أسفار وأخطار
ثم سرنا في درب عاطل بين الجبال يومًا وليلة، فأراد الشيطان أن يطغي ذلك المكاري
المستيسو؛ لأنه كان قد نوى قتلي لكن الله تعالى كشف نيته على يد خادمي؛ فأخذتُ منه
السلاح وبقيتُ متحذرًا على روحي إلى وقت ما وصلنا إلى ثلاث قرًى مقتربة لبعضها الواحدة
تسمى باسيليكا، والثانية جونجوناماه، والثالثة واكاناما. فلما نظرني سكان هذه القرى
الذين هم هنود تحيروا مني قائلين: كيف دخلت في هذه الدروب العسرة، إما أنك نبي أو
قديسٌ، وقسوسهم أيضًا هنود مثلهم، لكن هنود تلك البلاد ليس لهم ذقون، بل بعض شعرات
ثابتة في حنكهم، وأنا لأجل أني كنتُ رجلًا كامل اللحية فكانوا يتعجبون مني قائلين: إنني
ذو شجاعة شديدة بحيث جزتُ تلك البلاد.
ثم ثاني يوم خرجنا من هناك مسافرين وقاصدين قرية تسمى طابية
Amotapé، فبينما ذات ليلة وأنا نائم تحت الخيمة عمل رفيقاي الاثنان
المذكوران ما بينهما شورًا وتدبيرًا على قتلي وأنا كان معي صبيٌّ صغير من أولاد الهنود،
وكان يعرف اللسان السبنيولي، وهذا الصبي قام في الليل وإلا سمع كيف أنهما تشاورا على
قتلي، فأسرع الصبي مرتعشًا إليَّ وفيقني وأعلمني بذا الأمر، لكن بتوفيق الله تعالى
انفرد تلك الليلة بغلٌ من البغال وظل هاربًا بين الجبال، فأخذ رفيقي المستيسو المذكور
يركض خلفه طول الليل، ورجع به عند طلوع الشمس، فذلك الوقت أخذتُ منهما أسلحتهما؛ لأنه
ما كان معي سلاح، ومن خوفي من مكرهما أخذتُ السيف بيدي وناديتُ المستيسو وقلتُ له: ابرك
١ على ركبتيك وأَصدقني كيف طغاك الشيطان على هذا الفكر، اعترف أمامي بالصحيح.
فأقرَّ معترفًا وطالبًا مني أن أغفر لهُ وأسامحهُ. ثم بعد خمسة أيام وصلنا إلى تلك
القرية المذكورة، فمن قبل دخولنا إلى القرية بين الأشجار هرب هذان الخائنان من خوفهما
وتركا بغالهما، فجاء خوري الضيعة واقتبلني بإكرام. ثم إني حكيتُ له عن الأحوال التي
عرضت فقال لي: الله نجاك من شرهم؛ لأن أخي هكذا قتلوهُ في هذا الدرب. وهذه القرية يجري
بجانبها نهر يسمى نهر كولان
Fleuve Colan، وفيه سمك
زائد، وهو كنهر الدجلة، فذاك اليوم جزتُ هذا النهر ووصلتُ إلى بلد يسمى كولان
Ville de Colan، كله هنود، ثم نزلتُ في بيت الخوري،
وكانت ليلة عيد مار يعقوب أخي الرب، فعزمني الخوري أن أقدس ثاني يوم، وكل النذر الذي
يقدم للخوري يكون لي أنا. فقدست ثاني يوم وحضر جميع الهنود قداسي، وكان عددهم أربعة
آلاف نفر، وبعد خلوص القدَّاس جلستُ على كرسي وعملتُ بركة؛ أعني خبزًا مباركًا. فبقيَ
الناس يجيئون يبوسون يدي ويأخذون البركة ويرمون النذر في الصينية، فبعد خلوص ذلك نظرتُ
اجتمع من النذر مقدار مائتين وخمسين غرشًا.