الفصل الثالث
رسالة العبرانيين وهل كانت هِبة النبوة وقفًا عليهم؟
إن سعادة الفرد ونعيمه الحقيقي لا يكونان إلا في تَمتُّعه بالخير، لا في فخره بأنه
وحدَه الذي يتمتَّع به مع استبعاد الآخرين. ومن يظنُّ أنه حصل على سعادة أكبر لأنه وحده
في حالة طيبة على حين أنَّ الآخرين ليسوا كذلك، أو لأنَّهُ يتمتَّع بسعادةٍ أكبر أو
لكَونه أسعد حظًّا من الآخرين، مِثل هذا الشخص يجهَل السعادة والنعيم الحقيقي. فالفرح
الذي يَشعُر به المرء نتيجة لاعتقاده أنه أسمى من الآخرين، إن لم يكن شُعورًا طفوليًّا،
فإنه لا ينشأ إلَّا من الحسَد أو من القلب الحاقد. مِثال ذلك أنَّ الهناء الحقيقي
وسعادة الإنسان لا يكونان إلَّا في الحكمة وحدَها ومعرفة ما هو حق، وليس على الإطلاق
في
أن يكون أحكَمَ من الآخرين أو في أن يكون الآخرون محرومين من الحكمة؛ لأنَّ ذلك لن يزيد
أبدًا من حِكمتِهِ الخالِصة أي من هنائه الحقيقي، فمن يفرَح لذلك يفرَح لشقاء الآخرين
ويكون حَسودًا شريرًا لا يعلم الحِكمة الحقيقية أو طمأنينة الحياة الحقة. وعلى ذلك،
فعندما يقول الكتاب، لحثِّ العبرانيين على طاعة الشريعة: إن الله قد اصطفاهم من بين
سائر الأمم (التثنية، ١٠: ١٥)،١ وأنه قريب منهم، بعيد عن الآخرين (التثنية، ٤: ٤، ٧)،٢ وأنه وضع شرائع عادلة لهم وحدَهم (السفر نفسه، ٤: ٨)،٣ وأنه أعطاهم وحدهم شرف معرفته — (والسفر نفسه، ٤: ٣٢)،٤ فإنه إنما يتحدَّث على مستوى فَهم العبرانيين الذين لم يكونوا يَعرفون
السعادة الحقيقية، كما ذكرنا في الفصل السابق، وكما يشهد موسى نفسه (التثنية، ٩: ٦-٧)،٥ وما كانوا ليحصلوا على سعادةٍ أقلَّ لو أنَّ الله دعا الناس جميعًا للخلاص،
وما كان الله أقلَّ رعايةً لهم لو أنَّهُ أعطى الآخرين عونًا مُماثلًا، وما كانت
الشرائع أقلَّ عدالة، أو كان العبرانِيُّون أقلَّ حِكمة، لو أنَّ الشرائع وُضِعت
للجميع، وما كانت المُعجِزات أقلَّ إظهارًا لقُدرة الله لو أنها أُظهِرت لأُمَمٍ أُخرى.
وأخيرًا، ما كان التزام العبرانيين بعبادة الله يبدو أقلَّ لو أن الله أعطى كلَّ هذه
الهِبات جميع الناس على السواء. أما فيما يتعلَّق بما قاله الله لسليمان (انظر: الملوك
الأول، ٣: ١٢)،٦ من أنه لن يظهَرَ إنسانٌ بعدَه يُساويه حِكمة، فإنَّ هذا القول لا يتعدَّى
أن يكون مُجرَّد طريقةٍ في الكلام تدلُّ على حِكمته العالية. ومهما يكن من شيء، فإنه
لا
ينبغي الاعتقاد بأنَّ الله وعدَ سُليمان — لكي يَزيد من سعادته — بألا يُعطي إنسانًا
غيرَه من الحِكمة بقدْر ما أعطاه؛ لأن ذلك لن يزيد من ذِهن سُليمان شيئًا، وما كان هذا
الملك الفَطِن ليُقَلِّل من ثنائه على الله لنِعَمه الكثيرة عليه، حتى لو أنَّ الله
أنبأه بأنه سيُعطي الجميعَ حِكمةً مُماثلة.
وبالرغم من قولِنا بأنَّ موسى قد تحدَّث بلغة على مُستوى فَهم العبرانيين في النصوص
التي ذكرناها آنفًا من الأسفار الخمسة، فإنَّنا لا نُنكِر أنَّ الله قد وضع لهم وحدهم
الشرائع الموجودة في هذه الأسفار الخمسة، وأنه خاطَبَهم وحدهم، وأنهم وحدَهم رأوا من
الأشياء التي تبعَثُ على الدهشة ما لم ترَهُ أيَّةُ أمَّةٍ أخرى، بل إنَّ ما نذهب إليه
هو أنَّ موسى أراد بهذه اللغة، واستخدام هذه الأساليب أن يُعلِّم العبرانيين عبادة الله
وأن يَربِطهم به بطريقةٍ تُناسِب رُوحهم الساذجة. كذلك، فإنَّنا سنذهب إلى أن نُبرهِن
على أن العبرانيين لم يَتميَّزوا عن سائر الأمم بالعِلم أو التقوى، بل تميَّزوا بشيءٍ
آخر، أو أنَّ العبرانيين، (إذا شئنا أن نتحدَّث بلُغةٍ على مُستوى فَهمهم كما يتحدَّث
الكتاب)، بالرغم من التحذيرات المُستمرَّة التي وُجِّهت إليهم، لم يكونوا أصفياء الله
في الحياة الحقَّة أو في الأنظار السامية، بل في شيءٍ آخر مُختلِف كلَّ الاختلاف،
وسأُحاول أن أُبيِّنه مُتَّبعًا ترتيبًا منظمًا.٧
ولكنِّي قبلَ أن أشرع في ذلك أُريد أن أشرح في كلماتٍ قليلة المعنى الذي سوف
أستخدِمُه فيما يلي للتعبيرات الآتية: حكم الله، عون الله الخارجي والداخلي، اختيار
الله، وأخيرًا الحظ. فأنا أعني بالحُكم الإلهي٨ نظام الطبيعة الثابت الذي لا يَتغيَّر، أو بعبارةٍ أخرى تَسلسُل الأشياء
الطبيعية. وقد بَيَّنَّا من قبل، وأثبتنا في موضع آخر،٩ أنَّ قوانين الطبيعة الشاملة التي يَحدُث كلُّ شيءٍ ويتحدَّد طبقًا لها،
ليست سوى أوامر الله الأزلية التي تنطوي على حقيقةٍ وضرورة أزلية.١٠ وإذن فلو قُلنا إن كلَّ شيء يحدُث طبقًا لقوانين الطبيعة أو يَنتظِم بحكم
الله أو بأمره فإنَّنا نقول الشيء نفسه. ثانيًا، لَمَّا كانت قوَّة جميع الأشياء
الطبيعية هي في ذاتها قُدرة الله نفسها التي يحدُث بها كلُّ شيء ويتحدَّد، فيترتَّب على
ذلك أنَّ كلَّ ما يَستعين به الإنسان — وهو نفسه جُزء من الطبيعة — في عمله للمُحافظة
على وجوده، وكلَّ ما تُقدِّمه الطبيعة له — دون أن تتطلَّب منه جهدًا
— قد قدَّمته له في الحقيقة القُدرة الإلهية وحدَها
من حيث هي فاعِلة من خلال طبيعة الإنسان نفسها، أو من خلال أشياء خارجة عن طبيعة
الإنسان ذاتها.١١ وإذن يُمكننا أن نُسمِّي كلَّ ما تستطيع الطبيعة الإنسانية أن تُنتِجه
بقُدرتها الخاصة للمُحافظة على وُجودها عَون الله الداخلي،١٢ ونُسمِّي كلَّ ما تُنتِجه قوَّة الأشياء الخارجية ممَّا فيه منفعةُ هذه
الطبيعة الإنسانية، بالعون الخارجي. ومن هذا يبدو لنا بوضوحٍ ماذا نقصِد باختيار الله.
فلمَّا كان من المُحال ألَّا يَسلُك أحدٌ سلوكًا إلَّا طبقًا لنظام الطبيعة المُحدَّد
من قبل، أي طبقًا لحُكم الله وأمره الأزلي، فإنَّهُ يترتَّب على ذلك أنَّ أحدًا لا
يختار أسلوب حياته أو يفعل شيئًا إلَّا برسالةٍ خاصَّة من الله الذي اختار هذا الفرد
وفضَّلَه على الآخرين ليقوم بهذا العمل أو ليحيا وفقًا لهذا الأسلوب. وأخيرًا، أقصد
بالحظِّ حُكمَ الله من حيث سيطرته على أمور البشر عن طريق العِلَل الخارجية التي لا
يُمكن توقُّعها. وبعد أن وَضعتُ هذه التعريفات فلنعُد إلى موضوعنا، ولنبحث في السبب
الذي سُمِّيت من أجله الأمة العبرانية أمَّةً مُختارة ومُفضَّلة على سائر الأمم. ولكي
أُبرهِن على ذلك سأسير بالترتيب الآتي:
إنَّ كلَّ ما يُمكن أن يكون موضوعًا لرغبةٍ صادِقة مِنَّا يَرتدُّ إلى واحدٍ من
الموضوعات الرئيسة الثلاثة: معرفة الأشياء بِعِلَلها الأولى، والسيطرة على انفعالاتنا
أي الحصول على الفضيلة، وأخيرًا، العَيش في سلامٍ مع جِسمٍ سليم. وتُوجَد الوسائل التي
تُستخدَم مُباشرةً في الحصول على الموضوعين الأوَّلَين — والتي يُمكن اعتبارها عِللًا
قريبةً وفاعلة لهما — في الطبيعة الإنسانية نفسها؛ لذلك، كان علينا أن نُسلِّم دون أدنى
تحفُّظ بأنَّ هاتَين الهِبَتَين لا تَخُصَّان أُمَّةً دون أمة، بل كانتا على الدَّوام
شائعتَين لدى الجنس البشري كله، ومن يرى خِلاف ذلك يَفترِض أنَّ الطبيعة قد خلقَتْ
سلفًا أنواعًا عديدةً من الجِنس البشري. أَمَّا الوسائل التي يَتَّبِعها الإنسان ليعيش
في أمانٍ ولِيُحافِظ على جسده، فإنَّها تُوجَد أساسًا في الأشياء الخارجية؛ لذلك
نُسمِّيها هِبات الحظِّ لأنَّها تَعتمِد إلى حدٍّ كبير على مَسار العلل الخارجية، وهو
المسار الذي لا نعلمه، بحيث يكون الأبلَهُ سعيدًا أو شقيًّا في هذا الصَّدَد كالحكيم.
