اتفاق على التغيير
تدورُ الأحداثُ في الأيام التي كان فيها الظلامُ والأغراض الكثيرة المتناثرة سَمْتَين لغُرَف الاستقبال. حينئذٍ كانت الرؤية تصعُب على الزائر الذي ينتقل من النور الساطع إلى ظلام غرفة الاستقبال فيسهُل أن يُسقِط مزهريةً ثمنُها مائتا دولار جيء بها من اليابان لتتهشَّم في نيويورك.
في أحد أركان الغرفة، جلسَت على كرسيٍّ وثيرٍ مُترفٍ سيدةٌ فائقة الجمال. كانت زوجةَ ابنِ أغنى رجلٍ في أمريكا، وكانت في رَيْعان الشباب، وعَشِقها زوجُها وأخلص لها، وكانت سيدة أحدِ القصور، تملك كلَّ ما يمكن للنقود شراؤه فور أن تُعرب عن رغبتها فيه، لكنها كانت تنتحبُ في سكونٍ بعد أن أدركت لتوِّها أنها الأكثرُ بؤسًا بين كل ما يدبُّ على الأرض من مخلوقات.
لو دخل غريبٌ الغرفة، لانبهر في أول الأمر لمرأى أجملِ مَن رأى من النساء، ثم لطاردَته فكرةُ أنه التقى بها في مكانٍ ما في السابق. ولو كان ذلك الغريبُ من الرجال المترددين على دوائر الفن لتذكَّر أنه ربما شاهدَ وجهها يومًا ما يُطِل عليه من لوحاتٍ عديدة في المعارض، وما لم يكن ذلك الغريبُ منقطعًا عما يدور في البلاد من نميمة، فلن يسَعَه سوى تذكُّرِ الضجة الشديدة التي أثارتها الصحف — كما لو أن هذا من شأنها بأيِّ نحو — عندما تزوج الشابُّ إد دروس بتلك العارضة التي يُصورها الفنانون، ويُعد جمالُها محلًّا للاحتفاء.
قرأ الجميع قصة هذه الزِّيجة، واستغلَّتها الصحفُ أكبرَ استغلال كعادتها. كان الشاب إد يعرف عن العالم أكثرَ بكثير مما يعرف والدُه، فتوقَّع معارضةً شديدة لقراره، وكان يُدرك أيضًا السلطة اللامحدودة التي حصل عليها أبوه بسببِ ثروته التي لا حدودَ لها، فلم يُخاطر بترتيب لقاءٍ مع أبيه، وفرَّ مع الفتاة. علم دروس العجوز بالعلاقة لأولِ مرة من سردٍ مثير لتفاصيل الهروب نُشر في صحيفةٍ مسائية. وكانت صورةٌ له منشورة في الصحيفة مع وصفٍ له بالأب الصعب الإرضاءِ المنهَمِك الآن في البحث عن الهاربَيْن حاملًا بندقية. كانت الصحف قد دأبَت على إثارة الضجة حول العجوز دروس حتى لم يَعُد فيما ذكَرَته الصحيفةُ ما يُثير حفيظته. وأسرع إلى إرسال البرقيات إلى كلِّ أنحاء البلاد وعندما استطاع التواصل مع ابنه استَجْداه أن يُحضر زوجته الشابة إلى المنزل بدلًا من أن يجعل من نفسِه أضحوكة. فاطمأنَّ الزوجان الهاربان إلى ذلك وعادا إلى نيويورك.
كان العجوز دروس رجلًا قليلَ الكلام، حتى مع ابنه الوحيد. وتساءل في بداية الأمر عمَّا إذا كان الفتى قد أساء فَهْمَه فافترض أنه سيعترضُ على زيجته بصرفِ النظر عمَّن اختارها زوجةً له. وأصابته الحيرةُ بدلًا من أن يشعر بالابتهاج عندما أخبره إد بأنَّه كان يخشى المعارضةَ لفقرِ الفتاة. فما المشكلة في ذلك؟ أوَليس لديه هو من المال ما يكفيهم جميعًا؟ وحتى لو لم يملِك ما يكفي الآن، هل كان من الصعب جنيُ المزيد؟ ألم تكن هناك سككٌ حديدية تُمكن إزالتها، ومساهمون يُمكن سرقتهم، وحِملانٌ في بورصة وول ستريت يمكن جزُّ أصوافها؟ لا شك أن الرجل يتزوَّج ليُسعِد نفسَه وليس لِيَجنيَ المزيد من المال. أكَّد إد لأبيه وجودَ زيجات معروفة تدور حولها شبهاتُ تربُّحِ أحد الطرفين من الآخر، لكن دروس أعربَ عن ازدراء شديد لهذا الوضع.
