السفر من باناما
جزيرة سليمان
ففي شهر كانون الأول من شهور سنة ١٦٨١ مسيحية دخلنا في المركب الكبير الذي يسمى
قبطانًا، وسافرنا ثلاثة فراسخ، فوصلنا إلى جزيرة تسمى تابوكا Taboga سابقة الذكر، وهناك مكثنا ثلاثة أيام، وملأنا ماء وتسوقنا
خضرًا وفواكه وغيرها من المبردات. ثم سافرنا قاصدين ميناء يسمى رياليخو Realejo، فمن بعد خمسة أيام جزنا على جزيرة تسمى
مونطوزا Montuosa وهي غير مسكونة، وهناك سكنت
علينا الريح وبقينا اثني عشر يومًا لا يتحرك المركب. وكان أيضًا بجانبنا جزيرة أُخرى
تسمى إيزلا ده لوس
لدرونس Isla de los
Ladrones؛ أعني جزيرة اللصوص، فذكروا لنا أن مركبًا سافر في هذا البحر
إلى ينكي دنيا، فأصابته ريح مخالفة ورمته في جزيرة الرمل، ثم سكنت الريح بعد يومين،
فجعل البحرية يعمرون بعض أشياء في مطبخ المركب كانت انهدمت من كثرة الرياح التي صادفتهم
في البحر، فطلعوا إلى الجزيرة وأحضروا منها رملًا ليملئوا الحوض الذي يطبخون عليه، ثم
سافروا من تلك الجزيرة، وثاني يوم طبخ لهم الطباخ مثل العادة، فأراد أن يحركش النار
فرأى الرمل كالحجر فقلعهُ فإذا هو قرص ذهب، فلما علموا أرادوا الرجوع إلى الجزيرة فما
استطاعوا لأنهم لم يكونوا أكدوها، ولا وزنوا قيراطات الشمس. وهذه الجزيرة كانت تسمى في
كتب القدماء إيسلا ده سلامون Isla de Salomon يعني
جزيرة سليمان، ويقولون بأن سليمان لما عمر البيت كان يحضر الذهب من هذه الجزيرة، والآن
السبنيولية ما لهم نشاط واتفاق وحرارة طبيعية حتى يفتشوا على هذه الجزيرة،١ وبعد الزمان المذكور سهلت لنا الريح السفر فسافرنا، وبعد ثلاثة أيام وصلنا
إلى ميناء يسمى كولفو دولسه Golfo dulce، يعني الخليج
الحلو؛ لأن هناك يجري نهر ماء حلو ويختلط في البحر؛ فرسينا هناك، وخرج البحرية ليملئوا
الماء، وأنا خرجت معهم إلى الأرض؛ لشدة الحر، وابتدأتُ أغتسل في مياه النهر الباردة
ليتطرى جسدي. وهذا النهر عمقه ذراع فقط، ورأيت رملهُ مخلوطًا بالذهب، فأريته رئيس
المركب الذي كان مولودًا في تلك البلاد؛ فقال لي: لا تعجب من ذلك؛ لأن في كل هذه
الأراضي وهذه الأنهر يوجد الذهب، لكن السبنيولية لا يتجرءون على المجيء لاستخراجه لسبب
الهنود الكفرة الساكنين في رءوس الجبال؛ لأن في ذلك الصقع يوجد هنود بغير عدد. وفيما
نحن راسون حدث علينا اضطراب عظيم في البحر، ومن شدة الاضطراب انقطع حبل المرساة
مرتين.
وبعد أن بقينا هناك ثلاثة أيام أقلعنا وسافرنا؛ فوصلنا في ستة أيام إلى ميناء اسمه
كلديره La Caldera، أي ميناء التنجره «الطاجن»؛
فرسينا هناك، فقلت لعسكر المركب أن يحوِّشوا لي من البحر صفدًا، فأتوا بتسع صفدات،
ففتحتها واحدة واحدة لنأكل ما فيها، ففتحت واحدة ورأيت داخلها حبة لؤلؤ قدر الحمصة،
فقلت للجنرال: أيشٍ هذه النذالة، كيف يكون في هذا البحر لؤلؤ وما تستخرجونه؟ فقال لي:
هذا أيضًا لخوفنا من الهنود الكفرة. وبقينا في الميناء يومًا وكانت الريح ضعيفة،
والسماء تمطر مطرًا سخنًا. وبعد خمسة أيام انتهينا قرب جبل يسمى بابا كايو Papagaio، ولما وصلنا هاجت علينا ريح شديدة، وانكسر
صاري المركب ثلاث شقف، فبقينا من القاطعين الرجاء وأيسنا من الخلاص لأجل الاضطراب الذي
في البحر، وهبطت قلوبنا من الخوف؛ لكن بقدرة الباري تعالى هدأ البحر وهمدت
الريح.
١
وجدنا في تاريخ الأسفار نص هذا الخبر كما ذكره رحالتنا لكنَّ كثيرين من
الكتبة ينفون صدقهُ سيما بعد ما سعت إسبانية سنين طويلة في تحقيقه ولم تبلغ
المرام؛ فقد سافر الفارو دو مندوزا سنة ١٩٥٩ وبمعيَّته أسطول عديد، فطاف كل
الجزائر المجاورة فلم يجد ضالته. وبعد هذا التاريخ بثلاثين سنة سعى أنطوان دي
مدينة وغيره من البحارة في البحث المدقَّق، فذهبت مساعيهم أدراج الرياح. على أن
تسمية هذه الجزائر باسم سليمان وأنه استجلب منها الذهب اختلاق لم يُبنَ على
أساس.