ومع ذلك، فلِكي يعيش الإنسان في أمان، ولكي يتجنَّب هجمات البَشَر والوحوش على
السَّواء، فإن حكم الحياة البشرية واليَقَظة يُفيدانِهِ فائدةً جمَّة. وقد أثبتَ العقلُ
والتجربة أنَّ أيقنَ الوسائل لذلك هو تكوين مُجتمعٍ يقوم على القوانين السليمة، وشَغْل
منطقة مُعيَّنة من العالم، واتِّحاد قوى الجميع في الكيان الاجتماعي نفسه. على أنَّهُ
لا بُدَّ، من أجل تكوين مُجتمعٍ والمحافظة عليه، من اكتساب تركيبٍ خاص، ومِن يقظةٍ غير
عادية. وعلى ذلك، فإنَّ المُجتمَع الذي يُرسي دعائمه ويَحكُمُه أناسٌ على قدرٍ كبيرٍ
من
الدراية واليقَظَة يكون أكثرَ أمانًا واستقرارًا وأقلَّ خضوعًا للحظ، أمَّا المُجتمَع
الذي يتكوَّن من أناسٍ أجلافٍ فإنه يكونُ أكثر اعتمادًا على الحظِّ وأقلَّ استقرارًا.
فإذا كان قد بَقِيَ مُدَّة طويلة مع وجود ما فيه، فإنَّ هذا يرجِعُ إلى حُكم مُجتمعٍ
آخر له، لا إلى حُكمِه الخاص. وإذا خرج سالمًا من المخاطر الكبيرة وازدهرت أحواله فإنه
لا يَستطيع إلَّا أن يُقدِّر حُكم الله وأن يُعظِّمه (بقدْر ما يفعل الله بوساطة عِلَلٍ
خارجة مجهولة لا بوساطة الطبيعة والفكر البشرِيَّين) لأنه نال كلَّ شيءٍ على غَير
انتظارٍ دُون تدبيرٍ سابق، وهو ما يُمكِن اعتبارُه أمرًا مُعجزًا.١٣
في هذا وحده إذن تتميَّز الأُمَم فيما بينها، أعني من حيث النظام الاجتماعي والقوانين
التي تَحكُمها وتُنظِّم حياتها. وقد اختار الله الأمَّة العبرية وفضَّلَها على سائر
الأمم، لا بالنسبة إلى حِكمتِها أو طمأنينة نفسها، بل بالنسبة إلى النظام الاجتماعي
وإلى الحظِّ الذي جلَبَ لها إمبراطورية (دولة) وحَفِظها لها سنين طويلة.١٤ ويدلُّ الكتاب على ذلك بدرجةٍ كبيرة من الوضوح، فلو أنَّنا تصفَّحناه، حتى
بطريقةٍ عارضة، لرأَيْنا بوضوحٍ أنَّهُ إذا كان العبرانِيُّون قد تَميَّزوا بشيءٍ ما
عن
الأُمَم الأخرى، فإنهم قد تَميَّزوا بازدهار أحوالهم فيما يتعلَّق بالأمن في الحياة،
وبما حصلوا عليه من سعادة في التغلُّب على المخاطر الكبرى.١٥ وقد تَمَّ لهم كلَّ هذا بعَون الله الخارجي فحسب، وفيما عدا ذلك كانوا على
قدَم المُساواة مع باقي الأمم، فالله يرعى الجميع على السواء. أما فيما يتعلَّق
بالحكمة، فمن الثابت (وقد بَيَّنَّا ذلك في الفصل السابق) أنه كانت لدَيهم مُعتقدات
فجَّة إلى حدٍّ بعيد عن الله والطبيعة؛ لذلك لم يختَرْهم الله ولم يُفضِّلهم على
الآخرين لهذا السبب، ولا من أجل الفضيلة والحياة الحقَّة، فقد كانوا من هذه الناحية على
قدَم المساواة مع باقي الأُمَم، ولم يقَع الاختيار إلَّا على قليلٍ منها؛ وعلى ذلك، فقد
تَمَّ اختيارهم وأُعطوا رسالةً من أجل الازدهار الدُّنيوي لدَولتِهم، ومن أجل مزاياهم
المادية. كذلك، فإنَّنا نعتقِد أنَّ الله لم يَعِدِ البطارقة١٦⋆ أو
خُلفاءهم بأيِّ شيءٍ ما عدا ذلك، بل إن الشريعة لم تَعِدِ العبرانيين بشيءٍ مُقابل
طاعتهم إلَّا باستمرار دَولتِهم الذي يَسعدون به وبِنِعَم الدنيا، وفي مُقابل ذلك فإنها
أنذرَتْهم بسقوط الدولة وبأفدَحِ المصائب لو أنهم عَصَوا المِيثاق ونقضوه. ولا عجَبَ
في
ذلك، فغايةُ كُلِّ مُجتمع وكلِّ دولة (كما يَتَّضِح مِمَّا قُلناه، وكما سنُسهِب في
بَيانِهِ فيما بعد) هي العَيش في أمنٍ والحصول على مزايا مُعيَّنة، إلَّا أنَّ الدولة
لا يمكن أن تبقى إلا بالقوانين التي يلتزِم بها كلُّ فرد. ولو أراد جميع أعضاء المجتمع
الواحد إلغاء القوانين فإنهم بذلك إنما يَقضُون على المجتمع وعلى الدولة معًا. وعلى
ذلك، فإنَّ أيَّةَ وعودٍ لم تُعطَ لمُجتمع العبرانيين، مُقابل المُراعاة الدائمة
للقوانين، وسوى الأمن١٧⋆ في
الحياة والنعم المادية. وعلى العكس من ذلك، فلم يتنبَّأ لهم بعذابٍ أكيد مُقابل
عِصيانهم سوى انهيار الدولة وما ينتُج عن ذلك عادةً من الشرور، وكذلك بعض المصائب التي
تَحلُّ بهم خاصَّةً، وذلك نتيجة لانهيار دولتهم. ولسْنا في حاجةٍ هنا إلى الإفاضة في
هذا الموضوع، وإنما أودُّ فقط أن أُضيف أن قوانين العهد القديم قد أُوحيت لليهود
وَوُضِعَت لهم وحدهم؛ إذ إنه لَمَّا كان الله قد اختارهم لا لشيءٍ إلَّا ليُكوِّنوا
مُجتمعًا لهم، وليُقيموا دولة خاصة بهم، فقد كان من الضروري أن تكون لهم قوانين خاصة.
ولكن، هل وضع الله أيضًا لسائر الأُمَم قوانين خاصَّة، وهل أوحى بتعاليمه إلى
المُشرِّعين على طريقة النبوَّة أي من خلال الصِّفات التي تَعوَّد الأنبياء إعطاءها
إيَّاه بخيالهم؟ هذه المسألة لم تتَّضِح بما فيه الكفاية بعد، ولكنَّنا على الأقل نرى
في الكتاب أنَّ أُمَمًا أخرى قد كوَّنت لها إمبراطورية وقوانين خاصَّة بحُكم الله
الخارجي، وسأذكر نَصَّين فقط لإثبات ذلك؛ يروى في سفر التكوين (١٤: ١٨–٢٠)١٨ أن ملكيصادق١٩ كان ملكًا على أورشليم وحبر (كاهن) الله تعالى، وأنه بارك إبراهيم طبقًا
لقانون الحبر (انظر: العدد، ٦: ٢٣)،٢٠ وأن إبراهيم خليل الله أعطى حبر الله عُشر غنيمته. ويُبيِّن ذلك بوضوحٍ
كافٍ أنَّ الله قبلَ أن يُؤسِّس الأمَّةَ الإسرائيلية نصَّبَ ملوكًا وأحبارًا على
أورشليم، ووضع لهم شعائر وقوانين. ولا أستطيع أن أجزِم — كما قلتُ من قبل — إن كان الله
قد فعل ذلك بطريق النبوَّة، ولكني على الأقل مُقتنِع تمامًا بأن إبراهيم في أثناء
إقامته هناك قد عاش مُتديِّنًا طبقًا لهذه القوانين. والحقيقة أن الله لم يُعطِ إبراهيم
أيَّةَ شعائر خاصَّة به، ومع ذلك جاء في الكتاب (التكوين، ٢٦: ٥)٢١ أن إبراهيم قد عبد الله وعَمِل بوصاياه ونُظُمه وقوانينه. ولا شكَّ أن
المقصود هو أن هذه الشعائر كانت النُّظُم والوصايا والقوانين التي وضَعَها الملك
ملكيصادق. ويُعاتِب ملاخي (١: ١٠-١١) اليهود قائلًا: «من فيكم يُغلق الأبواب (أبواب
المعبد) أو يُوقِد نار مذبحي مجانًا لأنِّي لا مسرةَ لي بكم ولا أرضى تقدِمةً من
أيديكم؛ لأنه من مشرِق الشمس إلى مغرِبها اسمي عظيم في الأمم. قال رب الجنود.» ولمَّا
كان من غير المُمكن فَهم هذه الكلمات إلَّا في الزمن الحاضر، وهو الزمن الوحيد المعقول،
وإلَّا حرَّفْنا الكَلِم عن مواضعه، فإنَّها تدلُّ بوضوحٍ تام على أن اليهود لم يكونوا
في هذا الوقت أحبَّاء الله أكثرَ من باقي الأمم، بل إنَّ الله كان يكشِف عن نفسه
بالمُعجِزات لباقي الشعوب أكثرَ مِمَّا يفعل لليهود الذين استعادوا جُزءًا من
إمبراطوريَّتِهم في ذلك الوقت دون مُعجِزات. كما تدلُّ هذه الكلمات على أنَّ لباقي
الأُمَم طقوسًا وشعائر يتقرَّبون بها إلى الله، على أني سأترك هذا الموضوع جانبًا؛ إذ
يكفي لإثبات ما أريده أن أكون قد بيَّنتُ أنَّ اختيار اليهود كان يتعلَّق فقط بالنِّعَم
الدنيوية الجسدية وبالحرية، أي بوجود الدولة، وطُرُق إقامتها ووسائل بقائها، ومن ثَمَّ
أيضًا بالقوانين بقدْر ما كانت ضرورية لإقامة هذه الدولة الخاصة، وأخيرًا بالطريقة التي
أُوحِيَت بها هذه القوانين، وفيما عدا ذلك ممَّا يكون القيمةَ الحقيقية للإنسان، لم
يتميَّز اليهود على غيرهم بشيء، وإذن فعندما يُذكَر في الكتاب (انظر: التثنية، ٤: ٧)٢٢ أنه لا تُوجَد آلهة قريبة من أُمَّةٍ قُرب إله اليهود منهم، فيَجِب أن نفهم
هذا القُربَ بالنسبة إلى الدولة فقط، وفي الزمن الذي وقَعَت فيه حوادث مُعجزة كثيرة.
