عودة الرحالة من البيروه إلى باناما
ثم إني في تلك الأيام انسحبت إلى قرية خارجًا عن البلد بنصف فرسخ تسمى مادلينا؛ لأنه
كان هناك بيت جميل وبستان لصاحبي رئيس ديوان الإيمان؛ فسكنت هناك خمسة أشهر وأنا مستنظر
مراكب إسبانية، وكنت أيضًا في ذلك الزمان أكتب تواريخ سفري، فلما وصلت المراكب جاء معهم
وزير جديد. وصار لي في هذه البلاد ست سنوات لسبب صاحبي الوزير المعزول؛ لأنه كان وعدني
أنه يقضي لي أشغالي عندما يرجع الحكم إلى يدهِ، فلما نظرت أن وزيرًا جديدًا قدم قطعت
أملي، فلما وصلت مراكب إسبانية إلى بورتو بلو ورست هناك أمر مطران ليما، الذي كان
يومئذٍ متوليًّا وحاكمًا على تلك بلاد البيروه، أن يحمل تجار ليما الخزنة على المراكب
التي تخص الملك، وينحدروا إلى بورتو بلُّو ويحضروا الموسم؛ لأن قوانين تلك البلاد أنه
لما تصل الغلايين من إسبانية إلى بورتو بلو، وتنحدر المراكب إلى باناما؛ فينقلون الفضة
من باناما إلى بورتو بلُّو على مقدار ألف بغل، ولا يزالون ينقلونها مدة شهر. والبعد هو
ثمانية عشر فرسخًا، وفي نصف الدرب يوجد نهر صغير Chagre
يقطعونه بشختورات يسمونها كتاوس chatas موسوقة إلى
بورتو بلو، ويصير الموسم حينئذٍ مدة أربعين يومًا لا غير، وينهون في هذا الزمان كل
البيع والشراء.
فلنرجع إلى قولنا، فخرجت مع الوزير المعزول، وخرج كل الأشراف والأعيان ليودعوه، وكان
معنا تجار ذاهبين إلى الموسم. وصار ذلك اليوم عظيمًا بضرب المدافع والحراقات، وذلك يوم
الأحد في واحد وعشرين من شهر أيلول سنة ١٦٨١، فخرجنا من هذا الميناء المسمى الكلياو El Callao قاصدين ميناء باناما، ومن الكلياو وصلنا في
خمسة أيام إلى ميناء يسمى يابتاف Amotape واشترينا كل
ما نعتاز إليه من الزوادة، فهناك الدجاجة تسوى غرشًا ونصفًا، والغنمة تسوى خمسة غروش.
ثم بعد يومين سافرنا فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى مكان في البحر يسمى المورتوخاده Amortajada، يعني المحنط؛ لسبب أن هناك البحر قليل
العمق، وينحدر الماء ويسوق المراكب على انحراف، لكن الرب نجانا بواسطة والدته الشفيعة
مريم العذراء؛ لأنه صار علينا ضباب وهمدت الريح. وكانت أمواج البحر التي تسمى
كورنته Corriente تزعجنا وتدفعنا للأرض حتى تأملنا
ونظرنا أننا صرنا قريبين للكهف،١ فطار عقلنا وقمنا عمومًا انتصبنا للصلاة، والكاهن يبارك ويحل لأننا أشرفنا
على الموت، ونحن نتضرع بتخشع لله ولوالدته مريم العذراء، فبعد أن أكملنا الصلاة هبت ريح
من قلب الجبل مثل منفاخ ودفعت مركبنا إلى البحر؛ فتخلصنا من ذلك الشر والخطر العظيم،
والمراكب اللاحقة وراءنا من بُعد؛ لأن الهواء كان هامدًا والبحر جامدًا، لما رأونا
قادمين إليهم بالهواء تعجبوا جدًّا. ورافقتنا هذه الريح إلى عصر اليوم الثاني، فدخلنا
إلى ميناء يسمى سانتا إلينا، يعنيقديسة
هيلانة S. Helena، حيث مكثنا أحد عشر يومًا ننتظر المركب القادم من بلد
غواياكيل، وهذا المركب المدعو مركب الذهب كان محملًا باثني عشر مليونًا من الذهب، فلما
وصل إلينا الجنرال أمرنا بالخروج من هذه الأسكلة؛ فخرجنا قاصدين باناما، فدخلنا إليها
بالخير والسلامة بعد خروجنا من ليما باثنين وأربعين يومًا، وهنا وجدنا مركبين فيهما
جنود إسبنيولية جاءوا من ينكي دنيا ليفتشوا على قرصان البحر، يعني اللصوص الجلالية٢ الذين في البحر القبلي، فأشار عليَّ صاحبي الوزير المعزول أن أذهب إلى ينكي
دنيا لأنه استحى مني بسبب أنه ما قدر يعمل معي شيئًا من الذي وعدني به. واستعد أن
يجهزني بكل ما أعتاز، ويعطيني مكاتيب توصية إلى وزير ينكي دنيا الذي كان من
أقاربه.
نبتدي بعون الله تعالى وحسن توفيقه العظيم، ونؤرخ أخبار سَفرتي إلى بلاد ينكي دنيا.٣
١
نظنهُ أراد معنى الصخر، لأن كلمة الكهف وردت على لسان البغداديين بهذا
المعنى، نقلًا عن السرياني، والمعنى العربي معروف، وهو المغارة أو البيت
المنقور في الجبل.
٢
اطلب صفحة ١٤.
٣
يريد بلاد المكسيك، اطلب صفحة ٢.