تغير المناخ الناجم عن الإنسان
تناول التمهيد العلمي في القسم الثاني من الفصل الأول الفيزياء الأساسية للمناخ، وكيف نتوقع ارتفاع حرارة المناخ إذا تواصل انبعاث غازات البيوت الزجاجية في المناخ. يعمِّق هذا الفصلُ المناقشةَ، ويفحص المعرفة العلمية الحالية عن التغيرات الملحوظة في مناخ الأرض، ومدى تأثير الإنسان في هذه التغيرات، والتغيرات المستقبلية المحتملة في المناخ. وعلى عكس الانطباع الذي يمكن أن يصلك من متابعة مناظرة في الأخبار، تطور بالفعل الفهم العلمي الحالي للمناخ وتنوعاته والتأثيرات فيه. ونطرح المسائل الحقيقية وأهمية تغير المناخ في أربعة أسئلة منفصلة ومحددة:
-
هل المناخ يتغير؟
-
هل أنشطة الإنسان مسئولة؟
-
ما التغيرات الأخرى المحتملة في المناخ؟
-
ما تأثيراتها؟
تراجع الأقسام من [هل المناخ يتغير؟] إلى [ما تأثيرات تغير المناخ؟] الأدلة المتوفرة، وتلخص المعرفة العلمية الحالية في كلٍّ من هذه المسائل، بالإضافة إلى الشكوك والخلافات الأساسية. يراجع القسم [المقولات المضادة] بعض المقولات الأوسع انتشارًا التي تنكر النقاط الرئيسية في المعرفة العلمية الحالية عن تغير المناخ. وهذه المقولات، التي تنتشر غالبًا في المنتديات غير علمية، يقدمها عادة من يعارضون العمل السياسي للحد من تغير المناخ، ويسمون أحيانًا «بالمتشككين في تغير المناخ.»
(١) هل المناخ يتغير؟
لتحديد إن كان المناخ يتغير، علينا التحلي بالدقة فيما نعنيه بكلمة «مناخ». نتذكر من الفصل الأول أن المناخ يصف أحوال الأرصاد في المتوسط في مكان ما في الفترة الزمنية محل الاهتمام — على سبيل المثال الأحوال المتوسطة في شهر نوفمبر في واشنطون بين عام ١٩٧٠م وعام ١٩٩٠م — في مقابل الطقس في أي يوم محدد. يشمل المناخ درجة الحرارة، كما يشمل عوامل أخرى مثل الرطوبة، وسقوط الأمطار، والسحب والرياح، إلخ. ولا يشمل فقط متوسط قيم هذه العوامل، بل يشمل إحصاءات الاختلاف عن المتوسط. ربما تكون التغيرات في الاختلاف أو التطرف مثيرةً للاهتمام في الحقيقة أكثر من التغيرات في المتوسطات. على سبيل المثال، ربما نكون أكثر اهتمامًا بحدوث موجات متطرفة من الارتفاع في درجات الحرارة من التغيرات في متوسط درجة حرارة الصيف.
ورغم إمكانية أن يكون للتغيرات في أية خاصية مناخية تأثيرات مهمة، فإننا نركز على درجة الحرارة لأنها الخاصية المناخية التي تتوفر لها أفضل البيانات، الخاصية التي لها أقوى ارتباط نظري بانبعاث غازات البيوت الزجاجية، والخاصية التي تؤدي بشكلٍ أساسي إلى التغيرات الأخرى. توجد أدلة كثيرة على أن الخصائص الأخرى للمناخ، مثل أنماط الشبورة، تتغير أيضًا، لكننا لن نناقشها هنا. وينصبُّ تركيزنا على العقود القليلة الماضية إلى قرون قليلة، حين زادت أنشطة الإنسان من غازات البيوت الزجاجية في الغلاف الجوي. ونناقش بإيجاز التغيرات في آخر ١٠٠ مليون سنة — ليس لأن البشر كان لهم تأثيرٌ عليها، بل لوضع التغيرات الحديثة في سياقها.
أخيرًا، المكان الذي نبحث في تغيراته هو متوسط درجة حرارة سطح الأرض كلها، في المتوسط على مدار السنة كلها. ولا نفعل ذلك لأن هذا المتوسط العالمي يهم أي شخص — لا أحد يعيش في المتوسط العالمي، والناس يهتمون أكثر بالتغيرات الخاصة حيث يعيشون — بل لأسباب عملية. المتوسط العالمي حيث يكون تحديد ميول درجة الحرارة أسهل ما يكون. يمكن أن تحدث أحداث المناخ، مثل موجات الجفاف الشديد أو موجات الحر، أو الميول قصيرة الأمد، بالصدفة في مناطق معينة حتى في مناخ لا يتغير، وهكذا إذا لم يكن التردد العام أو الشدة العامة لهذه الأحداث في تزايد، فإنها لا تقدم بالضرورة دليلًا على تغير المناخ العالمي. النظر في المتوسط العالمي أكثر مصداقية؛ لأن تلك التغيرات التي تحدث في مناطق معينة على نطاق أضيق تميل إلى المتوسط.
لتحديد إن كانت حرارة سطح الأرض ترتفع، نحتاج إلى مقاييس لدرجات الحرارة أو كميات ما مرتبطة بها على مدى فترةٍ طويلةٍ بشكل كافٍ لترسيخ ميل. وتوجد مصادر كثيرة متنوعة للبيانات المطلوبة التي يمكن الاعتماد عليها، في كلٍّ منها نقاط قوة ونقاط ضعف. ونراجع العديد من أكثر مصادر هذه البيانات أهمية، ونوضح أنها ترسم صورةً متماسكةً لارتفاع درجات الحرارة. وتقدم هذه المصادر، بوضعها معًا، دليلًا قاطعًا على أن درجة حرارة سطح الأرض ترتفع في القرون القليلة الماضية، مع زيادة بشكل خاص في آخر بضعة عقود من القرن العشرين.
(١-١) سجل ترمومتر السطح
لماذا نوضح الاختلافات وليس قراءات درجات الحرارة الفعلية؟ السبب الرئيسي أن الكثير من مصادر البيانات المرتبطة بدرجات الحرارة، من قبيل بيانات نهر الجليد، الموصوفة في القسم التالي، توضح فقط التغيرات عبر الزمن، وهي مكافئة لاختلافات درجات الحرارة، وليس درجات الحرارة بشكل مطلق. حتى لو استطعنا التعبير عن مجموعة بيانات معينة باعتبارها اختلافات؛ بحيث يمكن مقارنة سجلات كل المصادر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تختلف درجات الحرارة المطلقة عبر مسافات قصيرة، مثل بين مدينة والمناطق الريفية القريبة منها، أو بين موضعين قريبين على ارتفاع مختلف. وتميل الاختلافات، مع ذلك، إلى الثبات عبر مسافات أطول، مما يجعل حساب الاختلافات أسهل ويتطلَّب شبكة مقاييس أقل كثافة.
رغم قوة هذه المجموعة من البيانات، فإنها لا تزال تحمل بعض أوجه القصور. التاريخ الذي يمتد إلى ١٥٠ سنة من الملاحظات المستمرة مزية من بعض الأوجه، لكن التغيرات في كيفية رصد الملاحظات يمكن أن تُدخِل أيضًا بعض الأخطاء. لتوضيح كيفية حدوث هذا، تأمل محطة افتراضية لدرجة الحرارة تعمل من ١٨٦١م إلى الآن. في ١٨٦١م كان يديرها فلاح يقرأ ترمومترًا يعتمد على سائل في زجاجة، ويسجل درجة الحرارة يوميًّا في الظهر. وبينما كانت تكنولوجيا الترمومترات ناضجة في ذلك الوقت، كانت هناك أخطاء عرَضية في التسجيل؛ لأن مشاكل الجهاز (على سبيل المثال فقاعة في الترمومتر)، أو لأن الفلاح لم يقرأ درجة الحرارة في ذلك اليوم بشكل صحيح أو لم يسجلها بشكل صحيح. الأخطاء البسيطة من هذا القبيل غير مهمة بالنسبة لتقدير اتجاهات طويلة المدى؛ لأن من المحتمل أن تسير في اتجاه كما تسير في الاتجاه الآخر؛ وبالتالي تكون في المتوسط على المدى الطويل.
حين مات الفلاح في ١٨٩٠م واصل ابنه قراءة درجات الحرارة يوميًّا، لكنه كان يقرؤها في الثالثة بعد الظهر بدل أن يقرأها في الظهر. حيث إن درجة الحرارة تكون أعلى عادة في منتصف ما بعد الظهر، فإن درجات الحرارة في هذه المحطة ترتفع فجأة. في ١٩٠٢م احترق المخزن القريب من الترمومتر وانتقل الترمومتر إلى سفح باتجاه الجنوب يستقبل قدرًا أكبر من ضوء الشمس؛ ومن ثم ترتفع درجات الحرارة المسجلة مرة أخرى. على مدى السنوات الخمسين التالية، اتسعت المدينة المجاورة وامتدت حتى أحاطت بالحقل في النهاية. المدن أكثر حرارة من المناطق الريفية المحيطة بها؛ لأن الطرق والمباني أغمق من النباتات؛ وبالتالي تمتص قدرًا أكبر من ضوء الشمس — ظاهرة معروفة باسم «تأثير الجزر الحرارية المدنية» — وهكذا تسبب التمدد الحضري في ميل إضافي في ارتفاع درجة الحرارة في السجلات. هذه الأخطاء، على عكس الأخطاء البسيطة في القراءة والتسجيل، يمكن أن تقدم اتجاهات زائفة في تسجيل درجات الحرارة.
تتعلق المشكلة الأخيرة في تسجيل درجة حرارة السطح بالترمومتر، بكيفية تغطية محطات الملاحظة لكل البقاع بصورةٍ منتظمةٍ لتغطية سطح الأرض. هذه التغطية هائلة، لكنها بعيدة عن الاكتمال. معظم المحطات موضوعة حيث يعيش الناس أو يسافرون، وهكذا فإن معظم القياس يتم على الأرض، في المناطق التي يوجد فيها الناس بكثافة. التغطية ضعيفة في المناطق القطبية، والصحراوات غير المأهولة، ومناطق المحيطات خارج المسارات الرئيسية للسفن. بالإضافة إلى ذلك، تغيرت التغطية عبر الزمن، خصوصًا في المحيط. إذا كانت الأماكن التي أضيفت مجدَّدًا أدفأ في المتوسط أو أبرد من المناطق التي تلاحظ من قبل، يمكن لهذا أيضًا أن يخلق ميلًا زائفًا. كما يحدث مع التغيرات في ممارسات الملاحظة، يدرك العلماء هذه المشاكل وقد طوروا تقنيات لتحديد التغير القوي في متوسط درجة الحرارة من التغطية المتناثرة والمتغيرة، ولتقدير مدى الانحراف الذي ربما يبقى في التسجيل. على سبيل المثال، القياس الشامل لدرجة حرارة سطح البحر بالقمر الصناعي، يمكن أن يوضح الأخطاء التي حدثت نتيجة التغطية المتناثرة لقياس درجة حرارة المحيطات والتوسع في تغطية المحيطات عبر الزمن.
سجل ترمومتر السطح هو مجموعة البيانات التاريخية الأكثر أهميةً المستخدمة في دراسات تغير المناخ. تمت دراسات مجموعة البيانات بتوسع، والأخطاء المحتملة فيها معروفة جيدًا ومفهومة جيدًا، وتم ضبطها حيث تطلب الأمر تصويب هذه الأخطاء، لكن يبقى بعض الشك، وينعكس هذا في تقدير مشكوك فيه بمقدار ٠٫١٨ درجة مئوية زيادة أو نقصًا في الميل لارتفاع درجة الحرارة خلال ١٠٠ سنة بمقدار ٠٫٧٤ درجة مئوية بين عام ١٩٠٦م وعام ٢٠٠٥م.
ورغم كل ما تتمتع به هذه السجلات من قوة، فإن استنتاج أن درجة حرارة الأرض ترتفع لا يعتمد على هذه السجلات وحدها. وكما أكد الفصل الثاني، يجب تمحيص المقولات العلمية التي على هذه الدرجة من الأهمية، بشكل نموذجي بطرق عديدة مستقلة، قبل قبولها على نطاقٍ واسع. يناقش بقية هذا القسم البيانات الأخرى التي تقدم تقديرات مستقلة لكيفية ارتفاع درجة حرارة الأرض.
(١-٢) سجلات نهر الجليد
في المناطق الباردة، كما بالقرب من القطبين أو عند المرتفعات العالية في الجبال، لا يذوب كل الجليد الذي يتساقط في الشتاء بحلول الصيف التالي. في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن يتراكم الجليد بسمك هائل على مدار السنين، ضاغطًا تحت وزنه ليشكل لوحًا من الجليد يعرف باسم نهر الجليد. يغطي نهر الجليد ١٠٪ تقريبًا من مساحة اليابسة على الأرض، معظمه في القطب الجنوبي وجرينلند، ويحتوي على الغالبية العظمى من الماء العذب في العالم.
