
كلها، خصوصًا بسبب نظرة الرجل المُهيمِنة التي ربطت المرأة في الأدب واللغة بالجنس؛ أي
باعتبارها أنثى يطلبها الرجل ويسعى إليها ويرغب فيها لغايةٍ واحدة، وهذا المفهوم الجديد
قد
فُرض فرضًا على الكلمة؛ أي إنه ليس أصيلًا فيها، ومن ثَم أصبحت الكلمة من المصطلحات
المتخصِّصة، التي قد تستدعي مصطلحًا يقابلها بالعربية، ممَّا دعا الدكتورة فريال غزول
إلى
محاولة ترجمتها مرةً بالجندرة (أي تعريب الكلمة)، ومرةً بالجنوسة وهي كلمة مشتقةٌ من
الجنس،
وينطقها البعض بضم الجيم والنون، والبعض بفتح الجيم وتسكين النون وفتح الواو، وكان من
أسباب
استعمالها اشتراك الكلمة العربية جنس مع الكلمة الإنجليزية
genus، والكلمة اليونانية
gyne التي تعني المرأة، في الحرفَين الأساسيَّين (الجيم
والنون)؛ فجمع genus هو
genera التي أتى منها لفظ
genre أي النوع، ولكن المجتمع العربي لم يقبل الكلمة
الجديدة بعد، وهي ما نفترض أن تحمل المفهوم الجديد الخاص الذي أُلصق بكلمة
gender.
وارتبط بهذه الكلمة تعبيرٌ آخر هو gender-sensitive الذي
تُترجمه الأمم المتحدة بتعبير «بحسب النوع» أو «بحسب الجنس»، وإن كان معناه هو «كل ما
يُراعي أحوال المرأة ولا يُغفلها»، ولقد خرجتُ من قراءاتي وترجماتي لآلاف الصفحات على
مدى
السنوات العشر الأخيرة في هذا الموضوع أن الكُتَّاب — باستثناء أصحاب مدرسة النقد النسوية
—
لا يكادون يوحون بالمعنى الثقافي المفترض في الكلمة؛ إذ تتساوى كلمة
gender لديهم مع كلمة «الجنسَين» أو «الرجل والمرأة»،
وأحيانًا ما لا يُقصد بها إلا المرأة وحدها، وفيما يلي مقتطفاتٌ من أهم الوثائق التي
تُعالج
الموضوع:
(11) UN relief workers in the Rwanda disaster area have been
made acutely conscious of gender issues, as rape and premature birth still topped
the list of social problems.
(١١) ازداد وعي موظَّفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة والعاملين في منطقة الكوارث
في
رواندا بقضايا المرأة زيادةً حادة؛ إذ كانت مشكلة الاغتصاب والأطفال المبتسرين لا تزال
تتصدَّر قائمة المشكلات الاجتماعية.
وانظر المثال التالي:
(12) Gender-inequality is still paramount in the thinking of
most social reformers, and equal pay for equal work seems to be too modest a demand
to make in this direction.
(١٢) لا تزال قضية عدم المساواة بين الجنسَين تشغل مكانًا بارزًا في تفكير المصلحين
الاجتماعيين، ولا تعدو المطالبة بالمساواة في الأجر بين من يقومون بنفس العمل أن تكون
خطوةً
متواضعة في سبيل تحقيق هذا الهدف.
والمثال التالي:
(13) Any future documents on human rights should be
gender-sensitive, as women are likely to be more vulnerable to certain violations
not usually regarded as serious.
(١٣) يجب أن يُراعى عند وضع أي وثائقَ خاصةٍ بحقوق الإنسان في المستقبل أن تُراعى
الفروق
بين الرجل والمرأة؛ فالمرأة مُعرَّضة للأذى بسبب بعض الانتهاكات التي عادةً ما لا نعتبرها
خطيرة.
والمثال التالي:
(14) Gender bias can hardly require proof: though no great
honour, the reference to the enemy as “he” is evidence of the tendency to ascribe
action to the male.
(١٤) لا نكاد نحتاج إلى ما يُثبت الانحياز ضد المرأة؛ فاستخدام ضمير المذكَّر في الإشارة
إلى العدو، وإن لم تكن الإشارة بضمير المؤنث تكريمًا عظيمًا للمرأة، دليل على الاتجاه
(في
اللغة) إلى نسبة الأفعال إلى الرجل.
ولنلاحظ هنا الفرق بين proof أي الإثبات
وevidence أي البيِّنة أو القرائن التي تُساعد في
الإثبات أو ما نُسمِّيه بالدليل، ولا أعتقد أن الجنوسة سوف تُفيدنا في ترجمة الكلمة قيدِ
البحث هنا.
وانظر المثال التالي:
(15) Though the ideal is a gender-free language, which
legalese has attained in some measure by repeating the noun every time a pronoun is
usually used, it is sometimes useful to know whether the person charged with
“killing the said person’s offspring” is a man accused of the murder of his son or
daughter of a woman indicted for the same offence: gender equality may be carried
a
little too far.
(١٥) على الرغم من أن المثل الأعلى هو استخدام لغةٍ لا تُميِّز بين الجنسَين، وهو
ما نجحت
لغة القانون في تحقيقه إلى حدٍّ ما عن طريق تكرار الاسم بدلًا من الاستعمال المعتاد
للضمائر؛ فقد يكون من المفيد لنا أن نعرف إذا ما كان «الشخص المتهم بقتل بعض ذرية الشخص
المذكور» رجلًا وُجِّهت إليه تُهمة قتل ابنه أو ابنته، أو امرأةً وُجهت إليها تلك التهمة؛
أي إن المساواة بين الجنسَين (لُغويًّا) قد تزيد عن الحد بعض الشيء.
