إسبانية وإيطالية
ثمَّ بعده خرجت من هناك قاصدًا بلاد إسبانية، فجزت على بلد عظيم يسمى أورليانوس Orléans، ومن هناك رحت إلى مدينة تسمَّى بونراس،١ ومن هناك إلى مدينة بواتيه، ومنها إلى مدينة تسمَّى بورديوس Bordeaux التي هي على شاطئ نهر كبير. وقد قطع الملك
لويس المذكور الجبال وخلط البحرين في بعضهما، وأصبحت المراكب تسير بسهولة في هذا النهر
المذكور من بحر الأوقيانوس إلى بحرين أرضيين.٢
ومن هناك سافرت إلى إسبانية، وجزت على بلاد وقرًى لا تحصى، حتى بعد اثني عشر يومًا
انتهيت إلى نهر، وهذا النهر هو الحد بين حكم فرنسة وإسبانية، وهناك قلعة تسمى
سان جوان دي لوا St Jean de Lux من حكم
فرنسة.
ثم جزنا النهر ووصلنا إلى قلعة من حكم إسبانية تسمى فونته إربيا Fuenterabia وجانبها بلدة صغيرة تسمى إيرون Irun، ومن هناك قصدت بلدة تسمَّى سان سبسطيان، وهي ميناء في البحر
الغربي، ومن هناك سافرت في الأرض إلى مدريد تخت ملك إسبانية، وعبرت على بلدة تسمَّى
بوركوس Burgos، ونظرت هناك ديرًا لرهبان مار
أوغسطينوس، وكان في كنيستهم مذبح فيه صلبوت السيد المسيح الذي يسمى في اللسان السبنيولي
كريستو ده
بوركوس Cristo
de Burgos،٣ ويظهر منه عجائب كثيرة، وأيضًا نظرت هناك في دير الراهبات قبر ملك سيس الأرمني٤ الذي كان يسمى أوانيسي تاكا، وكتابة قبره باللسان الأرمني، ثمَّ من هناك
سافرت وجزنا على مدن وقرًى لا تحصى، حتى إني وصلت إلى مدريد تخت الملك، ففي ذلك الحين
كانت تحكم الملكة امرأة الملك٥ فيليبه الرابع؛ لأنه كان قد توفي الملك وخلف ابنًا صغيرًا يسمَّى كارلوا
الثاني، ثم إني قدَّمت لها مكاتيب البابا أكلمندوس التاسع، فأمرتْ أن يعطوني ألف غرش٦ من حاكم سيسيلية، وألف غرش من حاكم نابولي، ثم إني أخرجت من يدها أمرًا على
تحصيل الدراهم.
فخرجت من مدريد قاصدًا أرض إيطالية. فدخلت إلى كورة أراكون Aragon ووصلت إلى بلدة تسمَّى سراكوزا Saragosse، حيث يتوَّج ملوك إسبانية، ويشرطون على أنفسهم حفظ القوانين
الواجبة للحكم المحدود، مثل السابق القديم. حينئذ نظرت هناك أخا الملك يسمى دون خوان
ده
أوستريا، وهو أخ طبيعي لهذا الملك، ثم زرتهُ فأكرمني. ومن هناك سافرت قاصدًا البحر،
فوصلت إلى مدينة تسمى برسلونا Barcelone، وهي من كورة
كاتالونية Catalogne، وهي ميناء البحر الشرقي،
فسافرت منها في البحر مع جكتريات٧ ملك إسبانية، وبعد يومين عبرنا إلى ميناء يسمى كاتاكيس Cadaqués، حيث يخرج المرجان. وبقينا هناك خمسة وعشرين يومًا بسبب
العواصف الكائنة في البحر في الكولفو ده
ليون Colfe du Lion؛ لأن المجاز من هناك خطر عظيم.
ثم بعد زمان نهار الأحد قدسنا وأقلعنا وفتحنا الشراع وسافرنا. فبعد يوم وليلة جزنا
ميناء طولون من حكم فرنسة، ومن هناك سافرت إلى رومية، فنظرت ابن أخي الشمَّاس يونان٨ قد ختم قراءته في المدرسة وهو قاصد أن يخرج من رومية ويرجع إلى البلاد بعد
أن جهزهُ المجمع المقدَّس من كتب وأشياء أُخر لازمة. ومن هناك وصلت إلى نابولي، وقدَّمت
أمر الملكة إلى وزيرها الذي كان يحكم هناك، الذي يقال له وي الري،٩ فقرأَه وجاوبني قائلًا: اذهب إلى سيسيلية، وحصل الألف غرش، فسافرت إلى
جزيرة سيسيلية، ودخلت مدينة تسمى باليرمو Palerme، حيث
وزير الملكة الحاكم الذي يقال لهُ أيضًا: وي الري. فعرضت عليه الأمر أن يعطيني الألف
غرش، فوعدني أنهُ يعطيني إيَّاها، وبعد شهرين قال لي: لا أقدر أعطيك. ثم إني أرسلت من
هناك الشماس يونان ابن أخي إلى حلب. وأنا لمَّا نظرت أن ليس لي رجاء من هذا القاسي
القلب أن يعطيني الألف غرش بعد تعب القلب الذي حصل لي في سفرتي رجعتُ إلى نابولي لأحصل
الألف غرش الأخرى من الوزير الأوَّل، مثل ما كان وعدني، فهذا أيضًا جاوبني قائلًا: ما
أعطى حاكم سيسيلية الألف غرش ولا أنا أعطي شيئًا ولا عندي دراهم.