تقدم التغيرات في حجم نهر جليد مقياسًا جيدًا للتغيرات الموضعية في درجة الحرارة. يزيد الارتفاع الموضعي في الحرارة الذوبان عمومًا ويجعل نهر الجليد يتقلص أو يتراجع، بينما يجعله الانخفاض الموضعي في الحرارة ينمو أو يتقدم. تم قياس الكثير من أنهار الجليد على مدى مئات السنين؛ ومن ثم يقدم النظر في أنهار الجليد في كل أرجاء الأرض بيانات عن التغيرات في درجة حرارة العالم.
ارتفاع الحرارة هو التفسير الأكثر وضوحًا لهذا التراجع عبر العالم، لكن يجب وضع تفسيرات أخرى محتملة في الاعتبار. التوازن بين تراكم الجليد وذوبانه، الذي يحدد أساسًا تمدد نهر الجليد أو تراجعه، يمكن أن يتغير أيضًا بنقص سقوط الجليد، أو بنقص في السُّحُب مما يسمح بمرور مزيد من أشعة الشمس لتسقط على نهر الجليد. يمكن أن تحسب نماذج ديناميكيات أنهار الجليد، تسمى «نماذج التوازن العام»، التغيرات المتوقعة في طول نهر الجليد من كلٍّ من هذه العوامل.
بالنسبة لنهر جليد نموذجي في منطقة متوسطة، تجد هذه النماذج أن الأمر يتطلب نقصًا بمعدل ٣٠٪ في السحب أو بمعدل ٢٥٪ في سقوط الجليد سنويًّا؛ لحدوث التراجع نفسه الذي ينتج عن ارتفاع في الحرارة بدرجة مئوية واحدة. يمكن أن تحدث هذه التغيرات الهائلة في سقوط الجليد أو غطاء السحب موضعيًّا أو في منطقة معينة، لكن الميول العالمية لهذا التغير الهائل على مدار قرن غير محتملة إلى حد بعيد ولم تلاحظ. لهذا السبب يعتبر علماء أنهار الجليد أن الميل لارتفاع الحرارة هو السبب الرئيسي للتراجع الملحوظ في أنهار الجليد. بالإضافة إلى ذلك، يتواءم ارتفاع الحرارة المحسوب من التراجع الملحوظ مع الارتفاع الملحوظ في سجلات ترمومترات السطح، مما يقدم تصديقًا مستقلًّا للميل لارتفاع الحرارة.
وتمثل التغطية أحد أوجه قصور بيانات نهر الجليد. تحدث أنهار الجليد في المناطق الباردة فقط، وهكذا لا يحكي ميل درجة الحرارة محسوبًا من تراجع أنهار الجليد — رغم التواؤم مع ميل الترمومترات العالمية — إلا جزءًا من القصة. ونرى فيما يلي، مع ذلك، أن البيانات الأخرى التي تغطي مناطق مختلفة تقدم تأكيدًا مماثلًا للميول إلى ارتفاع الحرارة؛ ومن ثم تقوى الثقة في أن الارتفاع الملحوظ في الحرارة عالمي حقًّا.
(١-٣) مستوى سطح البحر
حين ترتفع حرارة المناخ، يرتفع مستوى سطح البحر لسببين؛ الأول: مثل معظم المواد، يتمدد الماء حين ترتفع حرارته، وهكذا فإن ارتفاع الحرارة يزيد من حجم المياه في المحيطات. الثاني: حين يذيب ارتفاع الحرارة أنهار الجليد أو أي جليد آخر على الأرض، فإن الماء الذي يذوب يتدفق إلى المحيطات ويزيد من مستوى سطحها أكثر. (لا يغير ذوبان جليد البحر من مستوى البحر؛ لأن الجليد يطفو.) يحدث التأثير العكسي في العصور الجليدية. في ذروة العصر الجليدي الأخير، الحجم الهائل للمياه التي تم تخزينها في الألواح الجليدية القارية خفضت مستوى البحر ١٢٠ مترًا، تحت المستوى الحالي.
كما هو الحال مع كل مجموعات البيانات الأخرى، توجد شكوك حول هذه المجموعة. على سبيل المثال، هناك احتمال أن التغير في كمية الماء المخزونة في الأرض في أشكال غير الجليد، مثل البحيرات والطبقات الصخرية المائية، ربما يساهم أيضًا في تغيرات مستوى البحر. ورغم أن التقديرات الكمية لمساهمة هذه المصادر مشكوك فيها تمامًا، فمن المحتمل أنها لا تشكل مساهمة مهمة في الميل الملحوظ لمستوى البحر.
(١-٤) جليد البحر
في درجات الحرارة الباردة في المناطق القطبية، يتجمد ماء البحر ليكون طبقة من الجليد على سطح المحيط، ويكون سُمكها عادة بضعة أمتار. تختلف المنطقة المغطاة بجليد البحر على مدار العام، وتصل إلى أقصى حدٍّ في أواخر الشتاء وإلى أدنى حدٍّ في أواخر الصيف.
بالإضافة إلى التقلُّص في المساحة، يقل سُمك جليد البحر. توضح المقاييس من مناطق تحت البحر أن من ١٩٨٧م إلى ١٩٩٧م، نقص سمك جليد البحر في مركز القطب الشمالي بما يصل إلى متر — نقص بمقدار ثلث متوسط السمك تقريبًا. تقدِّم هذه المقاييس لجليد البحر، معًا، تأكيدًا قويًّا لارتفاع درجة الحرارة في منطقة القطب الشمالي مقيسة بشبكة من ترمومترات السطح.
القطب الجنوبي قصة أخرى. بقيت مساحة جليد البحر حول هذه القارة ثابتة منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين. ومن غير الواضح إن كان هذا يتواءم أو لا يتواءم مع درجات الحرارة في القطب الجنوبي — بيانات شحيحة وغير مؤكدة لا تقدم صورة واضحة عما إذا كان القطب الجنوبي قد ارتفعت حرارته أم لا على مدار العقود القليلة الأخيرة.
(١-٥) المحتوى الحراري للمحيط
(١-٦) قياس درجات الحرارة بالقمر الصناعي
منذ ١٩٧٩م، قدمت الأقمار الصناعية الخاصة بالطقس، مصدرًا جديدًا ومستقلًّا للبيانات عن درجات الحرارة العالمية. يقيس جهاز خاص في القمر الصناعي، وحدة الاستطلاع بالميكروويف، إشعاع الميكروويف المنبعث من الغلاف الجوي، ومنه يمكن حساب متوسط درجة الحرارة على مرتفعاتٍ مختلفةٍ في الغلاف الجوي. ولبيانات القمر الصناعي، بوصفها مقياسًا لمتوسط درجة الحرارة في العالم، مزية هائلة بتغطيتها لكل بقاع الأرض، بما في ذلك المحيطات والمناطق غير المأهولة، وليس هناك خطر التغطية الجزئية أو المنحازة.
لكن هذه البيانات أيضًا تعاني من قصور خطير. لا تغطي السجلات إلا ثلاثة عقود تقريبًا، وهي فترة قصيرة بالنسبة لتقدير الميول. بالإضافة إلى ذلك، السجلات ملتحمة معًا من بيانات تتجمع بدستة من الأقمار الصناعية تقريبًا، كلٌّ منها لا يمكث إلا بضع سنواتٍ قبل أن يفشل ويحل محله القمر الذي يليه. ولأن جهازًا واحدًا يعمل في أي وقت محدد، يمكن أن تؤدي المشاكل في هذا الجهاز إلى أخطاء كبيرة في الميول المستنبطة. وهذا يمثل تناقضًا حادًّا مع سجلات ترمومترات السطح، وفيها تؤخذ المقاييس من آلاف الترمومترات يوميًّا. سيكون للمشاكل في أي ترمومتر تأثيرٌ لا يذكر على الميل طويل المدى.
وهذا أيضًا يجعل تقدير ميل درجة الحرارة بالغ الحساسية للطريقة التي تتم بها المعايرة للتسجيلات من الأقمار الصناعية المتتابعة. لفهم هذا، افترض أنك تحاول أن تراقب وزنك، لكن ميزانك ينكسر وينقضي شهر قبل أن تشتريَ ميزانًا جديدًا، إذا كانت قراءة الميزان الجديد توضح أن وزنك زاد رطلَين عن آخر قراءة على الميزان القديم، هل يعني هذا أن وزنك زاد رطلَين؟ أم أن الأمر لا يتعدى أن قراءة الميزان الجديد تزيد رطلَين عن قراءة الميزان القديم؟ يمكنك أن تعرف أية حالة من الاثنتَين هي الصحيحة لو أنك كنت قد اشتريت الميزان الجديد قبل كسر الميزان القديم، ووزنت نفسك على الميزانَين كلَيهما لبعض الوقت لتقدير الفرق بينهما — إذا كان لديك البصيرة والصبر والمال للقيام بهذا. تحاول هيئة الأرصاد، التي تدير هذه الأقمار الصناعية، القيام بذلك، بإطلاق كل قمر صناعي جديد، والقمر السابق لا يزال يعمل؛ وبالتالي توفر تداخلًا في المقاييس لفترة كافية لمعايرة الجهاز الجديد، لكن حيث يستحيل أن نتنبأ بالضبط بموعد عطب جهاز ما، لم ينجحوا بشكل مطلق في الحصول على تسجيلاتٍ متداخلة لوقت كافٍ. ونتيجة لذلك، فإن ميل درجات الحرارة مقدرًا من بيانات القمر الصناعي حساس تمامًا، لكيفية الربط بين البيانات التي يتم الحصول عليها من هذه الأقمار.
مشكلة هذه المعايرة البينية مجرد مشكلة من مشاكل عديدة صعبة في تسجيل الأقمار الصناعية. التغيرات الدقيقة في مدارات الأقمار الصناعية، وانحراف معايرة الأجهزة الحساسة في الأقمار الصناعية، يمكن أن تؤدي إلى أخطاء أكبر بكثيرٍ من الميل الفعلي. وهذه المشاكل ليسَت قضية بالنسبة لسجل ترمومترات السطح، التي تستخدم تكنولوجيا مضى عليها قرون للقيام بالقياس.
ثمة أمر أخير يتعلق بتسجيل درجات الحرارة بواسطة الأقمار الصناعية وهي أنها لا تقيس درجة الحرارة عند سطح الأرض، بل تقيس متوسط درجة حرارة طبقة سميكة جدًّا من الغلاف الجوي. مقياس القمر الصناعي المقتبس على أوسع نطاق هو متوسط درجة حرارة التربوسفير السفلى، التي تمتد من السطح إلى ارتفاعٍ يبلغ حوالي ٨كم (بشكلٍ تقريبي حيث تحلق الطائرات التجارية). الميول في هذه الطبقة من الغلاف الجوي لا تقارن بالضرورة بشكلٍ مباشرٍ بالميول في سجل السطح.
توضِّح كل هذه التسجيلات الثلاثة لميول درجات الحرارة في الجزء السفلي من الغلاف الجوي، ارتفاعًا في درجة الحرارة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وتتفق مع بعضها البعض في الشكوك. كانت هناك فيما مضى اختلافات أكبر بين سجلات الأقمار الصناعية وسجلات السطح، وكانت تستخدم أحيانًا لإنكار حقيقة الميل لارتفاع درجات الحرارة، كما تسجله ترمومترات السطح. ومع ذلك فإن التحسين المتكرر في التسجيلات جعل الاختلافات المتبقية في ميول درجات الحرارة العالمية صغيرة نسبيًّا. لا تزال الاختلافات موجودةً في مناطق مرتفعة وخطوط عرض معينة، وتفسير هذه البيانات وتقليصها منطقة نشطة في البحث العلمي الحالي، لكن هذه المقاييس للغلاف الجوي، على المستوى العالمي، متوائمة عمومًا مع بعضها البعض، ومع ميل ترمومترات السطح بمقدار ٠٫١–٠٫٢ في العقد على مدار الفترة نفسها.
ما النينو؟
في مرحلة اللانينا، تقوى الرياح التجارية، دافعة المياه الباردة إلى الغرب لتملأ معظم الجزء الاستوائي من المحيط الهادي. ويؤدي هذا أيضًا إلى تغيرات في كل أرجاء العالم في درجة الحرارة وهطول الأمطار، عكس تلك التي ترى أثناء النينو، بما في ذلك انخفاض متوسط درجة حرارة الأرض، وهبوط في مستوى البحر — كما يمكن أن يرى ذلك في الشكلَين نفسَيهما المذكورَين سابقًا أثناء لانينا ١٩٩٩م.
