الفصل الأول
عندما أقف أمام ذكريات طفولتي، يتبين لي منذ البداية ذلك الفارق الكبير بين حياة الطفل وتربيته في الماضي، وبين ما أصبحت عليه أساليب التربية في الوقت الحاضر.
لقد كان الاهتمام منصبًّا على تغذية الطفل ونموه الجسماني، دون أدنى اهتمام أو التفات إلى مشاعره ونمو مداركه، ولذلك كان هناك فارق هائل بين النمو الجسماني والنمو العقلي. أما الآن فإن هناك توازنًا بين الجانبين، لذلك ينشأ الطفل قادرًا على الفهم والاستيعاب في سن مبكرة.
وكان الأهل يخفون عن الأطفال كل الحوادث والأحداث المحيطة بهم، فإذا مات أحد أفراد الأسرة، قيل للطفل: إنه قد سافر، وإذا أراد أن يسأل عن حقيقة من حقائق الحياة، أجابوه بخرافات لا تروي ظمأه لمعرفة الحقيقة، أو قيل له: إنه ليس من الأدب أن يتدخل فيما لا يعنيه.
ولقد كنت واحدة من هؤلاء الأطفال، وكان يُعنَى بنا خدم جهلاء يخفون عنا ما كان يجب أن نعرفه من حقائق، ويحيطوننا بسياج من الخرافات التي تؤثر في العقول الصغيرة الساذجة.
ولأنني كنت قليلة الالتصاق بوالدي، فإنني لا أذكر من حياتنا العائلية في طفولتي إلا القليل، ومن ذلك أنني كنت أذهب إلى غرفة والدي كل صباح لأقبل يده، وكان يصحبني في هذه الرحلة الصباحية أخ لي من أم ثانية اسمه «إسماعيل»، وكنا نجد أبي متربعًا على سجادة الصلاة يسبح بمسبحته، فنقبل يده ويقبلنا، ثم ينهض ويفتح خزانة كتبه ويخرج لكل واحد منا قطعة من الشيكولاته، فنأخذها ونخرج متهللين.
ثم جاء ذلك اليوم الذي لا يمكن أن أنساه أبدًا … كنت ألعب مع شقيقي «عمر» عندما تناهى إلينا فجأة صراخ عال يملأ أرجاء البيت وملأ الخوف قلبي، وتعلقت أنا وأخي بمربيتنا، وفي ذلك الوقت أقبلت مرضعتي مهرولة، وهي تتشح بالسواد، وتصيح قائلة: لقد تحقق خبر الباشا … فأعطني يا «سياج» الطفلين لأذهب بهما إلى منزل مسعود باشا … حتى لا يزعجهما الصراخ والعويل.
إن هذه الجملة لا تزال ترن في أذني حتى اليوم، ولا تزال تحدث صداها في أعماقي … ولا تزال حرارتها في قلبي ونفسي …
كنت في الخامسة من عمري عندما وقع هذا الحدث الجسيم، فقد توفي والدي المرحوم محمد سلطان باشا يوم ١٤ أغسطس ١٨٨٤ في مدينة جراتس بالنمسا، كان قد سافر إلى سويسرا للاستشفاء، ثم ذهب إلى جراتس بعد ذلك، وكان يعاني من صدمتين عنيفتين أثرتا في حالته الصحية إلى حد بعيد؛ لدرجة أن الأطباء لم يجدوا دواء لدائه إلا أن يسافر بحثًا عن العلاج، وكانت الصدمة الأولى هي وفاة أخي إسماعيل الذي كان يعقد عليه أبي كل آماله في المستقبل، فقد كان ذكيًّا يبدو أكبر من عمره في كل شيء، في الوقت الذي كان فيه شقيقي «عمر» ضعيف البنية والأمل في حياته ضئيل جدًّا … أما الصدمة الثانية فكانت تلك المأساة التي أودت باستقلال البلاد إثر الحوادث العرابية، وما ظهر من سوء نية الإنجليز بعد دخولهم مصر؛ حيث بدا واضحًا أنهم لن يفكروا في الجلاء عنها! …
ولقد كان بودي أن أتحدث طويلًا وتفصيليًّا عن حياة أبي وأعماله، ولكن للأسف عندما فكرت في كتابة مذكراتي، كان كثيرون من الذين عاشوا هذا التاريخ وعرفوا أبي عن قرب قد فارقوا الحياة، ولم يكن أمامي إلا فهمي باشا الذي لازم أبي خلال سنواته الأخيرة.
