الفصل الخامس عشر
تحدثت عن بعض مظاهر الثورة في القاهرة، ولم أكن على معرفة بكل ما يجري في الشارع المصري في ذلك الوقت؛ لأن المرأة المصرية لم تكن قد خرجت إلى رحاب الحياة بعد، ولذلك فإنني سجلت عن هذه البداية بعض ما عرفته وما سمعت به وكانت هناك أحداث هامة جرت فيما بعد، وكانت المرأة قد نزلت إلى الشارع لتشارك في الثورة وتتلقى رصاص الإنجليز في بطولة وشجاعة.
على أنني قبل أن أتحدث عن ذلك، أود أن أذكر بعض أحداث مديرية المنيا باعتبار أن هذا هو البلد الذي ولدت فيه. فقد ثار أهل المنيا من جراء حادثة وقعت بالقطار القادم من الصعيد، وقد ترتب على ذلك أن قتل بعض الضباط والجنود الإنجليز. وعندما أنزلت جثث القتلى بمحطة المنيا، جاء أحد الإنجليز بمصور لالتقاط صور القتلى لإرسالها إلى أمريكا، وعلم الأهالي بذلك فدخلوا منزل المصور وأعدموا زجاجات التصوير.
ولما كانت النفوس مليئة بالحماسة ومشتعلة بالوطنية، فقد نشبت الثورة في المنيا، وبالغ بعض الأهالي في ثورتهم، فحالوا الهجوم على بيوت الموظفين الإنجليز.
ولكن بعض الأعيان تصدوا لهم ومنعوهم من ذلك. وكان في مقدمة هؤلاء: الدكتور محمود بك عبد الرازق وابن أختي توفيق بك إسماعيل … فقد آوى توفيق بعضهم عنده … وعرض نفسه بذلك لغضب مواطنيه وهجومهم، أما الدكتور محمود عبد الرازق فقد وقف أمام باب أحد الموظفين الإنجليز، وفتح صدره أمام الناس قائلًا: «لا تقتلوه إلا بعد أن تقتلوني.»
وقد بدأ هو وبعض الأعيان يهدئون الخواطر الثائرة بإيهام أهالي المنيا بأن المديرية قد استقلت، وقد أداروا بالفعل دفة شئونها لمدة أسبوع لم يحدث خلاله أي حادث إجرامي. ومع ذلك فقد كان جزاؤهما فيما بعد الحكم عليهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وقد ارتكب الإنجليز بعد ذلك كثيرًا من الفظائع، ومن ذلك أنهم طافوا بالقرى يضربون الرجال بالسياط ويسطون على البيوت ويعتدون على الحرمات ويقتلون المواشي والطيور. ومما يؤسف له، أنهم عند إجراء التحقيق بعد ذلك، وجدوا مصريًّا يقوم بوظيفة شاهد الملك، ووجدوا من بين ضباط الشرطة من كان أقسى على مواطنيه من الإنجليز أنفسهم.
ولقد كانت هذه الأحداث تزكي نيران الثورة في نفوس المصريين وبخاصة بعد أن لمسوا مواقف مضادة من بعض الأجانب الذين عاشوا بينهم وربطت بينهم المصالح المشتركة والصداقة أعوامًا طويلة.
وكانت بداية هذه المواقف عندما قام شخص أرمني كان يسكن حي عابدين بإطلاق الرصاص من مسدسه بلا مبرر على مظاهرة سلمية كانت تمر أمام منزله، فأثار ذلك حنق المتظاهرين وغيظهم، فهجموا على بيته وأحرقوا أثاثه.
وقد تخوفت تلك الطائفة، وأرادت أن تتظاهر بولائها للإنجليز وتقدم لهم حجة ضد المصريين وسلاحًا للدعاية ضدنا بأننا قوم متعصبون، وأن ثورتنا هذه ذات دوافع دينية وليست لأسباب دينية. وكذلك تبرأ بعض اليهود منا في ذلك الوقت، والتحق كثير منهم بخدمة الجيش البريطاني.
ولكن موقف الأقباط المصريين كان كفيلًا بدحض كل هذه المزاعم، فقد تجلت أروع صور الوحدة الوطنية في العمل الوطني الواحد الذي يجمع بين كل المصريين من مسلمين وأقباط.