(١-٧) وكلاء المناخ
تشمل كل السجلات التي تُناقَش إلى حدٍّ بعيد مقاييس درجة الحرارة، أو شيئًا يرتبط بدرجة الحرارة، في زمن حقيقي. يقدم كل مصدر من مصادر البيانات بعض المعلومات عن المناخ، لكن ذلك يرجع فقط إلى زمن القياس. في أفضل الأحوال، تقدم هذه المصادر معلومات ترجع إلى بضع مئات من السنين، ومعظمها يغطي إلى حد كبير الفترة الأكثر حداثة.
حلقات الأشجار
مفتاح استخدام حلقات الأشجار، باعتبارها وكيلًا للمناخ، هو العثور على علاقة كمية بين عرض الدائرة ودرجة الحرارة في موضع الشجرة. ويتم هذا بفحص حلقات من سنوات حديثة تتوفر فيها سجلات الترمومترات أيضًا. ويتم تقدير العلاقة بين عرض الحلقة ودرجة الحرارة بالنسبة لهذه الفترة، التي يمكن استخدامها لتقدير درجة الحرارة بالنسبة لذلك الجزء من حياة الشجرة قبل قياس درجة الحرارة بشكل مباشر.
توجد بعض الصعوبات في استخدام حلقات الأشجار باعتبارها وكيلًا للمناخ؛ الأولى: من الصعب فصل تأثير درجة الحرارة على نمو الأشجار عن بقية متغيرات المناخ مثل هطول المطر. ويتم معالجة ذلك عمومًا باختيار أشجار في مناطق حيث كانت تنمو الأشجار، بالنسبة للقرن الماضي أو نحو ذلك، استجابة أساسية لدرجة الحرارة وغير حساس لسقوط الأمطار.
الثانية: تفترض سجلات درجات الحرارة التي يعاد تنظيمها أن العلاقة بين عرض الحلقة ودرجة الحرارة مقدرة من الماضي القريب، تنطبق على حياة الشجرة كلها. أخيرًا، مثل الكثير من مصادر البيانات نضع في الاعتبار أن عمليات إعادة تنظيم حلقات الأشجار متوفرة في جزء ضئيل من سطح الأرض. من الواضح أنها لا تتوفر في المحيطات، أو في الصحراوات أو في المناطق الجبلية حيث لا تنمو الأشجار. ولا تتوفر أيضًا في المناطق المدارية، حيث تجعل الدورة الموسمية الضعيفة الأشجار تنمو في دورة سنوية؛ وبالتالي لا تنتج حلقات.
لب الجليد
يسترجع الباحثون سلسلة زمنية لكل هذه المعلومات بالثقب في الغلاف الجليدي بمثقاب مجوف حادٍّ، وإزالة عمود طويل من الجليد، قطره بضع بوصات، يسمَّى لب الجليد. كلما كان الجليد أكثر عمقًا، كان ترسب الجليد أقدم، وقدم لنا معلومات عن المناخ أكثر عن زمن أقدم.
تتطلب إعادة تنظيم معلومات عن المناخ في أزمنة سابقة من لب جليدي خطوتَين؛ الأولى: يجب تحديد عمر كل طبقة من طبقات الجليد من عمقها داخل نهر الجليد. وقد بذلت جهود هائلة لحل هذه المشكلة؛ لأن معدل تراكم الجليد يختلف عبر الزمن ولأن الجليد داخل نهر الجليد يمكن أن يُضغَط ويتدفق تحت الوزن الهائل للجليد الذي فوقه. الثانية: يجب تحويل الخصائص التي تلاحظ بالفعل، من قبيل وفرة النظائر الثقيلة للهيدروجين، إلى الخصائص المناخية التي موضع الاهتمام، وهي، في هذه الحالة، درجة الحرارة. قدم لب الجليد من الغلاف الجليدي الأكثر سمكًا والأقدم في القارة القطبية الجنوبية وجرينلند إعادة تنظيم للمناخ يرجع بشكل يثير الدهشة إلى ٨٠٠٠٠٠ سنة.
الشعب المرجانية
الشعب المرجانية حيوانات بحرية صغيرة تعيش في مستعمرات مثبتة في سلاسل صخرية في مياه المحيطات الدافئة، في المناطق الاستوائية غالبًا. يمكن أن يكون عمر السلاسل الصخرية، المكونة من هياكل عظمية لأجيال سابقة من المرجان، آلاف السنين. تشبه إلى حدٍّ بعيد حلقات الأشجار، تنمو الهياكل المرجانية باتجاه الخارج في مجموعات يمكن تحديد تاريخها. يمكن للتكوين الكيميائي للسلاسل الصخرية أن يقدم معلومات عن المناخ وظروف المحيطات في العصور السابقة، بما في ذلك درجة حرارة المحيط، وسقوط الأمطار، والملوحة، ومستوى البحر، والأحداث الناجمة عن العواصف، وحجم تدفق المياه العذبة القريبة. ويتطلب الحصول على المعلومات من الشعب المرجانية عن المناخ في الماضي عملية مماثلة لتلك المستخدمة في لب الجليد. يُستخدم مثقاب للحصول على عمود من المادة المرجانية. ثم يتم تحديد التاريخ الدقيق لكل طبقة مرجانية. أخيرًا، يقاس التكوين الكيميائي للمرجان لتقديم لقطة عن الظروف المحيطة بالشعب المرجانية في ذلك الوقت.
رواسب المحيطات
تتراكم بلايين الأطنان من الرواسب في قاع المحيط كل عام. مثل لب الجليد، تحتوي هذه الرواسب معلومات عن أحوال المناخ في الوقت الذي ترسبت فيه. يأتي أهم مصدر للمعلومات في الرواسب من الهياكل العظمية لكائنات بحرية صغيرة. وتعطي الوفرة النسبية للأنواع التي تنمو بوفرة في المياه الأكثر دفئًا، مقابل تلك التي تنمو في المياه الأكثر برودة؛ معلومات عن درجة حرارة سطح الماء. ويقدم التكوين الكيميائي للهياكل العظمية والتنوع في حجم أنواع معينة وشكلها؛ مفاتيح إضافية. إجمالًا، يمكن لرواسب المحيط أن تقدم معلومات عن درجة حرارة الماء، والملوحة، والأكسجين المذاب، وسقوط الأمطار القارية القريبة، وقوة الرياح السائدة واتجاهها، والمواد الغذائية المتوفرة، لفترة ترجع إلى مئات الملايين من السنين.
الآبار
تقدم درجات الحرارة التي تقاس اليوم على أعماق مختلفة تحت الأرض؛ طريقة مختلفة لاستنباط مدى اختلاف درجة حرارة السطح في الماضي. لفهم ذلك، فكر في طهي ديك رومي مجمد. يمكن معرفة وقت بقاء الديك في الفرن بقياس درجة الحرارة على أعماق مختلفة من جلده. إذا كان الديك سخنًا على السطح لكنه لا يزال متجمِّدًا تحت الجلد مباشرة، يتبين أنه تعرَّضَ للنار لوقت قصير فقط. إذا كانت درجة حرارة مركز الديك ١٦٥ درجة فهرنهايت، يتبين أنه في الفرن لعدة ساعات — وينبغي عليك إخراجه قبل أن يُطهى أكثر مما ينبغي! بطريقة مماثلة، يسمح لك قياس درجة حرارة الأرض على أعماق كثيرة في حفر عميقة ضيقة تسمى الآبار، باستنباط تاريخ درجة حرارة سطح الأرض على مدار آخر بضع مئات من السنين.
من مشاكل تفسير درجات حرارة الآبار أنها تقدم معلومات عن درجة حرارة الأرض، بينما تسجل ترمومترات السطح درجة حرارة الهواء على ارتفاع عدة أمتار من الأرض. الفرق في درجات الحرارة المستمدة من هذَين المصدرَين صغيرٌ عادة، لكنه يمكن أن يكون مؤثرًا اعتمادًا على خصائص السطح من قبيل غطاء اليابسة، ورطوبة التربة، والغطاء الجليدي الشتوي. في وسط إنجلترا، على سبيل المثال، حيث من النادر أن تُغطى الأرض بالجليد ولم يحدث تغير كبير في استخدام الأرض لعدة قرون، ميول درجة حرارة السطح المستنبطة من الآبار مماثلة تمامًا لتلك الموجودة في سجلات الترمومترات، لكن في شمال غرب أمريكا الشمالية، تقديرات الآبار المتعلقة بارتفاع درجة حرارة السطح على مدار القرن العشرين أكبر بمقدار ١-٢ درجة مئوية من ارتفاع درجة الحرارة في سجل الترمومترات، ربما نتيجة التغيرات في استخدام الأرض ومتوسط الغطاء الجليدي على مدار القرن. توضع مثل هذه الاختلافات في الاعتبار، وتُضبط قدر المستطاع لبناء سجل تاريخي متماسك لدرجات الحرارة.
المناخ في الماضي من بيانات الوكيل: صورة متكاملة
يقدم كل وكيل من وكلاء المناخ رؤيةً مختلفة لتاريخ المناخ. على سبيل المثال، تقدم حلقات الأشجار معلومات عن مناخ منتصف خط العرض على الأرض، لفترة ترجع إلى بضع مئات من السنين؛ وتقدم الشعب المرجانية معلومات عن درجات حرارة البحار الاستوائية لفترة ترجع إلى بضعة آلاف من السنين؛ ويقدم لب الجليد معلومات عن المناخ في المناطق القطبية، لفترة ترجع إلى بضع مئات الألوف من السنين. بينما لكل مصدرٍ من مصادر هذه البيانات أوجه القصور والشكوك الخاصة به، وحدوده بالنسبة للزمان والمكان، يقدم وضعها كلها معًا صورةً لمناخ الأرض ترجع إلى ١٠٠ مليون سنة، تمتد بعض السجلات إلى أبعد من ذلك.
إن هذا القدر الهائل والمتنامي من المعرفة عن مناخ الأرض في الماضي يضع مناخ القرن الأخير في السياق. ويمكننا القول بثقةٍ عاليةٍ إنه على فترات زمنية طويلة تعود إلى مائة مليون سنة، كانت الأرض أكثر دفئًا وأكثر برودةً من اليوم بكثير. ويمكننا أيضًا القول بثقة عالية، مع ذلك، إن العقود القليلة الأخيرة من القرن العشرين كانت أدفأ من أية فترة مناظرة على مدى آخر ٤٠٠ سنة، وربما حتى أدفأ من ذروة فترة الدفء في العصور الوسطى، منذ ١٠٠٠ سنة تقريبًا. ويمكننا أيضًا القول: إن ارتفاع درجة الحرارة في العقود القليلة الأخيرة كان سريعًا. على سبيل المثال، الارتفاع الحديث في درجة الحرارة يحدث بسرعةٍ تزيد مائة مرة عن المعدل المتوسط لارتفاع درجة الحرارة الذي أخرج الأرض من آخر عصر جليدي.
بالإضافة إلى تقديم سياق للارتفاع السريع الحديث في درجات الحرارة، يثير الثبات النسبي في المناخ في الألفية الماضية مسألة مساهمة المجتمع البشري في تغير المناخ. لم تتطور المجتمعات البشرية الغنية، المتقدمة تكنولوجيًّا إلا منذ عدة قرون، ويعزو معظم الأنثروبولوجيين هذا النجاح جزئيًّا إلى المناخ الدافئ والمستقر نسبيًّا في خلال هذه الفترة. سوف نتناول تأثيرات التغير المتوقع في المناخ، والهشاشة الاجتماعية للتغيرات في القسم [ما تأثيرات تغير المناخ؟] وفي الفصل التالي.
بالإضافة إلى ذلك، تعمق عمليات إعادة التنظيم طويل المدى لمناخ الماضي معرفتنا بحالات تغير المناخ، وأنماطه المحتملة بالنسبة لنظام مناخ الأرض، وتقدم سجلًّا لاختبار النظريات الخاصة بالعوامل التي تسبب تنوع المناخ وحساسية نظام المناخ لها؛ وبالتالي يمكن أن يساعد فَهْم أسباب هذه التغيرات التي حدثت في الماضي، في معرفة المسائل المتعلقة بمعرفة إلى أي حد ما يحدث من تغير الآن؛ نتيجة لأنشطة الإنسان وليس لعمليات طبيعية، ومقدار تغير المناخ الذي يحتمل أن يحدث في العقود القادمة، وهي مسائل نتناولها في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟] والقسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين] فيما يلي.
