الفصل التاسع عشر
كنا طوال الوقت نتابع أخبار الوفد ونؤازره في كل ما يتخذ بشأن المسألة المصرية، وقد ظلت الأمور على هذا الحال إلى أن أرسل الوفد مندوبيه الأربعة لعرض المشروع على المصريين. وقد عرضوه بالفعل على جميع الهيئات — فيما عدا هيئة لجنة السيدات. وقامت غالبيتها تقابلهم بالطبل والزمر كما هي عادتنا في استقبال الحوادث.
ولما كان هذا المشروع لم يعرض على هيئة لجنة السيدات التي كان لها نصيب كبير في العمل بجانب الوفد في الحركة الوطنية، فقد اجتمعت لجنة الوفد المركزية للسيدات بمنزلي بالرمل لدراسة المشروع. وبعد دراسته دراسة داخلية، وجدنه لا يفي بتحقيق أمانينا الوطنية، فنشرنا رأينا على صفحات الجرائد، وكتبنا خطابًا لسعد باشا ننتقد فيه تصرف هؤلاء المندوبين الذين هضموا حقوقنا وأنكروا وجودنا بإغفال هيبتنا في عرض المشروع، وكانت الرسالتان المتبادلتان بيني وبين سعد باشا زغلول، وقد سبق الحديث عنهما، وبعد ذلك وصلتنا رسالة من سكرتير الوفد في ذلك الوقت مصطفى النحاس بك، ويقول: «إننا لنفخر بنهضة سيداتنا واهتمامهن بمستقبل البلاد، ويسرنا أن تتفضل اللجنة المركزية للسيدات بأن ترسل إلينا برأيهن في مشروع الاتفاق وملاحظاتهن عليه. وإننا سنحلها محل الاعتبار اللائق بها.»
- (أ)
شكر حضرات أعضاء الوفد.
- (ب) عدم صلاحية قواعد الاتفاق لأن تكون أساسًا لمعاهدة تعقد بين مصر وإنجلترا، إلا إذا أضيفت إليها التحفظات الآتية:
- (١)
أن ينص في الفقرة الأولى من المادة الثالثة على إلغاء الحماية.
- (٢)
أن تعين الحقوق التي تمنحها مصر لإنجلترا بأنها الحقوق المذكورة في مشروع الاتفاق كي لا تتعدى هذه الحقوق ما ذكر في المشروع.
- (٣)
أن تتعهد بريطانيا بتعضيد مصر في الدفاع عن سلامة أرضها إذا طلبت مصر هذا التعضيد، وفي نظير ذلك تسمح مصر لها باستعمال طرق مواصلاتها إذا كانت بريطانيا تحارب في بلاد لا يمكنها الوصول إليها إلا عن طرق مصر.
- (٤)
أن يكون لمصر حق عقد جميع المعاهدات مع الدول الأجنبية إلا المعاهدات السياسية التي تضر بمصالح إنجلترا، وكذلك لا يجوز لإنجلترا عقد محالفات سياسية تتعارض مع مصالح مصر.
- (٥)
أن يحدد عدد الحامية العسكرية ومعداتها ومركزها ومدة وجودها، على شرط أن يكون ذلك المركز بعيدًا عن المدن والعواصم وأن تدفع الحكومة الإنجليزية أجرًا لهذه الأرض حتى لا تصير ملكًا لها، وأن يذكر صراحة أن مهمة هذه الحامية المحافظة على قناة السويس فقط.
- (٦)
أن يسمى الموظف الإنجليزي الذي سيحل محل صندوق الدين بمراقب صندوق الدين، وأن تحدد وظيفته باختصاصات صندوق الدين فقط، ولا يكون له صفة استشارية مطلقًا في الحكومة، وأن ينص صراحة على انتهاء وظيفته بمجرد سداد الدين سواء كان ذلك بعمل قرض داخلي بوساطة الحكومة أو انتقال أسهمه إلى أيدي المصريين.
- (٧)
لا داعي لبقاء المستشار القضائي بالمرة ما دام للممثل البريطاني حق نقض القوانين المجحفة بالأجانب.
- (٨)
لا بأس من قبول النص الثاني من الفقرة الخامسة بند رابع مع النص على رفع الأمر عند قيام أي خلاف إلى سلطة عليا وتعيين هذه السلطة.