على أن الإنجليز انتهزوا فرصة الاعتداء على منزل الأرمني، وجمعوا تلك الطائفة في معسكر من معسكراتهم ليمثلوا الدور نفسه الذي مثلوه في تركيا، وهو أنهم ضحايا، ولكن الأرمن لم يلبثوا أن ندموا وخرجوا ببناتهم من تلك الملاجئ التي أقيمت لهم في المعسكرات، بل وغادر معظمهم القطر نتيجة ما أصابهم من خزي!
وكان الإنجليز بعد اندلاع الثورة قد جاءوا بالجنود من كل ناحية من ممتلكاتهم ومستعمراتهم. وكان هؤلاء الجنود إذا التقوا بشخص من السراة، انقضوا عليه وصوبوا مسدساتهم إلى رأسه أو صدره قائلين: الروح أو المال.
وأذكر بهذه المناسبة ما سمعته من أن المرحوم مظلوم باشا كان فريسة لبعض هؤلاء ذات ليلة، وهو خارج من كلوب محمد علي، إذ ألصقوه بالحائط وسلبوه ساعته ونقوده، وقد أصابه من رعب لدرجة أنه لم يصدق أنه نجا من القوم الظالمين.
كذلك فقد كانوا يخطفون النساء في الشوارع، وكانوا يجردون الأقراط من آذانهن فتسيل الدماء منها، دون مبالاة بذلك.
وكم تعدى علينا هؤلاء الجنود في المظاهرات، وأذكر على سبيل المثال أننا لما خرجنا في موكب المظاهرة العامة التي ضمت جميع الهيئات المصرية واشتركت فيها السيدات راكبات سياراتهن. وكانت المرحومة ألفت هانم راتب تمسك بيدها علمًا مصريًّا صغيرًا يرفرف من نافذة سيارتها، وعند مرور المظاهرة أمام فندق الكونتننتال … انقض أحد الجنود الإنجليز على سيارتها، وحاول انتزاع العلم من يدها، ولكنها تشبثت به ولم تمكنه من انتزاعه، ولما كان ذلك على مشهد من المتفرجين الأجانب، فقد صفقوا لها إعجابًا بها، فثار الجندي ثورة حمقاء … وأخذ يجذب العلم منها بقسوة ويضربها بيده الأخرى على ذراعها ضربات قاسية ليرغمها على التسليم، ورغم ذلك لم يتمكن من قهرها، وعندما صار أضحوكة المتفرجين أقبل بعض زملائه وأخذوا يطعنون سيارتها … وأسفرت المعركة بين جنود بريطانيين مسلحين وبين سيدة مصرية عزلاء عن احتفاظها بعلم بلادها إلا طرفًا منه استطاعوا تمزيقه.
وبعد انتهاء المظاهرة وعودتنا إلى بيوتنا، جاءتني في حالة انفعال شديد، وطلبت مني الاحتجاج على هذا الحادث، فكتبت في الحال احتجاجًا وسلمته لها لتذهب به بنفسها إلى دار المعتمد البريطاني، وتريه كيف اعتدى جنوده عليها وعلى سيارتها.
ورد اللورد اللنبي على المذكرة بما تعود عليه الإنجليز من التنصل من المسئولية، قائلًا: «نأسف لما أصاب السيدة في الطريق العام!»
وجدير بالذكر أن هذه المظاهرة، اشتركت فيها جميع الهيئات الرسمية، وكانت مظاهرة لم تشهد لها مصر مثيلًا، فقد اشترك فيها الجيش والقضاة والمحامون بملابسهم الرسمية، والموظفون والطلبة، والأزهريون من علماء وطلبة، والعمال، ورجال الدين من جميع الأديان، كذلك فقد اشتركت فيها النساء، بعضهن في سياراتهن وعرباتهن، وبعضهن الآخر على عربات الكارو، وبأيدي الكثيرات منهن الأعلام.
وبالرغم من وقار المظاهرة وهيبتها، فإن نظامها وحماستها لم يرق في عين أحد الضباط الإنجليز الذي كان واقفًا بفندق شبرد، فما كان منه إلا أن أطلق مسدسه على المتظاهرين، فوقع واحد منهم، ورغم ذلك تابع المتظاهرون سيرهم في نظام، ما دفع الأجانب لأن يصفقوا لهم ويقولوا: تقدموا … تقدموا، فالنصر لكم.
