هذه نبذة ثانية ننقلها عن كتاب رحلة الخوري إلياس الموصلي إلى أمركة من قسمها
التاريخي الذي لم ننشرهُ، موضوعها التقاليد القديمة التي لقيها الإسبانيون لدى
وصولهم إلى أمركة المتوسطة والجنوبية، من صلبان وآثار وعاديات وأخبار غريبة في
بابها، تذكر كلها أن رجلًا عظيمًا زارهم في الأجيال السالفة وعلمهم وتنبأ لهم بما
سيكون. وقد قلَّبنا الرحلات والتواريخ ورسائل المرسلين؛ فرأينا من هذه التقاليد
والعوائد شيئًا كثيرًا يكاد أن يثبِّت رأي من قال إن النصرانية اتصلت إلى تلك
الأصقاع وتركت آثارًا لا تُنكَر، وإن صعب تعليل مصادرها وأزمنتها. على أن كاتبنا
ذهب — وذهب قبلهُ وبعدهُ كثير من الكتبة — إلى أن القديس توما الرسول بشَّرَ
بالإنجيل الطاهر في أمركة الجنوبية، ونصَّرَ عددًا من سكانها، لكن الأيام طفت على
ما بذرهُ من تعاليم الخلاص فأيبستها وأبادتها. ذلك أمر لا ننكر احتمالهُ لكننا لا
نجزم بحقيقتهِ؛ لضعف البراهين وإبهامها وإمكان تأويلها، بزيارة مرسل أو كاهن زارهم
عمدًا أو قذفتهُ إليهم العواصف في أجيال قريبة من أجيالهم. وقد لمَّح العلماء
البولنديون إلى هذا الرأي ووصفوه بقولهم: «إن ما يُذكَر عن أخبار أمركة القديمة في
هذا الشأن أقرب إلى الغرابة منهُ إلى الصدق.» (Acta Sanctorum, vol.
IV Jul., p. 15: Curiosa Magis Quam Certa Proponunt) ومن ثمَّ
ننشر هذا الفصل تاركين العهدة على كاتبهِ.
الفصل الحادي عشر
(يشتمل على أخبار تلميذ المسيح مار توما الرسول، وتلاميذه الذين دخلوا إلى
بلاد الهند الغربية.)
نقول إن في تواريخ فرنسيسكو بيزارو فاتح هذه البلاد وضابطها يذكر أنهُ كان
تصاحب مع هنود من أهلها عتيقي السنين والأيام؛ فأعلموه بالعجيبة التي كان
أجدادهم وسلفاؤهم يحكونها لهم، وهو أنهُ كان جاءَهم رجلان أحدهم أشقر طويل
والآخر مربوع القامة، وكانت وجوههم تلمع كالشمس، وكانوا يكرزون، وبأيديهم
عكاكيز، قالوا: «وإلى الآن موضعهم عندنا معلوم، وهو يبعد عن ليما خمسة عشر
فرسخًا.»
فلما سمع بيزارو بهذا الخبر أخذ الشيوخ المذكورين معه، وراح ليرى تلك الأرض؛
فأراه الهنود العلامة والحجر التي كان يقف فوقها التلميذ ويكرز، وكانت ارتسمت
قدماه مطبوعةً في تلك الحجر، وأنا الفقير رأيتها بعيني. وفي جانب هذه الصخرة
مكتوب بأحرف هكذا …
١ وهذه الأحرف مع الحجر أيضًا هي مصورة في كتاب المؤرخ، وهذه هي: …
٢ فأنا نسخت هذه من كتاب بيزارو المثبت من باقي المؤرخين بأن الهندي
قال لبيزارو: ما نعرف أيش مكتوب على هذه الحجر؛ لأنَّا نحن ما لنا حرف ولا نعرف
الكتابة ولا القراءَة. فلما راح بيزارو إلى ذلك الجبل تحقق كلام الهنود، ونظر
هذه العلامات المرسومة في الصخرة أي أثر قدم التلميذ والأحرف، لكنهُ ما قدر
يقرؤها فنسخ منها الممكن نسخهُ؛ لأن الأحرف قد سافت من كثرة الأيام.