- (٩)
أن يكون الممثل البريطاني كباقي ممثلي الدول ولا يكون له مركز استثنائي في مصر بأي حال من الأحوال.
- (١٠)
أن تستبدل عبارة «الضباط والموظفون الإداريون» في الفقرة السابقة من البند الرابع بالعبارة الآتية: «الموظفون العسكريون والملكيون».
- (١١)
ألا يوقف تنفيذ المعاهدة على رضاء الدول بإلغاء الامتيازات بل تنفذ عند توقيعها مباشرة وأن تعتمد من جميع الدول.
- (١٢)
أن تشترك مصر مع إنجلترا في الاتصال بالدول الأجنبية بخصوص إلغاء الامتيازات وفي توقيع الاتفاقات الخاصة بها.
- (١٣)
لا بأس أن يذكر أن الحكومة المصرية تصدر أمرًا عاليًا يقضي باعتبار جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية التي اتخذها القائد العام لجيوش ملك بريطانيا في مصر بمقتضى الأحكام العرفية صحيحة، ولن تستثني منها التصرفات التي يرى فيها إجحاف بحقوق مصر، وأن يكون للحكومة المصرية الحق في إبطال مفعول هذه الإجراءات إذا كانت مستمرة التنفيذ.
- (١٤)
أن تشترك مصر في تبليغ نص المعاهدة المشار إليها في البند الثالث إلى الدول الأجنبية مع بريطانيا لإقرارها، وأن تعضد بريطانيا الطلب الذي تقدمه للانضمام إلى عصبة الأمم.
- (١٥)
أن ينص في المعاهدة على رضاء المتعاقدين بتحكيم محكمة لاهاي أو ما يقوم مقامها في كل خلاف ينشب على تفسير شروط المعاهدة أو على عدم تنفيذها.
أما مسألة السودان فيجب أن نتمسك بحقوقنا فيه باعتباره جزءًا لا يتجزأ من مصر لا باعتباره مستعمرة.
- (١٦) وكانت الجلسة التي اتخذت فيها هذه التوصيات قد بدأت في الساعة الثامنة صباحًا واستمرت حتى الساعة الواحدة ظهرًا، ونظرًا لخطورة الموقف والأحداث والتطورات، فقد اتفق على العودة للعمل في الساعة الخامسة من مساء اليوم نفسه، وفي هذه الجلسة صدر قرار لجنة الوفد المركزية للسيدات الذي اتفق على نشره في جميع الصحف المحلية، والذي ينص على ما يلي:اطلعنا على قواعد الاتفاق المنشورة ببلاغ الوفد إلى الأمة وعلى الشرح الذي قدمه حضرات المندوبين لهذه القواعد، ودرسنا كل ما كتب بخصوصها من نقد ومزايا، فقررنا بالإجماع ما يأتي:
- (١)
شكر حضرات أعضاء الوفد المخلصين على ما بذلوه من الهمة والجهد للوصول إلى تحقيق أمانينا القومية التي نرجو نيلها بحسن تصرفهم في جهادهم للحق الذي أكسبهم إعجاب وثقة شعوب الأمم الراقية رغم كل مقاومة.
- (٢)
عدم صلاحية تلك القواعد لأن تكون أساسًا لمعاهدة تعقد بين مصر وإنجلترا إلا إذا أضيفت إليها التحفظات المذكورة في المحضر السابق.
- (٣)
عرضت مسألة الاحتجاج على مندوبي الوفد لعدم عرض المشروع على لجنة وفد السيدات وطلب إبداء رأيها فيه كما حدث مع جميع الهيئات … فوافق الجميع على هذا الاقتراح وتقرر كتابة ذلك بالصورة الآتية:
حضرات أصحاب السعادة والعزة مندوبي الوفد المصري
إن لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات بصفتها هيئة منتخبة ممثلة لنصف الأمة المصرية التي انتخبت وتأسست لمساعدة الوفد المصري والسير على برنامجه للمطالبة باستقلال مصر التام، وقد قامت بواجبها نحو الأمة والوفد المصري كما يجب، قد اجتمعت اليوم بمنزل حرم صاحب السعادة علي شعراوي باشا بلوران برمل الإسكندرية، وقررت بناء على دعوتكم ما يأتي:
الاحتجاج على عدم دعوتها لعرض المشروع عليها للمناقشة فيه وأخذ رأيها كما اتبع مع جميع الهيئات أو إبداء رأيها كتابة إلا بعد أن قدمت طلبًا بذلك.