(١-٨) ملخص: هل المناخ يتغير؟
نوع البيانات | اتجاه التغير في القرن العشرين | حجم التغير، تعليقات |
---|---|---|
مقاييس ترمومترات السطح | ارتفاع درجة الحرارة | زيادة متوسط درجة حرارة الهواء على السطح بمقدار ٠٫٧ درجة مئوية (١٫٣ فهرنهايت) خلال القرن العشرين، مع معدل ارتفاع درجة الحرارة في النصف الثاني من القرن ضعف معدل الارتفاع في النصف الأول. |
أنهار الجليد | ارتفاع درجة الحرارة | تراجعت أنهار الجليد في جميع أرجاء العالم في آخر قرنين، مع وجود أدلة على زيادة سرعة التراجع في القرن العشرين. |
تغير مستوى البحر | ارتفاع درجة الحرارة | ارتفع مستوى البحر ١٧سم تقريبًا خلال القرن العشرين، مع تسارع معدل الزيادة في العقود الأخيرة |
بحر الجليد | ارتفاع درجة الحرارة | انخفضت مساحة بحر الجليد في القطب الشمالي بنسبة ٢٫٧٪ في العقد خلال آخر ٣٠ سنة، مع انخفاض في مساحة الحد الأدنى في الصيف بنسبة ٧٫٤٪ في العقد. انخفض أيضًا سمك بحر الجليد في القطب الشمالي خلال هذا الوقت. |
درجة حرارة المحيط | ارتفاع درجة الحرارة | زاد المحتوى الحراري لأعلى ٧٠٠ متر من المحيط بشكل دال خلال آخر ٥٠ سنة. |
قياس درجة الحرارة بالقمر الصناعي | ارتفاع درجة الحرارة | يوضح قياس درجة الحرارة بالقمر الصناعي منذ ١٩٧٩م ارتفاعًا في درجة الحرارة يتواءم عمومًا مع ارتفاع درجة حرارة السطح. |
وكلاء المناخ | ارتفاع درجة الحرارة | كانت درجة حرارة الأرض أعلى أثناء آخر بضعة عقود من القرن العشرين، أعلى مما كانت عليه خلال أية فترة مماثلة في آخر ٤٠٠ سنة. |
(٢) هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟
بينما الانبعاث البشري سبب محتمل بشكل واضح للارتفاع الحديث في درجة الحرارة، لا بد من وضع أسباب أخرى محتملة في الاعتبار. تعرضت الأرض لذبذبات كبيرة في المناخ عبر التاريخ، كما أوضحنا في القسم [وكلاء المناخ]، لكن فقط في القرون القليلة الماضية توسعت الأنشطة البشرية حتى صارت لها القدرة على التأثير في العمليات التي تمتد على نطاق العالم، بما في ذلك المناخ. وحيث إن الأسباب الطبيعية تفسر تغيرات المناخ في العصور السابقة، يجب أن نضعها في الاعتبار بوصفها عوامل محتملة تساعد بالمثل على التغيرات الحديثة السريعة.
(٢-١) العمليات التكتونية
هل يمكن أن يكون أي تغير من هذه التغيرات التكتونية مسئولًا عن ارتفاع الحرارة في العقود القليلة الماضية؟ الإجابة بالنفي بشكلٍ مؤكدٍ تقريبًا؛ لأن العمليات التكتونية أبطأ بكثير جدًّا. العمليات التكتونية لا تحرك القارات أكثر من بضعة سنتيمترات كل سنة، وهكذا يستغرق الأمر ملايين السنين لإحداث تغير كبير بشكل كافٍ للتأثير على المناخ. تغيرات المناخ على مدى بضعة عقود أو حتى بضعة قرون أسرع بكثير جدًّا من أن يكون للعمليات التكتونية تأثير عليها.
(٢-٢) الاختلافات المدارية
مدار الأرض حول الشمس ليس دائرةً كاملةً لا تتغير، لكنه قطع ناقص يتغير شكله واتجاهه ببطء بمرور الزمن، بثلاث طرق؛ الأولى: يختلف انحراف القطع الناقص (النسبة بين المحور الرئيسي والمحور الثانوي) ببطء، مكملًا دورة كل ١٠٠٠٠٠ سنة تقريبًا. والانحراف يختلف، ويختلف أيضًا متوسط المسافة بين الأرض والشمس. الثانية: يختلف الموعد السنوي الذي تكون الأرض فيه أقرب ما يكون إلى الشمس. الأرض الآن أقرب أثناء شتاء النصف الشمالي، لكن في خلال ١٠٠٠٠ سنة ستكون أقرب في صيف النصف الشمالي. الثالثة: ميل محور الأرض بالنسبة للشمس، وهو الآن ٢٣ درجة تقريبًا، يتذبذب ببطء بين ٢٢–٢٥ درجة تقريبًا على مدى ٤٠٠٠٠ سنة.
وهكذا إذا كانت التغيرات المدارية تدفع تغيرات المناخ في آخر بضع مئات الألوف من السنين، هل تستطيع أيضًا أن تسبب ارتفاع الحرارة في القرن الماضي؟ من المؤكد تقريبًا أنها لا تستطيع، للسبب نفسه الذي يجعل العمليات التكتونية لا تستطيع. هذه الذبذبات المدارية بطيئة جدًّا بحيث يستغرق الأمر ألوف السنوات أو أكثر لإحداث أي تغير مهم في نمط أشعة الشمس القادمة إلى الأرض. كان ارتفاع الحرارة في القرن الماضي أسرع بكثير من أن يكون نتيجة لهذه الاختلافات المدارية البطيئة؛ ومن ثم لا بد أن يكون ارتفاع الحرارة نتيجة لأسباب أخرى.
(٢-٣) البراكين
في ١٨١٦م، على سبيل المثال، بعد ثلاث ثورات كبرى في ثلاث سنوات، عرفت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا «سنة بلا صيف»، سقطت فيها الثلوج في ولاية فيرمونت في يونيو، وحالَ الصقيعُ الصيفي الثقيل دون نمو المحاصيل، وأدى إلى نقص في الغذاء على نطاق واسع. حين تلا هذا الصيفَ شتاءٌ شديد البرودة جعل الزئبق في الترمومترات يتجمد (يحدث هذا عند −٤٠ درجة مئوية)، هرب كثيرٌ من السكان من شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلوا إلى الجنوب.
(٢-٤) التقلب الشمسي
لأن أشعة الشمس هي المصدر الأساسي للقوة بالنسبة لمناخنا، فإن أي تغير في كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى سطح الأرض، يمكن أن يغير المناخ. في الحقيقة، بتغيير كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى السطح تمارس الاختلافات المدارية والبراكين تأثيرها على المناخ، لكن كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى الأرض لا يمكن أن تختلف إلا نتيجة للتغيرات في الطاقة المنبعثة من الشمس نفسها. ويتبين أن الشمس لا تشرق بسطوع ثابت، لكنها تخفق مثل مصباح قديم (إن عمرها ٥ بلايين سنة، رغم كل شيء). ولا نلاحظ هذا الخفقان؛ لأنه صغير (كسور في المائة) ويحدث ببطء، على مدى شهور وسنوات وربما أكثر.
لا يمكن قياس الطاقة المنبعثة من الشمس بشكل يمكن التعويل عليه من على سطح الأرض، لكنه يقاس منذ سبعينيات القرن العشرين بواسطة الأقمار الصناعية. في هذه الفترة، كان الاختلاف الوحيد الذي تمت ملاحظته هو الدورة الشمسية المعروفة كل ١١ سنة، وبها تختلف الطاقة الكلية المنبعثة من الشمس بمقدار ٠٫١٪ تقريبًا. ونتيجة للخمول الحراري الهائل للمحيطات، لا يتفاعل المناخ مع هذه الاختلافات قصيرة المدى. ولم تكن هناك تغيرات أخرى، فيما ينبعث من الشمس خلال تلك الفترة، يمكن أن تفسر الارتفاع السريع في حرارة الأرض.
ثمَّة سبب آخر يبعد الاختلاف الشمسي عن أن يكون تفسيرًا، وهو أن زيادة الطاقة الشمسية ترفع حرارة الغلاف الجوي كله. وهو ما لا يحدث. في الحقيقة، يوضح القياس من بالونات الطقس والأقمار الصناعية أن حرارة الاستراتوسفير (طبقة من الغلاف الجوي تبدأ على ارتفاع ١٠كم تقريبًا) انخفضت في آخر بضعة عقود. ويتواءم هذا النمط من التغير مع ارتفاع درجة الحرارة من غازات البيوت الزجاجية — التي ترفع حرارة السطح والجزء السفلي من الغلاف الجوي بينما تبرد الاستراتوسفير — لكنه لا يتواءم مع ارتفاع الحرارة نتيجة تقلب الشمس. وهكذا، يمكن أن نستنتج بثقة هائلة أن الارتفاع السريع في الحرارة في آخر بضعة عقود ليس بسبب الشمس.
ومع ذلك، يصعب تحديد تأثير الشمس على التغيرات المناخية المبكرة. ينبغي استنباط ما ينبعث من الشمس قبل القياس المباشر بالأقمار الصناعية بواسطة الوكلاء، من قبيل عدد البقع الشمسية، التي كان الناس يحصونها لآلاف السنين. استنتجت أحدث تحليلات هذه السجلات أن الشمس صارت أكثر سطوعًا في آخر بضع مئات من السنين، ويمكن لهذا أن يفسر ضمنيًّا على الأقل بعض الارتفاع التدريجي في درجة الحرارة في آخر بضع مئاتٍ من السنين، لكنه لا يفسر الارتفاع السريع في الحرارة في آخر بضعة عقود.
(٢-٥) الاختلاف الداخلي
والمرء ينظر إلى البيانات الأقدم للوكلاء، يقل وضوح الزمن، وهكذا تختفي القدرة على رؤية الاختلافات على مدار عقودٍ أو قرون. وهكذا نعرف أقل فيما يتعلق بكيفية اختلاف الحرارة من سنةٍ لسنة، ونحن نرجع أكثر عبر الزمن. توجد بعض الأدلة على تغيرات سريعة في المناخ في آخر عشرين ألف سنة، مع حدوث ارتفاع في الحرارة حتى إلى بضع درجات مئوية على مدار بضعة عقود أو قرن، أثناء الانتقال إلى العصور الجليدية أو الخروج منها، لكن هذه التغيرات الطبيعية السريعة حدثت مع إعادة تنظيم سريع على نطاق كبير من الأنماط الدورية في الغلاف الجوي والمحيطات، وليست هناك علامةٌ على حدوث تغيراتٍ دوريةٍ مماثلةٍ على نطاقٍ واسعٍ في هذه الأيام.
وهناك مشكلة إضافية بالنسبة لتفسير الارتفاع الحديث في الحرارة باعتباره اختلافًا طبيعيًّا، وتتمثل في أن الانتشار المكاني للارتفاع الملحوظ في الحرارة يبدو غير متوائمٍ مع الاختلاف الداخلي. أي شكل من الاختلاف الداخلي مسئول عن الارتفاع الحديث في الحرارة سيكون بشكل مؤكد تقريبًا مدفوعًا، مثل النينو، بتغيراتٍ في دورة المحيط التي ترفع حرارة سطح المحيط. إذا حدث ذلك، فمن الممكن أن نتوقع رؤية ارتفاع الحرارة في المحيط بشكلٍ أكبر مما يحدث على اليابسة، لكن الملاحظات توضح العكس: ترتفع الحرارة على اليابسة أسرع بشكلٍ دالٍّ مما يحدث في المحيطات.
أخيرًا، يمكننا أن نتعرف على الاختلاف الطبيعي في المناخ باستخدام نماذج للمناخ، من دون انبعاث لغازات البيوت الزجاجية على يد الإنسان. حين استخدمت نماذج المناخ بهذه الطريقة، وضحت اختلافات في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة من سنة إلى سنة، ومن عقد إلى عقد مماثلة لتلك التي رأيناها في بيانات وكلاء المناخ قبل عام ١٨٠٠م، لكنها لم تنتج شيئًا يشبه الارتفاع السريع في الحرارة في القرن الماضي. (نرى في القسم التالي أنه فقط حين يشمل الأمر الزيادة الحديثة في غازات البيوت الزجاجية يمكن لنماذج المناخ أن تولد الارتفاع الحديث السريع الملحوظ في الحرارة.) وبوضعها معًا، توحي كل هذه الأدلة أنه بينما لا يمكننا أن نستبعد بشكل قاطع الاختلاف الطبيعي في المناخ باعتباره مشاركًا في الارتفاع الحديث في درجة الحرارة، فمن غير المحتمل أن يكون مسئولًا عن أي كسر دال في الارتفاع الحديث السريع في الحرارة.
