الفصل الثالث والأربعون
كانت مناسبة طيبة وسعيدة أن نحتفل بتكريم أولى خريجات الجامعة وأول طيارة مصرية مع بدء افتتاح موسم الحفلات والمحاضرات في فبراير ١٩٣٢.
وقد تحدثت في حفل التكريم، فقلت: باسم جمعية الاتحاد النسائي المصري، أرحب بحضراتكم وأتقدم إليكم بخالص الشكر لتنازلكم بتلبية دعوتنا ومشاطرتنا أفراحنا في هذا اليوم الذي نعتبره من أسعد أيام الاتحاد وأبركها.
فقد أتيح لجمعيتنا فيه أن تفتح موسم حفلات هذا العام بتكريم سرب من فضليات بناتنا حققن بنبوغهن آمالنا، برزن زرافات في ميادين العلم والعمل، فعززن نهضتنا ورفعن رءوسنا بين نساء العالم المتمدين، فأضفن بذلك قوة إلى قوتنا في جهادنا للحق والحرية.
كلمة علوبة باشا
وكانت بعد ذلك كلمة سعادة الأستاذ محمد علي علوبة باشا في تقديم الآنسة نعيمة الأيوبي المحامية؛ حيث قدم لها روب المحاماة هدية من الاتحاد النسائي، ثم قال: والآن يا حضرة الزميلة قد تفضل الاتحاد النسائي وأهداك هذا الثوب، وقد كان قبل أن يصير روبًا له قيمة قطعة من القماش لا قيمة لها، والآن رداء المحاماة، رداء الشرف والعدل، هو رداء الشهامة، هذا الرداء قد أهداه الاتحاد فصونيه، واعلمي أن هذا الاتحاد يعطيك هذا الثوب طاهرًا نقيًّا، فاحفظيه طاهرًا نقيًّا.
وقام الدكتور سامي كمال بتقديم الدفعة الأولى من خريجات الطب وهن الآنسة هيلين سيدارس، والسيدة توحيدة عبد الرحمن، والآنسة كوكب حفني ناصف، وقد اعتذرت الأولى لانشغالها بالعمل، والثانية لوجودها بالصعيد.
وقال: من ذكر الآنسة كوكب حفني ناصف، فقد ذكر معنى من معاني مصر الحديثة، فلا يجهل أحد فضل حفني ناصف على اللغة والآداب، وفضل باحثة البادية ملك التي ترفرف روحها على هذا البناء في هذه الساعة وسترفرف بجناحيها على هذا الوادي كلما فكرت المرأة في النهوض والرقي.
د. طه حسين والمؤامرة
وقدم الدكتور طه حسين تلميذاته خريجات كلية الآداب: سهير القلماوي وفاطمة فهمي خليل وزهيرة عبد العزيز وفاطمة سالم، وقال في كلمته: أظن أن موقفي الآن، ولست من الرجال الرسميين، يسمح لي بأن أكشف لحضراتكم عن مؤامرة خطيرة جدًّا حدثت منذ أعوام وكان قوامها جماعة من الجامعيين، فقد ائتمر الجامعيون وقرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة وأن يختلسوا منها حقًّا اختلاسًا لا ينبئونها به ولا يشاورونها فيه، وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالي في الجامعة المصرية. وأؤكد لكم أيها السادة أنه لولا هذه المؤامرة التي اشترك فيها الجامعيون وبنوع خاص أحمد لطفي السيد باشا وعلي إبراهيم باشا وهذا الذي يتحدث إليكم، لولا هذه المؤامرة التي دبرناها سرًّا في غرفة محكمة الإغلاق لما أتيح لنا ولا للاتحاد النسائي أن أقدم إليكم الآن محامية مصرية وأديبات مصريات؛ اتفق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع، وكان القانون الأساسي في الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظًا مذكرًا ينطبق على المصريين والمصريات. وعلى ذلك ائتمرنا على أن تقبل الفتيات إذا تقدمن إلى الجامعة، وفعلًا تقدم هؤلاء الفتيات فقبلناهن ولم نحدث أحدًا بذلك، حتى إذا تم الأمر وأصبح لهن حق مكتسب في الجامعة، علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة!