وبعد ذلك جاءَ أسقف إلى بلد كيتو، وقدَّس يومًا قداسًا كبيرًا بالتاج
والعكاز، كالعادة المختصة بالأساقفة والمطارنة؛ فلما رآه الهنود بذلك الطقس والقسقال
٣ سألوا قسوس الأسقف مستخبرين إن كان هذا هو تلميذ
٤ لأن لباسه كلباس التلاميذ المصورين عندنا في مساجدنا على الحجر،
والطقس مثل هذا الطقس، واللبس كهذا اللبس بعينهِ، وأيضًا هكذا كان يقدس هذا
التلميذ الذي كان يسمى توماز الذي حكى لنا أجدادنا عنه بأنهُ كان في هذه
البلاد، وبعد ذلك ارتحل من عندنا متوجهًا إلى الشرق، وما عاد رجع، لكن نياشينهُ
بقيت عندنا.
وأيضًا يشهد المؤرخ كومارا Gomara
وكرسلاسو Garcilasso في تواريخهما بأن هذا
كان القديس مار توما؛ لأن الروح القدس كان يرفعهُ وينقلهُ من موضع إلى موضع
وإلى أي مكان كان يقصد، وراح إلى بلاد هند الشرق في بلد تسمى كرامينا Caramine ومالابار Malabar، ويومئذ يسمونها ميلابور في هند الشرق؛ مثلما قال
القديس كريسوستيموس (فم الذهب) وسفرونيوس والقديس جيرونيموس: إن مار توما
الرسول عمد ثلاثة ملوك، وهم الملوك الذين ذكرهم في كتابهِ المعلم قيصر
بارونيوس، قائلًا إنهم كانوا حاضرين لاستماع كرز مار توما، وكانوا من
الكلدانيين؛ مثلما أثبت ذلك المؤرخ كلوديانوس في كتاب تواريخ الشرق في زمان
الملك إسكندر بن فيلبس الماشيدوني.
ويلي هذا الفصل خبر تنصُّر أحد ملوك الوطنيين في بلاد البيروه سنة ١٥٦٣، ثمَّ
عاد الكاتب إلى روايتهِ في آثار النصرانية القديمة قائلًا:
ولنرجع في قولنا إلى تلك الصخرة التي كان يكرز عليَّها التلميذ كما ذكرنا
سابقًا، ونياشينها مفاتيح حديد ومرساة المركب، فالهنود ما كانوا يعرفون أيش هي
المفاتيح ولا مرساة المركب ولا الأحرف، فلما دخل السبنيولية إلى هذه البلاد
ووضعوا أبوابًا بمفاتيح حديد، ورأى الهنود مرساة المركب وأحرف الكتابة فهموا
النياشين؛ وذلك أن التلميذ ما قدر يرجعهم إلى إيمان المسيح فترك عندهم مفاتيح
مار بطرس علامةً ودليلًا بمجيء النصارى حتى يبشروهم بإيمان المسيح. وكان الهنود
يعبدون تلك الصخرة، فجاء وكيل مطران ليما، وخرب الأحرف التي كانت حولها، وكان
عند رأس الصخرة صليب وهي يومئذ في جانب النهر المسمَّى كالانكو، فلما راح
الوزير برنجي أسكيلاج — أي الصدر الأعظم القديم، ومطران ليما الذي اسمهُ توبي،
والخوري أرناندو معلم اللاهوت وبعض معلمين حققوا وثبتوا بشهود وعدد من مشايخ
الهنود ومن جميع تلك التخوم. وكان الهنود يسمونها صخرة التلميذ مثلما أخبرهم
أجدادهم، وإلى الآن يسمونها هكذا.
ثم أخبروا الوزير بأن في قرية أخرى تسمى كولاناده لاميا من تخوم كاخاتامبو Caxa-Tambo التي تبعد تسعة أيام من بلد ليما
توجد صخرة أخرى طُبع عليها قدمان وعكازة، وهذه الصخرة تُسمَّى «في كولا»، ولها
وارث قد استورثها من أجداده، فقال الهنود: إن أجدادنا كانوا يسمونها صخرة
التلميذ، ونحن إلى هذا الحين نسميها هكذا، والذين كانوا يقفون على هذه الصخرة
كانوا شخصين.
