الفصل التاسع

الوراثة العصبية للغة

لطالما كان علماء اللغة مهتمين بما نطلق عليه المكوِّن الجيني للغة؛ أي صفة مميِّزة للغة أو لقدرتنا على اكتساب اللغات واستخدامها، والتي تسبق عملية التعلم أو التعرض للمدخلات البيئية من حولنا.1 غير أن هذا الأمر من الشواغل المشروعة التي أثارت كثيرًا من التكهنات. يتشارك الأطفال جميعًا القدرة على تعلم اللغة، وتتشارك اللغات جميعًا بعض الخصائص (البنى والعمليات الشكلية) التي لا يبدو أنها قابلة لاكتسابها بناءً على المدخلات وحدها. فهل من الممكن أن تكون هذه الخصائص أو تلك القدرة على التعلم في حد ذاتها محددة وراثيًّا؟ أيمكن أن تكون المعلومات اللازمة مشفَّرة في واحد أو أكثر من الجينات، وأن يكون هذا هو ما يفسِّر حقيقة أن البشر وحدهم من بين كل الأنواع الأخرى هم من يملكون اللغة؟

لكي نتناول الأسس الوراثية للغة، علينا أن نفهم ما هي الجينات ووظيفتها. الجينات هي مقاطع من شريط الحمض النووي الريبوزي (دي إن إيه) تلعب أدوارًا سببية محددة في تصنيع البروتينات، وهي الجزيئات التي تشكل تكوين الكائن الحي على المستوى البنيوي والوظيفي. تحدد بعض الجينات تعليمات لبناء دماغ يمكنه تعلُّم المعلومات ومعالجتها. وهذه هي علاقة علم الوراثة بعلم اللغة: من خلال علم الأحياء العصبي، أو بصورة أدق، علم الوراثة العصبية. وعلم الوراثة العصبية هو دراسة الكيفية التي تشكل بها جينات معينة الطريقةَ التي يُبنى بها دماغ (بشري) ويُصان ويُرمَّم، ويدرس بدرجة ما أيضًا كيف يقوم المخ بوظائفه في الظروف العادية وغير العادية. قد لا يقدم علم الوراثة العصبية تفسيرًا لماهية اللغات كما نعرفها؛ على سبيل المثال، لماذا تتشارك اللغات خصائص أساسية معينة ولماذا تختلف هذه الخصائص في لغات أخرى. لكن يمكنه توضيح الطريقة التي يُبنى بها دماغ يمكنه استخدام أيٍّ من اللغات البشرية، على المستويات الجزيئية والخلوية. ويمكنه كذلك تسليط الضوء على الأخطاء التي قد تقع في أثناء عملية البناء بما قد يعطل أو يؤخر عملية تطوير اللغة أو المعرفة.

الجينات ونمو المخ ووظائفه

الطريق من الجينات إلى المخ والمعرفة والسلوك طريق طويل ومعقد. فله نقطة بداية واحدة بسيطة نسبيًّا (حيث تنتقل المعلومات الوراثية في جزيء واحد، وهو الحمض النووي، بشفرة واحدة، مبنية من أربع قواعد من النوكليوتيدات) لكن وجهته معقَّدة بصورة مذهلة (الأدمغة والعقول). كذلك تحمل نسبة بسيطة فقط من كل الأحماض النووية لدى البشر المعلومات الوراثية، ولا يتجاوز عدد الجينات المشفَّرة للبروتينات ٢٠٠٠٠ إلى ٢٥٠٠٠ جين. يُحاط كل جين بأجزاء من الحمض النووي تقوم بوظائف تنظيمية، من ضمنها إصدار التعليمات بشأن موقع وتوقيت تشغيل، أو عدم تشغيل، جينات بعينها (المزيد عن ذلك أدناه). يرث البشر نسختين من كل جين، واحدة من الأب والأخرى من الأم. ويأتي كل جين في أشكال مختلفة تنتج تأثيرات مختلفة في الكائن الحي (على سبيل المثال، لون العين) بالتفاعل مع جينات أخرى، ومع عناصر تنظيمية أخرى في الحمض النووي، وكذلك مع عناصر بيئية.2