ولقد عُرف عن أبي أنه كان يميل إلى مجالس الأدب والعلم، وقد تغنى كثير من الأدباء والشعراء بصفاته الطيبة وأخلاقه الحميدة، وكان من أبرز شيمه: الكرم والوفاء والترفع والتمسك بشعائر الدين، وتميز بالإخلاص والصراحة والشجاعة في إبداء الرأي والنزاهة والتجرد عن الغايات. كذلك فقد كان بارًّا بأهله في حياته وبعد مماته؛ حيث أوقف عليهم جانبًا كبيرًا من ممتلكاته، كما فعل الشيء نفسه بالنسبة للفقراء، حتى لا يجد واحد من الذين كان يعولهم مشقة في الحياة من بعده، وقد أوقف على الحرمين الشريفين والأزهر الشريف والمساجد والمدارس جانبًا من أوقافه.
وإذا كانت هذه هي شخصية أبي في حياته الخاصة، فقد كان له مثل هذا الدور في الحياة العامة. وإذا أردنا أن نتناول الجانب الاجتماعي في هذا الدور، فسوف نجد أنه كان وراء إلغاء نظام السخرة والكرباج؛ حيث قدم اقتراحًا بذلك إلى نوبار باشا رئيس مجلس النظار، وانتهى الأمر بإلغاء هذا النظام الذي كان يعتبر وصمة في جبين مصر في ذلك الوقت. كذلك فقد قدم اقتراحًا بإلغاء جميع الضرائب الإضافية التي كانت ترهق كاهل الفلاحين.
وقد بعثني إلى فضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعه، أسأله عن ذكرياته حول والدي؛ حيث إنه كان في ذلك الوقت لا يغادر منزله بسبب شيخوخته فقال: إنه في ليلة سفره إلى أوروبا للاستشفاء، وهي الرحلة التي صاحبه فيها، كان يجلس في مجتمع من الأصدقاء، وفي هذا المجلس تلا أبياتًا من شعره يقول فيها:
وفي تلك الليلة، تحدث عن ابنه الراحل «إسماعيل»، وتلا أبياتًا من قصيدة كان قد كتبها في رثائه. وفيها يقول:
ولقد عاش أبي صدر حياته بعيدًا عن المناصب الحكومية، فقد كان عليه أن يرعى إخوته وأسرته، ثم اختير مأمورًا لقسم قلوصنا، وحاول أن يعتذر عنه، فلم يجد إلا الإصرار.
وتدرج بعد ذلك ليصبح وكيلًا لمديرية بني سويف، ثم مديرًا لها، ثم مديرًا للفيوم، ثم مديرًا لأسيوط، ثم مديرًا للغربية، ثم مفتشًا عامًّا للوجه القبلي، ثم رئيسًا لمجلس النواب ومجلس شورى القوانين ثم قائم مقام الخديوي.
وقد سمعت من بعض أقاربنا نقلًا عن آبائهم وأجدادهم أن والدي من أصل عربي، وقد استوطن أجداده أرض الحجاز، وهاجر نفر منهم إلى مصر قبل عهد علي باشا واتخذوها موطنًا لهم، وتزوجوا من مصريات.
وعلى ما قيل كان جدي الحاج سلطان عميد الجيل الخامس من عائلته في مصر، وكان ولعًا بالزراعة وبالأخص زراعة القصب واستخراج العسل الأسود، وكان مشهورًا بالكرم وطيبة القلب ودماثة الخلق، حتى إنه من كثرة استرساله في عمل الخير والبر ومن فرط تقواه، كان يقول عنه معاصروه: إنه ولي تشمل بركته أهله وكل من حوله.