وهاك مثالًا من صحيفةٍ حديثة (أكتوبر ١٩٩٩م):
(16) As relief officers, the UN team members have found
little difficulty in dealing with the Rwandan population, even in circumstances
where gender-roles are clearly specified.
(١٦) لم يجد أعضاء فريق الإغاثة التابع للأمم المتحدة صعوبةً تُذكر في التعامل مع
أفراد
الشعب الرواندي، حتى في الظروف التي يُحدِّد المجتمع لكلٍّ من الجنسَين أدواره المنوطة
به.
وأتصوَّر أن الذين يريدون كلمةً عربية واحدة تقابل الإنجليزية لم يصطدموا بهذه السياقات
التي تتفاوت فيها معانيها خصوصًا عندما تشتبك مع ألفاظٍ أخرى، على نحو ما رأينا آنفًا
(gender-free – gender-sensitive – gender-roles) أو
تصف كلماتٍ بعينها gender-bias/issues، ولم أعثر على الكلمة
مفردةً إلا في عناوين كتب أو مقالات، وفي كل حالةٍ نجد أن للمترجم الحق في استنباط المعنى
من مضمون الكتاب أو المقال؛ فهناك كتابٌ في النحو يُسمَّى
gender يعالج المؤنث والمذكر والجماد، وكتابٌ في علم
الاجتماع (١٩٩٨م) يُناقش أحوال المرأة في باكستان ويحمل العنوان نفسه، ومقالٌ في الأدب
الحديث (أو في النقد الأدبي) يُعالج شيوع استخدام ضمير المتكلِّم في الشعر الجديد، باعتبار
ذلك ظاهرةً أو مُؤشِّرًا يُفصح عن مَيل المحدثين إلى تخطِّي التمييز بين الأنثى والذكر
—
ويحمل العنوان نفسه — فهل على المترجم أن يحتفظ بالعنوان نفسه لكلٍّ من هذه الأعمال؟
القضية — كما ترى — لها جانبٌ نظري يتصل بحق المترجم في تغيير العنوان؛ فالكاتب الإنجليزي
عادةً ما يضع لكتابه عنوانًا عامًّا جذَّابًا، وغالبًا ما يتعمَّد الغموض فيه حتى يُثير
شهية القارئ لاستطلاع ما يقصد، ثم يضع له عنوانًا فرعيًّا
sub-title يوضِّح موضوعه أو يحدِّده بدقةٍ أكبر، وإذن
فإن العنوان «رسالة» (message) موجهة من الكاتب إلى القارئ
وهي — بتعبير علم العلامات أو السيميوطيقا — تخضع للشفرة الاجتماعية the
social code المشتركة بين الكاتب والقارئ في زمنٍ مُعيَّن ومكانٍ
مُعيَّن؛ أي إنها رسالةٌ مُشفَّرة coded، والتشفير
encoding جهد مشترك بين الكاتب والقارئ؛ أي إن العوامل
التي تتحكَّم في التشفير لا تقتصر على الكاتب وحده، بل تتضمَّن أيضًا توقُّعاته بالنسبة
للقارئ؛ أي اعتماده على قُدرة القارئ على فَك رموز الشفرة
decoding، ولو لم يكن جيمس جويس James
Joyce واثقًا في قدرة القارئ الإنجليزي على إدراك مغزى اسم البطل الذي
اختاره عنوانًا لروايته الطويلة Ulysses ما أطلق عليها هذا
الاسم، ولو لم يكن الدكتور جونسون واثقًا في معرفة قارئه ابن القرن الثامن عشر بقصة أيرين
Irene (وينطق الاسم في أمريكا أيريني — وهي كلمةٌ
يونانية تعني «السلام») التي وردت في كتاب تاريخ الترك الذي ألَّفه ريتشارد نولز
Knolles، ونشره في مطلع القرن السابع عشر، ما أطلق على
مسرحيته ذلك العنوان، ومعظم الكتب الحديثة حتى غير الأدبية منها تعمد إلى التورية
pun في العناوين من باب الحذق والمهارة، مثل الكتاب
الأخير الذي صدر في بريطانيا بعنوان The Major
Change، الذي يتناول فترة حكم جون ماجور رئيس الوزراء
الأسبق لحكومة المحافظين، ويوحي بأنها كانت من فترات التغيير «الرئيسية»؛ ولذلك فعندما
تَرجَمتُ رواية «عيد ميلاد جديد» للكاتب أليكس هيلي، وجدتُ أن العنوان الأصلي وهو
A Different Kind of
Christmas يتميَّز بالنبرة العامية الموجَّهة إلى القارئ
الأجنبي؛ أي إن شفرته تتوسَّل بنبرةٍ أجنبية مثل حروفه، ووجدت لِزامًا عليَّ أن أُترجِم
النبرة مثلما أُترجِم الحروف؛ فهي جزءٌ لا يتجزَّأ من المعنى، حتى في الترجمة الوثائقية
(نعود لذلك فيما بعد)، وأحسست وأنا أقترب من نهاية الرواية، والبطلان قد نجحا في الفرار
من
الولاية الأمريكية الجنوبية التي يتعرَّض فيها الزنوج للاضطهاد، وبعد أن قضيا الليل في
سُرًى دائب، تهديهما نجوم ليلة عيد الميلاد، ووصلا إلى مشارف مدينة فيلادلفيا (وهي تعني
حب
الإخوة)، فأشرقت أضواء فجر عيد الميلاد عليهما، أحسست أن ذلك عيد ميلاد جديد للزنجي ولصديقه
الأبيض، أو قل كأنه ميلادٌ جديد! ولذلك نفرت من أي ترجمةٍ حرفية مهما تكن للعنوان، وأسميتها
العنوان الذي تحمله الآن.
