فتح السودان واتفاق ١٨٩٩
وفي ٢٨ مايو ١٨٩٧ استؤنف الزحف، ودخلت الجنود أبو حمد في ٧ أغسطس، وفي ٧ سبتمبر استولت السفن على بربر، ووصف الحملة يومئذٍ أحد المراسلين الإنكليز المرافقين لها بقوله: «وإنا لنتساءل اليوم عن خطر المهدية الذي كان يهدد مصر فأين هو وما هو؟» وفي ٢٥ أكتوبر وصلت السفن إلى المتمة، وقال المستر دوكنس وكيل المالية المصرية في تقريره: «إن مديرية دنقلة كلفت الميزانية المصرية ٨ ملايين جنيه» ووصل الخبر بأن الفرنساويين يحتلون فاشودة، فأسرع السردار بالزحف فوصلت طلائعه وسفنه إلى شندي، وفي ٢٦ مارس وفي ٨ أبريل أبيدت قوة الأمير محمود، وقررت الحكومة الإنكليزية أن تتنازل لحكومة مصر عن المال الذي أخذته منها في الحساب الجاري وقدره ٧٩٨٨٠٢ ج؛ لأن ثلث هذا المال أنفق على الخط الحديدي الذي مد مع الجيش وهو يعد بمثابة شطر أو قطعة من سكة حديد «الكاپ-القاهرة» وفي الوقت ذاته تألفت في لندرة شركة لمشترى خطوط السكة الحديدية السودانية، ووصل سسل رودس إلى القاهرة ليفاوض حكومة مصر في ذلك فأذاعت «الأهرام» خبر محادثته مع مصطفى باشا فهمي يومئذٍ فاهتزت صحف العالم لهذا النبأ حتى أرسل السلطان عبد الحميد إلى الخديوي عباس مذكرة يحذره فيها من التنازل عن هذا الخط الحربي لدولة أجنبية؛ لأن هذا التنازل يُعَدُّ مصادرة لنصوص فرمانات الولاية، وفي أول سبتمبر تقدمت المراكب فضربت أم درمان وهدمت قبة مقام المهدي، وعند فجر ٢ سبتمبر هجمت جموع الدراويش فحصدتهم المدافع والرشاشات حصدًا، ودخل كتشنر أم درمان.
وفي ١٥ سبتمبر ١٨٩٨ استولى على معسكر الدروايش في رننج، وأخبره أميرهم أنه ذهب لامتياز الغلة في بلاد الشلوك فصَدَّهُ جماعة من البيض يمتنعون في قلعة فاشودة، وكان اللورد سالسبوري قد أرسل إلى اللورد كرومر في ٢ أغسطس تلغرافًا يقول له فيه: «إذا وصل الجنرال كتشنر إلى الخرطوم فليرسل السفن في النيل الأزرق والنيل الأبيض، فإذا عثر في أحدهما على الفرنساويين أو على الأحباش فليحذرْ أن يعمل أي عمل يعد اعترافًا بنفوذهما في مجرى النيل.»
وفي ١٩ سبتمبر وصل السردار كتشنر إلى فاشودة حيث التقى بمارشان، وفي تلك الساعة حان وقت حل المسألة بين فرنسا وإنكلترا، وفي مساء ٢٠ سبتمبر رفع العلم المصري هناك، وترك لحراسته نصف أورطة، وعاد كتشنر إلى الخرطوم، وممَّا يذكر من أقوال وزراء الإنكليز قول السير إدوار غراي «إنَّا لا نستطيع التسليم للفرنساويين بأعالي النيل؛ لأن النيل هو مصر ومصر هي النيل» ووصل الأمر بين فرنسا وإنكلترا إلى الحرب، فاستشارت فرنسا روسيا فأجابتها حكومة القيصر بأن تسوي المسألة حبيًّا مع محافظتها على شرف عَلَمِهَا.
وفي ٤ أكتوبر قررت حكومة فرنسا سحب جنودها من فاشودة، وفي المساء ذاته أعدت في دار بلدية لندره حفلة فخمة إكرامًا للورد كتشنر، وأعلن رئيس الوزراء خبر جلاء مارشان عن فاشودة التي «لا أهمية لها في نظر حكومة الجمهورية».
وفي ٢١ مارس ١٨٩٩ وقع الموسيو كمبون سفير فرنسا واللورد سالسبوري اتِّفَاقًا خلاصته أن حدود نفوذ فرنسا هي الجبال الفاصلة بين نهر الكونغو ونهر النيل، وانجلت الجنود الفرنساوية عن بحر الغزال، ولكن هذا الاتفاق لم يَمَسَّ بشيء حقوق مصر ولكنه مَسَّ نفوذ فرنسا في واداي، ذلك النفوذ الذي بدأت وزارة فرسينه بهدمه في سنة ١٨٨٢، وأتمت وزارة دلكاسه ذلك الهدم في سنة ١٨٩٩، وإذا كان ديسكس من قواد ناپوليون قد حفر اسمه على جدار أنس الوجود في أسوان وهو يطارد المماليك فمحا ذلك الاسم عسكري إنكليزي لا يعرف قيمة للتاريخ فإن حاكم السودان غير اسم فاشودة بكدك حتى لا يظل ذلك الاسم تذكارًا سيئًا بين الإنكليز والفرنساويين.