وبعد أن مات مطران ليما وجاء مطران آخر عوضهُ واسمه توريبو ماكرو Turibo Magro الذي قوننَتْه الكنيسة
قديسًا، وجعل يزور كنائس مطرنتهِ وأبرشيته كعادة المطارنة والأساقفة، حينئذٍ
أعلموه عن صخرة أخرى في بلاد چاچايويس في قرية تسمَّى كوليناب، وكان الهنود
يوقرونها أعظم التوقير، فسألهم عن ذلك فقالوا لهُ إننا سمعنا من أجدادنا أن هذه
الصخرة من قديم الزمان، كان رجلان، أحدهما أشقر لحياني، وكان يقف على هذه
الصخرة ويكرز، ولما كان يصلي كان يبرك على ركبتيه ويشبح ذراعيهِ وعيناه شاخصتان
إلى السماء، وفي مسجدنا العظيم صور أجدادنا من حجر تراهم يشهدون بذلك. فلما سمع
المطران ذلك القول جثا على ركبتيه يزحف زحفًا، وقدم إلى موضع أقدام التلميذ
وقبلها، ومرَّغ وجههُ عليها، ومن بعدهِ الكهنة وباقي الشعب فعلوا ذلك باحترام
عظيم، ثم أمر المطران بعمارة كنيسة فوق تلك الصخرة ورسمها، وجعل اسمها كنيسة
التلميذ إلى يومنا هذا.
وأيضًا في زمان فرنسيسكو بيزارو فاتح هذه البلاد والإقليم الرابع؛ أعني
البيروه، في سنة ١٥٣٧، كان أرسل الملك معلمًا كاتبهُ اسمهُ دون أوغسطين ده صاراتي Augustin de Zarate حتى يكتب ويحرر
مدخول المملكة في كل بلاد البيروه، فهذا يذكر في تواريخه أنهُ لما كان في تخوم
كيتو دخل يومًا إلى بيت الأصنام فوجد في هذا البيت مصورًا على حجر تاج أسقف
وعكازًا وبدلة القداس، فسأل الهنود عن هذه النياشين، فقالوا لهُ إن من قديم
أجدادهم كان أتاهم رجل أشقر يسمى تلميذًا، وكان رجلًا حكيمًا، ويوجد على هذا
الجبل علامة موضع رجليهِ عكازتهِ، وكتابة بأحرف لا نعرف أيش تأويلها. فهذا
المذكور أوغسطين ده صاراتي يقول في تاريخه أنهُ هو بعينه شاهد ذلك في بيت مسجد
الأصنام في تخوم كيتو.
وألحق المؤلف هذا بأخبار مملكة البيروه قبل دخول الإسبانيين إليها، ووصف
عاداتهم في دينهم ودنياهم، إلى أن قال:
وفي جزيرة تسمَّى كومانا قريبة لأرض البيروه يذكر المؤرخ كومارا بأنَّ في
بيوت آلهتهم كانوا يعبدون صليبًا بين الأصنام، فقالوا: هذا الصليب عندنا موقر
ونخزي به كل الأعداء المنظورين وغير المنظورين لما يظهرون لنا في الليل، وإذا
عرض للأطفال شيء من ذلك نضع عليهم الصليب فيبرءون. وهؤلاء الهنود ما كانوا
يعرفون أيش هي خاصية الصليب؛ لأنهم كانوا قد نسوا تعليم الرسل، وكان الشيطان
يشغلهم بالملاهي الدنيوية واللذات الجسدية.
وأيضًا في جزيرة كوذميل Cozumel قرب بلاد
ينكي دنيا يقول المعلم الكبير كومارا، والراهب مبارك من طائفة مار أوغسطينوس:
لما دخل المركيز كورتين فاتح تلك البلاد إلى هذه الجزيرة رأى حوشًا واسعًا
محاطًا بكلس، وفي نصف ذلك الحوش صليبًا منصوبًا طوله عشرة أشبار كانوا يعبدونه
قائلين هذا نيشان إله الطوفان، وإذا انحبس المطر كانوا يجتمعون حولهُ، ويعملون
لهُ زياحًا وطلبة طالبين المطر، ففي الحال كان يمطر عليهم. وهذه الجزيرة كانت
مثل القدس للهنود، وقد حفظوا تذكار التلميذ الذي بشرهم، وكرَّموا الصلبان لأنهم
قشعوا عجائبها ومنافعها؛ لأن التلميذ كان يعلم بإلهام الروح القدس أن بعد أيام
وزمان سيدخل المسيحيون إلى هذه الأراضي؛ فلأجل ذلك السبب وضع هذه النياشين
كعلامة.
