السفر إلى كوسكو
ثم خرجت من هناك قاصدًا بلدة تسمى كوسكو cusco. وخرج
حاكم البلد ورئيس اليسوعية مع رفقائهِ وغير أصحاب ليودعوني، فسافرنا نصف فرسخ ثم تودعنا
وافترقنا، فهم رجعوا إلى البلد وأنا ظليت مسافرًا. ومن بعد يومين وصلنا إلى نهر يسمى
بوريما Apurimac. وكان على هذا النهر جسر ممتد
منسوج من عروق الأشجار والأغصان عرضه ذراع أقل أم أزيد، وطوله عشرون ذراعًا. فجزناهُ
بصناعة عظيمة مع خوف شديد؛ لأن الأحمال يحضرونها عن البغال ويدخلها الهنود على ظهرهم
إلى جانب الآخر واحدًا بعد واحد، وأما البغال فيزلطونها من جلالاتها ويجيزونها الجسر،
فإذا سقطت رجل البغل بين الخشب الممتد على ذلك الجسر حينئذٍ يخلون رءوس الخشب؛ فيسقط
البغل من ذلك العلو إلى وسط الماء، ويسبح ويفوت إلى الجانب الآخر. فبهذا التعب العظيم
جزنا، بسبب أن الجسر يتجوجح وينهز كالمهد لما يدوس الإنسان عليه. فلما حصلنا في ذلك
الجانب شكرنا الباري تعالى على خلاصنا. فأما الهنود بسبب أنهم يعرفون السباحة فإذا سقط
أحدهم في الماء يخرج سالمًا. ومن هناك سرنا في الدرب؛ فوجدنا أجناسًا من الحيوانات منها
خيل وأفراس وحشية وبقر أيل وبغال وحمير، وغير أجناس أُخر، وهي تعيش في تلك الجبال
المقفرة وما لها أصحاب. وجنس حيوان آخر يسمى بيكونيا، وهو كصورة الغزال لكن بلا قرون،
فهذا الحيوان قوي أنيس؛ لما ينظر أناسًا أم دوابًّا مجتازين ينحدر من الجبل ليتفرج
عليهم، وعددها كثير. وأنا كان عندي كلاب للصيد وبندقية فقتلت بعضًا من هذه الحيوانات،
ولحمها لا يأكلهُ غير الهنود، وصوفها ناعم كالحرير، يصنعون منهُ البرانيط، أي الشبقات،
وهو شبه التفتيك١ لكن لونهُ عسلي كلون الغزال،٢ وفي بطن هذا الحيوان يوجد حجر البازهر بين كُلْيتيه، فيخرجونهُ ويبيعونه
بثمن غالٍ لأنه نافع للسموم.٣
١
الشبقة: هي البرنيطة، ولعلها تعريب chapeau
أمَّا التفتيك فهو نوع من الصوف الناعم.
٢
قد جاء وصف هذا الحيوان المسمى la Vicuna أو
le Guanaco في كثير من الأسفار الأمركيَّة،
وكانوا يستخدمونه لنقل المعادن في الطرق التي يتعذر على الدواب سلوكها.
٣
البازهر أو اﻟﭙﺎزهر كلمة فارسيَّة معناه: الترياق «من ﭘﺎو: نظف، وزهر: سم»،
وقد اشْتَهر هذا الدواء بين أطباء العرب وامتدت شهرته مع اسمه إلى المغرب،
فيقال: Bezuar باللغة البرتغالية أو
Bezoard بالأفرنسية، قال التيفاشي: «هذا
الحجر بأيدي الناس صنفان، أحدهما: حيواني، والآخر: معدني، ومعدنهُ بين جزيرة
ابن عمر والموصل، وهو هناك كثير، ويوجد منهُ حجارة كبار، وهو حجر رخو أبيض
الحكاكة. وأما الحيواني فهو المقصود بالكلام في هذا الحجر، والباب هو حجر خفيف
هش أصفر منقط نقطًا خفيفة، وهو ذو طبقات بعضها على بعض، وينحلُّ سريعًا إذا
حُكَّ، ومحكُّهُ إلى البياض، وأعظم ما يوجد منه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل،
يؤتى به من بلاد فارس من تخوم الصين. والحيوان الذي يوجد فيه البازهر هو الأيل
الذي يكون بتلك البلاد. واسمه عجمي، أصله في لغة الفرس: باكزهر؛ أي منظف السم
من الجسد. وخواصه النفع من ذوات السموم بأجمعها، وهو يخج السم بالعرق ويخلص من
الموت … إلخ.» وقد اعتُبر في القرون الماضية كأعظم الأدوية، وذلك خرافة لم
يثبتها العلم.