ثم إني رجعتُ مرَّة أخرى إلى إسبانية خائب الرجاء حتى أرجع الأمر إلى الملكة، فرجعت
إلى رومية ومنها إلى ميناء ليغورنة، وركبت في البحر، ووصلت إلى مدينة برسلونة المذكورة،
ومنها جئت إلى سراكوزا، ورأيت هناك أخا الملك المذكور فأخبرتهُ بما جرى لي من الأتعاب
والخسائر؛ لأني صرفت أربعمائة غرش في الرواح والمجيء، فشقَّ ذلك عليهِ، وكان صحبتي واحد
رومي من أولاد حلب يخدمني اسمهُ يوسف الفتَّال. ثم إني رجعت إلى مدريد وعرضت حالي على
الملكة فصعب عليها ذلك بسبب عدم قبول أمرها، ثم بعد إني أرجعت لها أمرها خرجت من مدريد
قاصدًا بلاد البرتكال. وفي ذلك الزمان كان ملكهم موجودًا في جزيرة تسمى إيزلا ترسيرا Isola Terceira، وكان هناك مسجونًا، وفعلوا به
ذلك لقلَّة عقلهِ وعدم نسلهِ، وبعد أن ثبتت معهُ امرأَتهُ ثلاث سنين، وأما هذه الشقيَّة
فكانت فرنساويَّة وزوجها الأوَّل كان يسمى الملك دون الونصو Alphonse VI، ولكن هذا زوجها الثاني كان يسمى دون بيدروا Don Pedro، فمع أنه جلس في مكانه لكن لم يسمُّوهُ
ملكًا لكن أميرًا؛ بسبب أن أخاه كان باقيًا في الحياة. وبعد أن تزوجها رُزق بنتًا، ثم
إني ذهبت إلى عند هذا الأمير، وتكلَّمت معهُ، وبقيت في هذا البلد سبعة أشهر، وزرت جميع
كنائسها وديورتها. وأمَّا سكَّان هذه البلدة فمنهم أُناس أجواد كرماء، وكاثوليكيُّو
الإيمان. وأيضًا يوجد هناك نصارى جدد، وهم من ملَّة اليهود المتنصرين، وهم معلومون عند
الكل، وما يتزوَّجون من النصارى القدماء، والبعض منهم بالحقيقة ناكرو دين المسيح،
فلمَّا يتحقَّقون أمرهم أنهم كذلك يحكم عليهم ديوان الإيمان بالحريق. وأمَّا هذه
المدينة ليزبونا Lisbonne، فهي ميناء البحر، ومنها
تسافر المراكب إلى هند الشرق، إلى بلاد كووا التي من حكم البرتكال.
١
لا نعرف مدينة اسمها بونراسر بين بوردو وبواتيه إن لم يكن تصحيف تور Tours أو أمبواز Amboise أو بلوا Blois، فهذه
المدن الثلاث على شاطئ نهر اللوار على طريق سائحنا من بوردو إلى بواتيه.
٢
يشير إلى الأشغال التي أُنجزت بأمر لويس الرابع عشر ليسهل على السفن العبور
في نهر الجيروند Gironde، وقد جمع بين ذراعي
النهر الممتدَّين حول الأرض المسماة «ما
بين البحرين» Entre-deux-mers.
٣
هو الصليب المنسوب إلى القديس نيقوديموس ويكرم في إسبانية من عهد
قديم.
٤
لا نعرف عن هذا الملك شيئًا.
٥
هي مريم حنَّة
النمساويَّة Marie-anne d’Autriche امرأة فيلبس الرابع المتوفى سنة ١٦٦٥، وكان
لكارلوس الثاني ابنهِ أربع سنوات فقط، فأقيمت أمهُ على إدارة المملكة لكن
جوان Juan d’Autriche اغتصبها الإدارة
مدَّة، ولمَّا مات عادت الملكة إلى الحكم إلى أن بلغ كارلوس أشدَّه.
٦
كان الغرش عندئذٍ يعادل الدينار écu
قيمةً.
٧
جكتريه أو بالحري جكدرية كلمة تركية معناها السفن.
٨
لا نعرف شيئًا عن هذا الشماس ونظنهُ درس في مدرسة البروباغندة.