عندما حاول الجنود الإنجليز استثارة المصريين المتظاهرين، قام أحد ضباط السواري المصريين بضربهم بعصاة، واستطاع بمفرده أن يشتتهم جميعًا. فلجئوا إلى حديقة الأزبكية واختبئوا فيها.
ولقد كان حقًّا يومًا مشهودًا مشرفًا لمصر. ويذكرني ذلك بيوم مظاهرة الأزهريين الذين كانوا يشتعلون حماسة ووطنية، لدرجة أنهم كانوا يواجهون مدافع الإنجليز بصدورهم، وبلغت الشجاعة بأحدهم أن هجم على مدفع منها، وضرب الجندي الذي يعمل عليه، ووقف مكانه ليضرب الإنجليز، ولكن للأسف كان جهله باستعماله سببًا في ضربه وموته.
وكانت السيدات في هذه الأحوال يصفقن من الشرفات والنوافذ، مستنهضات همم الرجال في هذا النضال الوطني … حتى إن الجنود الإنجليز كانوا من فرط غيظهم يطلقون الرصاص عليهن، ولم تعلن أسماء من أصبن إنكارًا للذات وبعدًا عن طلب الجزاء أو الشكر.
محاولة تشويه الثورة
أراد الإنجليز أن يشوهوا جلال ثورتنا في الخارج، فصاروا يعلنون يومًا أنها ثورة ضد الأجانب بهدف إثارة الرأي العام العالمي، وفي يوم آخر يسمونها ثورة الأكثرية المسلمة ضد الأقلية من الأديان الأخرى.
وقد أثار هذا الكذب والافتراء وسوء التعليل سخط إخواننا الأقباط والطوائف الأخرى، وكان أن تآخى الجميع، وصاروا يجتمعون في الكنائس والمساجد والمعابد وهم شيع مختلفة، وكان الشيخ يتأبط ذراع القسيس أو الحاخام أمام عدسات المصورين ليظهروا للملأ اتحاد الجميع على الثورة ضد الإنجليز، وكانت احتجاجاتنا على هذه التهم لا تتعدى أرض مصر؛ لأن السلطة كانت تراقب البريد المصري للخارج، وكانت صحفنا لا تصل إلى أبعد من الإسكندرية، فكنا إزاء هذه الحالة نستخدم كل الحيل لإرسال الأخبار مع المسافرين أو بعض الأجانب حتى يصل صوتنا إلى الخارج … وقد أثار ذلك غضب الإنجليز على كثير من هؤلاء. وكان نصيبهم النفي خارج مصر. وأذكر من بين هؤلاء «الكونت دي كولالتو» الذي حرم عليه الإنجليز العودة إلى مصر حتى توفي بعيدًا عنها، رغم أنه ترك فيها زوجته العجوز وابنه الوحيد، وقد قابلته في روما عام ١٩٢٣ عندما حضرت المؤتمر النسائي بها، ولما رأيته متألمًا جدًّا من هذا النفي المجحف رغم خدماته الجليلة التي قدمها لمصر، كتبت إلى ولاة الأمور بشأن عودته، ونشرت في الصحف خطاباته التي أرسلها إليَّ يطلب فيها إنصافه وتمكينه من العودة إلى مصر التي يعتبرها وطنه الثاني … ولكن كل ذلك لم يجد شيئًا وبقي هناك حتى توفي.
لقد حدث أثناء سير أورطة إنجليزية أن طفلًا مصريًّا مر من فاصل بين جنود القوة، فاغتاظوا لذلك وضربوه ضربًا قاسيًا. وكان ذلك قد حدث على مرأى من أحد الموسيقيين الطليان، فأثر فيه هذا المنظر، وانتهرهم قائلًا: «أليست في قلوبكم رحمة» … فضربه ضابط بمؤخرة البندقية على رأسه، فهوى ميتًا. ولما علمنا بما حدث لرجل دفعه شعوره الإنساني للدفاع عن طفل بريء، أردنا إظهار مشاعرنا نحو هذا الشهيد، فأرسلنا باقة كبيرة من الزهور لتوضع على قبره باسم نساء مصر، وذهبنا للسفارة للتعزية فيه، فشكرنا ممثل الدولة الإيطالية، ورجانا في الوقت نفسه ألا نطيل مثل هذه المظاهرات خوفًا من خلق مشاكل مع دولة بريطانيا العظمى.