تحدد الجينات التعليمات لبناء البروتينات، التي تشكِّل بدورها بنية الكائن الحي ووظائفه. ومن العمليات الأساسية في هذا الصدد عملية «التعبير الجيني»؛ وهي سلسلة من الأحداث الجزيئية التي تترجم المعلومات المشفرة داخل الجينات الفردية في الحمض النووي وتحدث تأثيرات محددة في الخلايا. تحتوي كل خلية في الكائن الحي — وفيها الخلايا العصبية — على الحمض النووي نفسه؛ ومن ثَم فإنها تحتوي على الجينات نفسها. لكن لا يعبَّر عن كل الجينات في كل مكان في الجسم أو في الوقت نفسه أثناء عملية النمو؛ إذ عادة ما يُعبَّر عن الجينات في عدة أوقات وفي عدة مناطق. تنتج الجينات في العموم تأثيرات خلوية محددة حسب مكان وزمان التعبير عنها. يحدد التعبير الجيني في الدماغ، من خلال تخليق البروتين، طائفة من العمليات التي تؤدي إلى التشكيل والتوظيف الصحيحين لدوائر المخ، التي تتضمن شبكات اللغة؛ على سبيل المثال، كيف تتكاثر خلايا السلائف العصبية وتتمايز لتصبح أنواعًا معينة من الخلايا العصبية، وإلى أين ينبغي لها أن تهاجر في القشرة الدماغية أثناء عملية النمو، وكيف ينبغي أن ترتبط مع خلايا عصبية أخرى. حتى عمليات التعلم والتذكر والمعالجة المباشرة للمعلومات، التي تعدِّل الروابط المشبكية بين الخلايا العصبية، تتم بواسطة البروتينات والجينات. وكل هذه العمليات تتطلب تحفيزًا بفعل عوامل داخلية (الحمض النووي) أو أحداث خارجية (المدخلات). ولا تُعَد هذه العمليات محدودة بالوقت للنمو، لكنها تحدث باستمرار على مدار الحياة.

يطمح علم الوراثة إلى إيجاد تفسير للتباين المورفولوجي في الكائنات الحية (نمطها الظاهري) في إطار تباينها الوراثي (أو النمط الجيني). يختلف تشريح الدماغ عبر الأفراد في بعض القياسات، كحجم المناطق القشرية وسمكها. ومن الممكن الآن تقييم مدى اعتماد التباين البنيوي في الدماغ على متغيرات جينية شائعة (تُعرف أيضًا باسم «تعدد الأشكال الجينية»)، من خلال الجمع بين التصوير البنيوي (التصوير بالرنين المغناطيسي) والمعلومات الجينية للفرد في مجموعات ضخمة من البيانات. وجدت دراسات حديثة أن أكثر من ثلاثمائة منطقة من الحمض النووي يمكن أن تؤثِّر على البنية القشرية لدى البشر. بعض الجينات يعبَّر عنها في وقت مبكر من عملية النمو، حتى قبل الولادة؛ وهي تلك الجينات التي تؤثر على طريقة تشكيل القشرة وكذا على سطح المناطق القشرية. ثمة جينات أخرى يعبَّر عنها في فترة لاحقة من العمر، وعلى مدار فترة البلوغ، وهذه الجينات تحدد سمك القشرة. يؤثِّر كثير من امتدادات الحمض النووي على طريقة تشكيل المناطق المسئولة عن اللغة، ومنها الأجزاء الفرعية من التلفيف الجبهي السفلي الأيسر والقشرة الصدغية.3 لكن الجينات نفسها توجه عملية النمو في مناطق أخرى من الدماغ، وفي بعض الحالات توجه نمو البنى غير العصبية في الكائن الحي. ولا توجد جينات مكرَّسة بصفة خاصة وحصرية لتنظيم تطور شبكات الكلام أو اللغة أو القراءة في الدماغ.

يحدد التعبير الجيني في الدماغ، من خلال تخليق البروتين، طائفة من العمليات التي تؤدي إلى التشكيل والتوظيف الصحيحين لدوائر المخ، التي تتضمن شبكات اللغة.