ومن طريف ما سمعته عن سماحته وعطفه، أن بعض عملائه التجار كانوا يتقاضون حقوقهم أكثر من مرة؛ ظنًّا منهم أنه قد نسي ما دفعه لهم، وقد جاءه ذات مرة رجل كان قد باعه «تقاوي» قصب وقبض ثمنها، ليطالب بثمنها مرة أخرى، فأمر جدي بصرف ثمنها له، وحاول كاتب الدائرة أن يلفت نظره، إلى أن هذا التاجر سبق أن استلم الثمن، وليس له أي شيء، فأجابه جدي: ادفع له الثمن؛ لأنه لم يتسلمه، فدفعه له، وبعد مدة عاد التاجر نفسه يطالب بثمن التقاوي للمرة الثالثة، فثار الكاتب وقال لجدي: إنه سبق أن قبض الثمن مرتين، ولكن جدي تناسى ذلك وقال للكاتب: إنني لا أتذكر، فأعطه نقوده، ولما هم الكاتب أن يثبت لجدي أن المبلغ قد دفع مرتين وأمسك بدفتر الحساب لإثبات ذلك، مد جدي يده إلى الدفتر وأغلقه، وأمر الكاتب بدفع المبلغ في الحال، وبعد انصراف الرجل، قال جدي للكاتب: ألا تستطيع أن تفهم أن الرجل ربما كان في ضائقة مالية، وأن مطالبته هذه ما هي إلا طلب مستتر للمعونة؟ في مثل هذه الحالات لا تعد مطلقًا إلى الإلحاح في تنبيهي؛ لأنني أتذكر جيدًا ما لي وما عليَّ!
ومن الطرائف التي تروى أيضًا أن أحد مستخدميه غافل المسئولين وخرج ومعه «بلاص» عسل، وبينما هو خارج به من الدوار، وقد ركب حمارًا، رأى جدي على خلاف عادته في الظهيرة جالسًا أمام باب الدوار، فأسقط في يد الخادم واضطرب؛ لأنه كان يريد الترجل لتحية مخدومه، وأدرك جدي ما كان يعتمل في سريرة الخادم، فأسرع إليه وأمسك طرف عباءته وهو راكب، وغطى به البلاص وقال له: إذا لم يكن هذا الذي أمرت لك به كافيًا لعيالك، فتعال إليَّ غدًا لآمر لك بواحد آخر.
وكان هذا الموقف رفقًا بإحساس الرجل، حتى لا يشيع بين العمال والخدم أنه سارق، وتصبح هذه الحادثة سبة في جبينه.
ولقد كانت هذه المواقف وغيرها سببًا في اجتذاب محبة مستخدميه وولائهم ووفائهم، فجازاه أحدهم في ابنه من بعده، وقصة ذلك أن والدي عندما اشترى تفتيش «دماريس» جعل يفكر في تدبير ما بقي عليه من ثمنه، ولاحظ انشغاله رجل مسن من مستخدمي والده فقال له: ما بك؟ فأجابه بأنني أفكر في تدبير باقي ثمن التفتيش الجديد، فقال الرجل: لا تفكر واتبعني، وتبعه والدي من حجرة إلى أخرى حتى وصلا إلى غرفة متطرفة مغلقة، وفتحها الرجل بمفتاح كان معه وأدخل والدي فيها، وجاء ببساط كبير من الصوف وفرشه على أرض الغرفة، ثم فتح «زلعة» وألقى ما بها من نقود فضية على البساط، وهكذا واحدة بعد الأخرى حتى وجد أبي نفسه أمام كومة كبيرة من النقود الفضية، فقال والدي للرجل: ما هذا؟ قال الرجل: هذه نقود تركها لك أبوك في ذمتي، وحلفني ألا أعطيها لك إلا إذا كنت محتاجًا لها، وها هي قد نفعتك اليوم.
وقيل لي: إن هذه النقود قد عبئت في جوالات كثيرة، وحملت على الدواب إلى المراكب حيث أرسلت للبنك.