- (١)
- (١)
وأذكر أنه كان لرأينا هذا ضجة بين المتتبعين لأعمالنا، فأيده بعضهم وأنحت علينا الأغلبية باللائمة كالمعتاد. فقد كان كل شيء يصدر من سعد مقبولًا ولو لم يكن في مصلحة الوطن، والدليل على ذلك رفض الأمة لمشروع ملنر بعد الطبل والزمر الذي قوبل به، وكان رفضه بناء على تنويه من سعد باشا بأنه لا يحقق أماني البلاد، إذ علموا أنه لم يرسل المشروع لاستفتاء الأمة إلا إرضاء لرغبة بعض أعضاء الوفد المؤيدين له، وإذا بأعضاء آخرين يرجعون بعد ذلك من باريس الواحد تلو الآخر. وكان أول من رجع منهم قبل عرض المشروع هو زوجي علي باشا شعراوي، الذي دهش مثلنا من عدم عرض المشروع عليه ولم يُدْعَ للانضمام إلى مندوبي الوفد الذين قدموا لعرض المشروع رغم أنه وكيل الوفد المصري. وقد أدى ذلك إلى أن بعض السيدات كُنَّ يسألنني: هل رجوع الباشا لاختلاف في الرأي بينه وبين سعد باشا؟ فكنت أنفي هذا الزعم؛ لأن الباشا لم يكن قد صرح لي بشيء من هذا القبيل، ولم يقطع صلته بأعضاء الوفد الذين قدموا لعرض المشروع … وبهذه المناسبة أذكر أن زوجي توجه لزيارتهم عقب عودتهم من أوروبا رغم أن سعد باشا لم يكتب إليه بالانضمام إليهم في عرض المشروع، ولم يرد أحد منهم زيارته إلا لطفي السيد بك الذي كان صديقه الوفي.
ولما سمع سعد باشا بأن الحكومة الإنجليزية لا ترغب في مفاوضته بصفته نائبًا عن الأمة، ولكنها تريد أن تتفاوض مع ممثلي الحكومة المصرية، لم يطق البقاء في باريس وعزم على العودة إلى مصر كما هو معروف. فقامت البلاد تحتفي بقدومه حكومة وشعبًا، وكان بعض المفكرين المصريين وبعض أعضاء الوفد ومنهم زوجي يفضلون عدم قيام سعد باشا بمفاوضات رسمية ليبقى كمرجع أخير للمفاوضين الحكوميين، يشد أزرهم ويكون لهم بمنزلة دعامة يرتكزون عليها ويعمل حسابها المفاوضون الإنجليز، وبذلك تنجح المفاوضات. ولكن ذلك لم يكن متفقًا مع اتجاه سعد باشا الذي كان يريد أن يتم على يديه كل شيء خاص بالقضية المصرية، فبذر بذور الشقاق، وكانت برقيته الشهيرة التي نوه فيها بأن بعض أعضاء الوفد تواطئوا مع الحكومة على الاتفاق مع الإنجليز على معاهدة لا تحقق مطالب المصريين، فقامت البلاد وقعدت لهذه الجرأة لا سيما وقد جاءت هذه البرقية في وقت كانت النفوس فيه ثائرة متعطشة لشيء من الحرية، ولذلك كانت تنتظر بفارغ الصبر عودة سعد باشا إلى مصر.
وقبيل وصول سعد باشا بيوم أو يومين، كنت في مكتبي … وإذا بأحد أقاربي جاء ليسألني عن حقيقة ما سمعه من أن شعراوي باشا قرر عدم استقبال سعد باشا بالمحطة يوم حضوره، ولم أكن أعرف من ذلك شيئًا. فقال قريبي: هل تجهلين أنه قد حدث بينه وبين سعد باشا خلاف في أوروبا أدى إلى تركه أمانة صندوق الوفد وعودته إلى مصر، ولما كنت أجهل ذلك أيضًا، فقد قلت له: لا أظن أن هذا صحيح؛ إذ قال لي شعراوي باشا إنه لم يرجع إلا لأسباب صحية، وحقيقة أن صحته كانت معتلة جدًّا. فتعجب قريبي وانصرف.