أما بالنسبة إلى الذهن والفضيلة، أي بالنسبة إلى السعادة والغبطة، فإن الله يرعى الجميع
بقدْرٍ مُتساوٍ، كما قُلنا من قبل وبرهَنَّا عليه بالعقل نفسه. وهذا ما يؤكده الكتاب
ذاته بالفعل، يقول كاتب المزمور (المزمور ١٤٤: ١٨): «الرب قريب من جميع دُعاته الذين
يَدعونه بالحق.» وفي المزمور نفسه (الآية ٩): «الربُّ صالح للجميع ومَراحِمُه على كل
صنائعه.» ويُذكَر في المزمور «٣٣ (٣٢): ١٥» أن الله أعطى الجميع الذهن نفسه. وهذا هو
نص
الآية: «هو جايل قلوبهم جميعًا.» (بالطريقة نفسها) فقد كان العبرانيون يَعتقدون حقيقةً
أنَّ القلب موطن النفس والذهن، وأظنُّ أنَّ هذا معروف للجميع. ويُخبِرنا الإصحاح ٢٨،
الآية ٢٨ من سفر أيوب٢٣ أن الله قد فرَضَ للجميع هذا القانون الذي يقضي بتعظيم الله وبالكفِّ عن
الأفعال القبيحة، أي يقضي بالتَّوجُّه له بالفعل الصالح. ومن هنا أصبح أيوب وهو غير
اليهودي، أحبَّ الجميع لله لأنه فاقَهم جميعًا في الوَرَع والتديُّن، ويتبيَّن أخيرًا
من سِفر يونس (٤: ٢) أن الله يرعى «الجميع ويرحمهم ويُسامحهم، وأن رحمته تَسَعُهم
جميعًا»، وأنه يغفر الخطايا للجميع، دون أن يَقصُر ذلك على اليهود وحدَهم، فيقول يونس:
«ولذلك بادرتُ إلى الهرَب إلى ترشيش» (من كلمات موسى في الخروج، ٣٤: ٦)٢٤ «فإني علمتُ أنك إله رءوف رحيم»؛ ومن ثَمَّ فإنك ستعفو عن أهل نِينوى.
ننتهي إذن (ما دام الله يرعى الجميع على السَّواء ولم يَختَرِ العبرانيين إلَّا من حيث
وجودهم في مُجتمع زمني وفي دولة) إلى أنَّ اليهودي بمُفرده، خارج عن المُجتمع والدولة،
لا يَتميَّز عن الآخرين بأيَّةِ هِبةٍ من الله، ومن ثَمَّ فلا فرْقَ بينَهُ وبين غَير
اليهودي.٢٥ ولمَّا كان الله لطيفًا رحيمًا حقًّا بالجميع، وكانت مهمَّة النبي أقربَ
إلى تعليم الفضيلة الحقَّة وتهذيب البشر منها إلى تعليم القوانين الخاصَّة بالوطن، فلا
شكَّ أنَّ جميع الأمم كان لها أنبياء، وأنَّ هِبَةَ النبوَّة لم تكن قاصِرة على
العبرانيين. وهذا ما يشهد به التاريخ الدِّيني والتاريخ الدُّنيَوي على السواء. وإذا
لم
تكن الروايات المُقدَّسة في العهد القديم تدلُّ على إرسال الأنبياء إلى سائر الأمم كما
أُرسلوا إلى العبرانيين، أو على أنَّ الله لم يُرسِل إليها صراحةً أيَّ نبيٍّ غَير
يهودي، فهذا لا يُهمُّ في شيء؛ لأنَّ العبرانيين لم يَهتمُّوا إلَّا برواية شئونهم
الخاصة، لا برواية شئون غَيرهم من الأُمَم. يكفي إذن أن نجِد في العهد القديم أنَّ
أشخاصًا غير مَختونين وغَير يَهود مِثل نوح،٢٦ وأخنوخ،٢٧ وأبيملك،٢٨ وبلعام٢٩ … إلخ قد تنبَّأوا، وأنَّ الله من جهةٍ أُخرى قد أرسل أنبياء عبرانِيِّين
لأُمَمٍ كثيرةٍ لا لأُمَّتِهم وحدَها. فقد تنبَّأ حزقيال لجميع الأُمَم المعروفة في
عصره، ولم يكن عوبديا٣٠ نبيًّا — على ما نعلم — إلَّا للأدومِيِّين، وأُرسِل يونس٣١ إلى أهل نينوى، ولم يقتصِر أشعيا على ندْب مصائب اليهود أو الفرَح لعودتهم
واستقرارهم، بل تحدَّث أيضًا إلى الأُمَم الأخرى قائلًا (١٦: ٩): «لذلك أبكي بُكاء
يعزير.» وتنبَّأ في الإصحاح ١٩ أولًا بمصائب المصريين ثُمَّ بخلاصِهم (١٩: ١٩، ٢١، ٢٥)،٣٢ أعني أنه تنبَّأ بأنَّ الله سيُرسل للمصريين مُخلِّصًا يُخلِّصهم، وأنهم
سيعرفونه ويُعظِّمونه آخِرَ الأمر بالضحايا والقرابين، وهو يُسمِّي في النهاية هذه
الأُمَّة «شعْبَ مصر الذي باركه الله». كلُّ هذه أمور تَستحِقُّ عن جدارةٍ التنويه بها.