كانت إيلا في بداية الأمر متخوفةً من حَمِيها الصامت الذي ما إن يُذكَر اسمُه حتى يرتعدَ مئاتُ الأشخاص وتنطلقَ ألسِنةُ الآلاف باللعنات، لكنها سرعان ما اكتشفَت أن العجوز كان ينظر إليها بعينِ الانبهار، وأنَّ فظاظته الظاهرية ما هي إلا غِطاءٌ يستُر الحرجَ الذي كان يشعر به في حضورها. وكان حريصًا على إرضائها وشغَله التساؤلُ عما إذا كان هناك ما ينقصها.
وذات يوم قصَدَها في ارتباكٍ وتركَ في حِجْرها شيكًا بمليون دولار، وطلب منها ببعض التوتُّر أن تكون فتاةً مطيعة وتخرج لتشتريَ لنفسها شيئًا، وأن تطلب منه المزيد إن لم يكفِ الشيك. فقامت الفتاةُ من كرسيِّها فجأةً وطوَّقت رقبتَه بذراعيها على نحوٍ أحرجَه بشدة؛ إذ لم يعتَدْ مِثل هذه المواقف. ثم قبَّلَته رغم عدم رغبته في ذلك، وطار الشيك حتى استقر على الأرض، وكان ذلك الشيك أثمنَ ورقة تطوف بحُرِّية في أمريكا ذلك اليوم.
وعندما وصل إلى مكتبه فاجأَ ابنَه. ولوَّح بقبضته أمام وجهه وقال بصرامة:
«إذا قلتَ لهذه الفتاة الصغيرة كلمةً تُغضبها يومًا ما، فسأفعل ما لم أفعله قط من قبل، سأضربك!»
فضحك الشاب.
وقال: «حسنًا يا أبي. حينئذٍ سأستحقُّ الضرب.»
بدا على العجوز حنوٌّ بالغ كلما فكَّر في زوجةِ ابنه الجميلة. وبات يدعوها: «فتاتي الصغيرة». وقال رجال وول ستريت في أول الأمر إن الخَرَفَ قد بدأ يَطول دروس العجوز، لكن عندما لحِقَ بالسوق ركودٌ ووجَدوا أن العجوز كان في مأمنٍ منه كعادته، لم يجدوا بُدًّا وقد خلَت جيوبُهم من الاعتراف على مضضٍ بأن الخَرَف لم يُؤثِّر على عقليته المالية بعد.
وبينما كانت السيدة دروس الشابةُ جالسةً في غرفة الاستقبال في وجوم، انفتحت فُرجةٌ في الستائر برفق، ودخل منها حَموها متسللًا كاللِّص، وكان لصًّا حقًّا؛ بل أعتى اللصوص. كانت عيناه صغيرتين ثاقبتين ماكرتين تُطلان من تحت حاجبين أشيبَين كثَّين كشرارتين من فولاذ. لم يَبدُ في عينيه قط أنه ينظر إلى أي شخص محدَّد، بل كانت عيناه على نحوٍ ما توحيان بأنه يُحاول أن ينظر خلفه كالمطارَد. وقال البعض إن العجوز دروس كان يُعاني خوفًا دائمًا من الاغتيال، بينما قال آخرون إنه كان يعلم أن الشيطان يسعى وراءه وأنه سيَلحقُ به في نهاية المطاف.
ذات مرة علَّق الشاب سنيد على هذا القول المتكرِّر عن دروس بقوله: «أُشفق على الشيطانِ من هذا اليوم.» وكان هذا التعليقُ انعكاسًا لشعورٍ شائعٍ في وول ستريت عن هذه المواجهة التي أقرَّ الجميعُ بحَتْميَّتها.
توقَّف العجوزُ في منتصف الغرفة عندما لاحظ أن زوجة ابنه تبكي.
وقال: «يا إلهي! ما الخطْب؟ هل قال لك إدوارد شيئًا أغضبَكِ؟»
ردَّت الفتاة: «كلا يا أبي.» ثم أضافت: «إنه يُعاملني بلطفٍ بالغ. ليست هناك مشكلة.» ثم مضت تنسف تمامًا مصداقية قولها بالانتحاب من جديد.
جلس العجوزُ بجوارها، وأمسك بإحدى يديها. وقال هامسًا في حماسٍ يَشي بأنه كان لديه حلٌّ للمشكلة لو كانت مشكلةً مالية: «أهي مشكلة مالية؟»
ردَّت: «أوه، كلا يا عزيزي. لدي أموال كثيرة، أكثر مما قد يتمنى أيُّ شخص.»
