أهبة السفر إلى أمركة
وبعد أن بقيت هناك سبعة أشهر رجعت إلى بلدة مدريد المذكورة، وسكنت في دار أمير يسمى
الدوكة ده أوبرو، وصار لي من هذا الرجل ومن بقيَّة الأصحاب إكرام زائد. وإحدى السيدات
تسمى ميركيزا ده لوزوبلس التي ربَّت الملك عملت لي إكرامًا عظيمًا، وطلبت من الملك
دستورًا أن أقدس له، فكان معي شماس رومي، وكنت علَّمتهُ يخدم قدَّاسي، فدخلت كنيسة
الملك وقدَّست أمامهُ وأمام والدته، ثم بعد ذلك أمرت الملكة مربية الملك أن تسألني أي
شيء أطلب حتى تهبني. فأخذت منها مهلة ورحت شاورت بعض الأصحاب، فأشاروا عليَّ أن أطلب
إجازةً وأمرًا قاطعًا حتى أتوجه إلى بلاد هند الغرب،
١ فصعب عليَّ هذا الأمر، لكن جعلت الحملة على الله واتكلت عليه، وطلبت الأمر؛
لأنه لا يقدر غريب أن يجوز إلى بلاد الهند إن لم يكن معه أمر من الملك، وكان في ذلك
الزمان النونسيو الذي هو رسول البابا في مدريد يسمى الكردينال ماريسكوتي، وهذا المبارك
ساعدني بنصائح.
ثم إني أخرجت الأمر من الملكة؛ ففرح بعض الأصدقاء لهذه النعمة التي أنعمت بها عليَّ،
فأمَّا الأمير الذي كنت نازلًا عندهُ في الدار فجهزني بكل ما أعتازهُ في السفر، وأعطاني
مكاتيب وصية إلى بعض أصدقائه، والأمر الذي أخرجتهُ من الملكة كان وصيتها عليَّ إلى
الوزير، وإلى المطارنة والأساقفة والحكام في كل بلاد الهند على مساعدتي.
ثم إني تقويت بالرب واعتصمت باسم والدته مريم العذراء، وخرجت من مدريد قاصدًا مدينة
قادس Cadix، التي هي ميناء على البحر المحيط، فمن
بعد سفر اثني عشر يومًا في البر دخلت إليها فرأيت مراكب الهند مهيأة ومستعدة للسفر، وفي
هذه الأسكلة يقام ديوان مدبري المملكة، فقدمت أمر الملكة، فسجلوه لي وأعطوني أمرًا
ثانيًا بموجبه.
ولما كان اليوم الثاني عشر من شهر شباط سنة ألف وستمائة وخمس وسبعين من المسيح قدمت
أمري مع المكاتيب إلى جنرال الغلايين،
٢ دون نيقلاوس ده كوردووا، فحبَّني واستقبلني بكرامة عظيمة، وأعطاني كامره أي
أوضة في مركبة، فأدخلت حوائجي في الأوضة وقفلت الباب. وهذا الغليون هو الرئيس على سائر
الغلايين. وقد أخذت معي من قادس شماسًا من طائفة الروم، مولودًا في أتينس؛ لأني ما وجدت
أحدًا من ملتي ومن أولاد بلادي. فصار عندي ندم عظيم بسبب أني كنت سرحت ابن أخي الشماس
يونان إلى بلاد الشرق، ولكن ما عادت الندامة تفيد، فنصحني البعض من الأصحاب قائلين لي:
إن هذا الرومي عند وصولك إلى بلاد الهند سوف يتمرد عليك ويخرج من عندك. فعند وصولي جرى
لي كقولهم.
ثم إننا في ذلك اليوم المذكور قلعنا ونصبنا الأقلاع وسرحنا، وكان عدد الغلايين ستة
عشر غليونًا، فتودَّعوا من الأسكلة بضرب المدافع، ودق الأبواق، ونصبوا الأعلام
والرايات.