سياحته في فرنسة
ومن هناك أيضًا سافرت في البحر فوصلت إلى ميناء بلد مرسيلية من حكم فرنسة، ثمَّ خرجنا
إلى الأرض ومشينا إلى مدينة أوينيون التي هي تحت حكم سيدنا البابا،١ وهذه البلدة هي في فرنسة، لكن ملوك فرنسة القدماء كانوا أهدوها مع بعض قرًى
إلى كنيسة مار بطرس. ومن هناك ركبنا في سفينة على النهر، والخيل كانت تسحب السفينة ضد
جريان الماء، فوصلنا إلى بلد ليون، وهذا البلد من أعظم بلاد فرنسة من بعد مدينة باريس،
بلد ملك فرنسة.
ثمَّ إني اجتمعتُ هناك مع رجل قديس يسمى موسيو بيكيت،٢ فهذا الرجل الشريف كان سابقًا قنصلًا في حلب، وبعد رجوعهِ من حلب ارتسم
أسقفًا على مدينة بغداد، وكانت وفاتهُ في العجم في بلد أمادان،٣ وما لنا زمان لنتكلَّم عن فضائله وحسن سيرته.
ثم بعد أيَّام خرجتُ من ليون وسرت إلى مدينة باريس تخت ملك فرنسة، فدخلتها ورحتُ
زرت
الملك المنصور لويس فأكرمني، ثم إني زرت أخاهُ أمير
أورليانوس Duc d’Orléans، وأهديته سيفًا وقدَّست لهُ في الكنيسة التي في سرايتهِ؛
فأكرمني زائد الإكرام، ثم رحت زرت أميرًا يسمَّى سانتينيان St Aignan، ودفعت لهُ مكتوبًا كان أعطاني إياه عمهُ البادري حنَّا
الراهب الكبوجي٤ الصالح الذكر الذي كان رئيسًا في حلب، فعمل لي عزًّا وإكرامًا جزيلًا؛ لأجل
وصيَّة عمه البادري المذكور.
ثم إني نزلت في المكان وبقيت أتنزَّه في هذه البلدة العظيمة التي لا مثيل لها في
كل
الدنيا بحسنها وعدالة حكمها واستقامة شرعها، وزيادة محبة أهاليها للغرباء. وقد نظرت
أمرًا يستوجب الذكر والمدح لفعلهم هذه الخيرات والإحسان، وذلك عدة نساء عددهنَّ سبع
عشرة امرأة من الأشراف، بعضهنَّ عذارى، وبعضهنَّ أرامل. أما العذارى فقد تزهدنَ عن
الدنيا وتركنَ كل نقدهنَّ في الشركة المباركة، وتسمَّى هذه الشركة باللسان الفرنساوي:
شاريته charité،٥ أعني مجمع الخيرات، هذا قد أسَّسوهُ من القديم. وأيضًا الأرامل قد تركنَ
مقتناهنَّ في هذه الشركة، وجميع هذه الأموال التي قد أوقفنها إلى هذا المجمع هي مؤمَّنة
عند أناس الربح،٦ وفي كل سنة تربح مليونين، أي عشرين كرَّة من المال، ثم تجتمع هؤلاء النساء
المباركات في الجمعة مرَّة ويقسمنَ هذه الدراهم المذكورة على الفقراء والمحتاجين، وعلى
الكنائس والأديرة، وأيضًا على المرضى والغرباء، وعلى الذين يكرزون بإيمان المسيح في
بلاد الشرق، وأيضًا ينقدن لبعض بنات فقراء ويزوجنهنَّ من هذه الصدقة. ونظرت أشياء كثيرة
واجبة للمدح والوصف في هذه المدينة العظيمة.
ثمَّ وفيما أنا هناك وإلَّا أقبل قاصد من عند السلطان محمد خان إلى الملك لويس، وهذا
القاصد يسمَّى باللسان التركي والفارسي: إيلجي،٧ فأنا رحت زرت هذا الإيلجي عدة مرار لأجل اللسان التركي، ثم طلب مني أن أبقى
في باريس ولا أروح، فبقيت ثمانية أشهر.