الوحيد الذي لا يقابل زغلول
ولما حضر الباشا، سألت عن حقيقة هذا الخبر وأنا متأثرة من إخفائه عني رغم سؤالي المتكرر له عن سبب عودته. فقال لي: حقًّا إنني غضبت من سعد باشا عندما كنا في باريس، لأنني سألته مرارًا عن أوجه صرف مبالغ الوفد التي كان يطلبها مني لتدوين ذلك في دفاتر حساب الوفد، فكان سعد باشا يبدي امتعاضه، ولما ألححت عليه يومًا في السؤال، رد ردًّا جافًّا حملني على الاستقالة. ولكنه بعد ذلك صافحني وتصافينا، وظننت أنه لم يبق في نفسه أثر من ذلك كما هو الحال عندي، ولم أترك بعد ذلك باريس إلى مصر إلا لاضمحلال صحتي، دون أن يكون بيننا جفاء، ولكن يبدو أن سعد باشا حنق علي، وظهر ذلك في عدم طلب إشراكي مع المندوبين الأربعة الذين جاءوا لمصر لعرض مشروع ملنر على الهيئات المصرية، وبناء عليه عزمت على عدم الذهاب لمقابلته في المحطة.
فقلت له: كيف يكون ذلك؟ أتريد أن تكون الوحيد في عدم استقبال سعد، بينما تستقبله الأمة كلها وتحتفي به؟
فقال لي: سأكون ذلك الوحيد.
وفعلًا لم يتوجه لاستقباله … وكنت مستاءة من ذلك، ولكنني أعطيته الحق عندما رأيت بعيني معاملة سعد باشا لرئيس الوزراء عدلي باشا يكن وباقي الوزراء عندما ذهبوا لاستقباله في المحطة؛ حيث قابلهم ببرود وعدم اكتراث، وقد أثر فيهم ذلك حتى لقد بدت عليهم علامات التأثر ولاحظ ذلك كل الموجودين.
وقد شاهدت بعيني ذلك؛ حيث كنت مع وفد السيدات في استقباله هو وحرمه، ولما عدنا إلى منزل سعد باشا الذي كان غاصًّا بالجماهير من الرجال والنساء، وقد نصب في جانبيه سرادقان أحدهما للرجال والآخر للنساء، كنت أشعر بشيء من الخجل لوجودي في ذلك الجمع، بينما زوجي الذي خدم الوفد — ولولا خدماته ما كسب ثقة الأمة — قد بقي منفردًا في بيته لا تعرف الأمة له قدرًا أو حقًّا.
وبينما أنا في ذلك الجمع الحاشد ينتابني ذلك الشعور المر وتمر في مخيلتي تلك الأفكار، إذا بصوت سعيد آغا يناديني ويقول لي: إن سعد باشا يبحث عنك ويقول أين الرئيسة. فدفعني حرج مركزي إلى التواري بعيدًا عن عيني سعد، ولكنني صادفته وأنا في طريقي للخروج وهو يشق صفوف السيدات قائلًا: أين الرئيسة لأشكرها …
فتقدمت نحوه، وهنأته بسلامة العودة، ورجوت «شريفة هانم رياض» وباقي أعضاء وفد السيدات أن ينبن عني، ويعذرنني في ابتعادي للسبب الذي يعرفنه من حرج الموقف. وخرجت.
ورغم ذلك، كتب صاحب الكشكول في مجلته يقول إنني في ذلك اليوم كنت جالسة بجانب سعد، ألقي على السيدات درسًا في السفور.
وقد تألمت عندما علمت أن سعد باشا قد جاء في اليوم التالي إلى منزلنا، وترك لي وحدي بطاقة شكر على مقابلتي له بالمحطة وزيارتي للسرادق، ولكن كان سروري بعد ذلك عظيمًا، جاء سعد باشا بعد ذلك بيوم وصافح زوجي في بيتنا. نعم فرحت كثيرًا وقدرت فيه هذا الوفاء.