(٢-٦) زيادة غازات البيوت الزجاجية
(٢-٧) الملخص: هل أنشطة الإنسان مسئولة عن ارتفاع الحرارة مؤخرًا؟
وضعنا في الاعتبار الأسباب الستة المحتملة للارتفاع الملحوظ في الحرارة في آخر بضعة عقود من القرن العشرين. يمكن استبعاد اثنين منها، الاختلافات المدارية والعمليات التكتونية، باعتبارهما مساهمَين بشكل مؤثر لأنهما بطيئان جدًّا؛ بحيث لا يمكن أن يكون لهما تأثير يذكر على المناخ في فترات قصيرة لا تتعدى بضعة عقود أو قرنًا. يمكن أيضًا رفض عمليتَين أخريَين، الثورات البركانية وتغيرات ما ينبعث من الشمس؛ لأن لدينا مقاييس جيدة لهما في الفترة المذكورة، ولم يظهرا نمطًا من التغيرات يمكن أن يكون مطلوبًا لتفسير ارتفاع الحرارة مؤخرًا. ربما يفسر الاختلاف الداخلي الكثير من الذبذبات في المناخ في القرن الماضي أو القرنَين الماضيَين، لكن توجد أيضًا أسباب قوية لاستبعاده باعتباره سببًا للارتفاع الحاد في الحرارة في العقود الأخيرة.
وبهذا لا يتبقى سوى الزيادة في غازات البيوت الزجاجية، وقد وصفنا الأدلة التي تدعم هذا التفسير. قدم القسم [المناخ وتغير المناخ: تمهيد علمي] الخطوط العريضة للأسباب النظرية القوية التي تجعلنا نتوقَّع أن ترفع غازات البيوت الزجاجية حرارة الكوكب. بالإضافة إلى ذلك، تم الربط بين غازات البيوت الزجاجية ودرجة الحرارة مرات كثيرة على مدار آخر ٦٠ مليون سنة من تاريخ المناخ. إن الأدلة التي تربط غازات البيوت الزجاجية بالمناخ قوية جدًّا؛ بحيث لا يمكن القول إن ارتفاع الحرارة مؤخرًا له سبب آخر، ومن الضروري أن نفسر لماذا لا ترفع الزيادة الملحوظة في غازات البيوت الزجاجية حرارة الكوكب، كما نتوقع. الدليل الحاسم قدمته نماذج المناخ، التي يمكن أن تعيد إنتاج تغيرات المناخ في القرن الماضي فقط، إذا كانت تشمل انبعاث غازات البيوت الزجاجية الناجمة عن أنشطة الإنسان.
كيف يمكن للناس بشكلٍ آخر أن يعدلوا المناخ؟
غازات البيوت الزجاجية مجرد طريقة من طرق كثيرة يمكن أن تؤثر بها أنشطة الإنسان على المناخ. تزيد أنشطة الإنسان من وفرة الإيروسولات أيضًا في الغلاف الجوي — وهي جزيئات صغيرة، صلبة أو سائلة، معلقة في الغلاف الجوي، يمكن أن ترفع حرارة سطح الأرض أو تخفضها حسب تكوينها.
الحرق غير الكافي أو غير الكامل، كما يحدث عند تصادم محركين، وفي نيران الطبخ منخفضة الحرارة التي تحرق الوقود التقليدي مثل الروث أو القش، تطلق إيروسولات كربون سوداء (جزيئات ضئيلة من الهباب)، تمتص أشعة الشمس القادمة والأشعة تحت الحمراء المنبعثة؛ ومن ثم ترفع حرارة السطح. حرق وقود يحتوي على كبريت يشكل إيروسولات الكبريت السائلة، مما يعكس أشعة الشمس القادمة إلى الفضاء وبذلك يبرد سطح الأرض. وتتفاعل الإيروسولات مع السحب أيضًا، مما يزيد من الانعكاسية؛ ومن ثم يبرد سطح الأرض.
التغيرات في استخدام اليابسة يمكن أيضًا أن تغير في المناخ. قطع غابة وإقامة حقل مكانها، على سبيل المثال، يستبدل بسطح نباتي قاتم سطحًا نباتيًّا فاتحًا، يعكس كمية أكبر من أشعة الشمس ويبرد المناخ.
التأثير السائد في المناخ نتيجة تغيرات استخدام اليابسة موضعي، لكنه يمكن أن يكون كبيرًا عالميًّا حين يكون تغير استخدام اليابسة عالميًّا. بجمع كل تأثيرات أنشطة الإنسان على المناخ غير انبعاث غازات البيوت الزجاجية، تسبب في النهاية تكون المحصلة النهائية انخفاضًا عالميًّا في الحرارة ربما يقابل ٣٠٪ تقريبًا من ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية، ومعظم هذا الانخفاض في الحرارة ناتج عن إيروسولات الكبريت العاكسة. وحيث إنها مكون رئيسي من تلوث الهواء، فإن جهودَ تخفيض تلوث الهواء سوف تقلِّل تأثير الانخفاض المقابل في الحرارة، ويتسبب في ارتفاع إضافي في الحرارة.
(٣) ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين
يمثِّل تعريف تغيرات المناخ في الماضي ومدى مسئولية الانبعاث نتيجة أنشطة الإنسان عنه إنجازات مهمة في علم المناخ، لكن تهديد تغير المناخ في المستقبل هو ما يدفع الاهتمام العام وصنع السياسة. يتطلب اتخاذ قرارات رشيدة بما ينبغي عمله معلومات عن التغيرات المناخية التي ربما نواجهها في المستقبل، وكيف يمكن أن تعدلها أفعالنا. وهذا الاحتياج يضع التنبؤات بتغير المناخ في المستقبل في مركز المناظرة السياسية.
لا تخص توقعات علم الغلاف الجوي، لكنها تدريب في التنبؤ بالميول الاجتماعية. يعتمد الانبعاث في المستقبل على سكان العالم والنمو الاقتصادي في المستقبل؛ لأن زيادة السكان وزيادة النشاط الاقتصادي يعنيان زيادة استخدام الطاقة، وزيادة الصناعة، والإنتاج الزراعي، والأنشطة الأخرى التي تولِّد الانبعاث. ويعتمد الانبعاث في المستقبل على السياسة أيضًا، وعلى الميول التكنولوجية التي تحدد كفاءة استخدام الطاقة، وخليط مصادر الطاقة المستخدمة التي ينبعث منها الكربون والتي لا ينبعث منها. تقدم الخبرة التاريخية، وأيضًا الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والديموجرافية، إطلالة على ميول المستقبل، وخاصة لاستبعاد بعض المجالات باعتبارها غير محتملة (على سبيل المثال، توقف فجائي في نمو السكان في مجتمع شاب، أو فترة ممتدة تجمع بين ركود النمو الاقتصادي وابتكار تكنولوجي سريع)، لكن معرفتنا بالآليات الاجتماعية والاقتصادية ليست كافية للسماح بتنبؤ وحيد موثوق به بشأن الانبعاث في المستقبل.
يفترض الخط المنقط المخطط النمو السكاني والاقتصادي نفسه الذي يفترضه سيناريو الانبعاث المرتفع، لكنه يفترض ميولًا تكنولوجية مختلفة تمامًا. بدلًا من التحول إلى وقود حفري يحتوي على نسب مرتفعة من الكربون مثل الفحم، يفترض هذا السيناريو تطورات تكنولوجية تحول إمداد الطاقة باتجاه مصادر لا يصدر عنها انبعاث. يرتفع الانبعاث في هذا السيناريو حتى منتصف القرن؛ حيث يصل إلى القمة (١٠–١٥ بليون طن)، ثم ينحدر حتى أكثر من السيناريو السابق — موضحًا التأثير القوي للتطورات التكنولوجية في تحديد الانبعاث. يقدم الفصل الرابع مزيدًا من التفصيلات عن السيناريوهات، والفرضيات التي تتأسس عليها، وما تتضمنه للأفعال المحتملة.
ثمة نموذج خاص للمناخ، يستخدم سيناريو خاصًّا للانبعاث باعتباره معلومات، يولِّد تصورًا لتغير المناخ في المستقبل، لكن هناك حوالي ٢٠ نموذجًا متطورًا جدًّا للمناخ قيد الاستخدام، تطور كلٌّ منها على أيدي مجموعة من العلماء، وتختلف في مقارباتها لتقليد الغلاف الجوي. ربما تقسم الغلاف الجوي إلى صناديق مختلفة الحجم، وتركز بشكل ما على عمليات جوية معينة، أو تستخدم مقاربات حسابية مختلفة لتمثيل عمليات أساسية تتعلق بالمناخ، وخاصة تلك التي يجب تحديدها؛ لأنها تعمل على نطاقٍ أدقَّ من أن يمثل صراحة. ونتيجة لهذه الاختلافات، تتصور النماذج المختلفة مستقبلًا مختلفًا للمناخ، حتى لو استعانت بسيناريو الانبعاث نفسه.
توضح اللوحة اليمنى مجال درجات الحرارة المحسوبة للنموذج في ٢١٠٠م بالنسبة لكلٍّ من السيناريوهات الستة للانبعاث، مع تصور «للتقدير الأفضل» أو المتوسط للمناخ بالنسبة لكل سيناريو موضحًا في وسط الخط العمودي. بوضع كل سيناريوهات الانبعاث في الاعتبار، تتراوح توقعات أفضل تقديرٍ من ١٫٨ إلى ٤ درجات مئوية. وبوضع الشك في كلٍّ من الانبعاث واستجابة نظام المناخ في الاعتبار، يتراوح الارتفاع المتوقع في الحرارة في القرن الحادي والعشرين من ١٫١ إلى ٦٫٤ درجة مئوية. ولوضع هذا في السياق، حتى أقل ارتفاع متوقع في درجة الحرارة، وهو يجمع بين سيناريو أقل انبعاث وأقل حساسية للمناخ، أكبر بشكل كبير من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ٠٫٧ درجة مئوية في القرن العشرين. الارتفاع الأكبر في الحرارة، ٦٫٤ درجة مئوية، يماثل ارتفاع الحرارة منذ آخر عصر جليدي.
بإيجاز، رغم الشكوك في كلٍّ من توقعات الانبعاث ونماذج المناخ، من المؤكد عمليًّا أن درجة حرارة الأرض سوف تواصل الزيادة. ونحن معرضون لبعض الارتفاع في الحرارة — حتى لو توقفنا عن انبعاث غازات البيوت الزجاجية اليوم، سوف ترتفع حرارة الأرض عدة أعشار درجة مئوية في العقود القليلة القادمة. إذا وضعنا التطور المحتمل في الانبعاث على مدار القرن الحالي، فإن متوسط درجة حرارة العالم بحلول نهاية هذا القرن من المحتمل أن ترتفع من درجتَين إلى أربع درجات مئوية عما هي عليه الآن، وربما أكثر — إلا إذا انخفض الانبعاث بحدة.
(٤) ما تأثيرات تغير المناخ؟
التغير في متوسط درجة حرارة العالم هو المقياس المستخدم لقياس تغير المناخ، لكنه ليس ما يهتم به الناس. تغير المناخ مهم بسبب التغيرات الناجمة عنه حيث يعيش الناس، في مناخ موضعي وطقس وتأثيراته على الناس وعلى الأشياء التي يقدرونها؛ وبالتالي يتطلب وصف تأثيرات المناخ توقع تغير المناخ في مناطق وفصول معينة؛ حيث يشعر الناس والنظم الحساسة للمناخ بالمناخ. ولا يتطلب توقع درجة الحرارة فقط، بل يتطلب أيضًا الخصائص الأخرى للمناخ، وخاصة سقوط الأمطار. ولا يتطلب فقط توقع التغيرات في متوسط القيم السنوية، لكنه يتطلب أيضًا توقع التغيرات في دورتها الموسمية، وتنوعها وتطرفها.
تفرض هذه المتطلبات تحديات خطيرة على تصميم نموذج المناخ وتوقعه. والتوقعات تنتقل من المتوسط العالمي باتجاه المناطق الأصغر تقلُّ استفادتها من استبعاد الأخطاء على نطاق أصغر، وهكذا تكبر أخطاء التنبؤ. ومن الصعب خاصة توقع سقوط الأمطار الإقليمية؛ لأنه يمكن أن يتغير بشكل كبير في مسافات قصيرة. التغيرات الصغيرة في مسارات العواصف يمكن أن تحوِّل جذريًّا موضع سقوط الأمطار وتوزيعها الموسمي. ويتطلب توقع تأثيرات المناخ أيضًا تقدير استجابات النظم البيئية والموارد الحساسة للمناخ، مما يضيف مزيدًا من الشك على التوقعات. بالإضافة إلى ذلك، إن كثيرًا من المجالات التي يحتمل أن يؤثر فيها المناخ مثل الزراعة والغابات التجارية، تسود المعالجة الإنسانية للنظم؛ ومن ثم يتطلب تقييم تأثيرات المناخ تأمل استجابات الإنسان لتغير المناخ. ونناقش هذه القضية الأخيرة، والأبعاد الاجتماعية الاقتصادية الأخرى المتعلقة بالتأثيرات والتكيف، في الفصل التالي. ونركز هنا على التأثيرات البيوفيزيائية المباشرة لتغير المناخ الذي يمكن توقعه دون أن نضع استجابة الإنسان في الحسبان.
