هجوم الهراطقة على أسكلة وبراكروس
وأنا فبقيت مرتاحًا في هذه البلدة نحو ستة أشهر حتى وصل مركب من إسبانية وأحضر جملة
مكاتيب من التجار إلى شركاتهم. وفي هذا المركب جاء رجل محتال وجعل نفسه أنه قادم من طرف
الملك ليفتش على المذنبين، ويأخذ محاسبة من خزندارية الملك؛ فهذا الشقي رمى خوفًا في
قلوب كثيرين من المذنبين. أما الوزير فإنه لما سمع كتب إلى حاكم الأسكلة أن ينظر في
الأوامر التي معه، فما أراد أن يظهر أوامره؛ فعلم الوزير أنه كاذب محتال؛ فأرسل خلفه
جنودًا ليحوشوه؛ فوجدوه وأمر الوزير بحبسه. وبتلك الأيام جاء بعض مراكب قرصان إلى مينا
ويراكروس Vera Cruz، وكانوا كلهم هراطقة مجتمعين
من كل أجناس الطوائف فوصلوا في الليل وخرجوا للبر بعيدًا عن الميناء بفرسخ، ودخلوا
البلد مثل اللصوص؛ لأنه ليس للأسكلة سور، وعبروا إلى بيت حاكم البلد وحبسوه. وبعد ذلك
دخلوا وأخرجوا الناس رجالًا ونساءً، وحبسوهم في الكنيسة الكبيرة، وسكروا عليهم، وأقاموا
حراسًا على الأبواب. وابتدءوا ينهبون ويسلبون الديورة والكنائس والبيوت مقدار ثلاثة
أيام، ثم أخرجوا الناس من الكنيسة وحملوهم مال النهيبة، وساقوهم إلى حيث كانت المراكب
راسية بعيدًا نحو نصف فرسخ، وحملوا المال وجميع الرجال والعبيد في هذه المراكب، وأخذوهم
إلى جزيرة قريبة من ذلك الميناء نحو فرسخ، وأنزلوهم هناك وقالوا لهم: إما أن تعتقوا
أرواحكم أو نقتلكم جميعًا. وقطعوا عليهم مائة وخمسين ألف غرش؛ فأرسل هؤلاء المساكين من
جانبهم إلى مدينة البويلا المذكورة Puebla؛ ليحضروا
عتاقهم، فمن بعد عشرة أيام قدموا لهم المائة والخمسين ألف غرش؛ فأعتقوا الناس
السبنيولية وأخذوا العبيد السود وجميع المال الذي نهبوه من هذه البلدة مقدار ثمانية
مليونات. وكان عدد هؤلاء القرصان الجلالية ستمائة نفر، والسبنيولية مع عبيدهم كانوا
أزيد من أربعة آلاف نفر. وكان الرئيس على القرصان رجل هرطوقي له رفيق وشريك إسبنيولي
يسمى نسيليو، فتخاصما على قسمة المال ما بين الاثنين؛ فقتل نسيليو الرئيس الهرطوقي،
وانتصب عوضه رئيسًا على القرصان. وأنا كان لي في هذه البلدة حِمل قرمز اشتريتهُ من
واخاكا بألف غرش؛ فنهبوهُ من جملة الأموال. وبينما هؤلاء القرصان في تلك الجزيرة أتت
المراكب من إسبانية، وفي دخولها إلى الميناء أرسل الوزير فأعلم الجنرال حقيقة الحال؛
ليحارب قبل دخوله الميناء أولئك القرصان ويحرقهم؛ فنصب الجنرال بيرقًا ليجمع عندهُ
رؤساء كل المراكب ويعملوا ديوانًا ويخطوا خطوط أياديهم؛ حتى لا يكون الجنرال مذنبًا
وحدهُ؛ لأن مراكبه كانت موسوقة بضائع، فخاف أن يغرق له مركب أو يحترق في المحاربة، فلما
ابتعد من الميناء واجتمعوا وعملوا ديوانهم نظر إليهم نسيليو؛ فنصب قلاعهُ وسافر وهو
يضحك على المراكب السبنيولية، وخرج أمامهم من غير خوف بعدما أخذ معه أزيد من ألفي أسير
مع عبيد سود، ومنهم حمر. وكان ذلك في تاريخ سنة ١٦٨٣ مسيحية.