كيتو وضواحيها
ثم إني استقريتُ في ديرهم مقدار ساعتين، فسمع حاكم هذا البلد عن قدومي ونزولي في
الدير فخلى سرايته، وجاء سريعًا زارني وهو مغتاظ، وعاتبني على ذلك. فقلت له: تعلم يا
حبيبي أن الرهبان خرجوا لملاقاتي قناقين،
١ وأتوا بي إلى ديرهم، قل للرئيس وخذني إلى سرايتك. فما رضي الرئيس أن أطلع
من الدير، لكن تشارطوا مع بعضهم وفرضوا أن أكون طول النهار مع الحاكم وأتغدى معه، وفي
الليل مع الرئيس وأرقد في قلايتي أنا وخادمي؛ لأن هذا الحاكم المبارك كان رفيقًا معي
من
إسبانية، وجئنا جملة في مركب واحد، وكلما كانوا يضيفوني في المركب من الطعام المفتخر
كنتُ أوجبهُ وصرنا أصحابًا بالصدق. وهذه البلدة حيث يسكن الأسقف هي غنيَّة بالأموال،
ومزخرفة بالكنائس والديورة. والأسقف المذكور كان غنيًّا جدًّا، لكن عديم الكرم، بخيلًا
في العطاء. وأما الماء الذي يشربونه في هذه البلدة فهو عاطل؛ فتجد أكثر الناس يصير لهم
مثل غدة كبيرة نازلة تحت حلوقهم. ويسكن في هذه البلدة هنود وأيضًا إسبنيول. فبقيتُ فيها
شهرين. وأما ذلك الضرس المذكور الذي كنتُ أخرجتهُ من عظام الجبابرة الذين بمغارة سانتا
إيلينا فكان لرجل من أصحابي بنت في دير الراهبات فجاء تدخل علي حتى يريه لبنته، فأنا
طاوعتهُ كصاحب وسلمته الضرس، فلمَّا رأته الراهبات فمن يد واحدة إلى يد أخرى مضيعوهُ
«أخفوه»، وما عدتُ وجدتهُ. ورمى أسقف البلد حرمًا حتى يظهروهُ فما صار ذلك ممكنًا.
وكانت في هذا الدير راهبة في مرض نزيف الدم ثماني سنين، فلما أضافني الأسقف عندهُ طلب
مني ما هي منفعة الماء الذي يخرج من ذلك القصب المذكور أعلاه فقلتُ له: أنا قرأتُ في
بعض الكتب وفهمت أن ماء القصب نافع للذين بهم نزيف الدم. فطلب مني أن أهدي هذه الراهبة
من ماء القصب، فأهديتها، وشربت منه سبعة أيام فبرئت من علتها، وأيضًا رأيتهم يصنعون في
هذا البلد جوخًا مثل جوخ اللوندرا،
٢ وأيضًا حكوا لنا عن جبل عندهم أن منه خرجت من مدة سنين نار كمثل الرعد،
وأصعدت هذه النار بعزم قوتها حجارة محرقة وحذفتها بعيدًا عن الجبل مقدار أربعين فرسخًا.
٣
وذكروا لنا أيضًا أن من مدَّة سنين بينما كان أحد الهنود يفلح الأرض وجد أيقونة مريم
العذراء مطمورة في الأرض، وهي عجيبة جدًّا في الرؤيا، فأخذها غلى بيتهِ وأخفاها في
صندوق له. فلمَّا جاء ثاني يوم إلى الحقل ليفلح وجدها في الحقل، فأعادها ثاني مرة إلى
بيته، فثالث يوم جاء أيضًا ليفلح فوجدها هناك، ففعل كذلك عدة مرار وما أمكنه أن يضبطها
في بيته. ثم إنهُ أعلم بذلك أسقف البلد فخرج حينئذٍ الأسقف واستقبلها بإكرام وأخذها
بزياح إلى مكان قريب من البلد، وبنى لها كنيسة شريفة وأسكنها هناك. وتسمَّى كنيسة مريم
العذراء جكيكواه على اسم تلك الضيعة، ويقصدونها من كل النواحي للزيارة. ولما يحدث في
هذه البلدة طاعون يأخذون هذه الصورة ويخرجون بالزياح إلى بلد كيتو، فتبقى عندهم تسعة
أيام بكل إكرام ووقار. وبواسطة هذه الشفيعة ينقطع الطاعون عن البلد، ثمَّ يرجعونها
أيضًا بزياح إلى كنيستها في الضيعة المذكورة.
وأيضًا ذكروا لنا أن خارجًا عن هذه البلدة درب أربعة وعشرين فرسخًا نهر يخرج من تلك
الجبال، وعندما يزيد يرمي على الأرض من قلب الجبل رملًا مخلوطًا بذهب، فهناك أناس
يعرفون الزمن الذي ينقص فيه النهر فيذهبون ويغربلون النهر ويعزلونه من الذهب، فأنا نويت
أن أبصرهُ بعيني، فأشار علي أناس أن لا أروح لأن السلوك في هذا الدرب صعب جدًّا لأجل
ذلك قصَرت المسير إليه، لكني اشتريتُ من ذلك الذهب في بلد كيتو.
ثم إني بعد ما بقيت في هذه البلدة شهرين خرجت قاصدًا قرية تسمى أوطاوالو، وفوق هذه
القرية خيط يسمى في حكم الأفلاك باللسان الفرنجي لينيا
Linea،
٤ وتجد سكان هذه القرية عديمي اللون مورمي البطون. وذكروا أن في بعض الأيام
تسقط من الجو طيور ميتة. وهناك ما يوجد فيء غير ظل الأشجار والشمس دائمة لا تغيب.
وأيضًا ذكروا لنا أن خارج هذه البلدة كيتو بمقدار خمسة وعشرين فرسخًا، يوجد هنود من
الكفرة، وهناك يروح قسوس يكرزون بإيمان المسيح، فأحضروا معهم من تلك الأراضي زهر أشجار
القرفة، ولكن ما يوجد أناس يفهمون تربية هذا الدارصين وإصلاحه مثل الدارصين الذي يجيء
من هند الشرق؛ لأنه حاد يحرق، والهنود لا يريدون أن يكتشف عليه السبنيول حتى لا يأخذوا
بلادهم. وأيضًا ذكروا لنا أنه يوجد هناك جوز الطيب، والهنود يجمعونه وهو أخضر مثل
الزيتون الكبير ويرسلونه إلى كراكس
Caracas، وهناك
يبيعونه للإنكليز والأولنديز ولا للسبنيولية، وأيضًا في تلك الكورة دائمًا صواعق وأمطار
شديدة.