رغم كل الصعوبات فإننا نعرف بعض الأشياء عن تأثيرات تغير المناخ. نعرف أن بعض التأثيرات ضارٌّ وبعضها مفيد، والكثير منها مزيج — يضر بعض الناس أو الأماكن أو الأنشطة، ويفيد آخرين. توحي معظم تحليلات التأثيرات بأن التأثيرات الضارة من المحتمل أن تفوق التأثيرات المفيدة، بقدر ضئيل في الأماكن الغنية، المنضبطة جيدًا، والقابلة للتكيف، وبقدر كبير في الأماكن الأقل حظًّا. إذا كانت تغيرات المناخ كبيرة أو تحدث بسرعة، فإن التأثيرات الضارة يحتمل أن تفوق التأثيرات المفيدة باطِّراد، حتى في الأماكن الغنية والمنضبطة جيدًا. عمومًا، تختلف المعرفة كثيرًا عبر أنواع التأثير: بعضها مفهوم بشكل جيد تمامًا، وبعضها غير مفهوم. وربما تكون هناك روابط معقدة، لم تُعرف حتى الآن، ضمن النظم الحساسة للمناخ التي تخلق الهشاشة لتغير المناخ.
تتطلب معظم التأثيرات الأخرى فحص توقعات المناخ على نطاق إقليمي أدق نسبيًّا، مع وضع الطبوجرافيا الموضعية والنظم البيئية والمناخ الحالي في الاعتبار. قد تختلف نتائج ارتفاع درجات الحرارة بضع درجات اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على إن كانت تحدث في غابة أو في صحراء. ورغم ازدياد الشك في توقعات المناخ على المستوى الإقليمي الأصغر، فإن بعض النتائج الإقليمية العامة راسخة جيدًا الآن؛ لأنها تبدو متسقة عبر الكثير من توقعات نماذج المناخ، ومؤسسة على مبادئ فيزيائية أساسية. على سبيل المثال، من المؤكد تمامًا أن حرارة القارات سوف ترتفع أكثر من المحيطات، نتيجة التأثير الملطف للسعة الحرارية الهائلة للمحيطات. تتوقع نماذج المناخ أن تكون درجة الحرارة في شمال أمريكا الشمالية وأوراسيا أعلى من المتوسط العالمي بأكثر من ٤٠٪. تشمل أخرى موثوق فيها أن تتعرض معظم مساحات اليابسة أكثر لأيام وليالٍ حارة جدًّا وموجات حارة؛ وأن يكون ارتفاع الحرارة أكبر في الليل من النهار وأكبر في الشتاء من الصيف، وهكذا يقلُّ مدى درجات الحرارة اليومية والسنوية؛ وأن يكون ارتفاع الحرارة أكبر في خطوط العرض المتوسطة والمرتفعة، وخاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، أكثر من المناطق الاستوائية.
إن مناطق القطب الشمالي والمناطق القريبة منه تتعرَّض بالفعل لارتفاعٍ شديدٍ في الحرارة، مع تأثيرات حادة على الكثير من الموارد والأنشطة. لقد أدى ذوبان الجليد، تراجع جليد البحر وانخفاض سمكه من الزيادة الناجمة في تآكل السواحل واضطراب النظم البيئية البحرية، وقصر مواسم انتقال الثلوج في البحيرات والأنهار، إلى اضطراب هائل. ومن المرجَّح أن تزداد سرعة هذه العمليات في ظل الارتفاع الإضافي الكبير المتوقع في الحرارة في مناطق القطب الشمالي في هذا القرن. تتوقع كل نماذج المناخ تراجعًا مستمرًّا لجليد البحر في القطب الشمالي خلال القرن، وسيصبح القطب الشمالي خاليًا تمامًا من الجليد في الصيف ربما خلال بضعة عقود. لفقدان جليد البحر في القطب الشمالي في الصيف نتائج تتعلق بالدورة العالمية للمحيطات والمناخ، ومن المحتمل أن تكون نتائج هائلة، رغم عدم فهمها حتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون للمحيط القطبي الشمالي الصالح للملاحة بشكلٍ جزئي تأثيرات هائلة على الملاحة، وتطور مناطق القطب الشمالي، والعمليات العسكرية والأمن. وربما يحدث هذا حتى بشكل أسرع مما تتوقع النماذج. في صيف ٢٠٠٧م، ذاب قدر كافٍ من الجليد لفتح «الممر الشمالي الغربي» عبر الجزر الكندية في القطب الشمالي. ومن الطبيعي ألَّا يتمكن من عبور هذا الممر إلا كسارات الجليد، وهو طريق من القطب الشمالي إلى المحيط الهادي، أو من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، أقصر بكثير من الإبحار عبر قناة بنما أو حول كيب هورن. إذا وضعنا في الاعتبار المزيد من الارتفاع شبه المؤكد في حرارة القطب الشمالي، فسيكون من المرجح تمامًا أن يبقى هذا الممر مفتوحًا، وفي القريب قد يبقى مفتوحًا كل سنة. فقدان جليد البحر في القطب الشمالي ربما يكون بداية للاندفاع إلى استغلال موارد طبيعية كان الوصول إليها مستحيلًا من قبل، بما في ذلك احتياطيات هائلة من البترول والغاز، مما يحمل احتمالًا كبيرًا للصراع الدولي. في ٢٠٠٧م، ادَّعَت روسيا الحق في موارد القطب الشمالي بوضع علمٍ على قاع المحيط بالقرب من القطب الشمالي، وهو ادعاء عارضته كندا والدنمرك.
في مناطق القارات عند خطوط العرض المتوسطة من المتوقع أن تتعرض لارتفاع كبير في الحرارة (على سبيل المثال، ٣–٦ درجات مئوية على أرض الولايات المتحدة)، رغم اختلاف التوقعات تمامًا بشأن كيفية توزيع متوسط هذا الارتفاع في الحرارة عبر القارات. سوف تؤدي درجات الحرارة الأعلى في الصيف والرطوبة الأعلى معًا إلى زيادة كبيرة في مؤشر حرارة الصيف، وهو مقياس يجمع بين الحرارة والرطوبة لتقدير الإحساس بمدى سخونة الجو. تتوقع بعض النماذج زيادة تصل إلى ٥–١٤ درجة مئوية في مؤشر الحرارة في يوليو في جنوب شرق الولايات المتحدة. إذا كنت تعيش هناك، تعرف سوء ذلك.
رغم صعوبة تقليد هطول الأمطار في نماذج المناخ، يتوقع بثقة حدوث بعض التغيرات في هطول الأمطار. من المرجح تمامًا أن يزيد هطول الأمطار في خطوط العرض المرتفعة، ويقل في المناطق شبه القارية (خطوط عرض من ٢٠ إلى ٣٠، حيث تقع الصحراوات الكبرى في العالم)، مواصلًا الميول الحديثة. ويتواصل أيضًا الميل الذي حدث في القرن العشرين، من المرجح أن ينهمر المطر بأغزر ما يكون، مما يؤدي إلى مزيد من التآكل وزيادة أخطار الفيضانات والانهيارات الأرضية. حين ينهمر المطر بغزارة شديدة، يتدفق معظمه وتمتص التربة قدرًا أقل أو يخزن في الخزانات متحدًا مع درجات الحرارة الأعلى في الصيف، التي تزيد من فقدان الماء من التربة من خلال البخر، يؤدي هذا إلى التوقع المدهش بأن أقصى درجات الرطوبة وأقصى درجات الجفاف تكون أكثر احتمالًا: أقصى درجات الرطوبة، مع ما يصاحبها من أخطار الفيضانات، وزيادة التآكل، والانهيارات الأرضية؛ وأقصى درجات الجفاف، مع ما يصاحبه من أخطار نقص المياه، وضياع المحاصيل، والحرائق الهائلة، وزيادة قابلية تعرض المحاصيل والغابات للأوبئة والأمراض.
في بعض الحالات، ربما تتضح النتائج العريضة لهذه التأثيرات البيوفيزيائية المباشرة لتغير المناخ العالمي على شئون الإنسان. وفي حالات أخرى، يتطلب فهمها تحليلًا تفصيليًّا لسلوك النظم الحساسة للمناخ. على سبيل المثال، من الواضح أن التغيرات في كمية الأمطار وموضعها وتوقيتها يمكن أن توفر الماء العذب، لكن التوقعات الكمية لتغيرات المياه العذبة ونتائجها تتطلب دراسة تفصيلية للنظم الخاصة بالمياه، بما في ذلك كيفية تعامل البشر معها.
تقدم دراسة عن تأثيرات المناخ على نهر كولومبيا في الولايات المتحدة شمال غرب المحيط الهادي؛ مثالًا مهمًّا لنوع التحليل المطلوب. بينما توقعَت تغيراتٍ في هذا القرن في مجمل الأمطار السنوية، وأن يكون تدفق المياه في نهر كولومبيا قليلًا، فقد توقعت أن مواسم شتاء أكثر رطوبة وحرارة، ومواسم صيف أكثر سخونة وجفافًا، من المرجح أن تحول النمط الموسمي لتدفق المياه. وحيث إن معظم المياه تتدفق في نهر كولومبيا من ذوبان الجليد المتراكم في الشتاء، فإن تدفُّقه يبلغ الذروة الآن في أواخر الربيع. وفي ظل مواسم الشتاء التي يُتوقَّع أن ترتفع فيها الحرارة، فإن معظم ما ينهمر في الشتاء سيكون مطرًا لا ثلوجًا، مما يؤدي إلى زيادة تدفق المياه في الشتاء؛ حيث تكون المياه غزيرةً بالفعل في المنطقة، ويقل في الصيف، حيث تكون المنطقة نادرة المياه بشكلٍ حاد. ومن المرجح أن تحدث تغيرات مماثلة في مناطق أخرى تحصل على حاجتها من المياه أثناء الصيف الجاف، بالاعتماد على الأنهار التي تغذيها الثلوج، مما يلقي الضوء ليس فقط على أهمية فحص مجمل كمية المياه السنوية المتوفرة، بل وفحص التدفق الموسمي أيضًا.
مما لا شك فيه أن تغير المناخ سوف يؤثر على النظم البيئية الطبيعية، أو التي لا يمكن السيطرة عليها. يتأثر توزيع النباتات والحيوانات وأنواع الميكروبات بعوامل كثيرة، لكن المناخ محدِّدٌ رئيسي. سوف يؤثر المناخ المتغير على الكثير من أوجه التكاثر والسلوك وقابلية الأنواع للحياة بطرقٍ مختلفة؛ ومن ثم يغير المجال الفضائي للنوع والعلاقات بين الأنواع. تتوفر أدلة كثيرة على أن هذه التغيرات جاريةٌ بالفعل استجابة للتغير الحديث في المناخ، بما في ذلك تحولات مجالات الأنواع باتجاه القطبَين وخطوط العرض الأعلى، وتغيرات في توقيت الأحداث الموسمية من قبيل ازدهار أوراق الأشجار وسقوطها، ووضع البيض.
في ظل التغير المستمر في المناخ، لن تنتقل النظم البيئية الحالية سليمة ببساطة إلى مواضع جديدة لتتتبع المناخ الملائم لها. في الحقيقة، سوف يتأثر كل نوع في النظام البيئي بطرقٍ خاصة. قد يهاجر البعض بسهولة، بينما قد تعجز أنواع أخرى عن الحركة بسرعة تكفي للسير خطوةً بخطوة مع المناخ المتغير. سوف تتواءم مجالات الأنواع بمعدلاتٍ مختلفةٍ وبعملياتٍ مختلفة، في حالات كثيرة تخضع لتدخل الإنسان ولقيود مثل تغير استخدام اليابسة، والحواجز، والنقل الدولي أو العشوائي.
سوف تكون النتيجة النهائية اضطراب النظم البيئية الحالية بشكل مستمر وإعادة تنظيمها، مع علاقات جديدة بين المقيمين والواصلين الجدد الذين يعاد توطينهم باستمرار في كل مكان. في بعض الحالات، ربما تكون التجمعات الجديدة مماثلة بشكل كبير للنظم الحالية؛ بحيث لا يكون الاعتقاد بأن النظم الحالية تتحول ببساطة (على سبيل المثال، تتحول الغابات الخليط المعتدلة شمالًا في المنطقة الجليدية الشمالية الحالية) مضللًا جدًّا. ومع ذلك، في حالات أخرى ربما تكون النظم الجديدة مختلفة عن النظم البيئية الحالية، عارضة علاقات جديدة بين الأنواع، أو انقراض أنواع تنتشر في نطاق جغرافي أو مناخي ضيق، أو أمور بيئية أخرى تثير الدهشة. النتائج بالنسبة لخدمات النظم البيئية من قبيل حجز المياه ودورة الغذاء، وبالنسبة لمتع النظم البيئية من قبيل فرص لاستخدامات الإنسان والاستجمام، من المرجح أن تكون جوهرية. ومن المرجح أن تُفقَد بعض أنواع النظم البيئية تمامًا، نتيجة القيود أو الحدود الفيزيائية على حركة أنواع أساسية، أو الفقد الكامل للظروف المناخية المطلوبة. في الولايات المتحدة، تشمل النظم البيئية المهددة بالفقد الكامل أو بما يقترب منه، النظم الشاهقة في الولايات الثماني والأربعين المنخفضة، وأشجار المنجروف على الساحل والصخور الساحلية.