وعندما ذكرت في منتصف الفقرة السابقة تعبير «غير الأدبية» كنت أعني تمامًا ما أقول؛
فالشفرات اللغوية غير مقصورة على الكتب الأدبية، بل هي تُستخدم في جميع مناحي العلوم
الإنسانية ومباحثها، والعنوان هو أشد الشفرات حساسية، فإذا كان غامضًا أو عويصًا فربما
صرف
القارئ عن الكتاب أو المقال، والمترجم المأجور a hack
translator لن يكترث لذلك، فسوف يترجم ما يراه أمامه وفقًا لِمَا درج
عليه، أو ما اتفق الناس حوله عليه، وأخطر ما أتت به ترجمة المأجورين الذين لا تظهر أسماؤهم
على الوثائق، وقد نُسمِّيهم بالمجهولين anonymous، هو عدم
الوعي بأنهم يُخاطبون قارئًا ما، وفي بعض هيئات الترجمة قد يكون القارئ الوحيد للترجمة
هو
المراجع (المأجور أيضًا)، ثم يُلقي بالنص المترجم في غياهب النسيان، وأمَّا إذا كان النص
من
النصوص التي سوف يُستشهد بها ويُرجع إليها من حينٍ لآخر، فإن الهيئة تُوليه عنايةً خاصة
وتجتهد حتى يتوافر له الوضوح على الأقل، وقد يتولَّاه مُحرِّر
editor يُزيل ما به من رَكاكة، وإن كُنا — نحن
المترجمين العرب — ما زلنا لا نعترف بدَور المحرِّر، ونَكِل كل شيء إلى المراجع، ومن
ثم
فعادةً ما يجمع المراجع reviser بين وظيفة المراجعة ومعناها
الدقيق هو التحقُّق من صحة المعنى checking the translation for
accuracy، والتنقيح revision بمعنى ضبط
الصياغة العربية، وتصويب أخطائها، وهذه المهمَّة الأخيرة هي التي يتولَّاها المحرِّر
عادةً
في النصوص الأجنبية.
والمحرِّر هو الذي يحتفظ بحق تغيير العنوان، وتغيير كل ما يراه في حاجةٍ إلى تغيير
في
النص، ولكننا، كما قلت، لا نفصل في الترجمة العربية بين هذه الوظائف المتميِّزة، والواقع
أن
المترجم الضليع ينهض بها جميعًا، وقد يفعل ذلك على مراحل؛ أي في خطواتٍ منفصلة، كأن يترجم
النص أولًا مهتديًا بحدسه وحسب (intuition)، ثم يعود إليه
للتحقُّق من صحته، خصوصًا ما قد يُفلت منه بسبب السهو أو الخطأ error and
omission، وربما قرأه من جديدٍ للتحقُّق من تماسكه وسلاسته، وقد يضطلع
في هذه المرحلة بدور المحرِّر فيحذف أو يضيف أو يُغيِّر كل ما يراه مضطربًا أو قلقًا.
وإذا
كان لي أن أتحدَّث عن خبرتي الشخصية في هذا المجال، فأنا أُفضِّل أن يقوم بهذه المهام
عدة
أفراد لا فرد واحد؛ فالمترجم عادةً ما يكون منغمسًا في النص الذي يُترجمه إلى الحد الذي
يمنعه من إدراك غموض ما فيه أو غرابة ما قد يشوبه من لكنةٍ أجنبية؛ ولذلك لم أُقدِم يومًا
على نشر نص ترجمته إلا عرضته على غيري، مُترجمًا كان أم مراجعًا أم كاتبًا أم قارئًا
غير
متخصِّص، وأنا مدينٌ للجميع بما أفادوني به (ولا يزالون) في ترجماتي العربية
والإنجليزية.
ترجمة العنوان إذن لها مقاييس تختلف عن مقاييس الترجمة الوثائقية؛ لأنها تأخذ القارئ
في
اعتبارها وفق النظرية الحديثة التي يُسمُّونها نظرية الترجمة الوظيفية
Skopostheorie، وهو المصطلح الألماني الذي دخل إلى
اللغة الإنجليزية في أواخر التسعينيات (منذ ١٩٩٧م) على يدَي كريستيان نورد، التي نقلته
عن
كاترينا رايس وفيرمير (الألمانيين)، وفحوى هذه النظرية أن المترجم يُحاول أن يجعل النص
المترجم يُؤدِّي لدى قارئه نفس الوظيفة التي يُؤدِّيها النص الأصلي لدى قارئه، بغض النظر
عن
اتفاق الكلمة أو الكلمات المترجمة مع العربية أو الكلمات الأصلية في المعنى المعجمي؛
أي
التعريف الذي تورده المعاجم، وهذا يختلف بعض الشيء عن مذهب الترجمة الوثائقية الذي اتبعناه
في هذا الكتاب؛ فهو يمنح مكانةً أكبر لاستجابة القارئ، حيث يجد المترجم الوظيفي أن عينه
تُركِّز على قارئ النص المترجَم أكثر من تركيزها على كلمات النص الأصلي في معانيها
المعجمية، والواقع أننا نفعل ذلك حتى دون أن ندري في الترجمة الوثائقية أحيانًا؛ فنحن
نُترجم tropical forests بالغابات الاستوائية لا بغابات
المناطق المدارية (the tropics)؛ أي التي تقع بين خط
الاستواء The Equator ومدار الجدي The
Tropic of Capricorn جنوبًا ومدار السرطان The Tropic
of Cancer شمالًا، ونُترجم Tropical
diseases بأمراض المناطق الحارة، لا أمراض المناطق المدارية، ولكننا
نُترجم «الاستوائية» وحدها بكلمة equatorial، وإذا صادفتنا
عبارة الغابات الاستوائية فربما ترجمها بعضهم بتعبير the
rainforest دون أن نجور على أيٍّ من هذه المصطلحات، ولكن أكبر مجال
لممارسة الترجمة الوظيفية هو اللغة الحية، ولغة الحوار والحديث بصفةٍ خاصة، وليس هذا
مجال
مناقشتها؛ فكل ما أردت أن أنتهي إليه هو أن التعنُّت الاشتقاقي في إيجاد لفظ عربي واحد،
بحيث يتساوى في تعريفه المعجمي مع اللفظ الأجنبي، مهما يكن طريفًا، لن تكون له إلا فائدة
معجمية، وأمَّا السياق الحي فيقتضي المرونة وحرية الحركة في العلاقة الثلاثية التي تجمع
بين
المترجم (باعتباره كاتب النص) وبين النص المترجم (باعتباره الرسالة) وبين القارئ (باعتباره
متلقي الرسالة).