وأخيرًا، لم يُسَمَّ إرميا نَبيَّ الأمَّةِ العبرية وحدَها، بل نَبي الأُمَم كلِّها بلا
تمييز (انظر: إرميا، ١: ٥)،٣٣ فهو في تنبُّؤاته يندُب مصائب الأُمَم كلَّها كما يَتنبَّأ بخلاصِها فيقول
(٤٨: ٣١) بخصوص المُؤابيِّين «لذلك أُوَلوِل على مُؤاب كالمزمار.» وأخيرًا، يتنبَّأ
بخَلاصِهم وبخلاص المصريِّين والأمُونِيِّين والأَدومِيِّين. وإذن فليسَ ثَمَّةَ شكٌّ
في أنَّ الأمم الأخرى كان لها أنبياؤها وأنهم تنبَّئوا كما تنبَّئوا لليهود.٣٤ ومع أن الكتاب لا يذكُر إلَّا بلعام٣٥ وحده الذي أُوحِيَ إليه مُستقبل اليهود والأمم الأخرى، فلا ينبغي أن نعتقِد
أنَّ بلعام قد تنبَّأ في هذه المناسبة وحدَها؛ إذ يتبيَّن بوضوحٍ تام من التاريخ نفسه
أنه تَميَّز منذ وقتٍ طويل بالنبوَّات وبالهبات الإلهية الأخرى. فعندما استدعاه بالاق،٣٦ قال له (العدد، ٢٢: ٦): «لأني أعلَم أنَّ مَن تُبارِكه يكون مُباركًا وأنَّ
مَن تلعَنُه يكون مُلعونًا.» وإذن فقد كانت لدَيه المَوهِبة نفسها التي وهَبَها اللهُ
لإبراهيم (انظر التكوين، ١٢: ٣).٣٧ ومن ناحيةٍ أُخرى، يُجيب بلعام الرُّسُل، كما يُجيب إنسانٌ اعتاد القيام
بنبوءات، فيقول لهم: إنَّ عليهم أنْ يَنتظِرُوه حتى تُكشَف لهم إرادة الله. وعندما كان
يُعلن النبوَّة أي عندما كان يُفسر فِكر الله الحق كان يقول عن نفسه عادةً: «كلمة من
يسمع كلمات الله ويَعلَم عِلمه تعالى (أو الفِكر أو العِلم السابق) ومن يرى رؤية القادر
تعالى ومن يقَع على الأرض وعيناه مفتوحتان.» وأخيرًا، بعد أن بارك العبرانيين بأمر
الله، بدأ يُعلن النبوَّة (كما كانت عادته) وتنبَّأ بمُستقبل سائر الأمم. ويكفي ذلك
لإثبات أنَّهُ كان نبيًّا دائمًا أو أنه أعلن نُبوَّته مرات عديدة، وأنه كانت لدَيه
بِوجهٍ خاص (وهذا ما يجِب ذكره أيضًا) ما كان يُعطي الأنبياء اليقين الذي ترتكِز عليه
حقيقة النبوة: أعني قلبًا لا يُميل إلَّا إلى العدْل والخير. فهو لم يكُن يُبارك أو
يَلعَنُ من يشاء، كما ظنَّ بالاق، بل من أراد الله أن يُباركهم أو أن يلعَنَهم؛ ولهذا
أجاب ردًّا على بالاق: «لو أعطاني بالاق ملء بيتِه فضَّة وذهبًا لم أستطع أن أتجاوَزَ
أمرَ الرَّبِّ إلهي فأعمل حسنة أو سيئة. رأيي أنا، ما يقوله الربُّ إيَّاه أقول.» (٢٤:
١٣). أما فيما يتعلق بغضب الله عليه في أثناء رِحلتِهِ فقد حدَث لموسى هذا الشيء نفسه
عندما ذهب إلى مصر بأمر الله (انظر: الخروج، ٤: ٢٤).٣٨ أما النقود التي كان يأخُذُها ثمنًا لنبوءته فقد كان صموئيل يفعل ذلك
(انظر: صموئيل الأول، ٩: ٧-٨)،٣٩ وإذا كان قد أخطأ في مسألة أخرى (انظر في هذا الصَّدَد الرسالة الثانية
لبطرس، ٢: ١، ١٦، ورسالة يهوذا، الإصحاح — الثاني)٤٠ «فإنه ليس من صديقٍ على الأرض يصنع الخير بغير خطأ»: (انظر الجامعة، ٧:
٢٠)، وقد كان لخُطَبِه ولا شكَّ أثرٌ قوي أمام الله، ولكن للَعنَتِهِ أثَرٌ قوي أيضًا؛
إذ إنَّنا كثيرًا ما نَجِد في الكتاب المُقدَّس أنَّ الله يُبرهِن على رحمته الواسعة
للعبرانيين عن طريق الاستماع إلى بلعام، وتغيير لعنَتِهِ إلى بركة (انظر: التثنية، ٢٣:
٢٦، يشوع، ٢٤: ١٠، نحميا، ١٣: ٢)٤١ وعلى ذلك، فلا شكَّ أنه كان أثيرًا لدى الله لأنَّ أقوال الكفار ولعناتِهم
لا تمسُّ الله مُطلقًا. ولكن لَمَّا كان هذا الرجل نَبيًّا حقًّا وسمَّاه يشوع مع ذلك
عرَّافًا أي قارئًا للمستقبل (١٣: ٢٢)،٤٢ فلا شكَّ أنَّ هذا الاسم كان يدلُّ على معنًى حسن، وأن من سمَّاهم
الوثنِيُّون بالمُتنبِّئين والعرَّافين كانوا أنبياء صادقين، على حين أنَّ من
يتَّهِمُهم الكتاب ويُدينهم مرَّاتٍ كثيرة كانوا مُتنبِّئين كذَبة يخدَعون الوثنِيِّين
كما خدَع الأنبياء الكذبة اليهود، وهذا واضِحٌ أيضًا في فقراتٍ أُخرى من الكتاب. ومن
ذلك يُمكننا أن نَستنتِج أنَّ هِبةَ النُّبوة لم تكُن وقفًا على اليهود وحدَهم، بل
مُشتركة بين جميع الأمم، إلَّا أنَّ الفريسيين٤٣ ينتهون إلى عكس ما انتهينا إليه، ويؤكدون أنَّ هذه الهبة الإلهية كانت
وقفًا على أُمَّتِهم، وأنَّ الأُمَم الأخرى قد تنبَّأت بالمُستقبل بقوَّة شيطانية ما
(أليست الخُرافة قادرة على اختلاق أي شيء؟) والنصُّ الرئيس الذي يُقدِّمونه لتأكيد
تفسيرهم لسُلطة العهد القديم مأخوذ من سِفر الخروج (٣٣: ١٦)، حيث يقول موسى: «فإنه
بماذا يُعرَف أني نِلتُ حظوةً في عَينَيك أنا وشعبك، أليس بمَسيرك مَعَنا فنُختار أنا
وشعبُك مِن كلِّ أُمَّةٍ على وجه الأرض.» ومن هُنا أرادوا أن يَستنتِجوا أنَّ موسى قد
طلَبَ مِن الله أن يكون حاضرًا أمام اليهود، وأن يكشِف عن نفسه لهم بنبوءاتٍ وألَّا
يُعطي هذا الفضل بعد ذلك أيَّ شعبٍ آخَر. وإنه لمُضحك حقًّا أن يكون موسى قد حسَدَ
الأُمَم الأخرى على حضور الله أمامهم أو أن يتجرَّأ على أن يطلُب من الله شيئًا من هذا
القبيل. والواقِع أنَّهُ عندما بدأ موسى في التعرُّف على رُوح أُمَّتِه وعلى نزوعها إلى
العِصيان أدرك بوضوح أنه لا يُمكِنُه أن يقوم بمهمَّتِهِ خَيرَ قيامٍ دون الاعتماد على
أكبر المُعجِزات، وطلَب العَون الخارجي من الله وإلَّا هَلَك اليهود، فطلَب عونًا
خاصًّا من الله حتى يُثبِتَ على نحوٍ قاطِعٍ أنَّ الله يُريد الإبقاء عليهم قال (٣٤:
٩): «إني حَظيتُ في عينيك يا رب، إذا يسير الربُّ فيما بَينَنا لأنَّهُم شعبٌ قُساةُ
الرِّقاب.» وإذن فالسَّبَب الذي من أجِلِه طلَبَ العَون مِن الله هو أنَّ الشَّعب كان
عاصيًا، ومِمَّا يُثبِتُ بمزيدٍ من الوضوح أنَّ موسى لم يَطلُب إلَّا هذا العَون
الخارجي وحده، إجابة الله ذاتها، فقد ردَّ عليه بقوله (الإصحاح نفسه: ١٠): «ها أنا ذا
باتٌّ عهدًا أمام جميع شعبك أصنَعُ مُعجزاتٍ لم يُرَ مثلها في جميع العالم بين جميع
الأمم.» وعلى ذلك، فإن موسى لم يكن يستهدِف إلَّا اختيار العبرانيين على النحو الذي
بيَّنتُه، لم يطلُب من الله شيئًا آخَر، ومع ذلك، فإنِّي أجِدُ في رسالة بولس إلى أهل
رُومية نصًّا آخَرَ يَسترعي انتباهي أكثر من ذلك، أعني هذا النص من الإصحاح ٣، الآيات:
١، ٢ الذي يعرِض فيه بولس — فيما يبدو — رأيًا
يُخالِف نظريَّتَنا، فيقول: «فما فضل اليهود إذن أو ما نفْع الختان؟ إنه جزيلٌ على
كُلِّ وجهٍ أولًا لأنهم اؤتُمِنوا على أقوال الله.» على أنَّنا إذا فحَصْنا جيدًا هذا
الرأي الذي يُريد بولس عرضَه هنا قبلَ كلِّ شيء، لا نَجِد فيه ما يُعارِض نظريَّتَنا،
بل إنه يدعو إلى عَين ما ندعو إليه. فهو يقول (الإصحاح نفسه:
٢٩): إن الله هو إله اليهود وغير اليهود معًا. وفي
الإصحاح ٢، الآيات ٢٥، ٢٦، يقول: «إنَّ الختان ينفع لو عملتَ بالناموس، ولكن إن كنتَ
مُتعدِّيًا للناموس فقد صار خِتانك قلفًا، فإذا كان الأقلَفُ يَحفَظ حقوق الناموس أفلا
يُعَدُّ قلفُهُ ختانًا؟» ويقول ثانيًا (٣: ٩؛ ٤: ١٥)٤٤ إن الجميع يهودًا أو غير يهود مُعرَّضون
للخطيئة وأنه لا خطيئة دون أمرٍ إلهيٍّ وشريعة إلهية. ومن ذلك يتبيَّن بأقصى قدرٍ من
الوضوح أنَّ الشريعة قد أُوحيت للجميع على السواء كما بَيَّنَّا من قبلُ عندَ الحديث
عن
أيوب (٢٨: ٢٨)،٤٥ كما تَبيَّن أنَّ الجميع عاشوا تحت لوائها، وواضح أني أتحدَّث عن شريعة
الفضيلة الحقَّة، لا عن الشريعة التي تُقام بالنسبة إلى كلِّ دولة، والتي ترتبِطُ
بتكوينها وتتلاءم مع الرُّوح الخاص لِأمَّةٍ بعَينها. وينتهي بُولس أخيرًا إلى أنَّ
الله هو إله جميع الأُمَم، أي إنَّه يرعى الجميع، وما دام الجميع يخضعون للمِقدار نفسه
للشريعة وللخطيئة، فقد أرسلَ الله مَسيحَه لكلِّ الأُمَم لِيُخلِّصَها بالمِثل من
عبودية الشريعة،٤٦ بحيث لا يفعل الناس الخير طبقًا لوصايا الشريعة بل بأمرٍ حازمٍ مِن النفس،
أي أنَّ بولس يدعو إلى النظرية نفسها التي ندعو إليها. وعلى ذلك، فعندما يقول: «لقد
اؤتُمِن اليهود وحدَهم على كلمات الله.» يَجِب أن نفهم من ذلك٤٧ أنَّ اليهود وحدَهم هُم الذين أُودِعت لديهم الشريعة مكتوبة، على حِين
حصلَتْ سائر الأُمَم على الوحي والأمانة في الرُّوح فقط، أو ينبغي أن نقول: (ما دام
بولس يأخُذ على عاتِقِه الردَّ على اعتراضٍ لا يُمكن أن يكون قد صدَرَ إلَّا عن اليهود)
إن بولس قد وضَعَ نفسه، في ردِّه، على مُستوى فهم اليهود، وتحدَّث طبقًا لمُعتقداتهم
الموروثة الشائعة لديهم. والواقع أنَّ بولس، لكي ينشُر تلك التعاليم التي أدرك هو ذاته
جُزءًا منها،٤٨ وعرف جزءًا آخر عن طريق السمع. كان يونانيًّا مع اليونانيين، يهوديًّا مع
اليهود.