FOXP2: هل هو جين خاص باللغة والكلام؟

يمكن دراسة العلاقة بين الجينات والمخ والإدراك والسلوك من خلال تعددية الأشكال الشائعة في الفئات السكانية النمطية أو غير النمطية أو من خلال الطفرات النادرة في الأفراد. ففي عام ٢٠٠١، وُصفت طفرة جينية نادرة نتج عنها اضطراب حاد في الكلام واللغة.4 على مدار سنوات، كان من المعروف أن أفراد إحدى الأسر التي تقطن الجزر البريطانية يمكن أن يرثوا قصورًا في تسلسل حركات الفم والوجه المعقَّدة التي تتيح التحدث بطلاقة. يمكن لهذا القصور، الذي يعرف باسم تعذُّر الأداء النطقي بالطفولة، أن يصاحبه اعتلال في إنتاج أو فهم اللغة المنطوقة. وقد وُجد أن كل أفراد الأسرة المصابين بهذا القصور كانوا يحملون طفرة نقطية نادرة من الجين FOXP2 (فوكس بي ٢). إن حدوث هذه الطفرة المغلطة (استبدال الحمض الأميني) في نسخة واحدة من الجين FOXP2 كافٍ لتقويض وظائف البروتين المشفَّر، الذي يُعتبر عامل نسخ يدفع عملية التعبير عن جينات أخرى. وتتعاقب هذه الآثار لتسفر في نهاية المطاف عن انخفاض في القدرة على السيطرة على الحركات الدقيقة اللازمة لإنتاج الكلام.
رحَّبت الصحافة بالاكتشاف بعناوين مثيرة من قبيل «العلماء يكشفون ألغاز الكلام» و«اكتشاف أول جين للغة».5 وحرص سايمون فيشر، وهو أحد العلماء المشاركين في الدراسة الأصلية على الجين FOXP2، على توضيح الأمر إذ قال: «لا نظن أن هذا الجين هو الجين المسئول عن الكلام. إنه يؤثِّر على القدرة على التحدث بوضوح. فالطفرة لا تقضي على القدرة على الكلام كليًّا.» عرف علماء الوراثة العصبية الكثير عن الجين FOXP2 ووظائفه على مدار العقد المنصرم. فتُظهر الدراسات التي أجريت على البشر وعلى الحيوانات أن هذا الجين يدعم نمو الدوائر العصبية ذات الصلة بالمهارات الحركية والسلوكيات الصوتية وأداءها الوظيفي، إضافة إلى كونه معبرًا عنه في أنسجة أخرى مثل الرئتين والقلب وحتى العظام.6 وتظهر تجارب التصوير العصبي التي أجريت على الأفراد الحاملين لطفرة الجين FOXP2 سمات بنيوية وأنماط تنشيط غير طبيعية في المهام اللغوية عبر المناطق القشرية وتحت القشرية التي تشهد ارتفاعًا في مستوى التعبير الجيني لجين FOXP2، وتتمثل في أجزاء من الجسم المخطط والمخيخ والتلفيف الجبهي السفلي (منطقة بروكا).7
بالإضافة إلى الأبحاث على الطفرات النادرة، حددت الدراسات الخاصة بالأشكال المتعددة الشائعة عدة جينات قد تؤثر على تنظيم شبكات اللغة والكلام وأدائها الوظيفي في المخ. إن جين FOXP2 مجرد جين واحد من بين جينات كثيرة يعبَّر عنها في المناطق ذات الصلة باللغة، مثل التلفيف الجبهي السفلي الأيسر والقشرة الصدغية، خاصة أثناء طور النمو.8 على سبيل المثال، الجين CNTNAP2 يظهر مستويات تعبير عالية في مراحل النمو المبكرة في كلٍّ من القشرتين الأمام