من بايتا إلى طروخيليو
وبعد أن مكثتُ هناك عشرة أيَّام خرجتُ قاصدًا قرية تسمى ليلموا، فسرنا في درب مقفر
عديم الماء وكلهُ رمل مثل أرض مصر، وكل أهل هذه القرية هنود، لكن قسيسهم فقط إسبنيولي،
فالبعض منهم نصارى حقيقيون، والبقية نصارى من خوفهم. وثاني يوم خرجتُ قاصدًا بلدة
للهنود تسمى لمبايك Lombayeque، وهذه البلدة كبيرة
يسكنها هنود أغنياء، وبعض من السبنيولية، فعزمني وكيل الأسقف الذي هناك إلى دارهِ وطلب
مني أن أقدس يوم الأحد وأكرز على الهنود باللسان السبنيولي. فقدست نهار الأحد، وكرزت
عليهم، وكان في الكنيسة خمسة وثلاثون قسيسًا ومقدار ثلاثة آلاف نفس من العوام، فصار لهم
انشراح عظيم من تلك الكرزة، وكانوا يتعجبون مني بسبب الذقن وتغيير الثياب، وكانوا كلهم
يكرموني ويتباركون مني لأني وهبتُ لهم مسابح وصلبانًا من القدس. ثم بعد خمسة أيام خرجتُ
من هناك قاصدًا بلدة تسمى سانيا Sagna، وهذه بلدة
كبيرة يسكنها هنود وإسبنيول. وفي جانب هذه البلدة يسلك نهر كبير، وكنتُ أسافر في الليل
لشدة الحر وأنا راكب في ليتيرا أعني تختروان.
فذات ليلة تغافل المكاري ونعس فضلَّ البغال عن الدرب، ودخلت في الحرش بين الأشجار.
وهذا الحرش داخلهُ عظيم لا لهُ أول ولا آخر. فلما فقت على ذلك أمرت خدَّامي أن ننزل
هناك لئلا نتيه أزيد عن الدرب ونهلك مثلما جرى لآخرين. فلما صار الصبح قلتُ للمكاري
الهندي أن يعمل نارًا كثيرة ودخانًا عظيمًا. فأما رفقاؤنا فكانوا سبقوني إلى المنزل،
فلمَّا نظروا أننا تعوَّقنا علموا أننا تهنا عن الدرب؛ فأرسلوا أناسًا ليفتشوا علينا،
فأنا قلت للمكاري أن يصعد إلى رأس شجرة عالية وينشر علمًا أبيض؛ يعني بيرقًا، فثاني يوم
قريب نصف النهار وصل إلينا أولئك المفتشون، فرأونا هناك على نيشان ذلك البيرق واغتاظوا
على المكاري كيف أنه حاد عن الدرب. وأكثر أشجار ذلك الحرش من أشجار القطن، ما لهم
أصحاب، وهو خشن جدًّا قدر الرمان وحبهُ قوي صغير لكن شعرة هذا القطن طويلة كالصوف، وكل
من يريد من الهنود يروح يأخذ قطنًا على قدر حاجته، وينسجون منه مآزر للنساء وغيرها من
الحوائج اللازمة. فوصلنا بعد يومين إلى البلد المذكور الذي يسكنه إسبنيول وهنود،
وحاكمهم يسمى جنرال، فبقيت هناك أربعة أيام بعز وإكرام من الجنرال ومن وكيل الأسقف. ثم
خرجت من هناك قاصدًا بلدًا يسمى طروخيليو Tujillo،
فسرنا درب عشرة أيام، وهو درب عسر قليل المنازل وعديم المعاش. وكنت قد أخذتُ معي ما
أعتاز إليه من قسم الأكل والشرب. وكان لي حصان وبغلة يدك،١ لمَّا يكون الوقت بروده كنتُ أركب عليها، وإذا وغلت وتعبت من الركب كنتُ
أدخل إلى التختروان. فجزتُ إلى هذه البلدة المذكورة، وهي كبيرة يسكنها أسقف، وكان
حينئذٍ الأسقف قد توفي وبقي الكرسي خاليًا. وفي هذه البلدة رهبان من رهبنة مار أفرنسيس
ورهبنة مار إينياسيوس اليسوعية، وأيضًا قسوس وخوارنة، جميعهم مقدار ألفي كاهن. فعزمني
رهبان مار أفرنسيس أن أقدس عندهم، وكان نهار عيد مار أفرنسيس الذي دائمًا يحكم في ٤
تشرين الأول. فرحتُ قدست هناك فكانت الكنيسة ملآنة من الناس فانشرحوا كثيرًا من قداسي
لأن كان معي آلة القداس والبدلة التي كان أنعم علي بها سيدنا البابا، وكان نيشانه
وختمهُ مرسومًا عليها، وكان الناس يأتون ويتباركون منها.
١
يدك: كلمة تركية يراد بها دابة ثانية، يستعملها الخيال عند الحاجة.