الإضراب العام
من المظاهر الكبرى التي كان لها أثرها في خدمة القضية المصرية، ذلك الإضراب العام لجميع طوائف الموظفين والعمال والطلبة، وقد استمر هذا الإضراب مدة طويلة، حتى امتلأت الشوارع بالفضلات والأحجار ما اضطر السلطة الإنجليزية إلى تنظيف الشوارع … ولما أضرب الحوذية والسائقون، كان الإنسان لا يسمع صوتًا للترام أو العربات أو أي وسيلة من وسائل المرور، وأمام الشلل الذي أصاب المواصلات، استدعت السلطة أعضاء الوفد لتطلب منهم كتابة نداء وتوجيهه إلى الأهالي بطلب الكف عن هذا الإضراب، وإلا اعتبرتهم مسئولين عنه وعن نتائجه.
وقد اجتمع هؤلاء الأعضاء بزوجي وكيل الوفد في بيتنا قبل توجههم إلى مركز رئاسة السلطة الإنجليزية بفندق «سافواي» الذي كان الإنجليز احتلوه. وقد ترك الباشا زملاءه المجتمعين في الدور الأول من منزلنا، وصعد إلى الطابق الثاني ليقول لي: «ربما تعتقلنا السلطة، فإذا حدث ذلك، فأرجو أن تسلمي هذا المبلغ حرم سعد باشا، فربما تحتاج إليه في غيبتي.» وكان سعد باشا في المنفى في ذلك الوقت.
ولما نزل، توجهت إلى النافذة لأراه وهو خارج يتبعه كل أعضاء الوفد، وبعضهم يبتسم ابتسامة مريرة، وبعضهم الآخر مضطرب الخاطر، وأكثرهم يحملون معاطفهم وعصيهم مستعدين للنفي أو لما هو أكثر من ذلك، إذ كان قد أذيع في ذلك اليوم أنهم سيعدمون رميًا بالرصاص أو ينفون.
وقد علمت فيما بعد أنهم أدخلوا غرفة، ثم دخل عليهم قائد السلطة، ودون أن يحييهم ألقى عليهم بضع كلمات حادة، وأراد أن ينصرف دون أن يجيب عن أي سؤال، فقال علي باشا شعراوي باللغة العربية: «أنا لم أفهم من كلامه شيئًا … أين هو ذاهب؟» فلما سمعه القائد يقول هذه الكلمات بحدة، عاد ليسأل عما يريده، فلما أفهمه كلام الباشا، أمر بأن تترجم له أقواله، وألح عليهم في أن يكتبوا هذا النداء … فوافقوا على كتابة ما يصون كرامتهم ولا يتنافى مع وطنيتهم.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر مظهرًا من مظاهر الوفاء والإخلاص الصادق من سيدة فرنسية صديقة، فقد سمعت ما أشيع من أن زوجي سيحكم بإعدامه، وأن السلطة قد وضعت أمام باب دارنا مدفعًا تهديدًا لنا، فجاءت على قدميها من روض الفرج؛ حيث كانت تسكن إلى بيتنا بقصر النيل، فوصلت في المساء. ولما دخلت علينا سقطت على الأرض من فرط التعب والتأثر، وصارت تبكي وتقول: سمعت عنكم أخبارًا مزعجة، فجئت رغم إضراب السائقين مشيًا على قدمي لأطمئن عليكم.
هذه السيدة الفاضلة هي «مدموازيل جان ماركيز» التي أصحبت محررة بمجلة «الاجبسيان» المصرية التي نصدرها باللغة الفرنسية.
المرأة والثورة
ظهر في اليوم التالي ذلك النداء الذي طلب من أعضاء الوفد نشره، فلم يؤثر في الرأي العام؛ لأن الجميع كانوا على علم بأنهم قد أرغموا على إعلانه، واستمر الإضراب يتسع حتى عم كل الفئات والطوائف والمجالات، وكانت أزمة جديدة رزحت تحتها البلاد، فضغطت السلطة على الحكومة لتهدد المواطنين بالفصل والعقاب إذا لم يكفوا عن إضرابهم … وحاولت حكومة رشدي باشا أن تنصح لهم بالعودة إلى أعمالهم قبل أن تضطرهم القوة إلى ذلك، فثاروا ضدها ونادوا بسقوطها … وجمع رشدي باشا كبار الموظفين مرة أخرى وأسدى إليهم النصيحة، فلم يقبلوها.
