الإقامة في ليما
فمن بعد ثمانية أيام وصلنا إلى مدينة ليما Lima
المذكورة ونزلت في بيت الأنكيجيدور Inquisidor، أعني
رئيس ديوان الإيمان؛ لأنه كان صاحبي من إسبانية، وكنت دينتهُ ألفًا وأربعمائة غرش في
مدينة بورتوويلو، فأعطاني فائدة عن كل مائة غرش أربعين غرشًا مثل ما يسلك بين التجار
في
تلك البلاد. ثم بعد أن ارتحت من تعب الدرب رحتُ قابلت الوزير وقدمت له أمر الملك
ومكاتيب الوصية التي أحضرتها معي من إسبانية. وهذا الوزير كان رجلًا مباركًا اسمه دون
بغدسار ويلاكوكونده ده كستيليارو مركيز ده ماراكون من أكابر إسبانية، فقبلني بفرح عظيم،
ووعدني أنه يساعدني في جميع الذي أعتازه. ثم إني دخلت زرت امرأته فاقتبلتني أيضًا
بالإكرام. وهذا الوزير المبارك كان قد تزوج منذ أربع عشرة سنة وما رُزق ولدًا، وسنأتي
بعد هذا بحكايته. ثم إني رجعت فزرتُ كبير الكهنة، الذي يسمى أرشيدياقون، مع جملة أرفاقه
الكهنة لما كانوا مجتمعين في الكنيسة للصلاة. وأما مطران هذه البلدة فكان قد توفي وبقي
الكرسي خاليًا من مطران. ولهذه المطرنة مدخول في كل سنة خمسون ألف غرش، وتحت يده مائة
وعشرون خوريًّا، وكانوا منتظرين المطران الجديد الذي كان آتيًا من إسبانية. وبعد أن
بقيت في هذه البلدة عشرين يومًا وقعتُ مريضًا في الفراش بمرض شديد، وكان حكماء الوزير
يعالجونني؛ فشفاني الرب من مرضي بعد عشرين يومًا بشفاعة أم الرحمة مريم العذراء؛ فقمتُ
ورحت عند الوزير وتلاقيت معه ثاني مرة فقبلني بفرح وعز وإكرام. ولما كنت مريضًا كان
يرسل عندي خزنداره يزورني مع أحمال من الحلاويات المفتخرة، وكان يسأل عن حالي كل يوم
مرتين. وفي ذلك الحين جاء رجل من أصحاب المعادن وقال للوزير: إنه يقدر يستخرج الفضة من
الحجر من غير أن يضيف إليها زئبقًا؛ فلما امتحنوا صنعتهُ وجدوها اختراعًا كاذبًا، وأنا
كنت حاضرًا ونظرت ذلك عيانًا.
وقبل أن تملك السبنيولية هذه البلاد ما كان أحد يعرف الإله الحقيقي، وكان البعض
يعبدون الأصنام، والبعض كانوا يعبدون الشمس والقمر والنجوم، وما كان لهم أحرف ولا كانوا
يعرفون القراءة والكتابة. لكن لما يريدون أن يقدموا عرض حال إلى ملكهم كانوا يصورون
تصاوير في منديل على حسب شكايتهم. وكان في زمان فتح هذه البلاد ملكان أخوان، الواحد
يسمى وداواليا والآخر يسمى وسكارانيكا. وكان بينهما الحرب، وكانت آلة سلاحهم وعدتهم
القوس والسهام ورماح ومقاليع لحذف الحجارة. وما كان لهم مواشٍ — أعني مثل أفراس وبغال
وحمير — ولا ثيران ولا بقر ولا غنم ولا دجاج، سوى جنس حيوان شبه الجمل بقدر الحمار،
وحدبته في صدره، يحمِّلون عليه ويأكلون لحمهُ لكنه ما يسافر بعيدًا، وكل يوم قناقه
أربعة فراسخ لا غير، فلما يتعب ينام ويزبد ويتفل على أصحابه. وهؤلاء الهنود لما كان
يموت أحد منهم كانوا يصنعون له قبرًا عاليًا علو ذراعين، وطول ثلاثة أذرع، وكانوا يضعون
في قبره آلة صنعته مع شربة من خمر الذرة.