الباب الثامن:
association
(١-٨) الفعل associate معناه يربط أو يقرن، وهذا هو
المعنى الكامن في جميع معاني الاسم المشتق منه؛ أي كلمة
association التي قد تعني عملية الربط أو الاقتران، وهو
المعنى الموجود في تعبير association of ideas، والذي
يُترجَم عادةً بتداعي المعاني أو الأفكار؛ أي إن الفكرة التي تخطر على الذهن تدعو فكرةً
ترتبط بها برباط التشابه أو حتى برباط التضاد، وهذه هي الحجة التي يُقيمها الدكتور إبراهيم
السامرائي تفسيرًا لوجود الأضداد في اللغة العربية؛ أي الكلمة التي تعني الشيء وضده،
فهو
يقول في تفسير ذلك إن الضد قد يكون أول ما يستدعيه لفظٌ من الألفاظ، ومن هنا جاء الخلط
بين
المعنيَين ونسبتهما معًا إلى اللفظ الواحد. ويُعتبر أسلوب التداعي الحر؛ أي
free association من الأساليب المتبعة في التحليل
النفسي؛ أي محاولة تشخيص العلة النفسية، بمحاولة الوصول إلى المعاني الكامنة في اللاشعور،
وهو الأسلوب الذي استخدمه كارل جوستاف يونج C. G. Jung أول
الأمر في الثلاثينيات، ثم أصبح معتمَدًا من بعده؛ إذ اكتشف أن مَن يعاني من مرضٍ نفسي
قد
ترتبط بعض الأفكار في ذهنه، استنادًا إلى غير الأسس التي تحدِّد روابطها لدى السوَي
normal؛ فكلمة النار قد ترتبط في ذهن السوَي بالموقد أو
حتى بالماء، لكنها إذا ارتبطت في الذهن على مستوى اللاوعي ﺑ «النحو»، فقد تدل على تجرِبةٍ
دفينة في العقل الباطن كان المريض فيها يتعرَّض فيها للتعذيب بالنار (بالكي مثلًا) إذا
أخطأ
في النحو! وعلماء النفس المُحدَثون يميلون إلى رفض التحليل النفسي برُمَّته، ويرفضون
كلمة
العقل الباطن القديمة subconscious وكلمة اللاشعور
unconscious، مؤكِّدين أن المعنى هو اللاوعي، ولكن
البعض ما زال يؤمن بأسلوب التداعي.
وكان مبدأ التداعي أيضًا من المبادئ النفسية القديمة التي نادى بها في القرن الثامن
عشر
فيلسوفٌ يُدعى هارتلي، وكان له تأثيرٌ في الشاعر الأشهر وليم وردزورث، وهما يقولان بما
قال
به ابن خلدون في القرن الرابع عشر من ارتباط ما يراه الإنسان بأفكارٍ مُعيَّنة، وأن
الارتباط هو مبدأ استدعاء الأشياء والأفكار بعضها للبعض. والاستعمال المجرَّد للكلمة؛
أي
الذي لا يقبل صيغة الجمع، لا يزيد على ذلك المعنى.
(٢-٨) أمَّا الاسم الذي يقبل الجمع فهو يعني أي مجموعة من الناس يرتبطون بغايات مشتركة
أو
اهتمامات متقاربة، ممَّا يمكن أن نطلق عليه اسم «الرابطة» أو «الجمعية»؛ أي
League, Society، ومن أشهرها رابطة أو اتحاد «مُلَّاك»
السيارات في بريطانيا Automobile Association واختصارها
AA ونظيرتها في أمريكا بإضافة عبارة
(AAA) of America. وهذه رابطةٌ تعتمد على الاشتراكات —
subscriptions — وهي مساهماتٌ مالية يدفعها الأعضاء
مرةً في السنة مقابل خدمات النجدة والغوث في حالة تعطُّل السيارة أو عند وقوع حادثة.