وخلال الفترة التي كان فيها أبي في قلب الحياة العامة، وقعت الحوادث العرابية، وقد تكون هذه فرصة لكي أذكر بعض ما أعرفه عن بعض مدعي الوطنية الذين اتهموا والدي بأنه ساعد على دخول الإنجليز نزولًا على إرادة الخديوي توفيق.
وليس أدل على أن ما ذكر كان مجافيًا للحقيقة، من أن الصحف كانت قد نشرت مذكرات منسوبة إلى عرابي باشا بعد وفاته، وكان ما نشر يصادف هوى لدى أولي الأمر في ذلك الوقت. فلما تركوا زمام الحكم، جاء إليَّ عبد السميع أفندي عرابي يطلب مني المساهمة في طبع مذكرات أبيه، فلما أبديت له دهشتي من أن يطلب طبع هذه المذكرات على نفقتي وفيها طعن في وطنية والدي كذبًا وبهتانًا، أبدى استعداده لحذف هذا الجزء من المذكرات، وكانت دهشتي هذه المرة أشد من سابقتها، وقد رفضت ذلك مقتنعة بأنه كما أراد حذف هذا الجزء بشرط المساعدة، فإنه لا بد قد وضعه بشرط مثله خدمة لغرض آخر، وأسفت أن هذا حدث شفويًّا، وإلا لكنت قد أدليت بالبرهان على كذب ما جاء في هذه المذكرات لعرابي باشا، ومع ذلك فسوف يأتي الحديث فيما بعد عن خطابين أرسلهما إليَّ عبد العزيز وعبد السميع عرابي ابنا عرابي باشا.
وكان عبد السميع قد كتب مقالات في جريدة المحروسة، ذكر فيها أن سلطان باشا كان من رؤساء الحركة الوطنية، وكان يظن أنه يستطيع بمواهب عرابي وقوة الجيش الحصول على رئاسة البرلمان، فأيد عرابي في جميع الأحوال إلى أن فازت الأمة بالمجلس النيابي. ولكنه لما رأى الأمة تتحدث باسم عرابي بكل إعجاب وثناء تسرب الحسد إلى نفسه. ولما تشكلت وزارة محمود باشا سامي كان يطمع أن يكون فيها وزيرًا فلم يتحقق أمله.
وعلى ذلك أخذ يضلل أعضاء مجلس النواب وغيرهم وينفرهم من عرابي ويغريهم بالتخلي عنه. ولكنه لم يفز؛ لأن الأمة بكل طبقاتها كانت في جانب عرابي إلى النهاية.
إن منشأ الحركة العرابية كان سببًا عن الظلم والجور اللذين لحقا بضباط الجيش المصريين؛ حيث كان لا يسمح لأي ضابط مصري مهما كانت مواهبه أن يتعدى رتبة أميرالاي، فأوجب هذا تذمر الضباط المصريين ما ترتب عليه قيامهم بحركة ضد هذا الاحتلال التركي الجركسي، وكان هذا هو الأساس الذي قامت من أجله الحركة العرابية.
ولما كان البرنامج يشمل أيضًا طهارة المصالح الملكية من الموظفين الأتراك والجراكسة، فقد انضم إليهم كثير من أعيان البلاد وكبرائها، وأخذ يناصرهم المرحوم سلطان باشا بما كان له من النفوذ الكبير والسلطة العالية.
إن سلطان باشا كان يشغل مركز حاكم الصعيد العام، وكان ذا جاه عريض وسلطة واسعة. فمن هذا يعلم أنه لم يكن في احتياج إلى جاه غيره ليتوصل إلى مركز عال. ولما بدأت الحركة العرابية ورأى من مبادئها خدمة البلاد، انضم إليها بكل نفوذه وعضدها بكل قواه، لا حبًّا بوظيفة؛ لأنه كان يشغل أعظم المراكز، بل حبًّا في خدمة البلاد.
