من إسبانية إلى رومية
دخلنا بالسلامة إلى ميناء كادس، وكانت مراكب الحرب التي لملك فرنسة راسية خارج
الأسكلة، وأيضًا مراكب الحرب التي لملك إسبانية راسية قبالهم، فلما دخلنا بين هذه
المراكب سلمنا عليهم بضرب المدافع فردت مراكب فرنسة وإسبانية علينا السلام، وبقي ضرب
المدافع من الجانبين، وصار الدخان عليهم مثل الضباب، فدخلنا الميناء ورسينا. فثاني يوم
أتانا أصحاب من البلد في سنابك، وطالعونا إلى البر؛ فأخرجت صناديقي بأمر رئيس الديوان
الذي يسمى برسيدنته، من غير أن يفتحوها ويفتشوها كالعادة، فمن بعد عشرة أيام رحت إلى
بلد سيويلية Séville لأخلِّص ألفي غرش من قبطان مركب
كان تدينها مني ليشتري عازة مركبه، فلما وصل إلى كادس يسَّقوا على المركب وأخذوه؛ لأنه
كان عليه دين لكنيسة سيويلية ثلاثين ألف غرش، فرحت أنا ادَّعيتُ؛ فحكم البرسيدنته بالحق
وقال: قبل كل شيء يستوفي هذين الألفي غرش لأنه لولا هذا المبلغ ما جاءكم المركب؛
فأعطوني إياها، ورحت إلى كادس، واستكريت مع مركب هولانديزي حتى أتوجه إلى رومية، وكان
معي خادمان من أولاد الأرمن، وكنت أحضرت معي من الهند أربع درَّات، وهي الطيور التي
تسمى في لسان الفرنجي پاپا كاي «ببغاء» Perroquet،
يتكلمون مثل الإنسان، وجبت أيضًا قنديل فضة يساوي ألفًا وأربعمائة وخمسين غرشًا، وصنعته
غريبة؛ فقدمته إلى سيدنا البابا وإلى كنيسة المجمع؛ فلما رآه الكردينالية فرحوا فرحًا
عظيمًا بلطافة صياغته. وفي ذلك الحين أنعم عليَّ سيدنا البابا إينوسنسيوس الحادي عشر
صاحب الذكر الصالح بوظائف لم أكن لائقًا لها، والحمد لله إلى الأبد آمين.
•••
هنا تنتهي رحلة الخوري إلياس الموصلي، وهي الصفحة المائة من كتابه، ويليه ١١٣ صفحة
وصف فيها المؤلف أخبار الأمم التي كانت تقيم في تلك الأقطار قبل دخول الأوروبيين إليها،
وتاريخ كشف البيروه، وما جرى بين المواطنين والفاتحين من الحروب والمناوشات. وقد اعتمد
المؤلف على عدد من المؤرخين الإسبانيين ذكر أسماءهم في تضاعيف كلامهِ أخصهم كارسيا
Grég. Garcia: Orig, de las Indias وأكوستا
Jér. d’acosta: Hist. Gén. des Indes وكارسيلاسو Carcilasso، وغيرهم مثل سالاصار وأنطون ده أديرا
وديكو ده الباري ورودريكو لوصا وأندراوس ده لارا وهوكو كارون. وقد قابلنا بين نصهِ وبين
بعض نصوص المؤرخين المشار إليهم فوجدناهُ قد اجتهد في فهم معناها وأدائه لكنه لم يدرك
كيف يلخصها تلخيصًا يلذ المطالع ضامًّا المعاني بعضها إلى بعض، منتقدًا الأخبار، غثها
من سمينها. وقد اخترنا مما ذكر شذرة عن بدرو ده
كاندي Pedro de Candie أو الأقريطشي أحد فاتحي البيروه، وقد ورد مرارًا ذكره في تاريخ
الفتح، وأثنى الكتبة والمؤرخون على تدينه وشهامته، وذهب الكاتب أنه رومي الأصل؛
اعتمادًا على اسمه، فإذا صح هذا المدَّعَى كان لأحد أبناء الشرق نصيب في كشف البيروه
وفتحها، وهو شرف جدير بالذكر.