لم يبقَ لنا إلَّا أن نردَّ على هؤلاء الذين يحاولون إقناع أنفسهم لأسبابٍ شتَّى
بأنَّ اختيار اليهود لم يكن وقتيًّا يتعلَّق بالدولة وحدَها بل كان أزليًّا. هؤلاء
يقولون: إنَّنا نرى اليهود الذين تشرَّدوا، بعد انهيار إمبراطوريتهم، في كلِّ مكان،
وانفَصَلوا عن باقي الأمم، قد احتفظوا مع ذلك بكِيانِهم طوال هذه السنين، وهذا ما لم
يحدُث لشعبٍ آخَر. وفضلًا عن ذلك، يُخبرنا الكتاب — على ما يبدو — في مواضع كثيرة بأنَّ
الله قد اختار اليهود إلى الأبد، ومِن ثَمَّ فإنَّهم سيظلُّون أصفياء اللهِ بالرَّغم
من
انهيار إمبراطوريتهم. وهذه هي النصوص الرئيسة التي يبدو أنها تؤيد هذا الرأي: (١) إرميا
(٣١: ٣٦)،٤٩ حيث يؤكد النبيُّ أنَّ بِذرةَ إسرائيل ستظلُّ أمَّةَ الله إلى الأبد
ويُشبِّهُ اليهود بالنظام الثابت للسموات وللطبيعة. (٢) حزقيال (٢٠: ٣٢)،٥٠ حيث يعني النص، على ما يبدو، أنه بالرغم مِمَّا قد يَبذُلونه من جهدٍ لتركِ
عبادة الله، فإنَّ الله سيَجمَعُهم من جديدٍ مِن جميع الأقطار التي تَشرَّدوا فيها
ويَقودُهم في صحراء الشعوب كما قاد أسلافَهُم في صحراء مصر. وبعد أن يفصِلهم أخيرًا عن
العُصاة والمُرتدِّين، سيرفعهم على جبل قُدسِيَّتِه حيث تخدمه أُسرة إسرائيل كلها.
وبالإضافة إلى هذه النصوص، تعوَّد الفريسيون بوجهٍ خاص ذِكر نُصوصٍ أخرى، ولكنِّي أعتقد
أني سأكون قد ردَدتُ بطريقةٍ مُرْضية على كلِّ النصوص عندما أردُّ على هذين النصَّين،
وهذا ما سأفعله دُون عَناءٍ كبير عندما أُبرهِن، بالكتاب نفسه، على أنَّ الله لم
يَختَرْ العبرانيين إلى الأبد، بل اختارهم في الظروف نفسها التي اختار فيها الكنعانِيِّين٥١ من قبل. فكما بَيَّنَّا آنفًا، كان الكنعانيون بدَورهم أحبارًا يخدمون الله
بوازع ديني، ولكن الله تخلَّى عنهم بسبب حُبِّهم للشَّهوات، ولرَخاوَتِهم، ولعِبادتِهم
الباطلة. والواقع أن موسى قد حذَّر الإسرائيليين في سِفر الأحبار (١٨: ٢٧-٢٨)٥٢ من تدنيس أنفسهم بنكاح المُحرَّمات، كما فعَلَ الكنعانِيُّون حتى لا
تَلفِظَهم الأرض كما لفَظَت الأُمَم التي سكنَتْ هذه الأقطار، وهو يُوعِدهم بألفاظٍ
صريحة في سِفر التثنية (٨: ١٩-٢٠) بدمارٍ شامِل، فيقول لهم: «فأنا شاهد عليكم اليوم
بأنكم تَهلَكون هلاكًا كالأُمَم التي أبادَها الربُّ من أمامكم.» وعلى هذا النحو ذاته،
نجد في الشريعة نصوصًا أُخرى تدلُّ صراحةً على أنَّ الله لم يَختَرْ أمَّةَ العبرانيين
إلى الأبد وبصورة مُطلقة. وعلى ذلك، فإذا كان الأنبياء قد تنبَّئوا بمِيثاقٍ جديد أزلي،
مِيثاق معرفة الله وحُبِّه وفضله، فإنه من السهل أن نقتنِع بأنَّ هذا وعدٌ للأتقياء
وحدَهم. والواقع أنه ورَدَ صراحةً في الإصحاح نفسه الذي ذكرناه الآنَ مِن سِفر حزقيال
أنَّ الله سيفصِل عنهم العُصاة والمُرتدِّين. ويذكُر صفنيا (٣: ١٢-١٣)٥٣ أن الله سيُهلك الأغنياء ويُبقي على الفقراء. إذن فلمَّا كان هذا الاختيار
يتعلَّق بالفضيلة الحقة، فيجِب ألَّا نظنَّ أنه قد وعد الأتقياء من اليهود وحدَهم، مع
استبعاد الآخرين، بل يجِب أن نعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الأنبياء الحقيقيِّين من غير
اليهود — وقد أثبتْنا أن جميع الأُمَم كان لها أنبياؤها — قد وعدوا المؤمنين من
أُمَمِهم بهذا الاختيار ذاته، وقدَّموا إليهم هذا العزاء نفسه. وعلى ذلك، فإنَّ هذا
المِيثاق الأزلي لمعرفة الله وحُبِّه هو مِيثاق شامل، كما يتَّضِح تمامًا في صفنيا (٣:
١٠-١١).٥٤ وهكذا، يجب ألَّا نُفرِّق مُطلقًا في هذه الناحية بين اليهود وغيرهم، وليس
ثَمَّة اختيار يختصُّ به اليهود سوى هذا الذي عرَضْناه الآن. وإذا كان الأنبياء يَمزجون
هذا الاختيار القائم على الفضيلة الحقَّة وحدها بكلماتٍ تُشير إلى القرابين والشعائر
الأخرى عن إعادة بناء «المعبد» و«المدينة»، فما ذلك إلَّا لأنهم أرادوا — كيف تقضي عادة
النُّبوَّة وطبيعتها — أن يُفسِّروا الأمور الرُّوحية بنماذج حِسِّية من شأنها أن
تُبيِّن في الوقت نفسه لليهود الذين أتاهم هؤلاء الأنبياء أن إعادة بناء الدولة والمعبد
كان يجِب تَوقُّعُه في عهد قورش.٥٥ وإذن فليس لليهود الآنَ ما يَعزونَه لأنفسهم مِمَّا هو خليق بأن يضعَهم فوق
سائر الأمم.٥٦ أما عن حياتهم الطويلة كأُمَّةٍ ضاعت دولتُها، فليس فيها ما يدعو إلى
الدهشة؛ إذ إنَّ اليهود قد عاشوا بمعزلٍ عن جميع الأُمَم حتى جلبوا على أنفسهم كراهية
الجميع، ولم يكن ذلك عن طريق مُراعاة الطقوس الخارجية التي تُعارِض طقوس الأُمَم الأخرى
فحسب، بل أيضًا عن طريق علامة الختان التي ظلُّوا مُتمسِّكين بها دينيًّا. وقد أثبَتَت
التجربة أنَّ كراهية الأُمَم عامل قوي إلى أبعدِ حدٍّ في الإبقاء على اليهود،٥٧ فعندما أجبر أحد ملوك الإسبان اليهود على الإيمان بدين الدولة أو الخروج من
إسبانيا اعتنَقَ كثير منهم الدِّيانة الكاثوليكية الرومانية. ولَمَّا كانوا قد شاركوا
نتيجةً لذلك في جميع امتيازات الإسبان، وأصبحوا يُعَدُّون جديرين بالتكريم نفسه الذي
يناله هؤلاء، فقد اختلطوا بالإسبان إلى حدٍّ لم يبقَ منهم معه بعد وقتٍ قصير شيءٌ حتى
الذكرى. وقد حدَثَ عكس ذلك تمامًا مع أولئك الذين أجبَرَهم ملك البرتغال على تغيير
دينهم، فقد عاشوا مُنعزِلين بعد استبعادهم من جميع المناصب العُليا. وأنا أعزو إلى طقس
الختان بدَوره من القِيمة والأهمية في هذا الصَّدَد ما يجعلني أعتقِد أنه وحدَه يستطيع
أن يضمَنَ لهذه الأمة اليهودية وجودًا أزليًّا. فإذا لم تُضعِف مبادئ دينهم ذاتها
قلوبهم، فإني أعتقد بلا أدنى تحفُّظ، عالمًا بتقلُّبات الأمور الإنسانية، بأنَّ اليهود
سيُعيدون بناء إمبراطوريتهم في وقتٍ ما، وأن الله سيختارهم من جديد.٥٨ وإنَّنا لنجد مثلًا رائعًا عند الصينيين للأهمية التي يُمكن أن تكون لهم
صفة مُميِّزة كالختان؛ إذ يحتفظ الصينيُّون بدورهم بخصلةٍ من الشَّعر على شكل ذَيل فوق
الرأس ليتميَّزوا بها عن سائر الناس، وبذلك أبقَوا على أنفسهم عبر آلافٍ من السنين،
تجاوَزوا في القِدَم الأُمَم بكثير. صحيح أنهم لم يُبقوا على إمبراطوريتهم دون فترات
انقطاع، ولكنهم كانوا دائمًا يُعيدون بناءها عندما تنهار، وسيُقيمونها من جديدٍ حتمًا
عندما يضعُف التَّتار بسبب الحياة الناعِمة المُترَفة. وأخيرًا، فلو شاء أحد أن يتمسَّك
بأن اليهود قد تمَّ اختيارهم من الله إلى الأبد لهذا السبب أو ذاك، فإني لن أُعارض في
ذلك، بشرط أن يكون مفهومًا أن اختيارهم الزَّمَني أو الأبَدي، بقدر ما هو وقفٌ عليهم،
يتعلَّق فقط بالدولة وبالمزايا المادية (إذ لا يُوجَد أي فرق غير ذلك بين أُمَّةٍ
وأخرى). أما بالنسبة إلى الذِّهن وإلى الفضيلة الحقَّة فلم تُخلَق أمَّةٌ مُتميِّزة عن
الأخرى في هذا الصدد؛ وعلى ذلك فلم يخْتَر الله أمَّةً بعينها، مُفضِّلًا إيَّاها في
هذه الناحية على الأمم الأخرى.