وهكذا نعود أدراجنا إلى المثال (١٦)، وما تلاه من مناقشةٍ لموضوع ترجمة
gender باعتبارها عنوانًا لثلاثة أعمالٍ متباينة، فإذا
أصررنا على توحيد العنوان في الكتب الثلاثة، مهما كانت الكلمة المختارة، فسوف نفقد الصلة
مع
القارئ. والواقع أن بعض دُعاة نصرة المرأة feminism (أو
الحركة النسوية أو النسائية الجديدة) يعمدون إلى كسر هذه الصلة عمدًا؛ بُغية الإثارة
ولفت
الأنظار، ولكننا عندما نتحدَّث حديث العقلاء عن مشكلة جمع المذكر وجمع المؤنث مثلًا،
وكيف
يكون الجمع في العربية طابعه التأنيث في الغالب الأعم (انظر «من بديع لغة التنزيل» للدكتور
السامرائي)، فلن نختار لكتابنا عنوانًا هو «النوع» (أو الجنوسة أو الجنسَين … إلخ)، بل
سنقول «المذكر والمؤنث أو قواعد التذكير والتأنيث في العربية أو الإنجليزية مثلًا»، ولننظر
إذن إلى الكتاب الثاني وعنوانه: Gender: The
Pakistani Grindstone Turning، وقد صدر في لندن في
العام الماضي، وهو حافلٌ بالدراسات التي تُبيِّن معاناة المرأة في باكستان من وطأة التقاليد
الهندية القديمة التي تُنسب اسميًّا إلى الإسلام.
ولقد ترجمت هذا العنوان في سياق تقرير أشار إليه على النحو التالي: «المرأة الباكستانية
بين شِقَّي الرحى»، وأمَّا المقال الذي أشرت إليه آخرًا فقد ترجمته «ضمير المتكلِّم بين
التأنيث والتذكير». وما دمنا بصدد المثال (١٦) فأرجو من القارئ أن يعود إليه ليرى كيف
حذفتُ
كلمة officers لأنها من باب الإطناب (الرطرطة) الذي يمجُّه
الذوق السليم، وكيف أدمجت العبارة الافتتاحية في العبارة الرئيسية، فهو ما كان على الكاتب
أن يفعله [The UN relief team members have …]، وهو لم يفصل
بين relief officers وبين team
members إلا لتأكيد ما يرمي إليه من أن الفريق يتكون من «موظفي إغاثة»،
وكلمة «موظفي» officers من الكلمات ذات الدلالة المظلية
التي يجدر بنا أن نناقشها بإيجاز.
فما معنى officer؟
تتساوى كلمة officer مع كلمة holder of an
office أي شاغل وظيفة، أو منصب post،
وقد يوصف هذا وذاك بأنه رفيع high، أو وضيع
low، ولقد بلغ من ارتباط كلمة
officer بالكلمة العربية «ضابط» أن أصبح بعض المترجمين
يُدهشون حين يقرءون تعبير army officer أو
police officer، ويتصوَّرون أن الصفة لا يُقصد بها إلا
التمييز بين هذَين النوعَين من «الضبَّاط»، ولكن الواقع هو أن الكلمة لم ترتبط بالجيش
إلا
ارتباطًا تاريخيًّا؛ فالجنود هم أقدم الموظَّفين الذين عرفهم نظام الدولة الحديثة (و«رواتب
الجند» من القضايا التي تزخر بمعاركها كتب التاريخ في أوربا والوطن العربي!) بل إن الكلمة
اللاتينية التي جاءت منها كلمة soldier الإنجليزية ونظائرها
في الفرنسية والإيطالية تعني «المأجور»؛ أي من يتلقَّى أجرًا ثابتًا من الدولة (الحاكم).
وأمَّا الاستعمال الحديث لكلمة officer فقد تحرَّر تمامًا
من ذلك المعنى وأصبح ينصرف إلى «العمل» المتوقَّع من شاغل الوظيفة؛ ولذلك فإن
Police officer معناها «الشرطي» وحسب، مهما تكن رتبته،
وتعبير field officer قد يعني أي «موظَّف ميداني»، وقد يكون
باحثًا في الميدان؛ أي «على الطبيعة» on site (وهو التعبير
المقابل للبحث المكتبي)، وقد يكون من موظَّفي الرعاية
welfare أو الإغاثة أو ما سوى ذلك. وسوف يلاحظ القارئ
أن الارتباط بين officer وضابط وثيق العُرى، وانظر كيف
ترجمنا liaison officer (أي موظَّف الاتصال) فأصبحت ضابطًا،
ويتجه الكُتَّاب في اللغة الشائعة اليوم إلى حذف officer
اكتفاءً بالكلمة الأولى، التي أصبحت اسمًا يُجمع! كما استحدثوا تعبيرًا جديدًا هو
focal point باعتباره تعبيرًا ذا مظلة دلالية؛ فهو يعني
«نقطة اتصال» حرفيًّا؛ أي نقطة ارتكاز يمكن الرجوع إليها، ولكنه قد يعني شخصًا مفردًا
أو
مكتبًا بمعنى إدارة (office) أو لجنة أو هيئة! وقد يمر
المترجم بتعبيراتٍ مستحدثة مبنية على هذا المفهوم، مثل تعبير officer in
charge أي «النائب» — حرفيًّا «الموظَّف الذي يقوم بأعمال موظَّفٍ أعلى
رتبةً أثناء غيابه» — وأحيانًا ما نختصرها إلى «القائم بالعمل»، وهي تتحوَّل عند
الدبلوماسيين إلى «القائم بالأعمال» chargé d’affaires،
وتُكتب بحروفها الفرنسية! ونحن نذكر في هذا الباب تعبير ex
officio أي بحكم المنصب، والفعل
officiate بمعنى يؤدِّي أو ينهض بعملٍ مُعيَّن! ومنه
تأتي الصفة official ومعناها «رسمي»، فإذا استعملت اسمًا
كان معناها هو المسئول (بالجمع في العادة (officials) أي
المسئولون)؛ أي إنها تتحوَّل إلى اسم مستقل.
