تجارة باناما
ومن بعد ذلك قصدتُ أن أركب سفينة وأتوجه إلى بلاد صانتافه١ التي يخرجون منها هناك حجارة الزمرد؛ لأن من بلد كرتاخينا «قرطجنة Cartagène» يسافرون في النهر وهم صاعدون إلى هذه الأرض
المذكورة، معادن الزمرد، لكن جنرال الغلايين نصحني ومنعني عن ذلك قائلًا: إن في تلك
الأرض يوجد بعض حيات مسمومة تقتل الناس، وأيضًا المسافة بعيدة، فأنا أشور عليك بالمحبة
الإلهية أن لا تروح وتضيع وتموت في تلك البلاد. ثم إني طاوعت شوره وقصرتُ عن الرواح،
ثم
من بعد أربعين يومًا طلعنا من بلد كرتاخينا وسافرنا صحبة الغلايين. ومن بعد عشرين يومًا
وصلنا إلى ميناء يسمى سان فيليه ده بورتو بلو، فلما وصلنا إلى هناك ورسينا في هذا
الميناء مستنظرين المراكب التي تجيء من بلاد البيروه في البحر القبلي الذي يسمى
مارسوريجوا إلى أسكلة تسمى باناما، وفيها حاكم رئيس عسكر وأسقف وديورة رهبان وراهبات.
وهذه البلدة لطيفة جدًّا. ومن هذه الأسكلة المذكورة إلى أسكلة بورتو بلو ثمانية عشر
فرسخًا، في جبال وحرش ما بين البحرين، بحر القبلة، وبحر الشمال. وهذه الأرض دروبها صعبة
نذكرها فيما بعد. فنزَّلوا خزينة الملك محملة على بغال إلى بورتو بلو، وأيضًا أحمال
التجار، والمسافة دون ثلاثة أيام، ويأخذون الكروة ثلاثين غرشًا على كل بغل، ويصير موسم
التجار أربعين يومًا، ويتسوقون البضائع التي مع الغلايين، فخزنة الملك كان عددها خمسة
وعشرين مليونًا، وكل مليون عشر كرات، وكل كرة مائة ألف غرش، فأما هذه الخزنة ما تجيء
كلها إلى إسبانية، بل يقسمونها علائف٢ على أرباب الوظائف، وإلى الجنود الحارسين الجزائر والقلاع الكائنة في بلاد
الهند المنسوبة إلى بلاد البيروه، ومن هذه الخزينة يصرفون أيضًا على الغلايين المنسوبة
إلى الملك وعلى جنودهم. وهذا الميناء هو أرض حامية جدًّا وكثيرة الأمراض، ففي تلك السنة
ما صار مرض عظيم، فلكن مات من الطرفين مقدار ألف نفس، والباقي مرضوا، وأنا مرضت لكن
الرب شفاني بواسطة ملكة القديسين مريم العذراء ومار إلياس الحي. ثم من بعد ذلك باع تجار
إسبانية بضائعهم إلى تجار البيروه وتسلموا الفضة والذهب؛ فرجع تجار البيروه إلى سبيلهم
والغلايين أخذوا الفضة والذهب وبعض من البضائع مثل صوف التفتيك، يسموهُ بيكونيا،٣ وأيضًا كاكاو الذي يشبه القهوة بالرائحة والطعم، لكن زائد الدسم،٤ فيخرجون من هذه الأسكلة راجعين إلى كرتاخينا، ومن كرتاخينا يسافرون إلى
جزيرة لاوانا،٥ وهي جزيرة حصينة وفيما بعد نذكرها.
١
صانتافه Santa Fé de Bogota عاصمة بلاد
غرناطة الجديدة، وهي الآن عاصمة كولمبية، والنهر المذكور هو نهر
Magdalena.
٢
العلائف: جمع علوفة، الرواتب والأجور.
٣
صوف التفتيك «بيكونيا» لعلهُ يريد النبات المعروف باسم بنيونيا أو بيكونيا
وهو أنواع، ومنه نوع قطني.
٤
سيأتي وصفه.