١
(التثنية، ١٠: ١٥): «لكنه لَزِم آباءك فأحبَّهم واصطفى ذُريَّتهم من بعدهم
وأنتم من بين الشعوب إلى يومنا هذا.»
٢
(التثنية، ٤: ٤، ٧): ٤: «وأما أنتم المُستعصِمون بالربِّ إلهكم فكُلُّكم
أحياء اليوم.» ٧: «لأنه آية أمَّة كبيرة لها آلهة قريبة منها كالربِّ إلهنا في
كلِّ ما تدعوه.»
٣
(التثنية، ٤: ٨): «وآية أمَّةٍ كبيرة لها رسوم وأحكام عادلة كجميع هذه
التوراة التي أنا أتلوها عليكم اليوم.»
٤
(التثنية، ٤: ٣٢): «والآن فسَل لمن الأيام الأُوَل التي سلفَتْ من قبلك منذ
يوم خلق الربُّ الإنسان على الأرض من أقصى السماء إلى أقصاها، هل كان قطُّ مِثل
هذا الأمر العظيم أو هل سمع بمثله.»
٥
(التثنية، ٩: ٦-٧): ٦: «فاعلَم أنه ليس لأجل بِرِّك أعطاك الربُّ إلهُكَ هذه
الأرض الصالحة لتملكها لأنك شعبٌ قاسي الرقاب.» ٧: «اذكر، لا تنسَ إسخاطك
للربِّ إلهك في البرية فإنكم منذ يوم خروجكم من أرض مصر حتى جئتم هذا المكان لم
تزالوا تَعصُون الرب.»
٦
(الملوك الأول، ٣: ١٢): «فها أنا ذا قد فعلتُ بحسب كلامك، ها أنا ذا قد
أعطيتُك قلبًا حكيمًا فهِمًا، حتى أنه لم يكن قبلَكَ مِثلُك ولا يقوم بعدُ
نظيرك.»
٧
يُبرهن سبينوزا هنا مُعتمدًا على الحُجَج العقلية والنقليَّة على أنَّ اليهود
ليسوا شعب الله المُختار كما يظنُّون عادة، وبالتالي يُنكر العهد والوحي
الباطنِيَّ الخاص بهم؛ أي إنه يُنكِر أساس العهد القديم كما يفهمه المؤمن
العادي. ويقوم سبينوزا بذلك بجرأةٍ تامَّة وبوضوحٍ وصراحة دون أن يستعمل منهجه
السابق في النبوَّة وهو إثبات تكيُّف الوحي مع مِزاج النبي وآرائه الشخصية
وخياله، وبالتالي يكون مُجرَّد عرافاتٍ وكهانات ورُؤى. ويشمَل نقْدُ سبينوزا
المَسيحيين كذلك خاصَّةً الكاثوليك منهم الذين ورِثوا هذه الفكرة من اليهود،
وبالتالي يشمل كُلَّ نظريةٍ عنصرية تُريد تفضيل شعبٍ مُعيَّنٍ على باقي
الشعوب.
٨
يعود سبينوزا في الفصل السادس عشر إلى هذا الموضوع في حديثه عن الحكومة
الإلهية وجهل الإنسان بقوانين الطبيعة وبنظامها ووحدتها، فما يبدو شرًّا لا
يكون كذلك إلَّا مِن وجهة نظر الإنسان ودون أن يؤمن سبينوزا بالغائية (بالرغم
من استعماله للفظي اتجاه Diretio ونظام Ordo) يبدو أنه يقترب من ليبنتز Leibnitz لأن الخير والشرَّ عند كليهما
نِسبيَّان، فالعالم موجود وليس هناك عالَمٌ آخَرُ مُمكن سواه.
٩
يرى سيزيه Saiset أن سبينوزا يُشير هنا إلى
كتاب «الأخلاق» (Ethique, I, prop. 16, 17, 29)
ولكن أبون Appuhn يرى أن الإشارة هنا إلى
«رسالة قصيرة» أو إلى «أفكار ميتافيزيقية» (Liv. II,
Ch.IX).
١٠
Ethique, I, prop. 33 et
Schol. 1 et 2.
١١
Ethique, II, prop. 6, 48,
49 et Schol.
١٢
Ethique, III, prop. 7, 8,
9 et Schol. Pensées métaphysiques, II,
Ch. VI et XI.
١٣
يُخصِّص سبينوزا الفصل الخامس «للمُعجِزات» ويحتفِظ باللفظ التقليدي، ولكنه
يُفرِّغه من مضمونه، بالتالي يَستعمل سبينوزا أُسلوب السُّخرية من مُعارضيه
الذي ظهر بعد ذلك عند فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر خاصةً عند
فولتير.
١٤
لقد تَمَّ اختيار اليهود لسببٍ واحد فقط وهو ما يتمتَّعون به من مَيزات
مادية، وبالتالي يُعارض سبينوزا موسى بن ميمون والشرَّاح اليهود والمَسيحيين
للتوراة. يرى سبينوزا أن اليهود ليسوا أحرارًا، فالقوانين الطبيعية تُساعِد على
ازدهار الدولة، ولكنَّها لا تُساعد على التَّحرُّر لأنها لم تُفهَم بعدُ كما
كان الحال قبل ظهور المسيح. والطفل الحكيم الذي ربَّاه والداه تربيةً حسنةً لا
يكون بالضرورة عبدًا (انظر الفصل السادس عشر)؛ لأنَّ ما ينبغي عليه فِعلُه
مُفيد له ويرعى مصلحته، ولكن يَظلُّ بعيدًا عن الحُريَّة الداخلية وتكون
المُحافظة على الذات التي تقوم بها التربية مُقدِّمة للحرية الحقيقية، وبالتالي
فقد مَهدَّت شريعة موسى للتحرُّر الباطني بعد فَهم مضمونها، وبهذا المعنى
مَهَّد موسى للمسيح، ومَهَّد القانون للفلسفة الحقَّة ويكون الوحي اليهودي في
الحقيقة مُقدِّمة للوحي المسيحي. لم تكُن للمُميِّزات المادية لدى اليهود
أهميَّة رُوحية تُذكَر، وهذا ما يذكره لسنج Lessing بعد ذلك في «تربية الجنس
البشري» Erziehung des
Menschengeschlechts مع تقديمه لمفهوم
«التقدُّم المُستمر» الذي هو أقرَبُ للعناية الإلهية.
١٥
يسخر سبينوزا ويقول: من لا يعرف حروب العهد القديم وكوارثه؟ وبالتالي — ودون
أن يقول — يَجعلنا سبينوزا نفهَم أنه لا يَحقُّ لأيِّ شعبٍ أن يَدَّعي أنه
الشعب المُختار. وكيف يكون اليهود شعبَ الله المُختار وتاريخهم هو: الأسر في
مصر، خضوعهم المُتواصِل للفلسطينيين، سنوات المَجاعة، تاريخ سدوم وعمورة … إلخ.
ربما لا يكون العهد القديم تاريخ الشعب المُختار بل تاريخ العِصيان المُستمرِّ
خاصَّةً أنَّ كثيرًا من الأنبياء يبدءون نُبوَّاتهم بالوَيل والثبور لبني
إسرائيل.
١٦
⋆
يُروى
في الإصحاح ١٥ من سفر التكوين، أنَّ الله وعَدَ إبراهيم بأنه سيحميه وسيَجزيه
خَير الجزاء. ويُجيب إبراهيم على ذلك بأنَّهُ لا ذُريَّة له وأنه طاعِن في
السِّنِّ ولذلك لا يَنتظِر شيئًا ذا أهمِّيَّة (التكوين، ١٥: ٢-٣) ٢: «فقال
إبرام: اللهمَّ يا رب ما تُعطيني وأنا مُنصرِف عقيم.» ٣: «وقال إبرام: إنك لم
ترزُقني عقبًا» (الآية من ذِكر المترجم).
١٧
⋆
لا يكفي
للحصول على الحياة الأزليَّة تطبيق وصايا العهد القديم، وهذا واضح عند مُرقص
(١٠: ٢١): «فنظر إليه يسوع وأحبَّهُ وقال له:
واحدة تنقُصُك اذهب وبِعْ كلَّ ما لك وأعطِهِ للمساكين فيكون لك كنْزٌ في
السماء وتعالَ اتبَعْني.» (الآية من ذكر المترجم).