وقد اشتُقت من الاسم office صفةٌ أخرى قد يختلط معناها
حتى على أبناء اللغة الإنجليزية أنفسهم وهي (officious)،
وأذكر أنني سمعت حوارًا في أواخر أيام إقامتي في إنجلترا بين فتاةٍ إنجليزية ضاقت ذرعًا
بتدخُّل رئيستها في كل صغيرةٍ وكبيرة في العمل، وكانت الرئيسة من أصلٍ ألماني تُدعى السيدة
فايس Weiss، ثم تسمَّت بالاسم المقابل بالإنجليزية وهو
white، وإن كان مبغضوها يحبُّون الإشارة إليها باسمها
الأصلي الذي يوحي نطقه الألماني بالكلمة الإنجليزية التي تعني الرذيلة
(Vice)، وعندما عبَّرت الفتاة عن ضيقها لزميلٍ لها حديث
العهد بالعمل، وكان يقدِّر «خدمات» و«تدخُّلات» السيدة فايس، ظنَّ الشاب أن الفتاة تمتدح
رئيستها:
-
Girl:
You’ve noticed how officious Mrs Vice is, haven’t
you?
-
Boy:
Oh, yes! And so nice too!
-
G.:
Is she? She’s got eyes in the back of her head, and has a
finger in every pie!
-
B.:
But she’s so upbeat and helps with the streamlining of the
office!
-
G.:
Let her streamline you! You’re welcome to have
her!
-
B.:
Oh, come, come! She’s not such a monster! It’s nice to have
someone to play around here!
وسوف أُرجئ ترجمة هذا الحوار حتى أُناقش الكلمتَين اللتَين وردتا في حديث الشباب
وهما
upbeat وstreamlining؛
فالمعنى الأصلي للأولى هو نبرة الإيقاع المرتفعة التي تأتي في آخر «مازورة» موسيقية
(bar)، وأشاع الأمريكيون استعمالها بمعنى التفاؤل
والإشراق (وعكسها downbeat)، وهي تعني هنا أن الرئيسة
تتميَّز بالنشاط والمرح، وقد دخلَت الكلمة بالمعنى الجديد إلى الاستعمال البريطاني في
الآونة الأخيرة، وأمَّا الكلمة الثانية streamlining فالأصل
فيها أن يكون شكل الشيء انسيابيًّا حتى لا يُواجه مقاومةً في الماء (القارب) أو الهواء
(الطائرة)، ثم استُعيرت لتنظيم العمل حتى لا يُواجه أية عقبات في التنفيذ، فأصبحت تفيد
السلاسة والانتظام. فإذا تأمَّلنا الحوار وجدنا أن كلمة
officious تعني في حديث الفتاة أن السيدة فايس تدس
أنفها في كل شيء، استنادًا إلى سُلطتها، ولكنها تعني مدَّ يد المساعدة (ولو لم تُطلب
منها)
في حديث الشاب! وللمترجم أن يختار المعنى الذي يفهمه هنا من السياق، وهاك الترجمة إلى
العامية:
-
الفتاة: شايف الست فايس بتتدخل في الشغل إزاي؟
-
الشاب: آ .. ولطيفة قوي!
-
ف: لطيفة؟ دي بتشوف من قفاها وبتحشر نفسها في كل حاجة!
-
ش: بس هِلِهْلية وبترتب شغل المكتب وتنظمه!
-
ف: خليها تنظمك أنت! اشبع بيها!
-
ش: إيه الكلام ده بقى؟ انتي حتخليها بعبع والا إيه؟ أنا فرحان ان فيه واحدة
بتراعينا وقلبها علينا!
وربما وجد بعض القُرَّاء صعوبةً في فهم الكلمة العامية هِلِهْلي (ومؤنثها في النص)،
وهي
كلمةٌ مصرية لا أدري مصدرها، وإن كنت أظن أن لها علاقةً بالتهلُّل والبِشر، وعادةً ما
يوصف
بها الشخص البسَّام الذي لا يحمل للدنيا همًّا، والمعنى قريبٌ من التعبير الإنجليزي
happy-go-lucky، وأحيانًا ما نشير إلى هذا الشخص بأنه
«فايق ورايق» (بنطق القاف همزة في الكلمتَين)، والدكتور بدوي لا يورد كلمة هلهلي في معجم
اللغة العربية المصرية، مكتبة لبنان، ١٩٨٦م؛ ربما لأنه يعتبرها لهجةً محلية
dialectal، وربما كان الأصل هو كلمة هلا هلا (بتفخيم
اللام) مثل ها الله ها الله! وهي التي نعرفها في الدارجة المسجوعة rhyming
slang (ها الله ها الله يا عم عبد الله!) (انظر كتابي:
Lexical Approaches to
Translation, Cairo, 1999) والله أعلم.