حيث إن بعض أقاليم السودان التي خرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار افتتاحها بالوسائل الحربية والمالية التي بذلتها بالاتحاد حكومتا جلالة ملكة الإنكليز والجناب العالي الخديوي.
وحيث قد أصبح من الضروري وضع نظام مخصوص لأجل إدارة الأقاليم المفتتحة المذكورة وسن القوانين اللازمة لها بمراعاة ما هو عليه الجانب العظيم من تلك الأقاليم من التَّأَخُّرِ وعدم الاستقرار على حال إلى الآن، وما تستلزمه حالة كل جهة من الحاجات المتنوعة.
وحيث إنه من المقتضى التصريح بمطالب حكومة جلالة الملكة المرتبة على ما لها من حق الفتح وذلك بالاشتراك في وضع النظام الإداري والقانون الآنف ذكره، وفي إجراء تنفيذ مفعوله، وتوسيع نطاقه في المستقبل.
وحيث إنه تراءى من جملة وجوهٍ أصوبيةُ إلحاق وادي حلفا وسواكن إداريًّا بالأقاليم المفتَتَحة المجاورة لها.
- المادة الأولة: تطلق لفظة السودان (وقد أهملوا بالاتفاق كلمة السودان المصري) على جميع الأراضي التي لم تحتلها الجنود المصرية منذ سنة ١٨٨٣، والأراضي التي كانت بإدارة الحكومة المصرية قبل الثورة الأخيرة وفقدت منها موقتًا ثم فتحتها الآن حكومة جلالة الملك والحكومة المصرية بالاتحاد، والأراضي التي قد تفتحانها بالاتحاد من الآن فصاعدًا.
- المادة الثانية: يستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معًا في البحر والبر بجميع أنحاء السودان، ما عدا مدينة سواكن فلا يستعمل فيها سوى العلم المصري.
- المادة الثالثة: تفوض الرياسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد، يُلَقَّبُ: حاكم عموم السودان، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناء على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية.
- المادة الرابعة: كافة القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي تكون لها قوة القانون
المعمول به والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السودان أو تقرير
حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها وكيفية أيلولتها والتصرف فيها يجوز
سَنُّهَا أو تحويرها أو نسخها من وقت إلى آخر بمنشور من الحاكم
العام، وهذه القوانين والأوامر واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على
جميع أنحاء السودان أو على جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها
صراحة أو ضمنًا تحوير أو نسخ أي قانون أو أية لائحة من القوانين أو
اللوائح الموجودة.
وعلى الحاكم العام أن يبلغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة وإلى رئيس مجلس نظار الجناب العالي الخديوي.
- المادة الخامسة: لا يسري على السودان أو على جزء منه شيء ما من القوانين أو الأوامر العالية أو القرارات الوزارية المصرية التي تصدر من الآن فصاعدًا إلا ما يصدر بإجرائه منها منشور من الحاكم العام بالكيفية السابق بيانها.
- المادة السادسة: المنشور الذي يصدر من حاكم عموم السودان ببيان الشروط التي بموجبها يصرح للأوربيين من أية جنسية كانت بحُرِّيَّةِ المتاجرة أو السُّكْنَى بالسودان أو تملك ملك كائن ضمن حدوده لا يشمل امتيازات خصوصية لرعايا أيَّةِ دولة أوربية.
- المادة السابعة: لا تدفع رسوم الواردات على البضائع الآتية من الأراضي المصرية حين دخولها إلى السودان، ولكنه يجوز مع ذلك تحصيل الرسوم المذكورة على البضائع القادمة من غير الأراضي المصرية، إلا أنه في حالة ما إذا كانت تلك البضائع آتية إلى السودان عن طريق سواكن أو أي ميناء آخر من موانئ ساحل البحر الأحمر لا يجوز أن تزيد الرسوم التي تحصل عليها عن القيمة الجاري تحصيلها حينئذٍ على مثلها من البضائع الواردة إلى البلاد المصرية من الخارج، ويجوز أن تقرر عوائد على البضائع التي تخرج من السودان بحسب ما يقدره الحاكم العام من وقت إلى آخر بالمنشورات التي يصدرها بهذا الشأن.
- المادة الثامنة: فيما عدا مدينة سواكن لا تمتد سلطة المحاكم المختلطة على أية جهة من جهات السودان، ولا يعترف بها فيه بوجه من الوجوه.
- المادة التاسعة: يعتبر السودان بأجمعه ما عدا مدينة سواكن تحت الأحكام العرفية، ويبقى كذلك إلى أن يتقرر خلاف ذلك بمنشور من الحاكم العام.
- المادة العاشرة: لا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأموري قنصليات بالسودان، ولا يصرح لهم بالإقامة قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية.
- المادة الحادية عشرة: ممنوع منعًا مطلقًا إدخال الرقيق إلي السودان أو تصديره منه، وسيصدر منشور بالإجراءات اللازم اتخاذها للتنفيذ بهذا الشأن.
- المادة الثانية عشرة: قد حصل الاتفاق بين الحكومتين على وجوب المحافظة منهما على تنفيذ مفعول معاهدة بروكسل المبرمة بتاريخ ٢ يولية ١٨٩٠ فيما يتعلق بإدخال الأسلحة النارية والذخائر الحربية والأشربة المقطرة أو الروحية وبيعها وتشغيلها» ا.ﻫ.