ثمة عامل مهم بشكل خاص في تأثيرات نظم المناخ وهو معدل تغير المناخ. تكيَّفت النظم البيئية مع اختلافات المناخ في الماضي، لكن تغيرات الماضي كانت عمومًا أبطأ بكثير من تلك المتوقعة بالنسبة للقرن الحالي. من المؤكد حقًّا أن النظم البيئية سوف تتكيف بسهولة أقلَّ مع التغيرات السريعة المتوقعة من تكيفها مع التغيرات البطيئة في آخر بضعة آلاف من السنين. ما هو موضع شك هو مقدار قلة السهولة، والنتائج المصاحبة لها.
النظم التي تدار لاستخدام الإنسان، مثل الزراعة والغابات التجارية، والمراعي والأنظمة المائية والبحرية (مصائد الأسماك … إلخ)، حساسة أيضًا للمناخ والتغيرات المرتبطة به، لكن إدارة البشر تهيمن عليها. ولهذا نتيجتان بالنسبة للتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ، تعملان في اتجاهَين متضادَّين. من ناحية، ربما يكون لاضطراب هذه النظم نتيجة تغير المناخ تأثيرات شديدة على الإنسان؛ لأننا نعتمد عليهم بقدرٍ كبير جدًّا. ومن الناحية الأخرى، تقدم القدرة على مواءمة ممارسات الإدارة للظروف المتغيرة احتمالية تعديل هذه التأثيرات الضارة. ونناقش القضايا المرتبطة بتأثيرات المناخ والتكيف في الفصل التالي.
أخيرًا، من الضروري أيضًا نفكر في احتمالية مفاجآت المناخ: عواقب شديدة، أو تغيرات فجائية محتملة تبدو غير مرجحة تمامًا (لكن لا يمكن استبعادها)، أو قد نفشل تمامًا في التنبؤ بها. من أمثلة هذه الأحداث المتطرفة المحتملة، كما ناقشنا من قبل، الفقدان السريع للوح جليدي أساسي في جرينلند أو غرب أنتاركتيكا، مما يرفع مستويات سطح البحر في العالم عدة أمتار على مدار القرن. سيمثل الغمر الناتج للمناطق الساحلية على نطاق العالم كارثة بيئية وإنسانية لا يمكن تصورها. وتشمل الأحداث الأخرى المتطرفة المحتملة التي تم افتراضها إعادة التنظيم على نطاق واسع لدورة المحيطات، أو تغذية رجعية إيجابية كبيرة تربط ارتفاع الحرارة بالتغيرات في الدورة العالمية للكربون. بالنسبة لكل هذه الحالات، يرى حاليًّا معظم الخبراء الذين لهم علاقة بالموضوع أن هذه الأحداث من غير المرجح أن تحدث في هذا القرن، لكن احتمال حدوثها غير مفهوم ولا يمكن تجاهلها بوضوح.
(٥) المقولات المضادة
لخص هذا الفصل حالة المعرفة في المسائل العلمية الأساسية التي تدعم الاهتمام بتغير المناخ، بما في ذلك الأدلة على ارتفاع حرارة الأرض، وعلى أن انبعاث غازات البيوت الزجاجية من أنشطة الإنسان يمثِّل السبب الرئيسي، وأن ارتفاع الحرارة سوف يستمر على مدى القرن الحالي، ورغم الشك في المعدل والتفاصيل المتعلقة بالمناطق بشأن تغير المناخ في المستقبل، هناك خطر كبير لحدوث تأثيرات خطيرة وربما حادة. ننهي الفصل بملاحظة أن هناك تصريحات شائعة على نطاق واسع في مناظرات سياسة المناخ تنكر كل هذه النقاط. ويعلن هذه التصريحاتِ أحيانًا ممثلو السياسة الذين يعارضون القيام بإجراءات بشأن تغير المناخ، وأحيانًا أناس معهم شهادات علمية يدعون التعبير عن انتقادات علمية، كثيرًا ما يوصفون بأنهم «المتشككون في تغير المناخ» أو «ناكرو تغير المناخ». لا يؤكدون فقط أن الرأي الشائع عن تغير المناخ، الملخص سابقًا، خطأ، بل يؤكدون أيضًا على أن الإجماع العلمي المفترض في هذه النقاط لا يوجد فعليًّا، لكنه محاولة لقمع المعارضة العلمية المشروعة لصالح أجندة سياسية نشطة.
في هذا القسم، نراجع القليل من أبرز هذه المقولات ونناقش السبب الذي يجعلنا نعتقد بثقة أنها خطأ. والمرء يقرأ هذا القسم، هناك تحذيران. الأول: إننا لا نجادل في أن المعرفة الحالية عن المناخ كاملة. هناك الكثير من الشك والمعارضة في علم المناخ، كما هو الحال في أي حقلٍ علمي نشط، حيث يعثر المرء على المسائل المهمة التي يهتم بها العلماء، لكن هناك أيضًا الكثير من النقاط بشأن علم المناخ معروفة بثقة عظيمة. التحذير الثاني: لا نرى أن التساؤلَ بشأن المعرفة العلمية ذات المخاطر المرتفعة بالنسبة لرفاهية الشعب وعمله، حتى بالنسبة للنقاط التي يبدو أنها راسخة تمامًا، انعدامٌ للمسئولية أو الأمانة. يمكن للتعليقات التي تحمل انتقادات شديدة أن تكون قيمة في تحديد نقاط الضعف في الفَهْم الحالي — حين تتأسس على معرفة مناسبة وتستخدم المعايير العلمية للمناقشة — وحتى الفرضيات الغريبة يتبين أحيانًا أنها صحيحة (مع إنها ليست صحيحةً عادة).
لكن المقولات الرئيسية التي تشكِّك في المناخ، في معظمها، لا تتطور بأسلوب أو وضع يقدم أية نظرة للمساهمة في المناظرة، أو تلقي الضوء على فرضيات لم تختبر، أو مطورة معلومات. إنها لا تقدم عادة في ساحات علمية على الإطلاق، لكن في مقالات صحفية، أو في الإنترنت، أو منافذ أخرى حيث معايير الأدلة والجدل ضعيفة وليست هناك مراجعة من الرفاق. قد تبدو مقنعة؛ لأنها قد تبدو معقولة لغير المطلعين على المناظرات العلمية، ولأنها تصاحب غالبًا بمجادلات سياسية واسعة، أو أدوات بلاغية قوية من قبيل الخطب التحريضية أو هجمات طبقًا للأهواء الشخصية. في حالات قليلة، قدمت انتقادات تبين عند فحصها أنها صحيحة، لكنها غير مهمة. في أخرى، استخدمت بيانات منحازة من قبيل موعد بداية ونهاية بشكل انتقائي لمقولات الميول، أو قدمت مقولات غير مدعومة، وغريبة، وسبق رفضها، أو واضحة الخطأ. غالبًا ما أعطى ميل وسائل الإعلام لخلق توازن بشكل غير نقدي بين الآراء المتعارضة هذه المقولات الهامشية واضحة الخطأ، المكانة نفسها التي يعطيها للآراء العلمية المدعومة التي تحظى بالإجماع.
تنتشر كثير من هذه المقولات، وتتغير عبر الزمن. هنا، نلخص بعض أبرز هذه المقولات التي قدِّمت باعتبارها مقولات علمية خلال آخر بضع سنوات، ونشرح لماذا نؤمن بثقة (أو في بعض الحالات بشكل مؤكد) أنها خطأ.
انتشرت المقولات التي تنكر الدليل على أن حرارة الأرض ترتفع بشكلٍ مستمرٍّ إلى حدٍّ ما لعقود، لكن صيغتها الدقيقة تطوَّرَت عبر الزمن والأدلة على ارتفاع الحرارة تتراكم. حتى بضع سنوات مضت، أنكر بعض المؤيدين لهذه المقولات ببساطة تعرض الأرض لأي ارتفاع في الحرارة على الإطلاق. ودُعِمتْ هذه المقولة أحيانًا بتحليل مناطق صغيرة؛ حيث يحدث انخفاض فعلي في درجة الحرارة. لا تصحُّ هذه المناطق دليلًا على الميول العالمية مع ذلك؛ لأن الميول في مناطق صغيرة يمكن أن تختلف بشدة عن الميول العالمية، وربما تمضي حتى في الاتجاه المضاد. وكثيرًا ما دُعِمت المقولة أيضًا بتحليلات مبكرة لبيانات الأقمار الصناعية، المنشورة في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وقد كشفت عن ميل عالمي لانخفاض الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، لكن المزيد من فحص هذا الميل المستنتج عن بيانات الأقمار الصناعية كشف عدة أخطاء خطيرة في النتائج المبكرة، مثل الفشل في التصويب بالنسبة للتغيرات في مدار القمر الصناعي. أدى تصويب هذه الأخطاء، بالإضافة إلى تراكم المزيد من البيانات عبر السنوات، إلى اتفاقٍ معقولٍ بين سجلات الأقمار الصناعية وسجلات ترمومترات السطح، ويظهر الاثنان ارتفاعًا في الحرارة، كما ناقشنا ذلك في القسم [قياس درجات الحرارة بالقمر الصناعي].
لكن حتى لو لم تأتِ سنة ت، في درجة الحرارة مع سنة ١٩٩٨م، فإن ذلك لا يعني أن «الارتفاع العالمي في الحرارة» توقَّف. بالإضافة إلى الميل الجاري في ارتفاع الحرارة طويل المدى، يتذبذب متوسط درجة حرارة العالم من سنة إلى سنة؛ نتيجة للنينو والأشكال الأخرى من تنوع المناخ. في السنوات الحديثة كان الميل لارتفاع الحرارة بمقدار ٠٫٢ درجة مئوية في العقد أو ٠٫٠٢ درجة مئوية في السنة، بين الاختلافات من سنة إلى سنة حوالي ٠٫١-٠٫٢ درجة مئوية في السنة — أكبر من خمسة أضعاف إلى عشرة أضعاف؛ وبالتالي على مدار فترة لا تتجاوز بضع سنوات، يمكن أن تفوق الاختلافات الكبيرة من سنةٍ إلى سنةٍ الميل طويل المدى. وكانت هناك مرات كثيرة منذ القرن التاسع عشر لا يتم تجاوز سنة متطرفة لمدة عقد آخر أو نحو ذلك.
لاحظ أن كل هذه الصور لمقولة أن حرارة الأرض لا ترتفع (حين لا تكون خطأ ببساطة) تتأسس على انتقاء جزءٍ صغيرٍ من البيانات المتوفرة — مصدر واحد للبيانات، أو منطقة محدودة، أو بضع سنوات بعد سنة استثنائية — وتدعي أن هذا يدحض الأدلة في بقية السجل. وهذا الاستخدام الانتقائي للبيانات يجعل كل هذه المقولات مضللةً أو خطأ. يعتمد استنتاج أن حرارة الأرض ترتفع على حجم هائل من بيانات مصادر متعددة، على الأرض كلها في فترة ممتدة، ولا يمكن دحض هذا الاستنتاج بهذا الانتقاء المحدود من البيانات.
كما ناقشنا في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟]، رُفِض الاختلاف الطبيعي باعتباره مساهمًا مهمًّا في الارتفاع الحديث في الحرارة لعدة أسباب، بما في ذلك حقيقة أن سجلات تغير المناخ قبل القرن التاسع عشر، أو نماذج المناخ من دون انبعاث غازات البيوت الزجاجية، تكشف عن أي أنماط من الاختلاف يشبه الارتفاع الحديث السريع في الحرارة. المقولة الخاصة بأن الارتفاع الحديث في الحرارة «خروج» من فترة برودة سابقة، تفترض أن المناخ له حالة طبيعية يعود إليها بعد فترات أكثر حرارة أو برودة، مثلما يعود ربيع ممتد إلى طوله الطبيعي. قد يبدو هذا بديهيًّا، لكن ليس له أساس في سجل المناخ في الماضي أو فيزياء الغلاف الجوي. لا توجد قوة استعادة طبيعية تدفع المناخ الأعلى حرارة إلى فترة باردة مثل العصر شبه الجليدي. لا بد أن يكون لتغير المناخ كله، سواء كان طبيعيًّا أو من صنع الإنسان، سبب فيزيائي يفسره، لكن من يقدمون هذا الجدل لا يحددون آلية في العادة. وفي الحقيقة، الآلية الوحيدة التي حُدِّدتْ ويمكن أن تفسر الارتفاع الحديث في الحرارة هي تأثير ارتفاع غازات البيوت الزجاجية. وكما ناقشنا في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟]، كل الآليات الطبيعية المعروفة فُحِصتْ بدقة، وفشلت في تفسير الارتفاع الحديث الملحوظ في الحرارة.