ولقد حاولت في هذَين الملحقَين أن أتدارك بعض ما فاتني من كلمات لا تتميَّز بنفس
القدر من
الشيوع، مثل الكلمات الواردة في أبواب الكتاب الأخرى، سواء كانت مُتخصِّصةً أم خلافية،
وكنت
في منهجي أتبع طريقًا وسطًا يجمع بين الترجمة الوثائقية والترجمة الوظيفية، ولمَّا كنت
أعلم
أن المترجم المحترف professional؛ أي الذي يحترف مهنة
الترجمة نادرًا ما يشغل باله بالنظريات، على عكس الباحث الأكاديمي في الترجمة
a translation scholar الذي يدرس الترجمات، ويستخلص
المبادئ وصولًا إلى رصد الأُسس النظرية والتفرقة بين مذاهب الترجمة، وعلى عكس العالِم
الذي
يلجأ إلى الترجمة في تخصُّصه وحسب (a specialist
academician)، ومن ثم فهو مُمارس للترجمة دون احترافها
(practitioner)، وعلى عكس المبتدئ a
beginner الذي كنتُ وجَّهت إليه كتابي الأول «فن الترجمة» للشركة
المصرية العالمية للنشر — لونجمان (١٩٩٣م) — فقد رأيت أن أُذيِّل هذا الكتاب بملحقٍ ثالث
يضم أهم المصطلحات التي تهم هذه الفئات جميعًا، والذين يمكن أن يُطلق على كلٍّ منهم صفة
المترجم. وقد سبق لي أن عرضت في ثنايا هذا الملحق لمعنى الترجمة الوظيفية، وأعتقد أنها
نظرية المستقبل، وهي جديرة بكتابٍ مستقل، ولكنني سأكتفي بمعجمٍ موجز يتضمَّن أهم الاصطلاحات
الإنجليزية المستخدمة في إطارها؛ فلقد تخَطَّينا التقسيمات القديمة إلى الترجمة التوصيلية
communicative (التي تنقل المعنى فحسب)، والدلالية
semantic (التي تنقل الشكل والمعنى جميعًا)، ونظرية
النص المترجَم السلس fluent؛ أي الذي يتفق مع مصطلح اللغة
المترجم إليها، ونقيض ذلك هو النص المترجم ذو الرطانة؛ أي الذي يفتقر إلى السلاسة، ومن
ثم
فكأنه يقاوم القارئ ولذلك يوصف بأنه resistent؛ وذلك لأنه
لا يراعي مصطلح اللغة المترجم إليها، وينضح بلكنةٍ ترجع إلى النص الأصلي.
أقول إننا تخطَّينا ذلك كله وأصبحنا في عصر النحو الوظيفي واللغة الوظيفية والترجمة
الوظيفية! ولقد طبَّقت هذه النظرية على تناولي للترجمة الوثائقية في كل ما عرضت له في
هذا
الكتاب؛ فالترجمة الوثائقية المحضة لا تصلح إلا للنصوص الجافة في سياق المعاملات السياسية
والدبلوماسية، وهي أقرب ما تكون إلى الترجمة التوصيلية التي تتطلَّب دِقة التعبير وصلابته،
وهي مجال جد محدود لا يهمُّنا فيه إلا المصطلح ومعناه على نحو ما أوضحنا آنفًا، وأمَّا
إذا
تجاوزناه فسوف نُدرك مدى قصور الاقتصار على معنى اللفظ أو الألفاظ وإن أصبنا إدراكه!
ولا بد
أن أختتم هذا الملحق بمثالٍ على ذلك.
كلنا يعرف أغنية عبد الوهاب «قالت»، وهي مقطوعةٌ من شعر صفي الدين الحِلِّي (بكسر
الحاء
وكسر اللام وتشديدها)، ومطلعها:
(١٧) قالت كحلت الجفون بالوسن
قلت انتظارًا لطيفك الحسن
وعبد الوهاب يشدِّد الحاء في كحلت، وهو خطأ؛ لأن البيت من المنسرح ولا بد من فتح الحاء
دون تشديدها، فإذا أردنا ترجمة البيت فلا بد أن نتساءل عمَّا يعني. الشرح يسير: قالت
حبيبتي
بعد أن هجرتني إنك لم تكترث لابتعادي عنك فنمت قرير العين، ولكنني أجبتها بأنني لم أنَم
إلا
ترقُّبًا أو أملًا في أن أرى طيفها في المنام حتى يُعوِّضني عن رؤيتها في اليقظة! فإذا
ترجمنا هذا المعنى كُنَّا نمارس الترجمة التوصيلية، وإذا ضغطنا الألفاظ وأتينا بقافيةٍ
ووزن
كنا نُمارس الترجمة الدلالية، أمَّا إذا ترجمنا الألفاظ بمعانيها الدقيقة فسوف نكون ممارسين
للترجمة الوثائقية، وأمَّا إذا تخَطَّينا ذلك كله إلى ما يريد الشاعر أن يفعله؛ أي باعتبار
القول فعلًا في سياقٍ يُشارك فيه المستمع أو القارئ، ثم حاولنا محاكاة هذا الفعل
بالإنجليزية إزاء قارئٍ إنجليزي لا عربي؛ فسوف نكون قد اقتربنا من الترجمة الوظيفية.