ومن
أشهرها أيضًا Young Men’s Christian Association وهي جمعية
الشبان المسيحية العالمية التي شاع مختصرها YMCA، ونظيرتها
للنساء هي YWCA، وهي منظَّمةٌ خيرية تقدِّم خدماتها للشباب
من الجنسَين من كل بلد، وتختلف أمثال هذه المنظَّمات عن الجمعيات العلمية
learned societies والنقابات العمالية والمهنية
trade unions، في عدم اشتراط التخصُّص في مهنةٍ أو عمل،
بل الاكتفاء بالغاية؛ فاتحاد السيارات مفتوحٌ أمام كل مالك سيارة، ومنظَّمة الشباب لا
تشترط
إلا الشباب، والواضح من هذا كله أننا لم نتفق بعدُ على ترجمةٍ ثابتة للكلمة.
(٣-٨) أكثر الترجمات شيوعًا هو «اتحاد»، والأمثلة عليه قيام بعض الهيئات التي تمارس
نشاطًا واحدًا في بلدٍ واحد أو بلدان كثيرة بتكوين هيكل يربط بينها ويخدم مصالحها؛ أي
إن
المعنى الحديث للكلمة يكاد يقتصر على الهيئات دون الأفراد، وإن كان كثيرًا ما يضم الأفراد؛
فلدينا في مجال الأرصاد الجوية اتحادات إقليمية regional
associations تضم المصالح الحكومية للأرصاد الجوية في الأقاليم
الجغرافية الخمسة للعالم، والمتخصِّصون يفضِّلون قصر تعبير الإقليم
region على الإقليم الجغرافي، وإن كان الصحفيون
يستخدمون الكلمة مرادفةً لكلمة «منطقة» zone أو
area، وهو استخدامٌ فضفاض. والاتحاد الإقليمي يضم
المصالح الحكومية دون سواها، ويعقد اجتماعاتٍ دوريةً في عاصمة كل بلدٍ من بلدان الإقليم،
وله هيكله التنظيمي بطبيعة الحال، ولكنه ليس محكمًا أو ثابتًا، فهو اتحادٌ أقرب إلى
التجمُّع منه إلى المنظمة الرسمية.
وممَّا يُعيننا على إدراك معنى الاتحاد هنا التعبير الذي يُطلَق على لعبة كرة القدم
الإنجليزية، وهي التي نمارسها في مصر وفي البلاد العربية وغيرها، ألَا وهو
association football واختصارها
soccer، وهو الاختصار المشتق من الكلمة اللاتينية
الأصلية socius، بمعنى صاحب أو رفيق أو زميل، وتُنطق
سوكيوس، والتي أضيفت إليها السابقة ad فأخرجت لنا
associate، وتختلف هذه اللعبة عن غيرها من لعبات كرة
القدم مثل الرجبي rugby وكرة القدم الأمريكية
American football في أشياءَ كثيرة، ولكن المهم أن نعرف
أن association هنا تعمل عمل الصفة؛ أي إنها تصف كرة القدم
المألوفة لدينا بنسبتها إلى أول اتحاد ينشأ لكرة القدم في العالم، وهو الاتحاد الذي أُنشئ
في إنجلترا عام ١٨٦٣م ليضع قواعد اللعبة، وكان اسمه Football
Association، ثم أُخذت منه الكلمة وأُطلقت على اللعبة تمييزًا لها عن
غيرها، ولا يزال الاسم قائمًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم
FIFA، وهو اختصارٌ شائع للتعبير الفرنسي الذي يعكس اسم
اللعبة (Fédération Internationale de Football
Association).
وأمَّا كلمة رابطة التي أحيانًا ما تظهر في الترجمة موازيةً لكلمة
league فهي أقل شيوعًا، والغريب أننا ترجمنا جامعة
الدول العربية إلى League of Arab States، وترجمنا
League of Nations التي سبقت الأمم المتحدة إلى عُصبة
الأمم! والأغرب أن يُستخدم تعبير The League في إنجلترا
للإشارة إلى مسابقة الدوري العام لكرة القدم، بمعنى أن أندية كرة القدم ترتبط في مسابقةٍ
دورية تقام كل عام، ويفوز فيها أحد الأندية إذا جمع أكبر قدر من النقاط. والمعنى الكامن
هو
أن جميع الأندية يلاعب بعضها بعضًا، وتنقسم الأندية إلى الدوري الممتاز
First Division، ومن بعده التقسيمات الأخرى المعهودة في
مصر والعالم العربي. وهكذا فإن the league champion هو
النادي الذي يفوز ببطولة الدوري!