يذكر أيضًا المؤرخ أنه كان في تلك الجزيرة هندي يدَّعِي النبوَّة اسمهُ
جيلانكاكاس
Chilon-Combal، وكان قد تنبأ عليهم
أَنْ عن قريب يأتيكم أناس لحيانيون بيض فاقبلوهم بصلح وسلام، وهم أصحاب هذا
الصليب الذي تركهُ لنا التلميذ توما، واسمهُ مكتوب أيضًا على صخرة في بلدة تسمى
جونتالس. وهذا الصليب أخذهُ مرَّة الكفرة ورموه في النار مدهونًا بالزفت
والقطران حتى يحترق، فبقيت النار تشتعل ثلاثة أيام وما احترق، فلما عاينوا هذه
العجيبة آمنوا به وحفظوهُ عندهم إلى حينما دخل السبنيولية إلى بلادهم. فلما سمع
أسقف واخاكا بتلك العجيبة أرسل قسوسًا ليحضروه إلى الكنيسة فصعب على الهنود
أخذهُ وتمرمروا قائلين: هذه ذخيرة أجدادًا فكيف أنتم تأخذونه من عندنا؟! فجعل
لهم الأسقف صليبًا عوضًا عنه ووضع الصليب العجيب في كنيسة بلد واخاكا،
٥ وأنا الفقير قد رأيته بعيني.
وقال الراهب المعلم غريغوريوس كارسيا في تاريخه: لما فتحت هذه البلاد حكى له
الهنود عن هذا الصليب بما كانوا سمعوا من أجدادهم السالفين بأن هذا الصليب كان
حامله التلميذ توما وماشيًا على البحر برجليه كما نمشي على الأرض.
وفي بلد جيابا وجدوا في يد أحد أكابر الهنود كتابًا استورثهُ من أجدادهِ فيهِ
صورة الخليقة والثالوث الأقدس والعذراء في ثياب من زي نساء الهنود، فجمع أسقف
هذه البلد برتلماوس دي لاس كازاس مجمعًا من الهنود؛ ليتحقق منهم إثبات القول عن
مار توما الرسول فقالوا له: جاءَ عندنا رجل طويل القامة لهُ ذقن، وكان لابسًا
عليه تونيكًا — أعني قميصًا طويلًا إلى الكعب — وفي رجليه ﭼﺎروخ
٦ وملحفًا بازار، وشعر رأسه طويل. هذا الذي حكاه لنا أجدادنا.
وفي سنة ١٥٥٣، يذكر المعلم الراهب بادره أندراوس ده لارا رئيس رهبان طائفة
المرسي؛ أعني ستنا مريم الوهيبة، كان في بلاد چيلي Chili ودخل إلى بلدة كانت للهنود تسمَّى اليوم صانتيا كوده
چيلي، فحكى لهُ مشايخ الهنود بأنه من قديم جاء إلى أجدادنا رجل طويل أشقراني
لهُ ذقن وشعر رأسهُ طويل، وكان اسمهُ توما، واليوم عندنا واحد من الأكابر اسمهُ
توما، وكل عيلته يدعون بهذا اللقب من زمان مار توما، ويومئذ يسمونه بارون توما.
وأروهُ الصخرة التي كان يقف عليها يكرز، وقد انطبعت علامة دوسات رجليه في
الصخرة.