ماذا يفعل الشاعر هنا؟ هل تكحيل الجفون بالوسن يوازي النوم الهانئ؟ وهل فعل يكحل مقصورٌ
على النوم؟ يقول شوقي:
(١٨) يا حبيبي كحَّل السُّهد جفوني
مُذ نَبا طيفك عن عيني وغاب
وإذن فإن تكحيل الجفون من مصطلح اللغة الاستعاري a figurative
idiom، الذي لا يُمثِّل صورةً شعرية خاصة (to apply
kohl to the eyelids)؛ لأن الكحل قد يكون النومَ وقد يكون السُّهاد،
وإذا كان من المتصوَّر أن يتسبَّب السُّهاد في إضفاء الظِّلال والغضون على الوجه أو العين،
كقولك: a face or an eye lined with anxiety أو
shaded with worry أو darkened with
insomnia، كما يقول الشاعر (شوقي):
(١٩) حيران القلب مُعذَّبه
مقروح الجفن مُسَّهده
والمقصود بالمقروح هو الملتهب sore أو حتى
inflamed بسبب كثرة السُّهاد، فإنه من العسير إطلاق
الوصف نفسه على الجَفن الذي ينعم بالنوم! ولا بد إذن أن يكون للكحل هنا معنًى جميل، فهل
تُرى يوازي:
You have adorned your eyes with the kohl of
sleep?
فإذا تخطَّينا هذه العقبة، وجدنا عقبة الطيف، وهي كلمةٌ ذات تاريخ طويل في الشعر
العربي،
فكان الشعراء يعنون به صورة الحبيبة التي تتراءى لعين الحبيب بعد الرحيل أو في المنام،
وعلى
هذا يمكن تفسير بيت شوقي الأول، وإن كان يمكن تفسير «مُذ نبا طيفك عن عيني وغاب» بأنه
يعني
«منذ أن افترقنا فلم أعد أراك». والطيف قد يكون خيالًا
phantom أو ظلًّا
shadow أو صورةً image
أو وَهمًا phantasy، وقد يُدهش القارئ لإيرادي كلمة
phantom التي شاعت اسمًا لطائرةٍ أمريكية، كما شاعت
باعتبارها لفظةً موازية للشبح ghost (مع أن هذه الأخيرة
أقرب إلى الروح أو النفس مثل الألمانية Geist)، ولكن الشعر
الإنجليزي يعرف الكلمة بالمعنى العربي؛ إذ يقول وردزورث:
(20) She was a phantom of
delight
When first she gleamed upon my sight
A lovely apparition
sent
To be a moment’s ornament
Her eyes as stars of twilight fair;
Like twilight’s, too, her dusky hair
But all things else about her drawn
From May-time and the cheerful dawn,
A dancing shape, an
image gay,
To haunt, to startle, and way-lay.
وقد رسمتُ بالحروف المائلة الكلمات التي تُقابل الطيف لدينا حتى لا يقنط المترجم
من إيجاد
مرادف لكلمتنا العربية، مهما تردَّد وحار في المفاضلة استنادًا إلى التفسير الخاص به،
وأمَّا معنى البيت الأول فالإضافة فيه تُضيف الوصف، فهو ليس «طيف البهجة» بل الطيف البهيج،
كقولك بالعربية رجل المروءة والكرم (ونحن نقول بالإنجليزية أيضًا a man of
generostiy)، والمقصود هو الطيف الذي يبعث السرور والحبور، وكلمة
apparition توازيها في المعنى، فهي طيفٌ أيضًا، ولو أن
المُحدثين يستعملون الكلمة في وصف «الشبح»؛ أي كل ما يتراءى للإنسان دون أن يعرف ماهيته.
وقِس على ذلك كلمة shape التي تتميَّز بالمزيد من التحديد،
ثم نصل إلى image ذات المعنى المحدَّد؛ أي إن الشاعر يسير
بخطواتٍ محسوبة من الطيف المجرَّد إلى الصورة المحدَّدة، كأنما يزداد الطيف وضوحًا وتحديدًا
كلما اقتربنا منه! وهاك ترجمةً «وظيفية» لأبيات وردزورث (قبل أن نعود إلى صفي الدين
الحِلِّي):
(٢١) كان طيفًا طاف بالفرح عَلَيَّا
حين لاحَ برقُه في ناظريَّا
طيفُ حُسنٍ من وراء الغيب مرسل
رصَّع اللحظة بالدُّر جليَّا
مقلتاها في جمال نجمتَين
تسطعان في الأفق
شعرُها مثل الشفق
لونُه من الغسق
ما عدا ذاك لديها مستقًى من الربيع
وابتسامة السَّحَر
قُل خيالٌ راقصٌ حولك
صورةٌ ذات مراحٍ تسكنك
فِتنةٌ قد تتربَّص .. أو تفاجئك!
ولن أُناقش هنا ترجمة الشعر فقد أفردت لذلك كتابًا هو «الترجمة الأدبية»
(الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، ١٩٩٧م)، ولكنني هنا أحاول أن أُبيِّن وحسب
أن
الطيف والخيال والصورة كلماتٌ مألوفة في الآداب الغربية، والقارئ العربي الذي يسمع «قولي
لطيفك ينثني عن مخدعي»، يتصوَّر أن ذلك مقصورٌ على آدابنا، وما هو كذلك، ولكن الصعوبة
في
قصيدة «قالت» تكاد تنحصر في فعل «القول» نفسه؛ فالإنجليزي لا يستخدم
say ومشتقاته في كل موضعٍ كما نفعل بالعربية، بل هو
يقول «سأل»، «أجاب»، «استفسر» … إلخ. وكثيرًا ما يُحوَّل مقول القول إلى جملةٍ تحمل مفاد
القول لا الكلمات ذاتها، ومن هنا فإن الترجمة المعتادة للحديث النبوي مثلًا عادةً ما
تكون
وثائقية بسبب ضرورة نقل مقول القول حرفيًّا لا مفاده، ومفاده هو ما نقصده بتعبير «ما
معناه
كذا …» وكذلك الأمر بالنسبة للنصوص الدينية وعلى رأسها كتاب الله العظيم، أمَّا في الشعر
وفي الأدب، بل وفي النصوص غير الأدبية أيضًا، فللكاتب أن يتحرَّر من الالتزام بمقول القول،
وله أن يُحوِّل الحديث المباشر direct speech إلى حديثٍ
مرويٍّ أي غير مباشر، وهذا يُخرجنا من الترجمات الوثائقية إلى الترجمة الوظيفية وفقًا
لتعريفها السابق، وهنا سنجد أن النص المترجم سوف تتعدَّد صوره بتعدُّد مفاهيم المترجمين
عنه
وعن القارئ المتوقَّع له، وباختلاف تفسيراتهم لجمالياته aesthetic
features؛ أي خصائصه الشعرية poetics
(ويُترجمها بعض المحدثين بالشعرية وحسب)، وهذا هو الواقع الذي نشهده فعليًّا في ترجمة
معظم
الأعمال الأدبية القديمة أو المعاصرة؛ ولذلك فأنا أومن بضرورة الجمع بين مذهب الترجمة
الوثائقية (انظر الملحق الثالث) ومذهب الترجمة الوظيفية؛ حتى تُوفِّر الضوابط اللازمة
لصدق
محاكاة (imitation) النص المترجم للنص الأصلي وصدق تمثيله
له (representation) في الحالات التي تتعذَّر فيها
المحاكاة.