جبهية والصدغية العلوية، وكلاهما جزء من شبكة اللغة الأساسية. وقد ارتبط بالفعل بعض من أشكال جين CNTNAP2 بضعف الأداء في المهام اللغوية لدى الأطفال المصابين بضعف اللغة النوعي، وهو قصور تطوري يؤثر على مهارات الطفل في إنتاج اللغة واستقبالها، لكنه لا يؤثر بصفة خاصة على نطق الكلام، على عكس اضطراب تعذُّر الأداء النطقي بالطفولة.9 إذن فيما يمكن أن تتسبب الطفرات النادرة في اضطرابات نادرة (كتسبب طفرة الجين FOXP2 في اضطراب تعذُّر الأداء النطقي بالطفولة، الموثق في نسبة ٠٫١ في المائة من الأطفال)، يمكن أن تنعكس الأشكال المتعددة الشائعة للجينات في أنماط ظاهرية أكثر انتشارًا لكنها لا تزال غير نمطية (مثل طفرة الجين CNTNAP2 وضعف اللغة النوعي، الذي تم تشخيصه لدى ٧ في المائة من الأطفال بعمر ٦ سنوات). الجين CNTNAP2 هو واحد من بين كثير من الجينات التي ينظِّم الجين FOXP2 أنماط التعبير عنه، مما يؤكِّد مرة أخرى على الدور القوي الواسع للجين الأخير في نمو القشرة الدماغية لدى البشر، وفي نهاية المطاف في الكلام أو الوطائف اللغوية.
لقد نوهنا بالفعل إلى أن الروابط بين الجينات والمخ وسلوك الكلام أو اللغة (النمطي أو غير النمطي) هي روابط دقيقة ومعقَّدة بالتأكيد. ثمة تحذير آخر من أن التأثيرات المباشرة لأكثر أشكال التعدد الجيني شيوعًا على بنية الدماغ عادة ما تكون محدودة. ولو أحدثت تأثيرات على السلوك قابلة للقياس— مثل الأداء في الكلام أو في المهام اللغوية — فهذا بسبب التأثير التراكمي المتعاقب (تأثير الدومينو) الذي تحفزه هذه التغييرات على وظائف الدوائر العصبية، التي تمتد غالبًا على مدار سنوات عدة في مرحلتي الرضاعة والطفولة. وهذه التأثيرات المتتالية على مهارات الكلام أو اللغة تكون أكبر في المجموعات السكانية غير النمطية. ومن الصعب تأسيس روابط بين المتغيرات الجينية الشائعة والإدراك أو السلوك في الفئات السكانية النمطية. على سبيل المثال، أفادت دراسات أجريت على عينات صغيرة بوجود ارتباطات بين المتغيرات الجينية الشائعة لجين FOXP2، والأنشطة القائمة على المهام في التلفيف الجبهي السفلي الأيسر وبين أشكال جينية متعددة أخرى واللاتناظر الوظيفي للمناطق الصدغية العلوية، التي تُعَد جميعًا جزءًا من شبكات اللغة الأساسية. لكن لم تتكرر هذه النتائج في عينات أكبر من المشاركين.10 وحتى الآن، لا يوجد إلا أدلة محدودة للغاية على تأثيرات الأشكال الجينية المتعددة الشائعة على التباين في التشريح العصبي أو الوظيفي لدى عامة السكان. ويعتقد علماء الوراثة العصبية الآن أنه إما أن تأثير جين FOXP2 على بنى المخ يقتصر على حالات نادرة من الطفرات المعرقلة، وإما أن تأثيرات المتغيرات الشائعة للجين نفسه على الدماغ مراوغة بما يتعذر معه رصدها بأساليب التصوير الراهنة.

