كنيسة العذراء العجائبية
وخارج البلد بنصف فرسخ يوجد كنيسة على اسم مريم العذراء تسمى وادالوبي Guadeloupe، وذكروا لنا أنه بعد دخول السبنيولية إلى
هذه البلاد بأيام قليلة بينما كان أحد الهنود المسمى خوان ديكو دائرًا خارج البلد إذ
ظهرت له امرأة جليلة بهية في غاية الجمال وقالت له: اذهب إلى مطران البلد وقل له أن
يبني لي بيتًا في هذا المكان. فارتعد الهندي المذكور من ضياء نور وجهها، وراح عاجلًا
مثل ما رسمت تلك الست، وقال للمطران كل ما أمرت به، فلما تأمل المطران في هذا الهندي
وفي حالته الزريَّة وثيابه الحقيرة أمر بطرده؛ فرجع هذا المسكين خائبًا ومطرودًا إلى
المكان الذي تكلمت معه تلك السيدة الجليلة؛ فظهرت له مرة ثانية في المكان المذكور،
وقالت له كقولها الأول؛ أن يرجع إلى المطران ويقول له كما أمرتهُ؛ فأطاع أمرها وراح
ثانية عند المطران، وعرض عليه كل ما أمرته تلك الست؛ فاحتقره أيضًا المطران وأمر
بتهجيجه وطرده؛ فرجع محزونًا ومطرودًا إلى ذلك المكان؛ فظهرت له الست ثالث مرة وقالت
له: لماذا لم تعمل الذي أمرتك به؟ فأجابها قائلًا: يا ستي قد فعلت مرسومك، ورحت مرتين
عند المطران، وعرضت عليه كل ما أمرتني لكن هججني وما صدقني. فقالت له: امضِ إليه ثالث
مرة وقل له كل ما أمرتك، ودونك هذا الورد خذه معك إلى المطران ليصدق قولك. ثم ناولته
الورد، وكان غير أوانه، فأخذ ذلك الهندي الورد وجعله في الرداء الذي كان ملتحفًا به،
وقصد بيت المطران، فلما نظره الخُدَّام وعرفوه هججوه وطردوه؛ فقال لهم: لأجل الله
اتركوني أتكلم مع المطران؛ لأن عندي هدية من عند الست الإسبنيولية أهديها له. فأعلموا
المطران بذلك؛ فأمر بدخوله، فلما وقف بين يديه قال له: يا سيدي، الست أرسلتني إليك ثلاث
مرات وتقول لك أن تبني لها بيتًا في المكان الفلاني، وها قد أرسلت لك هذا الورد حتى
تصدق قولي وتتيقن أنها هي أرسلتني إليك. فلما رمى الهندي الورد من ردائه ونظر المطران
لهذا العجب لأنه ما كان زمان الورد وزاد عجبهُ إذ نظر صورة مريم العذراء قد ارتسمت في
رداء الهندي، وكان ذلك الرداء من شال سميك؛ حينئذٍ جثا المطران على ركبتيه أمام هذا
الهندي وطلب منه الغفران. وعاجلًا تخاطفوا ذلك الورد من ذلك الهندي بحيث ارتسمت صورة
العذراء في ردائه، ثم شلحه المطران الرداء المذكور بزياح ودق النواقيس ووضعه في المذبح
الكبير بفرحٍ وعيدٍ عظيم. وخرجوا إلى المكان المذكور، وأمر المطران بعمارة الكنيسة في
المكان الذي ظهرت فيه للهندي المذكور، وسماها كنيسة مريم العذراء ده وادالوبي. والهندي
خوان ديكو المذكور كمل حياته في خدمة العذراء في تلك الكنيسة، وتنيح مثل الطوبانيين.
وهذه الكنيسة خارج عن البلد ميخيكو بنصف فرسخ كما ذكرنا، وهي غنية جدًّا بالفضة والذهب
والبدلات المثمنة؛ حتى إن درج المذبح الكبير — وهو تسع درجات — صنعوه من فضة، والعواميد
التي على المذبح أيضًا من فضة، فمن حد هذه الكنيسة إلى داخل هذه البلدة قد عمروا مثل
الجسر بعلو ذراعين؛ من سبب أن تلك الأرض في أيام الصيف لما تمطر تصير كلها بحيرة فما
يمشون إلا على ذلك الرصيف؛ لأن في ذلك البلد يبدأ المطر من أول شهر أيار إلى آخر شهر
أيلول بخلاف عوائد وطقس بلادنا.