(٤-٨) أكثر الترجمات شيوعًا كما قلنا هو «اتحاد»، فاتحاد كرة السلة الأمريكي هو
National Basketball Association (NBA)، والغريب أن
الكلمة غير مدرجة في المغني الأكبر؛ فهو يقصر ترجمات الاسم على «مشاركة/شرك
(بالله)/صلة/خلطة/معشر/جمعية»، ولا يصلح أيٌّ منها
للمعنى الشائع للكلمة، باستثناء الأخيرة التي نترجم إليها بعض أنواع المؤسَّسات التي
تُعتبر
فعلًا جمعيات، مثل جمعية اللغات الحديثة في أمريكا Modern Language
Association (MLA)، والتي تصدر مجلَّتها الشهيرة
PMLA (وكانت فيما سبق
PMLAA، والحرف الأول يرمز لكلمة
publication والأخير إلى (of)
America)، وقد يكون الأستاذ الكرمي مؤلِّف المعجم قد ركَّز على المعنى
المجرَّد للكلمة بدلًا من المعاني المجسَّدة أو المحدودة، وكان الأحرى به أن يتناول المعاني
جميعها ويضرب لها أمثلة.
ولكن «اتحاد» تؤدِّي إلى مشكلةٍ أخرى وهي ارتباطها في الذهن العربي بكلمة
union، وهذه كلمةٌ تكاد تكون مقصورةً على النقابات
باعتبارها اختصارًا لتعبير trade union البريطانية
وlabor union الأمريكية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن
trade لا تعني التجارة، بل العمل أو الحرفة أو المهنة
أو الصنعة تمامًا مثل business، ولعلنا نذكر الأبيات
التالية للشاعر وردزورث:
The moving accident is not my trade,
To freeze the blood I have no ready
arts,
’Tis my pleasure, alone in summer shade,
To pipe a simple song for thinking
hearts.
الحادث المثير ليس صنعتي،
وما يجمِّد الدماء في العروق ليس في يدَي،
لكنني أروم مُتعتي،
إذا أظلَّتني ظلال الصيف وحدي،
في عزف لحنٍ ساذج لكل قلبٍ يهتدي!
ولذلك فقد يسأل شخصٌ صاحبه ما صنعتك؟ What’s your
trade?، أو قائلًا: What’s your line of
business?، واشتباك الكلمة مع union
جعل الكثيرين لا يُدركون معناها الحقيقي؛ فنقابة الصحفيين في بريطانيا هي
The National Union of Journalists (NUJ) واتحاد
النقابات العام هو Trade Unions Congress (TUC)، ونقابة
المعلِّمين هي The National Union of Teachers
(NUT).
وليسأل سائلٌ ما بال trade قد أصبحت تعني التجارة؟ وهنا
نعود إلى التعبير الاصطلاحي في الفقرة السابقة line of
business؛ ففيه يكمن السر! إن كلمة
trade مشتقةٌ من الكلمة القديمة في الإنجليزية الوسطى
واللغات الجرمانية التي تعني خط السير أو مجرى النشاط، وهي وثيقة الصلة بكلمة
track (مضمار) وtrede
القديمة التي تعني يمشي أو يطأ ومنها tread الحديثة! ولمَّا
كانت خطوط السير هي خطوط أو مسارات نقل البضائع، أصبحت الكلمة مرتبطةٌ بالعمل في ذلك
المضمار وبالتبادل؛ أي التجارة! والمعاجم الإنجليزية الكبيرة تحدِّد تواريخ شيوع كل معنًى
من هذه المعاني، ولكن الذي يهمُّنا هنا هو التركيز على تمايز المعنيَين (١) العمل و(٢)
التبادل؛ ولذلك فالكلمة تختلف عن كلمة commerce التي تعني
التجارة أيضًا، وإن كانت عناصرها تختلف؛ فهي تتكوَّن من السابقة
com (cum اللاتينية)
التي تفيد المشاركة، وmerce المشتقة من
mecris، وهي حالة المضاف إليه من الكلمة اللاتينية
merx بمعنى البضائع أو مكان بيعها وشرائها؛ أي السوق
التجارية! ولذلك فكلمة trade أعمُّ وأشمل، ويكفي أن نشير
هنا إلى الفرق بين النقابة (TU) وبين الاتحاد التجاري؛ أي
الرابطة التي تضم عددًا من التجار تُعنى بمصالحهم trade
association.