ويذكر المؤرخ صاروسانوا قائلًا: لما كسبوا هذه البلاد رموا قرعة على الأراضي
ليتقاسموها فطلع لقبطان اسمه خوان ده بورسيل باريليا في القرعة عقبة، وكانت هذه
العقبة لأحد الهنود العاصين؛ فعمَّر هناك برجًا وأمر أن يقطعوا كل الأشجار
والحرش الذي في تلك العقبة، فوجدوا مغارة ودخلوا إليها؛ فرأوا صليبًا طوله ستة
أذرع وليس قويًّا غليظًا، واقفًا على ثلاث صخرات صغيرة ومغروسة به ثلاثة مسامير
من خشب بصناعة لطيفة. ويقولون إن هذا الصليب عمل يد الرسول مار توما، فلما رأى
الرجال ذلك غُشي عليهم بغتة، وقالوا إن هذا نزل من السماء؛ فاجتمع الهنود
وحملوا الصليب على أكتافهم، وعلقوه في موضع عالٍ في تلك الأرض، وزينوه بالزهر
وأغصان النخل، فلما جاء القبطان المذكور وسمع ذلك أخبر حاكم تلك النواحي؛ فقام
الحاكم مسرعًا وأتى مع جمهور وخلائق، وحقق ودقق من الهنود ومن كتب ملكهم؛
فأوقفوه على جميع ما حكى لهم أجدادهم من الزمان القديم. حينئذٍ صعد الخلائق
قاصدين المغارة ببكاء ونحيب؛ فوجدوا في المغارة صخرة طويلة ممتدَّة على الأرض
طولها ثلاثة أذرع ومطبوع على تلك الصخرة نصف جسد التلميذ أي جانبهُ الواحد؛
لأنها كانت فراشًا له؛ حينئذٍ فرحوا فرحًا عظيمًا شاكرين إنعام السيد المسيح
الذي أظهر لهم ذخيرة تلميذة ورسوله توما. حينئذٍ أخذوا الصليب ونقلوهُ إلى
البلد ووضعوه على امرأة كانت في المنازعة؛ ففي الحال شُفيت من مرضها، وثاني يوم
صار مخاصمة بين اثنين من الجنود، فالواحد ضرب رفيقهُ ثلاثة خناجر قاتوليَّات،
فطرحهُ على الأرض ميتًا؛ فأسرع الناس عاجلًا إلى الصليب، ونحتوا منهُ قليلًا
وسقوا منه ذلك القتيل، فللحال نهض فاتحًا عينيه ومتكلمًا، وثاني يوم خرج طيبًا
سليمًا وعلامة الخناجر بقيت في جسمه. وأيضًا في تلك الأيام صار عليهم مطر عظيم
ثلاثة أيام مع ثلاث ليالٍ، حتى من عظم ذلك السيل الزخم طافت الأنهر والأودية
وأخذت أشجار الصنوبر من الجبال، ونزلت بها منحدرة إلى قلعة البلد؛ فلما نظروا
ذلك خافوا وارتعدوا؛ لئلا يكون طوفان ثانٍ، فاجتمعوا وأخرجوا ذلك الصليب بزياح
وأمانة كاملة؛ فللوقت رجعت المياه وتصرَّفت؛ فتمَّت تلك الأشجار والخشب راسخة
على الأرض. حينئذٍ أخذوا تلك الأشجار والخشب الصنوبر، وعمروا بها كنيسة على اسم
صليب ذلك التلميذ السعيد مار توما الرسول.
وأيضًا في بلد قريبة من مدينة الكوشكو التي كانت تخت ملك الهند وجدوا في
مكتبخانة الملك مؤرخًا أخبار مثبوتة من كتبة ملوك الهنود القدماء الذين كانوا
يكتبون الأخبار والأحوال بتصاوير ونياشين لأنه لم يكن لهم حرف، والمعلم
كوسطا Acosta يذكر في تواريخه على الهند
عن مار توما، والبادره غريغورس كارسيا يذكر عن الدنيا الجديدة، ويثبت سياحة هذا
الرسول، وأيضًا المعلم قيصر César Baronius في
كتابه الأول في الفصل العشرين حقق وثبت كرازة هذا الرسول في تلك البلاد، وفي
تواريخ دون استيفان ده لاصار في كتابه الثاني في الفصل الثالث يذكر المعجزات
التي صنعها التلميذ في بلاد البيروه، والمؤرخ كارسلاسو يذكر كذلك في كتابه
الأول في الفصل الثامن عشر، وأيضًا المعلم البادري رودريكو لوصا عاش زمانًا
طويلًا في الهند، ويذكر في تواريخهِ كذلك وأيضًا دون ديكوده البرس والمعلم
أنطونيو ده أدبرا. جميع هؤلاء المعلمون يخبرون في تواريخهم عن تلمذة هذا القديس
مار توما الرسول.