حملة على الوزارة
قام سعد باشا بعد ذلك بحملة ضد الوزارة والمؤيدين لها في سفرها للمفاوضة، رغم نصائح زوجي وبعض أقطاب الوفد … ولست أدري داعيًا للخوض في تفاصيل هذه الحملة الشعواء التي شنها ضدهم وإن ذلك شيء يطول شرحه، فضلًا عن وجوده في عدة كتب.
وقد تفاوض عدلي باشا في مشروع كيرزون، ولكنه لم ينجح كما كان منتظرًا؛ لأنه لم يكن مؤيدًا من الوفد الذي لم يألُ جهدًا في معاكسته بكل الطرق. فلما لم يصل إلى شيء مما كان يأمل فيه، رفض الاستمرار في المفاوضة ورجع إلى بلاده راضي الضمير مستريح البال، فسررنا بذلك. ولكن علمنا أن الوفد بالرغم من رفض عدلي باشا قبول المعاهدة يستعد للقائه بكل تحقير وازدراء بتنظيم مظاهرات ضده وإعداد بعض الناس ليرموه بالطماطم والبيض الفاسد … فهالنا هذا الأمر، واتفقنا في اجتماع عقدناه نحن أعضاء لجنة الوفد المركزية للسيدات أن نتوجه إلى سعد نفسه، ونطلب منه أن ينصح رجاله بعدم إتيان مثل هذه الأعمال الصبيانية … فلما وصلنا إلى المنزل وطلبنا مقابلته، اعتذرت لزميلاتي عن عدم إمكاني البقاء معهن في تلك المقابلة، نظرًا للخلاف الجديد الذي قام بيني وبين زوجي من جراء معاكسته لعدلي باشا معاكسة لم ير زوجي لها مبررًا … وبقيت مع زوجته صفية هانم في الصالون وتركت الأعضاء بالردهة الصغيرة لمقابلته. فلما حضر لمقابلتهن ولم يرني بينهن أصر على مقابلتي أولًا، فقبلت على شرط أن يكون ذلك من وراء الباب، فحياني بالشكر على ما قمت به من خدمات للقضية المصرية كان لها أثر فعال في تقوية مركز الوفد. وقال لي: إنه يتمنى لو أتيح له أن يكافئني بشيء على خدماتي. فقلت له: يا سعد باشا … كل منا يعمل لاعتقاده بأن عليه واجبًا يؤديه لوطنه في هذا الوقت الحرج، وأنا لم أعمل ما أستحق عليه الشكر ولا الجزاء.
فقال: كيف ذلك وقد خدمت الحركة، وأنا لا أعرف بأي وسيلة أكافئك.
فانتهزت فرصة سروره وتقديره لعملي، وقلت له: ما دمت تصر على إقناعي بأنني أستحق مكافأتك، فإن لي عندك طلبًا أرجو تحقيقه.
فقال: بكل سرور … ما هذا الطلب؟
قلت له: أن تقابل عدلي باشا بمثل ما قابلك من حفاوة وتكريم يوم عودتك إلى الوطن، وأن تمنع المظاهرات المزمع قيامها وتنظيمها لرميه بالطماطم والبيض الفاسد.
فتمهل قليلًا كأنه لم يكن ينتظر مني مثل هذا الطلب، ثم قال: والله لو كان الأمر متعلقًا بي شخصيًّا لأجبت رغبته إرضاء لخاطرك، ولكن إن رضيت أنا، لا يرضى غيري بذلك.
فقلت له: ومن الذي يخالفك في الرأي إذا أردت شيئًا؟
فأسرعت صفية هانم وقالت له: والله يا سعد لو وضعت يدك في يد عدلي، لن أكون لك زوجة بعد الذي فعله.
فقال لي: أسمعت يا سيدتي بآذانك؟
فقلت: سمعت. ولم يبق لي كلام بعد ذلك إلا أن أطلب من الله عز وجل أن يهدئ الخواطر ويهيئ ما فيه الخير.
وكان أن تركني وانصرف لمقابلة أعضاء اللجنة، وكان اللقاء بينه وبينهن … قصة أخرى! …