من باناما إلى غوايا كيل في بلاد البيرو
ثم ركبتُ في مركب وسافرنا في بحر القبلة الذي يسمى البحر الأزرق، قاصدين بلاد
البيروه. وكان قبال هذه الأسكلة باناما جزيرة صغيرة مسكونة تسمى تابوكا Taboga، قريبة من الأسكلة المذكورة ثلاثة فراسخ، ففي
الحين صادفتُ برفقتنا في المركب رجلًا خيِّرًا يُدعى قبطان فرنسيسكو، من بلد طروخيليو.
فلما وصلنا إلى هذه الجزيرة، وكان دخل من الليل ساعتان، قال لي القبطان بأن نمضي ونرقد
في البر؛ لأن حاكم الجزيرة هو صهري. فطاوعته ونزلنا على كلك صغير حتى نطلع للبر، وهذا
الكلك هو خمس خشبات، فلما اقتربنا من المركب قاصدين الأرض انقلب الكلك، والوقت ليل
وعتمة، فأنا لما نظرت روحي في الماء خبطتُ وتعلقتُ بالكلك بتلك العكازة التي كان أعطاني
إياها الأسقف. وهكذا أعاننا الرب ووالدته مريم العذراء حتى إننا خرجنا ثلاثة أنفار إلى
الأرض بغير ضرر البتة. وسكنَّا هنا ثلاثة أيام إلى أن حمل مركبنا ماء للشرب، ثم بعد
الأيام المذكورة سافرنا في البحر، والأرض كانت قريبة من شمالنا، وأيضًا يوجد في هذا
البحر في دربنا مكان يسمى كوركونا Gorgone، يعني دوار
البحر، فإذا وقع مركب هناك يبقى خروجه أمر عسير إلى وقت ما تأتيه ريح عاصفة تخرجهُ من
هناك وإلا يهلك أناسه من الجوع. وهذا البحر السفر فيه مخاطرة بسبب شدة أمواجهِ، يسمى
البحر العجاج المتلاطم بالأمواج؛ لأن العابر فيه مفقود، والخارج منه مولود،١ فلولا عناية الله الذي أعاننا حتى إننا خلصنا من شر أمواجه لبقينا على وجه
الماء مقدار شهر، إلى أن سهل لنا الباري عز وجل اسمهُ فوصلنا إلى ميناء يسمى سانتا
إيلينا ste Hélène، يعني
قديسة هيلانة. ثم رسينا هناك، وكان في رفقتي ثلاثة رجال كرماء رائحين ليحكموا كل واحد
في منصبه، فبعد أن حصلنا في الأرض وبقينا خمسة أيام من خوفنا من شر البحر قصدنا أن نمشي
في البر ولو صار لنا تعب عظيم لبعد الدرب.
حينئذٍ أخبروني في هذا الميناء عن رجل من الهنود عمرهُ مائة وخمسون سنة، فقصدتُ أن
أروح أزورهُ فنظرته صحيح الجسم عتيق الأيام، فابتدأ يحكي لنا عن الأيام السالفة، وذكر
لنا قائلًا: إن بالقرب من هذا الميناء بفرسخ واحد يوجد مغارة كبيرة، وهناك مدفونون
أُناس من الجبابرة. وأيضًا أخبرني بأن والدهُ كان حكى له أنه لمَّا وصلت مراكب
السبنيولية إلى تلك البلاد واكتسبوها كان الهنود يظنون أن المراكب هي حيتان البحر،
وقلاع المراكب كانوا يظنونها جناح الحيتان؛ لأنهم إلى ذلك الحين ما كانوا رأوا مركبًا،
ولما كانوا ينظرون إلى الخيل وراكبيها كانوا يظنون أن الفرس وراكبها شقفة واحدة. ثم إني
لما سمعتُ عن الذي جرى في تلك البلاد وعن الجبابرة المدفونين هناك صار لي رغبة أن أنظر
ذلك عيانًا، فأخذت معي رفقاء من الهنود اثني عشر نفرًا، مستعدين بالسلاح، ورحنا قاصدين
تلك المغارة لننظر الذي سمعناه. فعند وصولنا إليها أشعلنا الشمع الذي كان معنا؛ لخوفنا
أن نضيع داخل المغارة، فعبرنا والشمع بيدنا، وفي كل عشر خطوات أوقفنا رجلًا في يدهِ
الضوء حتى لا نضيع درب الباب، وأنا تقدمتهم وسيفي مسلول في يدي. ثم إني وصلتُ حيث
موضوعة العظام، فنظرتها ثخينة، وأما الجماجم فهي كبيرة جدًّا، فقمتُ قلعت من إحدى
الجماجم سنًّا، أي ضرسًا كان هذا قد كبره حتى إنه كان يزن مائة مثقال لثقلهِ، وأيضًا
تأملت في عظم الساق وقست أحدها، فكان طوله خمسة أشبار، ففي بعض البلاد عمل أحد المصورين
قياسًا وتخمينًا لهذا الجسم فوجد ارتفاعه خمسة وعشرين شبرًا. ثم خرجنا من المغارة
متعجبين جدًّا مما نظرنا وأنا أخذتُ معي الضرس المذكور.٢
١
كأن الكاتب يذكر ما قرأه في كتاب ألف ليلة وليلة، فنقل هذه الفقر
بحروفها.
٢
ذكر مرارًا السائحون في البيرو عظام الجبابرة القدم. قال كوريال من معاصري
رحَّالتنا في سفرته إلى ضواحي غواياكيل: «وقد ذكر لنا الهنود أن قومًا من
الجبابرة كانوا يسكنون أرضهم فنزل شاب من السماء وأبادهم بالنار. وقد لجأ بعضهم
إلى المغاور والكهوف فماتوا فيها حريقًا.» وذكر غيره أنه قاس سنًّا فكان عرضها
ثلاث أصابع وطولها أربع أصابع، وهذا يثبت كلام سائحنا، لكنها عظام بعض
الحيوانات القديمة لا عظام بشرية.