صداقة السائح للمظلوم
ولما كان الوزير منفيًّا أرسل المطران استدعاني وقال لي: لأي سبب أنت مرتبط وملتصق بهذا الرجل؟! تعال إليَّ واتركهُ وأنا أسكنك عندي وأساعدك في جميع مصالحك بكل ما تعتاز. فقلت له: كيف يمكن أن أترك صديقي القديم وأعدم صحبته، لا سيما مثل هذا الرجل الصالح، وبالأكثر الآن بسبب أنه معزول، والله أوصانا بإعانة الضعفاء، وإقامة الساقطين؛ لأن الإنسان الذي يكون ولد حلال ويعرف أصلهُ وشرف جنسه لا يترك صديقه الأول عند عزلته، بل يساعدهُ ويسليه في كربه وضيقته، وأنا واقف أيضًا في خدمتك ومحبتك، ومثل ما أنا صديقه أنا أيضًا صديقك. فقال لي: اصنع ما تريد. فبعد مدة شهرين أرسل المطران يدعوني، فعندما دخلت البلد رحت عند صاحبي رئيس ديوان الإيمان وحكيت له فقال لي: اذهب إليه وكلمهُ بكل ما في خاطرك. فرحت إليه وتكلمت معه؛ فقال لي: لأي سبب ما تروح إلى بلادك؟ فقلت له: إذا أردت الرواح إلى بلادي لا مانع يقدر يمنعني، والآن ما لي نية أن أسافر من ها هنا. فقال لي: إن أمرك والرخصة الممنوحة لك لأربع سنين، وها هي قد كملت. فقلت له: نعم، هكذا هو، لكن أنا ما أريد أسافر وأفترق عن الوزير، وأنت اصنع ما تشاء وتريد. فقال لي: لأي سبب تحب هذا الرجل وتحامي له وأنا ما تحبني مثله؟ فقلت له: نعم، إن في بلادنا وعوائدنا يحامون عن الإنسان الواقع ويساعدونه، ونكمل وصايا الله الذي أوصانا قائلًا: حب قريبك كنفسك، فأنا أحب الوزير وأحبك وأحب قريبي. ثم قام من كرسيه وجاء احتضنني قائلًا: الله يبارك عليك لأنك ابن ناس أشراف، ودمك وأفعالك تشهد عليك. فرجعت عند صاحبي رئيس ديوان الإيمان، وحكيت له ما جرى؛ ففرح، وفرحت أيضًا امرأة الوزير، وقالت: الله تعالى يرحم والديك الذين خلفوك ويزيد أصلك.