حين تُفترَض آلية غير إنسانية، تكون عادة أن الشمس صارَت أكثر سطوعًا. وهناك أسباب كثيرة لرفض هذه المقولة، لكن يبرز سببان؛ الأول: يقاس نتاج الشمس منذ سبعينيات القرن العشرين، ويوضح ذلك أنه لا يوجد ميل منذ ذلك الوقت يمكن أن يفسر أكثر من كسر ضئيل من الارتفاع الملحوظ في الحرارة. الثاني: تغير المناخ نتيجة الشمس يرفع حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وطبقة الاستراتوسفير، لكن الميول الملحوظة تتمثل في ارتفاع حرارة السطح والطبقة السفلى من الغلاف الجوي وانخفاض حرارة الاستراتوسفير. بتعبيرٍ آخر، ما نراه متوائمًا مع ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية، لكنه لا يتواءم مع ارتفاع الحرارة نتيجة الشمس.
بالإضافة إلى ذلك، أية مقولة عن أن الارتفاع الحالي في الحرارة ظاهرة طبيعية ينبغي أن يفسر لماذا لا يسبب المصدر الواضح لارتفاع الحرارة، وهو زيادة غازات البيوت الزجاجية، ارتفاع الحرارة. تذكَّر أن الأدلة على ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية تعتمد على ثلاثة أسس قوية: تقول الفيزياء الأساسية إن غازات البيوت الزجاجية يجب أن تحدث ارتفاعًا في الحرارة؛ وحدوث ارتفاع الحرارة، وتأثيرات نماذج غازات البيوت الزجاجية تنتج كميًّا الارتفاع الملحوظ في الحرارة. على ضوء هذه الأدلة، أية مقولة تقول إن عاملًا آخر يسبب ارتفاع الحرارة عليها أن تلبي شرطَين أساسيَّين. لا بد أن توضح كيفية عمل الآلية المفترضة؛ ولا بد أن تفسر أيضًا لماذا لا تسبب غازات البيوت الزجاجية، مع خصائصها الامتصاصية المعروفة، ارتفاع الحرارة كما هو متوقع. ليس هناك سبب بديل معلن نجح في تلبية أي جزء من هذا الشرط. تسببت عوامل طبيعية أخرى بشكل واضح في الاختلافات الكبرى في المناخ في الماضي، وربما تلعب دورًا ما في الارتفاع الحديث في الحرارة — لكن هذا الدور صغير غالبًا.
مثل المقولتين السابقتين، تأتي هذه المقولة أيضًا في صيغتين؛ الأولى: تؤكد أن حساسية المناخ أقل بكثير مما يُعتقَد الآن، وهكذا لن ترتفع حرارة الأرض كثيرًا حتى لو استمرت وفرة غازات البيوت الزجاجية في الزيادة. وتؤكد الثانية على أن توقعات الانبعاث الحالي مرتفعة جدًّا: سوف يزداد الانبعاث ببطء أو يتراجع، حتى دون جهود للحد منه.
كما ناقشنا في الفصل الأول، من المرجح أن تقع حساسية المناخ في مجال يتراوح ٢–٤٫٥ درجات مئوية. منها، التأثير الإشعاعي المباشر لغازات البيوت الزجاجية مسئول عن ١ درجة مئوية، ويأتي الباقي، والمشكوك فيه، من التغذية الرجعية في نظام المناخ. وأقواها التغذية الرجعية الإيجابية من بخار الماء، التي تضاعف تقريبًا التأثير المباشر لغازات البيوت الزجاجية: ارتفاع الحرارة يزيد البخر، مما يسبب المزيد من ارتفاع الحرارة لأن بخار الماء من غازات البيوت الزجاجية. يقع مجال الحساسية الحالية فوق ١ درجة مئوية؛ لأن توازن الأدلة والأحكام العلمية يشير إلى أن التأثير النهائي لكل التغذية الرجعية للمناخ إيجابي وقوي. حتى تقع الحساسية تحت درجتَين مئويَّتين بكثير، ينبغي أن تكون هناك تغذية رجعية سلبية في موضع ما في نظام المناخ لم يتم تحديدها بعد.
لم ينتهِ الجدل تمامًا، لكن حشد الأدلة يستمر في الإشارة إلى أن المحصلة النهائية للتغذية الرجعية إيجابية. أوحى أحيانًا أنصار التغذية الرجعية السلبية القوية بأن الجدل استقر لصالحهم؛ وبالتالي تكون التوقعات الحالية لارتفاع الحرارة عالية جدًّا. هذه المقولات تسيء بشكل كبير تمثيل حالة المعرفة العلمية. لم تستقر المسألة تمامًا، ومن يحتمل أن توجد تغذية رجعية سلبية كبيرة متعلقة بالسحب، لكن توازن الدليل وحكم الخبرة يقعان قريبًا جدًّا من الاستنتاج المضاد، لا توجد مثل هذه التغذية الرجعية. مجال الحساسية المعلن، ٢–٤٫٥ درجات مئوية، وهو مجال واسع جدًّا، تمثيل دقيق للتوزيع الحالي لرأي الخبراء في هذه المسألة موضع الشك.
بشكل بديل، ادعى بعض الكتاب أن المناخ لن يتغير أكثر لأن الانبعاث سوف يزيد بشكل ضئيل، إذا زاد، حتى من دون جهد للحد منه. هذه ليست مقولة علمية دقيقة، لكنها ذات أهمية بالغة فيما يتعلق بالضرورة الملحة للحد من الانبعاث. أفضل الأدلة التي تدعم هذه المقولة أنه خلال عدة سنوات في تسعينيات القرن العشرين، زاد الانبعاث العالمي أبطأ مما توقعته سيناريوهات سابقة، لكن منذ سنة ٢٠٠٠م سار نمو الانبعاث عند سيناريوهات الانبعاث الأعلى أو أعلى منها من أواخر تسعينيات القرن العشرين، والتحولات الحديثة للعودة باتجاه الوقود عالي الكربون توحي بأن هذه السيناريوهات من المرجح أن تكون منخفضة جدًّا أكثر من أن تكون مرتفعة جدًّا.
من غير الممكن أن نطرح كل المقولات الخطأ والمضللة المقدمة في مناظرة المناخ؛ ولهذا ركزنا على تلخيص بضع مقولات بارزة ومتكررة. بالإضافة إلى ذلك، هذه المقولات هدف متحرك، يتراجع أنصارها عادة خطوةً خطوة، وتقدُّم المعرفة يحول مقولاتهم من مجرد مقولات غير مدعومة إلى مقولات سخيفة. على سبيل المثال، بينما لا يزال المعلقون والمحررون السياسيون يزعمون أحيانًا أن حرارة الأرض لم ترتفع على مدار القرن الأخير، تراجع معظم المنكرين العلميين عن هذه المقولة على مدار السنوات القليلة الماضية — في وقتٍ متأخرٍ عما أكدته الأدلة، ليكونوا على يقين، لكنه يبقى مؤشرًا لحاجتهم للحفاظ على درجة من المصداقية العلمية. حين يتم تسجيل بضع سنوات أكثر سخونة من عام ١٩٩٨م — وهو ما يحتمل حدوثه قريبًا — فإن مقولة إن ارتفاع حرارة العالم توقف سنة ١٩٩٨م من المحتمل أن تختفي أيضًا، ولا شك أن مقولة أخرى ستحل مكانها.
أخيرًا، ينبغي أن نلاحظ أن هناك فرصًا وفيرة لاستخدام مجادلات علمية منحازة ومضللة وزائفة على كل جوانب المناظرة السياسية. في الإعداد لهذا الكتاب، تطلعنا بجدٍّ إلى مقولات علمية مفيدة وبارزة من نَشِطين في مجال البيئة، مقولات منحازة أو مضللة مثل تلك التي لخصناها هنا للمنكرين، لكننا لم نجد إلا القليل. وضع بعض المؤيدين مقولات عن ارتباط لا لبس فيه بين أحداث الطقس المفردة، من قبيل إعصار معين أو موجة حر، وتغير في المناخ؛ إذا وضعنا في الاعتبار تنوع الطقس والمناخ، لا يمكن عمومًا إقامة هذه العلاقات بشكل يعتدُّ به. قدم بعض النَّشِطين فرادى مقولات قوية بشكل لا يحتمل بشأن الآثار الشديدة على صحة الإنسان نتيجة تغير المناخ، بما في ذلك تصريحات بأن التغير الحالي في المناخ متورط في الإحياء الحديث للأمراض المعدية. في الحقيقة، يمكن لتغير المناخ في المستقبل أن يجلب معه تأثيرات صحية كبيرة، لكن الشكوك كبيرة والدليل على إشارة قوية إلى المناخ في الميول الصحية الحالية ملتبس ومثير للخلاف. بالَغَ مؤيدون آخرون بشكلٍ لا يمكن تصديقه فيما يتعلق بالاختيارات التكنولوجية المتوفرة بالفعل وتسمح بالتعديل دون تكلفة أو بتكلفة سلبية — رغم أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يحول هذه المبالغات البرية الحالية إلى حقائق في المستقبل. أخيرًا، وصف بعض المؤيدين وتعليقات صحفية عديدة التأثيرات المحتملة التي تمثل كارثة بمصطلحات تدل على أنها مؤكدة تقريبًا.
لكن هذا قليل الأهمية. إن التصريحات عن تغير المناخ فيما يتعلق بالمنظمات الكبرى المعنية بالمناخ دقيقة تمامًا، وليس هناك شيءٌ في جانب أنصار البيئة يشبه الصناعة المنزلية عند منكري تغير المناخ والمنظمات المؤيدة التي تفند علانية حقيقة تغير المناخ ونسبتها إلى أنشطة الإنسان. يحتمل بشكل مؤكد أن يتم تضخيم الأخطار البيئية مقارنة بالمعرفة العلمية، وقد فعلها أنصار البيئة أحيانًا، لكن في المناظرة الحالية عن تغير المناخ، يبدو أن قيمة إساءة المثيل تقع بقوة مع منكري تغير المناخ وممثلي السياسة، الذين يستخدمون هذه المجادلات لمعارضة التعديل فيما يتعلق بغازات البيوت الزجاجية.
(٦) الاستنتاجات
نستنتج بتلخيص الإجابات التي تقدمها المعرفة العلمية الحالية للأسئلة الأربعة الأساسية بشأن تغير المناخ العالمي.
(٧) مزيد من القراءة بالنسبة للفصل الثالث
-
ACIA (2004), Impacts of a Warming Arctic Climate Impact Assessment, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
-
K. Emanuel (2007), What We Know About Climate Change, Cambridge, MA: MIT Press.
يتناول هذا الكتاب الصغير نسبيًّا أسس علم ارتفاع حرارة العالم، وكيف انبثق الفهم الحالي له.
-
IPCC (2007a), Climate Change 2007: The Physical Science Basis. Contribution of Working Group I to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, S. Solomon, D. Qin, M. Manning, Z. Chen, M. Marquis, K. B. Averyt, M. Tignor, and H. I. Miller (eds.), Cambridge, United Kingdom and New York, NY, USA: Cambridge University Press, 996 pgs.
-
IPCC (2007b), Climate Change 2007: Impacts, Adaptation and Vulnerability. Contribution of Working Group II to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, M. L. Parry, O. F. Canziani, J. P. van der Linken, and C. E. Hanson (eds.) Cambridge, UK: Cambridge University Press 976 pgs.
-
IPCC (2007d), Climate Change 2007: Synthesis Report. Contribution of Working Group I, II and III to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, Core Writing Team, R. K. Pachauri, and A. Reisinger (eds.), Cambridge and New York: Cambridge University Press.
-
US Climate Change Science Program (2006). Temperature Trends in the Lower Atmosphere: Steps for Understanding and Reconciling Differences, T. K. Karl, S. J. Hassol, C. D. Miller, and W. I. Murray (eds.).
يصف هذا التقرير، الذي خضع للمراجعة، التفاصيل العديدة لحساب متوسط درجة حرارة العالم. ويقارن الميول في العديد من مجموعات البيانات المهمة، وقد توصل إلى أن الميول متسقة كلها عمومًا، رغم وجود بعض الاختلافات.
-
US Climate Change Science Program (2009). Global Climate Change Impacts in the United States. Unified Synthesis Product, T. K. Karl, J. M. Melillo, and T. C. Peterson (eds.).
-
S. R. Weart (2003), The Discovery of Global Warming, Cambridge, MA: Harvard University Press.