١٨
(التكوين، ١٤: ١٨–٢٠): ١٨: «وأخرج مليكصادق ملك شالم خبزًا وخمرًا لأنه كان
كاهنًا لله العلي.» ١٩: «وباركه وقال مبارك إبرام من الله العلي مالك السموات
والأرض.» ٢٠: «وتبارك الله العلي الذي دفع أعداءك إلى يدك وأعطاك العُشر من
كلِّ شيء.»
١٩
مليكصادق Mélchisedec اسم كنعاني يُشير إلى
ملك كاهن شالم Salem والعلي El-Gylon وفي رواية تخليص إبراهيم لِلُوط يحضُر
مليكصادق الخبز والخمر كتقدمة لله ويَلقى مُباركة ليُعطيه إبراهيم عُشر الغنيمة
(التكوين، ١٤: ١٧–٢٠).
٢٠
(العدد، ٦: ٢٣): «مُرْ هارون وبَنيه وقُلْ لهم: كذا تُباركون بني إسرائيل
وتقولون لهم … إلخ.»
٢١
(التكوين، ٢٦: ٥): «من أجل أن إبراهيم سَمِع قولي وحفِظ أوامري ووصاياي
ورسومي وشرائعي.»
٢٢
(التثنية، ٤: ٧): «لأنَّ أيَّة أُمَّة كبيرة لها آلهة قريبة منها كالربِّ
إلهنا في كلِّ ما ندعوه.»
٢٣
(أيوب، ٢٨: ٢٨): «وقال للبشر إن خشية الربِّ هي الحِكمة واجتناب الشر هو
الفطنة.»
٢٤
(الخروج، ٣٤: ٦): «ومَرَّ الربُّ قُدَّامه ونادى الرب، الرب إلهٌ رحيم ورءوف،
طويل الأناة كثير المَراحم والوفاء.»
٢٥
يدحَضُ سبينوزا هنا الخُرافات والأوهام التي يعيش فيها اليهود والمسيحيون
التقليديُّون في عمره، ويُبيِّن لهم أن الناس سواء ولا فضلَ لأحدهم على الآخر
إلا بالتقوى.
٢٦
نوح Noé هو بَطَل الطوفان كما تُصوِّره
التوراة، عقد الله معه عهدًا وبالتالي مع جميع الأحياء وعلامة ذلك قوس قزَح
وشَرطُه احترام الدم الحافِظ على الحياة. وبعد الطوفان أمَرَ الله نوحًا
بمُضاعَفَة سُكَّان الأرض ووعد بألَّا يحدُث طوفان آخر. وكان لِنوحٍ سُلطة على
جميع الأحياء وحقٌّ في أن يتغذَّى منها، وهذا يعني خلقًا جديدًا، فنوح إذن هو
أصلُ عالمٍ جديد (التكوين، ٦: ٩) وتَعزو له التَّوراة كشْف زراعة الكرْم وشُرب
الخمر وما نتج عن ذلك من كشف سوءتِهِ (التكوين، ٩: ٢٠–٢٩). وهناك مصدر آخر
يربطه بلامك Lamech وﺑ شيت Seth وكل المصادر تنسب له ثلاثة أبناء،
سام Sem وحام Cham ويافث Japhet.
٢٧
أخنوخ Hénoch شخصية في التوراة لها نَسَبان
مُختلفان، فهو ابن قاين Cain وابن يارد Yéred (التكوين، ٤: ١٧، ٥، ١٨) ويُقال إنه
عاش ٣٦٥ سنة (عدد أيام السنة الشمسية)، ويُذكَر له إخلاصه لله، ولكنه يَختلف عن
باقي البطارقة لأنه لم يَمُت بل رفَعَه الله إلى السماء (التكوين، ٥: ٢٢–٢٤)
وله كتاب معروف باسمه يحتوي على أمثلةٍ ورموز ورُؤى مثل سِفر دانيال، ويَعتزُّ
المَسيحيون بكليهما لأنهما يتحدَّثان عن ابن الإنسان Fils de l’Homme وهو المسيح.
٢٨
أبيملك Abimélech الذي يقصده سبينوزا ليس هو
أبيملك أمير الفلسطيني من جرار Gérar الذي خطف
سارة Sara زوجة إبراهيم (التكوين، ٢٠-٢١).
(انظر الهامش ١١، من الفصل الأول.) بل هو ابن جدعون Gédéon الذي انتخبه نبلاء شكيم Sichem ملكًا عليها في أثناء حُكم القُضاة، واستمرَّ في المُلك
ثلاث سنواتٍ بعدَ أن قضى على إخوته، ولكن مواطنيه ثاروا عليه وحاصروا
تاباص Tabez وقذفته امرأة بحجارة على رأسه
فمات (القضاة: ٩).
٢٩
انظر الهامش ١٥، من الفصل الأول.
٣٠
هناك شخصان باسم عوبديا Abdias التي تعني
خادم الله: الأول سيِّد القصر في زمان أحاب Achab، ظلَّ مُخلصًا ليهوه وفي أثناء اضطهاد إيزابيل Jézabel خبَّأ مائة نَبيٍّ لدَيه، وبينما كان
يبحَثُ عن مرعًى في مَملكة إسرائيل قابل إيليا Elie الذي رجاه أن يُبلِّغ الملك رغبتَهُ في مُقابلته
(الملوك الأول، ١٨)، ولكن سبينوزا يقصد عوبديا النبي الرابع من أنبياء بني
إسرائيل الصغار الاثني عشر، تنبَّأ في القرن الخامس قبل الميلاد وسِفره المعروف
باسمه يتكوَّن من إحدى وعشرين آيةً فحسْب يُعبِّر عن سعادة النبي مُسبقًا لهدم
أدوم Edom عقابًا لها على موقفها يوم هدْم
أورشليم، وينتسب عوبديا إلى التيار النبوي الوطني.
٣١
انظر الهامش ٦٨، من الفصل الثاني.
٣٢
(أشعيا، ١٩: ١٩–٢١، ٢٥): ١٩: «في ذلك الوقت يكون مذبح للربِّ في داخل أرض مصر
ونصب بجانب تُخمها للرب.» ٢٠: «فيكون علامة وشهادة لربِّ الجنود في أرض مصر،
لأنهم يضَّرَّعون إلى الربِّ من مُضايقتهم فيُرسِل لهم مُخلِّصًا وربًّا
فيُنقِذهم.» ٢١: «ويتعرَّف الربُّ لمصر فتعرِف مصر الربَّ في ذلك اليوم
ويعبدونه بالذبيحة والتَّقدِمة ويَنذُرون للربِّ نذورًا ويُوفون بها.»
٢٥: «فيُباركه ربُّ الجنود قائلًا: مُبارك شعب مصر وصنعة يدي آشور وميراثي
إسرائيل.»
٣٣
(إرميا، ١: ٥): «قبل أن أُصَوِّرَك في البطن عرفتُك، وقبل أن تَخرُج من
الرَّحِم قدَّستُك وجعلتُك نبيًّا للأمم.»
٣٤
هذا ما يُريد سبينوزا أن يُثبِتَه في الظاهر، ولكنَّهُ في الحقيقة يُريد
إثبات أنَّ كثيرًا من أنبياء بَني إسرائيل تنبَّئوا لكلِّ الأمم أي إنَّهم
كانوا يتنبَّئون للناس جميعًا.
٣٥
انظر الهامش ٦٦، من الفصل الثاني.
٣٦
بالاق Balac ملك مؤاب. وعندما رأى انتصارات
إسرائيل في شرْق البحر المَيِّت (العدد، ٢١: ٢١–٣٥) استدعى العرَّاف
بلعام Balaam ليُوقِف تقدُّمَهم (العدد،
٢٢: ٢–٦).
٣٧
(التكوين، ١٢: ٣): «وأُبارك مُباركك وشاتمك ألعَنُه ويَتبارَك بك جميع عشائر
الأرض.»
٣٨
(الخروج، ٤: ٢٤) ولمَّا كان في الطريق وقتَ المبيت التقاه الربُّ فطلَبَ
قتلَه.
٣٩
(صموئيل الأول، ٩: ٧-٨): ٧: «فقال شاءول لغُلامه إذا ذهبْنا إليه فما الذي
نُقدِّم للرجل وقد نفد الخُبز من أوعِيَتِنا وليس من هديةٍ نُقدِّمها لرَجُل
الله فماذا معنا؟» ٨: «فعاد الغلام وأجاب شاءول وقال: إنَّ معي رُبع مِثقال فضة
أُقدِّمه لرجُل الله فيدلَّنا على طريقنا.»
٤٠
(بطرس «٢»، ٢: ١٥-١٦): ١٥: «وقد ترَكوا الطريق المُستقيم وضلُّوا واتَّبَعوا
طريق بلعام بن بعور الذي أحبَّ أُجرة الظُّلم.» ١٦: «إلَّا أنه قد نالَه
التوبيخ على مَعصيته إذ ردع حماقة النبي حمار أبكم نَطَقَ له بصوت
إنسان.»
(يهوذا، ٢: ١١): «ويلٌ لهم فإنهم سلكوا طريق قاين وانصبُّوا إلى ضلال بلعام لأجل أُجرة وهلكوا في معاندة قورح.»
(يهوذا، ٢: ١١): «ويلٌ لهم فإنهم سلكوا طريق قاين وانصبُّوا إلى ضلال بلعام لأجل أُجرة وهلكوا في معاندة قورح.»
٤١
(التثنية، ٢٣: ٢٦): «لا تَبتَغِ سُلَّمَهم ولا حَيِّزَهم طُول أيامك
أبدًا.»
