معادن الزئبق
ثم إني رحت لأنظر المعدن مع حاكم البلد، فرأيت هذا المعدن وعظمته، ونظرتُ أيضًا أن
الفعلة يقطعون الحجارة ويخرجونها من تحت الأرض إلى فوقها. ثم أروني كيف يخرجون الزئبق
فأدخلوني إلى بيت جعلوا أرضه أنجاشًا «ثقوبًا» ملصوقة ببعضها موضوعًا في كل منها برنج،١ والبرانج مصفوفة ومنصوبة صفوفًا صفوفًا، ولها فم واحد منصوب إلى فوق، والفم
الأسفل مسدود وغير مفتوح كمثل أجران، فيضعون حجارة الزئبق بصنعة مصطفة فوق البرانج كمثل
عمل الفاخوري في أفران الخشف «الخزف»، وكذلك أيضًا يضعون الحجارة على البرانج وهذا
البيت له سقف مغطًّى لكن قوي عالٍ، وفيه أبخاش لأجل منفذ الدخان. ثم يضعون الحطب فوق
تلك الحجارة ويضرمون به النار؛ فيشعل وتسخن الحجارة سخونة قوية، ويجري منها الزئبق
هاربًا ومنحدرًا داخل تلك البرانج. فعند ذلك يفهم معلمو الزئبق فيهدثون النار ويخلونهُ
يومًا وليلة حتى يبرد، وبعدهُ يرفعون الحجارة والرماد ويكبونهُ «يلقونهُ» خارجًا،
ويطالعون الزئبق من تلك البرانج. وهناك وكيل من جانب الملك يضبطه للملك، وهو يفي لأصحاب
المعدن اثنين وخمسين غرشًا حق كل قنطار، وقنطار هذه البلاد هو ستة أمنان خندكاري،٢ ويبيع وكيل الملك القنطار بتسعين غرشًا لأصحاب معادن الفضة لأجل استخراج
الفضة من الحجارة. وسوف نتكلم عن ذلك أيضًا. ثم إني قدست هناك على هيكل لهم في وسط
المعدن وباركت عليهم وعلى معادنهم،٣ وقدم لي أصحاب المعادن بشكاس،٤ مقدار خمسين قنطارًا من الزئبق، وقالوا لي اصبر إلى شهر بينما يخرجون
الزئبق من الحجارة ويعطوني المبلغ المذكور. فمن سبب الأهوية المختلفة خفت فتركت هناك
وكيلًا ليستلم منهم الزئبق وقتما يستخرجونه لكن عليه يسق٥ من الملك أن لا أحد من أصحاب المعادن يقدر يبيع زئبقًا ولا أحد يقدر
يشتريه. وإن تجاوز أحد هذا الشرط ينهبوا مالهُ ويحل عليه القتل.
١
البرنج كلمة فارسية معناها النحاس ونظنُّها بمعنى الخابية والبرنية.
٢
الخندكار لفظة مماتة بالفارسيَّة معناها السلطان.
٣
قرأنا في كتب الأب فوليه Feuillée المرسل
الفرنسيسي في البيرو من معاصري صاحب الرحلة وصفًا مسهبًا لهذه المناجم قال: «إن
مناجم الزئبق الشهيرة في كل أمركة الجنوبية محفورة في جبل واسع بالقرب من
غوانكافاليكا Guancavalica وهي ممتدَّة
تحت الجبل، وفيه حفر منازل ودروب ومعبد. والمناجم مضاءة بعدد لا يحصى من
الشموع.» ثم وصف استخراج المعدن وصفًا لا يكاد يفترق عمَّا جاء في متن رحلتنا
سوى أنهُ قال: إن سعر القنطار ثمانون غرشًا.
٤
بشكاس: لعلها باش كاس ويظهر من القرينة أنَّ معناها: الهديَّة أو
البخشيش.
٥
يسق: كلمة تركية معناها مانع أو محذور.