وأيضًا ذكر المعلم كومار في كتابه أن مار توما الرسول دخل على شعب هنود في
قرية بونا، وكرز عليهم إيمان المسيح، وزرع في قلوبهم كلامًا روحانيًّا لأجل
خلاص أنفسهم، لكن المارد الشقي كان يقسِّي قلوبهم ويزرع زوانه في حقل المسيح؛
فأشار عليهم أن يحرقوا القديس بالحياة؛ فاجتمع قومٌ من الهنود وائتمروا على
قتله، فلما راحوا إلى منزله رأوهُ راقدًا، فجمعوا حطبًا وقشًا يابسًا وحوطوه
حولهُ وأضرموا النار؛ فالتهبت واشتعل ذلك الحطب والقش بشرارة عظيمة، فالهنود
لما رأوا النار التهبت باضطرام ما طاقوا القرب إليها لشدة حرارتها بل صاروا
متأخرين من بعيد يتفرَّجون، والقديس كان قاعدًا براحة ورياضة، والشيطان يحترق
أمامهُ في تلك النار. ثم خلص اللهيب وهمدت النار وصارت رمادًا، فالقديس ما
احترق منهُ ولا خيط، وما تدخنت له ولا شعرة واحدة من جسدهِ، بل خرج إليهم
ببشاشة وحلم من غير تألم ولا كدر وبدأ يكرز عليهم؛ فالهنود حارت عقولهم وطاشت
أفكارهم من ذلك السر العظيم. حينئذٍ رحل من تلك القرية ودخل إلى قرية أخرى تسمى
جاكوتيو، وهذه القرية هي بساحل بحيرة، وطول هذه البحيرة ثمانون فرسخًا عدَّيت
عليها أنا الحقير.
فأما الهنود الذين نظروا المعجزة، فخرجوا ليودعوه، فبينما هم في البرية
يرافقونهُ، وإلا صار عليهم في تلك الساعة عجاج وزوابع عاصفة وغيم مظلم ورعد مع
بروق وحجارة خشنة منحدرة من الجو مثل زخ المطر مع زواعق متضاعفة جدًّا؛ فارتعش
الهنود وخافوا، وأخطر الشيطان ببالهم أن ذلك انتقام منهم من أجل الذنب الذي
صنعوه بمرافقتهم لهذا التلميذ؛ فقام حينئذٍ التلميذ القديس، ورفع عينيه ويمينه
ورسم إشارة الصليب مباركًا باسم معلمهِ يسوع المسيح مخلص العالم على تلك الغيوم
المعتمة والعجاج العاصف والرعد الفزع؛ ففي حال الوقت هدأَت الدنيا، وغاب كل
ذلك، وتحول إلى نهار منور وفرح.
فالشرير اللعين عدو الخير والصلاح، انحمص مقهورًا، وأشار على أهل قرية جكويت،
وهو المكان الذي كان التلميذ ذاهبًا إليه ليكرز، أن لا يقبلوه بل يقتلوه،
فأولئك الشعب ما راموا قتلهُ بل ربطوا يديه ورجليه، ووضعوه على كليكة صغيرة من
خشب، وأرخوه في تلك البحيرة قائلين نتركه يموت في هذه البحيرة خير من أن نقتله.
ففيما هم مجتمعون على ساحة البحيرة يتفرجون بما يتم بهذا القديس، وإلا نظروا
سيدة نزلت من السماء مشرقة كمثل نجمة، وفائقة الحسن والجمال؛ فنزلت إليه وفكت
رباطات يديه ورجليه، وسرَّحته لناحية البحيرة. ويقول المؤرخ بأن الشفيعة مريم
العذراء انحدرت من السماء وخلصت القديس توما.
والذي ذكره المؤرخون أعلاه في كتاباتهم عن عجائب هذا الرسول ما استطعنا أن
نؤرخهُ كلهُ في كتابنا هذا المختصر، فأخرجنا البعض وانتخبنا البعض من كتب
تواريخ المعلمين السبنيوليين المثبتة من ديوان مجمع قضاة الإيمان الكاثوليكي
الذي يسمى في لسان السبنيولي الإنكيجيسون Inquisicion.
(تم كتاب الرحلة.)