(يشوع، ٢٤: ١٠): «فأبَيتُ أن أسمَعَ لبلعام فباركتُكُم وأنقَذْتُكم من يدِه.»
(نحميا، ١٣: ٢): «لأنهم لم يتلقَّوا بني إسرائيل بالخُبز والماء بل استأجروا عليهم بلعام ليَلعَنَهم فحوَّلَ إلهُنا اللعنة إلى بركة.»
(يشوع، ٢٤: ١٠): «فأبَيتُ أن أسمَعَ لبلعام فباركتُكُم وأنقَذْتُكم من يدِه.»
(نحميا، ١٣: ٢): «لأنهم لم يتلقَّوا بني إسرائيل بالخُبز والماء بل استأجروا عليهم بلعام ليَلعَنَهم فحوَّلَ إلهُنا اللعنة إلى بركة.»
٤٢
(يشوع، ١٣: ٢٢): «وبلعام بن بعور العرَّاف قتَلَه بنو إسرائيل بالسَّيف فيمن
قتلوهم.»
٤٣
الفريسيون Pharisiens يذكرهم يوسف (المؤرخ
اليهودي) (انظر الهامش ٧٩، من الفصل الثاني.) لأول مرة في زمن يوناثان Jonathan، كونوا حزبًا أيام يحيى حرقان Jean Hyrkan (الكاهن الأعظم وأمير اليهود
من ١٣٤ إلى ١٠٤) لمُناهضة حركاته التجديدية، ولمَّا كانوا من أنصار الحسديين Hassidin (الأتقياء) كونوا مُعارضة دِينية
وانفصلوا عن الآخرين، وكان مُعظمهم من العلمانيين Laïques من بين الكتبة Scribes وترجِع سُلطتهم إلى معرفتهم بالكتاب المُقدَّس؛ ولذلك
سمَّاهم الإنجيل فقهاء
الشريعة Docteurs de la Loi، وكانوا يُصرُّون على تطبيق أحكام الشريعة مثل أحكام
السبت، وكانوا يَعتقدون بخلود النفس وبعْثِ الأجساد، وكان لدَيهم تُراث شفاهي
ويعتبرون آراء الفُقهاء مصدرًا من مصادر التشريع، وينقُدُهم الإنجيل لتزمُّتِهم
وتفضيلهم الأحكام الخارجية على التقوى الباطنية، كما يَصِفُهم الإنجيل بالغرور
واحتِقار المُتواضعين. رفَضوا الاعتراف بالمسيح وبرسالته الرُّوحية ولكنَّ
بعضهم ناصَرَ المسيحية مثل جماليل Gamaliel
بدفاعه عن الحواريين أمام محكمة اليهود، وكذلك شاءول الذي أصبح فيما بعد القديس
بولس.
٤٤
(رومية، ٣: ٩): «إذن كيف؟ ألَعَلَّنا نحن نَفضُلهم؟ كلا، فإنَّا قد بَرهنَّا
أنَّ اليهود واليونانيين جميعًا هم تحت الخطيئة.»
(رومية، ٤: ١٥): «لأن الناموس يُنشئ الغضَب؛ إذ حيث لا يكون ناموس لا يكون تَعَدٍّ.»
(رومية، ٤: ١٥): «لأن الناموس يُنشئ الغضَب؛ إذ حيث لا يكون ناموس لا يكون تَعَدٍّ.»
٤٥
(أيوب، ٢٨: ٢٨): «وقال للبشر ها إنَّ خشية الربِّ هي الحكمة واجتناب الشر هو
الفطنة.»
٤٦
المسيح هو مُحرِّر الشُّعور (وليس فاديًا Rédempteur لأحد) يَجعَلُ الإنسان يُدرِك بِرُوحه المعنى الحقيقي
للشريعة، وبالتالي تكُفُّ الشريعة عن عَمَلِها القديم، ويذهب الجَبْر الخارجي
ويأتي الرِّضا الداخلي، (انظر الهامش ٢٥، من الفصل الأول).
٤٧
يقول سبينوزا بوضوح: إن اليهود ليسوا مُختارين ولكن قوله هذا ليس إلَّا ذريعة
لتفسير القدِّيس بُولس ولِذكر نُصوصِهِ المُتناقِضة (اليهود مُختارون اليهود
ليسوا مُختارين) ولكي يُبيِّن لأنصار كالفن Calvin أن اليهود في الإنجيل مُختارون، وبالتالي فالمُشكلة
موجودة في العهدَين القديم والجديد.
٤٨
كان بولس يعلم ببعض الأشياء أو يراها (مَعرفة من النوع الثالث) ويرى البعض
أنه علِمَها عن طريق النقل والشفاه من الآخرين، وبالتالي كيَّفَ دعوته حسب
الأفكار الشائعة لدى مُستمعيه فكان يونانيًّا مع اليونان ويهوديًّا مع اليهود،
طبقًا لنظرية سبينوزا، في تكيُّف النبوَّات والوحي حسب خيال الأنبياء وبيئاتهم
وآرائهم.
٤٩
(إرميا، ٣١: ٣٦): «إن زالت هذه الأحكام من أمامي يقول الربُّ فذُرِّيَّة
إسرائيل أيضًا تكفُّ عن أن تكون أُمَّةً لدى جميع الأيام.»
٥٠
(حزقيال، ٢٠: ٣٢): «وما خطر على قلوبكم لا يكون البتَّة، تقولون إنا نكون
كالأُمَم كشعائر الأراضي عابِدين الخشب والحجر.»
٥١
الكنعانيون Cananéens سكان كنعان وهي
الأراضي الواقعة غرب الأردن (التكوين، ١٣: ١٢)، وهي الأرض الموعودة (التكوين،
١٧: ٨)، والكنعانِيُّون من سلالاتٍ ثلاث؛ الكنعانيون من أصلٍ سامي الذين عاشوا
سنة ٣٠٠٠ والحموريون Amorrhéens الذين هبطوا
الأرض سنة ٢٥٠٠ والحوريون Horrites الذين أتوا
سنة ١٨٠٠. ثم اندمجت هذه السلالات الثلاثُ وكوَّنت شعبًا زراعيًّا يَعيش في
مُدُن (حزقيال، ١٦: ٣) في حين ظلَّ جُزء منهم بدوًا يعيشون على حدودها.
٥٢
(الأحبار، ١٨: ٢٧-٢٨): ٢٧: «إذ جميع هذه الرجاسات صنَعَها أهلُ الأرض الذين
من قَبلِكم فتنجَّسَت الأرض.» ٢٨: «لئلَّا تَقذِفَكم الأرضُ إذ نَجَّستُموها
كما قذَفَتِ الأُمَم الذين قبلكم.»
٥٣
(صفنيا، ٣: ١٢-١٣): ١٢: «وأبقي فيما بينك شعبك وديعًا فقيرًا فيعتصِمون باسم
الرب.» ١٣: «فبقيَّة إسرائيل لا يصنعون الإثم ولا ينطقون بالكذِب ولا يُوجَد في
أفواههم لسانُ مَكْر لأنهم سيرعَون ويضجعون ولا أحد يذعرهم.»
٥٤
(صفنيا، ٣: ١٠-١١): ١٠: «من عبر أنهار كوش المُتضرِّعون إلى بني شتاتي
يُقرِّبون لي تَقدِمة.» ١١: «في ذلك اليوم لا تُخزيني بشيءٍ مِن أعمالك التي
عاصَيتني بها لأني حينئذٍ أنزِع مِن بينك المَرِحين معك بتكبُّر فلا تعودين
تتشامَخين من بعدُ في جبلٍ قُدسي.»
٥٥
قورش Cyrus ملك من ملوك الفرس من قبيلة
بازارجاد Pazargade التي انضمَّت إلى
القبائل الأخرى وكوَّنت الأمَّة الفارسية. ومنذ سنة ٥٥٣ ثار ضدَّ ملِكِه
أستياج Astyage الذي هُزِم ووقَع في الأسر
فأخذ قورش لقب «ملك الفرس» سنة ٥٥٠ وكان في الحقيقة ملك الفرس ومداي Médes، ثم انتصر على كريشوش Crésus ملك ليديا Lydie
واستولى على مَملكتِهِ وضمَّها إليه ثُمَّ توجَّه إلى بابل سنة ٥٤٠ واستولى
عليها. وفي ذلك الوقت جاء أملٌ في نفوس الإسرائيليين المأسورين في بابل منذ سنة
٥٤٦ حتى قيل إن يهوه هو الذي نصر قورش (أشعيا، ٤١: ٢٤-٢٥) وسعى «راعي» يهوه
(أشعيا، ٤٤: ٢٨) ومسيحه (أشعيا، ٤٥: ١١) وناداه يهوه باسمِه ولكن قورش لم يعرفه
(أشعيا، ٤٥: ٤-٥)، وفي سنة ٥٣٨ أصدر قورش قرارًا برجوع اليهود إلى الأرض
المُقدَّسة وإعادة بناء معبد أورشليم (عزرا، ١: ٢–٤، ٦: ٢–٢٥، أخبار الأيام
الثاني، ٣٦: ٢٣)، وأرجع إلى الأحبار الأراضي المُقدَّسة التي استولى عليها جنود
نبوخذ نصر Nabuchodonosor (عزرا، ١:
٧-٨).
٥٦
هذا يدلُّ على أن رسالة سبينوزا موجهة إلى اليهود المسيحيين المعاصرين
لديكارت.
٥٧
انظر في هذا الموضوع: J. P. Sartre: Réflexion sur la question juive.
٥٨
هذه سُخرية من سبينوزا لأنه لا يعتقِد أن الله اليهود شعب الله المُختار أو
بأنَّ الحُكم الإلهي الذي كان مُميِّزًا لهم هو أنسب أنظمة الحكم للطبيعة
البشرية.