١
مدينة أفينيون وما حولها من القرى اشتراها البابا أكليمنفس السادس من حنة
ملكة صقليَّة وكونتس بروفنسة سنة ١٣٤٨، وأقام فيها الأحبار الرومانيون من سنة
١٣٠٩ قبل مشتراها إلى سنة ١٣٧٧ ولبثت بعد ذلك تحت حكم الأحبار الرومانيين يدبر
شئونها باسمهم نائب رسولي إلى زمن الثورة الأفرنسيَّة، فاغتصبها الثائرون سنة
١٧٨٩ وتملكوا عليها.
٢
فرنسوا بيكيت أو بيكة François Picquet، ولد
في ليون ١٢ نيسان ١٦٣٦ وجعل قنصلًا لدولة فرنسة وهولندة في حلب سنة ١٦٥٢ حيث
عاش عيشة تقويَّة مثال الفضيلة والغيرة، وخدم الدين والدولة أحسن خدمة، واشتهر
بمساعدته للكاثوليكيين، نخص بالذكر ما صنعه لإقامة أندراوس بطريركًا
كاثوليكيًّا على السريان، وقد أجمع المرسلون والشعب على حبهِ وإكرامهِ؛ لما
ازدان به من السجايا، وفي سنة ١٦٦٢ عاد إلى بلاده فأقام فيها ثماني سنوات، ثم
سيم أسقفًا على سزاربوليس Césarople، ثم على
بابل، ونائبًا رسوليًّا على العجم، واختارهُ لويس الرابع عشر سفيرًا لهُ لدى
جلالة شاه العجم، فعاد إلى سوريَّة، ومنها ذهب إلى العجم حيث خدم الكنيسة
والشرق المسيحي خدمة مشكورة، توفاه الله في مدينة همذان من أعمال العجم في ٢٦
آب سنة ١٦٨٥ «اطلب حياته باللغة الأفرنسيَّة Vie de Messire F.
Picquet par Mgr. d’Antelmy évéque de Grasse اطلب أيضًا
كتابنا الأفرنسي المعنون Documents inédits pour servier à
I’Histoire du Christianisme en Orient, t. I. chez A. Picard et fils à
Paris, Luzac et co. à Londres et hearrassowitz à
Leipzig. صفحة ٩٦ و١٠٣ و١٠٤ … إلخ.»
٣
يريد همذان من حواضر العجم.
٤
هو الأب يوحنَّا دي سنت
إينيان Jean-Baptiste de St-Aignan الكبوشين، كان مرسلًا تقيًّا وغيورًا، خدم الكنيسة في
رسالة حلب والموصل سنين طويلة باجتهاد لا يعرف الملل، وكتب معاريض لا تزال
محفوظة في مكاتب باريس، وقد استنسخنا بعضها، ومن معاصريهِ الكبوشيين الغيورين:
الأب سلفستروس دي سانت إبنيان، ونظنُّه أخاه. وقد وجدنا توقيعهما مرارًا في
الرسائل المقدَّمة للكرسي الرسولي وللوزارة الأفرنسيَّة مع توقيع الأب
نقولا بوارسون Poirresson رئيس اليسوعيين،
ومع رؤساء الكرمليين الأب يوحنَّا بطرس والأب يوسف ملاك.
٥
هي جمعيَّة راهبات المحبَّة التي أسَّسها القديس منصور دي بول؛ فانتشرت في كل
أنحاء المسكونة معطرة الغرب والشرق بعرف فضائلها وخدمتها للمساكين.
٦
يريد المصارف.
٧
هذا السفير العثماني هو سليمان آغا سفير السلطان الأعظم محمد الرابع، وصل إلى
طولون في ٤ آب سنة ١٦٦٩ حاملًا رسائل جلالة السلطان الأعظم إلى الملك لويس
الرابع عشر، فسار في موكب عظيم إلى باريس، وقابل المسيو دي لبون وزير الملك، ثم
حظي بمقابلة الملك في حفلة عظيمة، وبقي في باريس، مدَّة كان فيها المسيو
دارفيه d’Arvieux، رفيقًا لهُ، اطلب
Vandal: Mis de Nointel p. 24 et Mémoires d’ Arvieux t.
IV.