وقمنا نحن السيدات نؤيد هذا الإضراب، ونشجع الموظفين على عدم العودة إلى أعمالهم حتى تصل البلاد إلى نتيجة. وكتبت لجنة الوفد للسيدات إلى رشدي باشا خطابًا تطلب منه الاستقالة إذا كان عاجزًا عن تسيير دفة الأمور.
وقد علمت أنه كان عازمًا على تقديم استقالته، فلما وصله الخطاب قال: «النساء أيضًا يطلبن استقالتي، وهأنذا سأقدمها، فلتطمئن نفوسهن.»
وقدم استقالته في الليلة نفسها، ولو أنه كان قد قدمها بعد الإنذار، لكان ذلك أفضل؛ لأنها كانت تعبر في ذلك الوقت عن الاحتجاج، ولو أن الإضراب انتهى قبل الإنذار كما نصح هو لكان أجدى.
وبعد استقالته خشينا أن يتغير الموقف، فأوعزنا إلى كثير من السيدات بالوقوف على أبواب الدواوين لمنع الموظفين المتخاذلين من الدخول إلى مكاتبهم، ولشد ما كانت دهشتنا عندما علمنا أن الموظفين ذهبوا زرافات ووحدانًا إلى دواوينهم، كبارهم قبل صغارهم، وإن كان عدد كبير من صغار الموظفين قد أصروا على موقفهم، وظلوا مضربين حتى فصلوا من وظائفهم.
وكانت النساء اللاتي تولين الوقوف أمام الدواوين لمنع الموظفين من الدخول، ينتزعن أساورهن وحليهن، ويقدمنها لهم قائلات: «إذا كان أحدكم في احتياج لمرتبه، فليأخذ هذه الحلي، ولا تسودوا وجوهنا بالرجوع إلى أعمالكم بعد صدور الإنذار البريطاني» … وللأسف فإن هذا الأسلوب لم يؤثر في بعضهم، فدخلوا إلى مكاتبهم وقدموا اعتذارات مختلفة يبررون بها غيابهم.
وقد رأيت هذا بعيني، فتألمت ألما شديدًا رغم أني ألتمس لهم بعض العذر إذ صمدوا مدة طويلة، وليس لهم من سند في الحياة إلا مرتباتهم، ولكن هذا لم يوقف الثورة ولا الإضراب، بل زادهما انتشارًا.
-
إننا ما أضربنا إلا لطلب الاستقلال التام أو البت في قضيتنا أمام مؤتمر السلام … وحتى الآن لم نسمع شيئًا يتفاءل منه عن مسألتنا المصرية.
-
إن الفظائع التي ترتكب في أنحاء البلاد والتي تصيب مواطنينا وإخواننا، توهن النفس وتجعلها تتمرد على كل شيء إلى إنهاء هذه الفظائع المنكرة.
-
إن عدم إلغاء الأحكام العرفية لا يدع مجالًا لوصول الأخبار لدينا عن مصرنا العزيزة، ولا يبعث فينا روح الطمأنينة عن وفدنا المصري … فنحن اليوم قلقون … والقلق والدرس ضدان لا يتفقان.
-
إلقاء الشبهات على كل بريء، ومعاملته معاملة قاسية، لا سيما سجن وجلد الطبقات المحترمة الراقية كما فعلوا مع موظفين وطلبة في صفط الملوك بالبحيرة وأسيوط والجزيرة وغيرها.
لقد آن أيها الأبطال أن تجردوا سلاحكم في وجه خصمكم العنيد؛ حيث لم يرهبه التهديد، آن لكم أن تضربوا لفك قيود إخوانكم في الوطنية ممن اعتقلوا لاستمرارهم مضربين تنفيذًا لقرار اللجنة.
فإن صمم كل منكم على الإضراب وعادت إليه شهامته الأولى، وكلكم وطنيون مخلصون، اتحدت قلوبكم عن بعد، وأضربتم جميعًا على غير موعد.
فنستحلفكم باسم الوطنية الصادقة، باسم الشرف والواجب، باسم مصر ألا تتركوا أحدًا من أبنائها إخوانكم فريسة لعدوكم، ولا تصدقوا للإنجليز وعدًا فهم كاذبون خادعون.