التسابق إلى السودان
- (١)
لأن وصول الفرنساويين إليها سهل من أملاكهم بأفريقيا.
- (٢)
ولأنها مركز مديرية.
- (٣)
ولأنها مفتاح مصر لوقوعها عند مصب نهر الصوبات بالنيل.
•••
من مذاهب السياسة الإنكليزية تَوَخِّي الربح الكبير بالنفقة القليلة، فهم كانوا يطمعون بالسودان لأنفسهم بعد أن أكرهوا المصريين على إخلائه، ولكنهم كانوا يضنون بأموالهم في هذا السبيل فبعد أن سَيَّرُوا الحملة المصرية بقيادة كتشنر باشا أخذوا من احتياطي صندوق الدَّيْنِ للإنفاق على الحملة نصف مليون جنيه، وقال المستر كرزون في جلسة مجلس النواب في ١٩ مارس ١٨٩٦ «إن تقدير الأموال اللازمة لهذه الحملة ليس بالإمكان، ولكني أؤكد للمجلس بأن الخزانة المصرية وحدها تتحمل هذه النفقات كلها.»
وأعلن المستر بلفور في مجلس العموم أن سفراء إنكلترا تَلَقَّوُا التعليمات من حكومتهم بأن يبلغوا الدول أن هذه الحملة إنما هي جردت لمصلحة مصر، وأن نفقات هذه الحملة قد تتجاوز مقدرة الخزانة المصرية فعليهم أن يقنعوا الدول لتسمح بأخذ نصف مليون جنيه من احتياطي صندوق الدَّيْنِ لهذا الغرض؛ فوافقت ألمانيا والنمسا وإيطاليا، ورفضت فرنسا وروسيا. ثم قال المستر بلفور: «إنَّا لا نرجع عن عزمنا، وحيثما وضع الجندي الإنكليزي قدمه فهو يبقى ولا يتزحزح.»
في ٢ سبتمبر ١٨٩٨ دخل اللورد كتشنر أم درمان، وفي ١٩ سبتمبر وصل إلى فاشودة حيث قابل مارشان، وعرف أن الحملة الإنكليزية التي قامت من الأوغندا قاصدة الخرطوم بقيادة الماجور مكدونالد وقوامها بقية جيش أمين باشا في خط الاستواء ثارت على قائدها، وامتنعت في قلعتها عند مدخل ڨكتوريا نيانزا فلم يستطع مكدونالد التقدُّم، كذلك الحملة الأخرى التي ألفوها على ساحل بحر الهند بقيادة كافانديش فإنها لم تستطع الوصول إلى السودان المصري.
غضب الإنكليز لوجود مارشان في فاشودة، وأخذوا يهددون الفرنساويين حتى قال اللورد سالسبوري لسفير فرنسا كورسل: «إن عند السردار قوة كافية تمكنه من طرد مارشان ومن معه إلى حيث يريد» ففهم السفير بأن معنى ذلك استعداد إنكلترا لإعلان الحرب، وسألت فرنسا حليفتها روسيا عن خطتها، فأجابت حكومة القيصر بأن الأفضل تسوية هذه الأزمة سلميًّا مع حفظ كرامة فرنسا، ولزمت ألمانيا الحياد؛ لأن بينها وبين إنكلترا اتفاقا سريًّا على أفريقيا فاضطرت فرنسا إلى إعلان سحب جنودها من فاشودة في ٤ نوفمبر بحجة أن هذه البلاد ملك لمصر، ومما كتبه اللورد سالسبوري إلى سفير إنكلترا في باريس في ٥ أكتوبر ١٨٩٨ «لا شك بأن حقوق مصر بامتلاك مجرى النيل قد كانت من جراء نجاح المهدي مهملة، ولكنها حقوق ثابتة لا تقبل جدلًا، ولم يَبْقَ شَكٌّ بها بعد انتصار الجنود المصرية على الدراويش. أَوَلَمْ تعلن إنكلترا هذه عمدًا وجود حقوق الخديوي على تلك الأملاك بالاتفاق الإنكليزي الكونغي في ١٢ مايو ١٨٩٤؟
وفي ١٢ أكتوبر قال اللورد سالسبوري لسفير فرنسا: «إن وادي النيل كان لمصر ولا يزال لها، ولكن عائقًا كان قائمًا في وجه الملكية المصرية من جراء ثورة المهدي قد زال بانتصار الجنود المصرية والإنكليزية في معركة أم درمان.»
إن حكومة سمو الخديوي كما تعلم سيادتكم لم يَغِبْ عنها في حين من الأحيان العَوْدُ إلى احتلال مديريات السودان الذي لم تنسحب منه إلا عُقيب ظروف قوة قاهرة؛ فاستعادة الخرطوم تكون عقيمة إذا لم يَعُدْ إلى مصر وادي النيل الذي ضَحَّتْ مصر في سبيله في الزمن السابق ضحايا جسيمة، ولعلمي أن مسألة فاشودة هي الآن موضوع المباحثة بين إنكلترا وفرنسا؛ فإن الحكومة المصرية تكل إليَّ أن أطلب من سعادتكم إسعادنا بالوساطة الطيبة لدى اللورد سالسبوري حتى يعترف لمصر بحقوقها التي لا تقبل الجدل، وحتى تُعَادَ إليها جميع الأراضي التي كانت تحتلُّها جنودها عند قيام ثورة محمد أحمد.