كيف دفع السودان للثورة
دس الإنكليز رجالهم في خدمة الحكومة المصرية في السودان، وظن إسماعيل باشا — الذي كان يجيب طلبهم باستخدام رجالهم وبإعطائهم السلطة التي لا حَدَّ لها — أنه يرضيهم ويحول مطامع إنكلترا عن بلاده، فظن خطأ، وتولى الموظفون الإنكليز المناصب بطلب حكومتهم وإرشادها ليتمكنوا من هدم الإمبراطورية المصرية الواقعة على طريق الهند وتحويلها إلى مستعمرات إنكليزية فصموئيل بكر في خط الاستواء وغوردون في بحر الغزال وكلاهما والٍ مصري أُعْطِيَا السلطة التي لا حَدَّ لها فاستخدما قانون منع الرِّقِّ لإغضاب السودانيين الذين كانوا يستخدمون العبيد في أعمالهم وينصرفون هم إلى التجارة والأعمال الكبيرة، فكانا يُنَكِّلَانِ بالناس تنكيلًا شديدًا ويعاقبان بالقتل والسجن ومصادرة الأملاك بحجة تنفيذ المعاهدة المبرمة بين إسماعيل باشا وإنكلترا سنة ١٨٧٧ لمنع الرقيق، مع أن الإنكليز في أملاكهم الأفريقية كانوا يتساهلون كل التساهل، فعدَّ عمل الإنكليز فوق ما تقدم تعرُّضًا للدين. ثم إنهم ميزوا قبيلة على أخرى فأعفوا قبائل الشايقية من الضرائب فأغضبوا القبائل الأخرى، كما فضلوا أصحاب الطريقة الميرغنية على أصحاب الطرق الأخرى فأوجدوا التحاسد بين أصحاب الطرق.
ويلي ذلك إهمال شأن محمد أحمد المهدي عند ظهوره، وظهور هؤلاء الذين يدَّعون المهدية في السودان كثير جدًّا، وقد ظهر من يوم استعادة السودان إلى اليوم ١٥ مهديًّا لو أُهْمِلُوا لاستفحل أمرهم، وضاعف في الأمر الثورة العرابية التي كان ينشطها ويشجعها وكيلهم السياسي بمصر السير مالت وغيره من خَدَمَةِ سياستهم فتحولت أنظار حكومة مصر عن السودان إلى أن احتل الإنكليز مصر.