كلمة فؤاد أباظة
ثم وقف فؤاد باشا أباظة، فقدم الآنسة لطفية النادي أول طيارة مصرية، وأشاد بجرأتها وشجاعتها، وعرج على ما ينتظر الطيران في مصر من مستقبل، ثم قدم للآنسة باقة من الزهور باسم الجمعية.
شقيقات الاتحاد النسائي
لم يكن الدور الذي قام به الاتحاد النسائي المصري مؤثرًا في مستقبل الفتاة المصرية التعليمي فقط، بل إنه امتد أيضًا إلى دورها الاجتماعي، ولذلك فقد سعت سعادة عظيمة بتلك الرسالة التي وصلتني من إحدى الفتيات النابهات وهي الآنسة أمينة السعيد؛ حيث رأيت فيها ثمرة لمبادئ الاتحاد واستجابة من بنات مصر المثقفات لداعي الوطن، ورغبة منهن في خدمة البلاد.
وما أن وصلني خطابها حتى عرضته على جمعيتنا التي وافقت بمنتهى السرور والتقدير على تحقيق رغبتهن، وشكلت جمعية الشقيقات منها ومن الآنسات المثقفات، وقد أسهمن بقسط وافر في خدمة الاتحاد منذ شكلت لجنتهن، وانضممن إلى صفوف الاتحاد فيما بعد، وكانت لهن أدوار هامة في خدمة الوطن.
حضرة السيدة الجليلة رئيسة الاتحاد النسائي المصري …
أهدي عصمتك تحية الإجلال والاحترام …
في يوم الجمعة ١٨ نوفمبر اجتمع فريق من الفتيات المصريات، وبعد تشاورهن قررن تأسيس جمعية منهن سمينها شقيقات النهضة النسائية، ولما كان الغرض الأكبر من ذلك هو إيجاد هيئة تتقدم بمجهوداتها إلى عصمتك كرئيسة للاتحاد النسائي لترفع عنك عبء العمل ولو قليلًا، وتضع مجهوداتها وإن كانت ضئيلة بين يديك ورهن إشارتك في تنفيذ مشروعاتك النسائية، فلا شك في أن عملنا هذا ما هو إلا تلبية لداعي الوطن واعترافًا بخدماتك الجليلة التي بذلت في سبيلها النفس والنفيس، ولم تألي جهدًا في سبيل رفع شأن مواطناتك المعترفات بجميلك العظيم، فضربت لنا خاصة ولأمتك عامة المثل الأعلى في الوطنية المنزهة، وجدت بشخصيتك البارزة لقيادة بنات وطنك قيادة يعجز عنها عظماء الرجال، فكنت عزاء لمصر التي هي في حاجة قصوى لأمثالك ومثيلاتك.
ولسنا نريد تكوين هيئة جديدة، بل كل غايتنا أن نمدك بجماعة يملؤها نشاط الشباب وحماسه، ينفذن ما تأمرين ويعملن ما تشائين، فإن قبلت ما نقدمه لك من مجهود، فقد أنلتنا شرف العمل تحت قيادتك وأدخلت علينا غبطة واطمئنانًا على شخصك الجليل الذي نشعر أنه مرهق بكثرة العمل والإجهاد.
وقبل أن أختم خطابي هذا، أدعو الله أن يمن على شخصك العزيز بدوام التوفيق وأن يكلل حسن مسعاك بالنجاح، وما زلت أيتها الزعيمة الجليلة مرشدة لأمتك ونصيرة لبنات جنسك والسلام.