وهكذا نجد أن ترجمة بيت صفي الدين الحِلِّي يمكن أن تتخذ عدة صور وفقًا لكل مذهبٍ
من
المذاهب الثلاثة السابقة (أي الوظيفية، والوثائقية، والجامعة بينهما).
(1) “You’ve happily slept [in my absence]”, she said “Only”,
I replied, “in the hope of dreaming of your beautiful face”.
(2) “You’ve adorned your eyelids with the kohl of sleep”, she
said.
“Only in expectation”, I said, “of your beautiful
phantom”.
(3) “You’ve been sleeping well in my absence”, she said;
“true”, I replied, “but only in the hope of dreaming of your lovely
image”.
وأعتقد أن ذلك يكفي لإيضاح المقصود، وسوف أورد أبيات صفي الدين الحِلِّي التي يُغنِّيها
عبد الوهاب كاملةً مع أقل قدر (a modicum of) من
التعليقات:
قالت كحلت الجفون بالوسن
قلت انتظارًا لطيفك الحسن
قالت تخلَّيت بعد فُرقتنا
قلت عن مسكني وعن سكني
قالت تشاغلت عن محبتنا
قلت نعم بالبكاء والحزن
قالت تخلَّيت قلت عن جَلَدي
قالت تغيَّرت قلت في بدني
قالت أذعت الأسرار قلتُ لها
صيَّر سري هواك كالعلن
قالت سررت الأعداء قلت لها
ذلك شيء لو شئت لم يكن
قالت فما ذا تروم قلت لها
ساعة سعد بالوصل تُسعدني
أي إن لفظ قالت وقلت يتكرَّر ١٦ مرةً في غضون سبعة أبيات، ولاحظ الإيجاز الشديد في
بعض
الأبيات؛ كأن يستخدم الشاعر فعلًا دون مفعول، وهذا ممَّا يصعب نقله إلى الإنجليزية إلا
بتصرُّفٍ كبير؛ فالفعل «تخلَّيت» في البيت الثاني يمكن ترجمته “You’ve
turned away” مثلًا، حتى نتجنَّب المفعول به، ولكن للمعنى بقية لا مناص
من إيرادها، وهو «التخلي عن المسكن»، وهو لا يقصد هنا الانتقال إلى شقةٍ أخرى، بل يقصد
التشريد (homelessness not moving house)؛ أي إنه أصبح بلا
مأوًى؛ لأن الحب كان مأواه! و«التخلي عن السكن» بمعنى هدوء البال أو وراحة النفس
(Peace of mind)، ومعنى ذلك الإصرار على إيجاد فعل يقبل
الوقوف وحده، ويقبل أيضًا الدخول في عَلاقةٍ منطقية مع بقية العبارة، ولم أستطِع أن أعثر
على ديوان صفي الدين الحِلِّي حتى أتحقَّق من صحة هذا الفعل، ولكن وجود الفعل نفسه في
البيت
الرابع يجعلني أظن أن عبد الوهاب قد استبدله هنا بالفعل الأصلي الذي قد يكون «تحوَّلت»،
وإن
كان ذلك لا يقلِّل من الصعوبة القائمة. وأمَّا «تشاغلت» فالمقصود بها وجدت ما يلهيك
(found a diversion) لا وجدت ما يُعزِّيك أو ما يُسرِّي
عنك (solace and comfort)، والجَلَد هو
fortitude مثلًا إذا كان المقصود القدرة على تحمُّل
معاناة البُعد عن المحبوب أو patience أو ما إلى ذلك، وسوف
نُلاحظ أن التغيير «في البدن» يجب ألَّا يخرج بالإنجليزية على هذه الصورة
(in body/physically … etc)، وإلا أوحى بتحوُّلات المسخ
metamorphosis، والأفضل أن تكون الصيغة على النحو
التالي مثلًا:
“You’ve changed”, she said; “only by wasting away/pining for
your love/wilting etc”.
ولنلاحظ أن الأسرار قد تعني secrets وقد تعني
confidence خصوصًا بين المحبِّين، والعلن ليس
public (أو publicity
التي تعني الدعاية)، بل هو common knowledge، كما أن «يسر»
تعني هنا to gladden the heart of وليس
please أو gratify،
وأخيرًا فإن «تروم» ينبغي أن تفسَّر عدة تفسيرات ليس من بينها
want! وسأتركها هي وموضوع السعد لخيال القارئ، كما
سأترك فكرة الوصل، وإن كنت أقول إنها يمكن أن تعني
consummation مثلما تعني
reunion؛ أي اجتماع الشمل بعد الفراق!