عوامل الخطورة الوراثية لعسر القراءة التطوري

يُعرَّف عسر القراءة التطوري بأنه صعوبات خاصة في اكتساب مهارات القراءة والكتابة، رغم توافر فرص المعرفة والإدراك والتعليم المبكر. ويُشخص به من ٥ إلى ١٠ في المائة من الأطفال في الدول الصناعية. وقد ارتبط باضطرابات في جوانب من المعالجة الفونولوجية والإملائية وبخلل في وظائف الشبكة البريسلفية للغة. يمكن تعديل شدة الاضطرابات المرتبطة بعسر القراءة عن طريق درجة شفافية الواجهة الفونولوجية الإملائية في لغة ما (أي الطريقة التي تنطق بها الكلمات في مقابل الطريقة التي تكتب بها). إحدى الفرضيات الرئيسة في هذا المقام أن القصور الصوتي الإملائي في عسر القراءة ينشأ عن شذوذات بنيوية دقيقة في القشرة الصدغية. وتكتسب الأبحاث في مجال الوراثة العصبية رؤى جديدة عن الأليلات (المتغيرات الجينية) المرتبطة إما بعسر القراءة التطوري وإما بالتباين في مهارات القراءة والكتابة والتهجئة لدى عموم السكان.11
مؤخرًا تم تحديد كثير من الجينات المحتمل ارتباطها بعسر القراءة فيما لا يقل عن خمسة مناطق من الكروموسوم.12 ومن يحملون «أليلات قابلية الإصابة» هذه عرضة للإصابة بشكل من أشكال عسر القراءة في طفولتهم. وهناك أدلة تربط بعض هذه الأليلات بشذوذات في هجرة الخلايا العصبية أو في تكوين الروابط العصبية أثناء نمو القشرة، مما ينتج عنه في النهاية انحرافات في بنية الفص الصدغي ووظائفه.13 وتبيَّن أيضًا أن تثبيط التعبير عن جينات بعينها مرتبطة بعسر القراءة لدى البشر (مثل جين DCDC2)، يؤدي إلى اعتلالات كبرى في الوظائف السمعية لدى الفئران.14 وقد بحثت الدراسات في الأصل الوراثي للتشوهات القشرية التي يمكن أن تعطل وظائف الدوائر العصبية اللازمة من أجل القراءة. يمكن خلق مثل هذه الشذوذات اصطناعيًّا في الحيوانات عن طريق تثبيط التعبير عن جينات قابلية الإصابة بعسر القراءة، مثل DYX1C1، وKIAA0319، وDCDC2، وROBO1.15
يمكن للدراسات المبنية على نماذج حيوانية بصفة خاصة اختبارُ الفرضيات السببية البديلة بشأن كيفية تأثير التعبير عن الجينات الضالعة في عسر القراءة لدى البشر في النمو الصحيح للدوائر العصبية. وقد استخدمت الدراسات التي أجريت على البشر أساليب إحصائية متطورة لاختبار ارتباطات الأشكال الجينية المتعددة الشائعة بالخصائص البنيوية للمناطق الرئيسة المسئولة عن اللغة وتعلم القراءة والكتابة في المخ، ومن ضمنها التلفيف الجبهي السفلي والقشرة الصدغية الوسطى والعلوية.16 وقد ارتبط اثنان من أهم أشكال التعدد الجيني ذات الصلة باللغة وتعلم القراءة والكتابة في تحليل تلوي حديث على مستوى الجينوم (المتغير النيوكلوتيدي rs59197085 داخل الجين CCDC136/FLNC والمتغير النيوكلوتيدي rs5995177 داخل الجين RBFOX2) إحصائيًّا بتضاؤل سمك القشرة في المناطق الجبهية والصدغية والجدارية التي تدخل في مهام اللغة والتعلم. لكن، وكما أشرنا بالنسبة إلى الجين FOXP2، من الصعب في الوقت الراهن إقامة روابط قوية بين التباين الجيني لدى عامة السكان والتباين الظاهري في مهارات القراءة والكتابة والتهجئة النمطية. يبدو أن تحديد عوامل الخطورة الوراثية لعسر القراءة التطوري أكثر جدوى وقابلية للتنفيذ؛ لا سيما عن طريق جمع بيانات الارتباط على مستوى الجينوم وتصوير الدماغ والمعالجات في النماذج الحيوانية. وينبغي التأكيد على أن علم الوراثة لا يقدِّم إلا صورة جزئية لعوامل الخطورة. فهناك عدة متغيرات بيئية قد تزيد أو تقلل من خطورة الإصابة بعسر القراءة. وأحد التساؤلات المهمة في هذا الصدد هو كيف تتفاعل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ومتغيرات أخرى مع جينات قابلية الإصابة. وسيكون من الضروري للغاية أن نميز التفاعلات التي يمكن للعوامل البيئية فيها أن تفاقم التحيز الجيني عن تلك التي يمكن أن يكون لها تأثير وقائي، الأمر الذي يؤدي إلى تعويض بعض من الأثر السلبي لعوامل الخطورة سواء الوراثية أو البيئية.17

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