الاكتتاب لشراء الطائرات
كانت «الآنسة لطفية» النادي موظفة في المطار، ثم استطاعت أن تتفوق، وتصبح أول طيارة مصرية، ولذلك فقد دعوت المواطنين المصريين إلى الاكتتاب لشراء طائرة للفتاة المصرية الباسلة والطيارة الأولى «لطفية النادي» وقد اهتمت جريدة الأهرام بهذه الدعوة فكتبت في ٣٠ ديسمبر ١٩٣٣ تقول: «لقد كان نجاح الطيران مقرونًا بالاكتتابات الأهلية، كان ذلك في فرنسا فيما قبل الحرب، وفي تركيا، وفي إيران الجديدة، وفي تركيا الفتاة، وقد اقتصدت معلمات اليابان جزءًا من مرتباتهن لشراء طائرتين … والمصريون والمصريات مطالبون جمعيًّا بالاكتتاب لشراء طائرة لطيارتهم الأولى والوحيدة لطفية النادي، ولا شك في أن أدنى ما تهديه أمة عظيمة كريمة، كالأمة المصرية، لفتاتها الطيارة هو طائرة.»
أصدقاء مختار
كان محمود مختار مثالًا مصريًّا عظيمًا، وقد فكرنا في تخليد ذكرى أعماله ومآثره الجليلة، ومن أجل هذا الهدف … عقدنا اجتماعات لتحقيق هذه الفكرة، وقد شارك في هذا الاجتماع مدام أوسكار ستروس عقيلة قنصل النمسا، وعثمان محرم باشا، وإسماعيل بك كامل، والأستاذ أميل زيدان، والأستاذ أحمد راسم وغيرهم، وقد قررت جماعة أصدقاء مختار أن تمنح جائزة سنوية للمثال المصري الذي يخرج أجمل أثر فني خلال السنة، وتبرعت لذلك بمبلغ خمسة وعشرين جنيهًا وميدالية فنية تذكارية كجائزة سنوية، ومن ناحية أخرى فإنني عندما سافرت إلى باريس، اتصلت بأصدقاء الفقيد وتكونت هناك أيضًا لجنة باريسية لأصدقاء مختار.
ملكة الجمال
أقيمت في صيف ١٩٣٤ مسابقات لملكة الجمال في حمانا بلبنان، وقد كانت هذه المسابقة حافلة، وفازت فيها ابنة خالي الآنسة حورية إدريس بلقب ملكة الجمال، وكانت بهذا الفوز سفيرة مصر الجميلة التي تعبر عن مدى تقدم الفتاة المصرية، وجدير بالذكر أن الشاعر الملازم أول عبد الحميد فهمي مرسي قد هنأها في هذه المناسبة بقصيدة بديعة نقتبس منها الأبيات التالية:
مؤتمر مارسيليا
تلقينا دعوة من مؤتمر الاتحادات النسائية في العالم للمشاركة في المؤتمر الذي يعقد في مارسيليا في الفترة ما بين ١٨ و٢٠ مارس ١٩٣٣ … وقد قررنا المشاركة في هذا المؤتمر، وكان المؤتمر قد ركز في دورته على حق المرأة في الانتخاب، وبخاصة بالنسبة للمرأة الفرنسية التي كانت الوحيدة بين نساء الدول المتمدينة التي لم يتقرر لها هذا الحق، وكان من رأي الاتحاد النسائي المصري أن هذا الموضوع سابق لأوانه بالنسبة لمصر؛ حيث إن النظام البرلماني لم يستقر استقرارًا تامًّا، ولذلك فإن الاتحاد المصري يشترك في الفكرة فقط.
أما الموضوع الذي ركز عليه الاتحاد النسائي المصري، فهو مقاومة الرقيق الأبيض، واتجاه الرأي العام في مصر إلى إلغاء البغاء الرسمي وتأليف لجنة لهذا الغرض.
وبالنسبة للحقوق المدنية للنساء فهي مكفولة تمامًا في مصر، وكان هناك اقتراح بألا تتقيد المرأة بجنسية الزوج، وقد وافق الاتحاد النسائي المصري على الفكرة في حد ذاتها مع عدم الاشتراك في تنفيذها ما دامت الامتيازات الأجنبية قائمة في مصر.
وجدير بالذكر أن هذا المؤتمر قد جاء في الوقت الذي كان فيه الاتحاد النسائي المصري قد تأسس منذ عشر سنوات، ولذلك فقد كان المؤتمر مناسبة طيبة لعرض إنجازاتنا طوال هذه السنوات العشر.