أذكر أنني كنت مع المرحوم سلطان باشا في سراية ذات يوم، وإذا بعرابي قد حضر ومعه ضباط من الجيش وطلبوا منه عقد البرلمان في الحال، فسألهم عن الموضوع الذي يريدون أن يتكلموا فيه، فقالوا: عزل الخديوي، فقال لهم: وهل رشحتم من يخلفه حتى يكون قرار البرلمان بالعزل شاملًا لتعيين الخلف. وكان عرابي ينتظر من الجميع أن يقولوا: إن الخلف عرابي، ولكن لم ينطق أحد منهم، وبعد أن تداولوا فيما بينهم قرروا تأجيل البت في ذلك إلى الغد.
وعقدوا اجتماعًا في منزل عرابي للمداولة، فاشتد الهرج بينهم، فقال محمود سامي البارودي إنني أولى بالملك لأني من سلالة ملوك، وقال عرابي: ولكني أنا رئيس الحركة الوطنية وموحدها، وقال آخرون غير ذلك إلى أن قال طلبه عصمت باشا: لكل منا أعمال عظيمة في هذه الحركة، فيجب أن نعامل كلنا بالسواء بلا تمييز واحد على الآخر، فيحسن أن نجعل كل مديرية خديوية قائمة بنفسها، وكل منا يكون خديوًا لها. وحينئذ يئس عرابي، واستحسن مع البعض أن تبقى الحالة كما هي عليه. وبعد ذلك توجه عرابي إلى سراي سلطان باشا، وشكره على نظره البعيد.
نظر سلطان باشا إلى كل هذه الأحوال، وقال للعرابيين: إنه يحسن بالجيش المصري أن يقف عند هذا الحد؛ لأن الأجانب قلقون جدًّا من العسكرية الدائمة، فلم يرق هذا القول للعرابيين وعدوه خيانة من سلطان باشا، ولم يعبئوا بنصيحته، بل ظلوا على تهديد العرش مما استوجب مخاوف الخديوي، فاستغاث بأوروبا لتساعده على خلاص عرشه من التهديد.
وعند دخول الإنجليز إلى مصر، أراد سلطان باشا أن يتحقق إلى أي حد ترمي المقاصد الإنجليزية. فأكد الجنرال دلسلي قائد الحملة أن مهمتهم هي إخماد الفتنة العرابية وحفظ العرش من التهديد. وبانتهاء ذلك تكون مهمتهم قد انتهت وينصرفون إلى بلادهم … أكدوا هذا لسلطان باشا الذي كان مشغوفًا بحب وطنه وخائفًا من سيطرة الإنجليز عليه؛ لأنه ليس من المعقول أن سلطان باشا يحارب الاحتلال التركي، الذي كان في نظره كابوسًا على البلاد، ويسعى للاستعاضة عنه بالاحتلال الإنجليزي.
وأود أن أذكر هنا أن عرابي باشا كان قد أمر بأن تؤخذ ممتلكات أبي من غلال وخيل وغيرهما، وترسل إلى مخازن الإنجليز، وأن يختم البيت بالشمع الأحمر حتى ينظر في أمره.
وبعد فشل عرابي ونفيه إلى جزيرة سرنديب، أمرت الحكومة بصرف عشرة آلاف جنيه لوالدي على سبيل التعويض الرمزي، عن الخسائر المادية التي لحقته من جراء تلك التصرفات، فانتهز ضعاف العقول والبصائر هذا الأمر للتشهير بوالدي، وقالوا: إنه منح المبلغ مع الخديوي توفيق لمساعدة الإنجليز على كذبهم وافترائهم، ولو فرضنا المستحيل، فإنه لا يمكن أن يبيع مصر بهذا الثمن البخس الذي لا يوازي قطرة في بحر ثروته.
ولقد كان من نتيجة فشل والدي في إقناع عرابي، قيام تلك الحوادث التي أدت إلى دخول الإنجليز إلى البلاد عنوة، متذرعين بالفتن والاضطرابات الداخلية والخارجية.
وما الذي كان يستطيع والدي أن يفعله إزاء الجيوش التي هزمت جيش عرابي؟
هل كان في إمكانه محاربتها والتغلب عليها، أو تصديق ما كان يقال من إنهم مدافعون عن العرش واستتباب الأمن وحماية الأجانب، بدلًا من أن يدخلوا فاتحين بحد السيف؟