(٥-٨) ولا تتوقَّف مشكلات «اتحاد» عند كلمة union، بل
ربما بدأت بها؛ فنقابة العاملين بالإذاعة في بريطانيا اسمها Association of
Broadcasting Staff (ABS)، كما أن الاتحاد الجمركي
customs union ليس نقابة! والواقع أنه أقرب شيء إلى
الاتفاقية بالمعنى الذي سبق تحديده، التي تضع أُسس التعريفات الجمركية الموحَّدة للمشاركين
فيه، أو هو نوعٌ من الترتيبات an arrangement المتَّفق
عليها فيما يتعلَّق بالمعاملة الجمركية لصادرات الأعضاء ووارداتهم! ونحن ملتزمون بما
جرى
عليه العُرف؛ لأننا لو خرجنا عنه ما فهمنا الناس!
(٦-٨) وأخيرًا لا بد من التنبيه إلى أن union عندما
تُشتَق منها أسماء أخرى مثل unionist، يختلف معناها بعض
الشيء، فإذا كتبناها بحرفٍ صغير في البداية كان معناها «النقابي»، وهي الصفة التي تُطلق
إمَّا على رجال النقابات أو العمل النقابي، أمَّا إذا كتبناها بحرفٍ كبير في البداية
أصبح
لها معنيان تاريخيان؛ الأول هو مؤيِّد توحيد أيرلندا، والثاني هو مؤيِّد توحيد الولايات
المتحدة؛ أي مؤيِّد الحكومة الاتحادية The Federal
Government إبان الحرب الأهلية الأمريكية، ونحن ننوِّه بهذَين
المعنيَين لأننا نميل في العالم العربي إلى استخدام الكلمة ترجمةً لكلمة وحدوي (ويبدو
أن
هذه الكلمة الجديدة قد شاعت فلم يَعُد هناك مجال للطعن فيها، بل أدَّى بناؤها الصرفي
إلى
قياس كلماتٍ أخرى عليها؛ مثل سُلطوي نسبةً إلى السلطة، ونهضوي نسبةً إلى النهضة)، أمَّا
خطأ
ترجمتها بالكلمة الإنجليزية المشار إليها فواضحٌ ممَّا سبق، والأصَحُّ أن تُترجم إلى
Pan-Arabism؛ فهذا هو المعنى المقصود بالوحدوية؛ أي
الإيمان بالوحدة العربية أو الدعوة إليها. وسيلاحظ القارئ أننا لا ننسب إلى «اتحاد» العرب
فنقول «اتحادي» خوفًا من الخلط مع كلمة Federal التي
نترجمها أحيانًا إلى «اتحادي» وأحيانًا إلى فيدرالي، أو مع كلمةٍ أخرى هي
confederation، وهي كلمة ذات جذور تاريخية أيضًا في
أمريكا، وإن كانت تُستخدم اليوم مرادفةً لكلمة Association
في تعبير (CBI) The Confederation of British Industries،
وهو اتحاد الصناعات البريطانية الذي يتبنَّى وجهة نظر أصحاب العمل، في مقابل النقابات
التي
تتبنَّى وجهة نظر العُمَّال!
والخلاصة هي أن التفرقة على أساس المعنى الأصلي أو الاشتقاقي محالة، وعلينا أن نحتفظ
لكل
كلمةٍ بمعناها الاصطلاحي، واعين بدلالاتها الأخرى، وحريصين على عدم الخلط بينها.