تغيَّرَت ملامحُ العجوز. إذا لم يكن المالُ حلًّا للمشكلة، فقد أُسقِط في يده إذن.
قال الرجل: «هلا تخبرينني بالمشكلة؟ ربما أمكنَني اقتراح …»
قالت: «ليس الأمر مما يُمكنكَ المساعدة في حلِّه يا أبي. وهو ليس خَطْبًا جلَلًا على أي حال. سيدات آل سنيد لا يرغبن في زيارتي، هذا كلُّ ما في الأمر.»
قطَّب العجوز حاجبيه وحكَّ ذقنه متفكرًا.
كرَّر بنبرةِ عجز: «لا يرغبن في زيارتكِ؟!»
قالت: «هذا صحيح. لا يعتبرنَني أهلًا لمخالطتِهن، على ما أظن.»
انخفض الحاجبان الكثَّان حتى كادا يحجبان العينين، وبدا من تحتهما شررٌ خطير يتطاير.
قال العجوز: «لا بد أنكِ مخطئة. يا إلهي! ثروتي عشَرةُ أمثال ثروة العجوز سنيد. لستِ أهلًا لمخالطتِهن؟! عجبًا، إن وجود اسمي فقط على شيكٍ هو بمنزلة …»
قاطعَته باكية: «المسألة ليست مسألةَ شيكات يا أبي، المسألة مسألةُ مجتمَع. لقد كنتُ عارضةً يرسُمني الفنانون قبل زواجي من إد، ومهما كان ثرائي الآن فلن يقبَلَني مجتمعُهم.»
حكَّ العجوز ذقنه وهو شارد الذهن، كعادته كلما أصابته الحيرة. فهو الآن يُواجه مشكلةً تفوق قدرتَه على التصرُّف. ثم خطرت له فجأةً فكرةٌ مُفرِحة.
قال بنبرةِ ازدراءٍ شديد: «سيدات آل سنيد هؤلاء! ما قيمتهن على أي حال؟ لسن سِوى شَمْطاوات بائسات. لم يَكُنَّ بنصفِ جمالك يومًا. لمَ تهتمِّين بزيارتهن لكِ من عدمها؟»
قالت: «إنهن يُمثلن المجتمع. إذا جِئنَ فسيتبعهن الأخريات.»
قال العجوز: «لكن المجتمع لا يمكن أن يأخذَ عليكِ شيئًا. لم يقُل أحدٌ كلمةَ سوء في حق شخصيتك قط، بصرف النظر عن كونكِ عارضةً أو غير ذلك.»
هزَّت الفتاة رأسها بالنفي في يأس.
وقالت: «الشخصية لا تهمُّ في المجتمع.»
بالطبع كانت مخطئةً إلى حدِّ السُّخف في قولها الأخيرِ ذاك، لكنها شعرت بمرارةٍ من العالم كلِّه. مَن يعرفوا المجتمع يُدركوا جيدًا أن الشخصية تعني كلَّ شيء داخل حدوده المقدَّسة. لذا ينبغي ألا تُؤخَذ تلك العبارة الخاطئة على الفتاة القليلةِ الخبرة بالحياة.
قال لها الرجل العجوز مبتهجًا: «سأخبرك بما سأفعل.» ثم أردف: «سأتحدَّث إلى الجنرال سنيد غدًا. وسأحُل المشكلةَ كلَّها في خمس دقائق.»
سألت السيدة دروس الشابة في ريبة: «أتعتقدُ أنَّ هذا سيُفيد؟»
قال: «سيُفيد؟ بالتأكيد سيفيد! سيحُلُّ المشكلة تمامًا. فقد سبق أن ساعدتُ سنيد في النهوض بعد كبوةٍ ألمَّت به، وسيُساعدني هو في مشكلةٍ بسيطة كهذه بأسرعِ ما يمكن. سأتحدث مع الجنرال بهدوءٍ في الغد، وسترين عربةَ آل سنيد على عتبة الباب في اليوم التالي على أقصى تقدير.» وربَّت على يدها البيضاء الناعمة بحنوٍّ. وواصل كلامه قائلًا: «لا تقلقي من هذه الأمور التافهة يا فتاتي الصغيرة، وعندما تحتاجين إلى أيِّ مساعدة لا عليك إلا أن تُخبري الرجلَ العجوز. فهو يعرف الكثيرَ من الأمور، سواءٌ عن وول ستريت أو فيفث أفينيو.»
كان سنيد يُعرَف في نيويورك بالجنرال، وربما كان سبب ذلك أنه لم يكن يمتلك أيَّ خبرة عسكرية على الإطلاق. وكان يمتلك أكبر قدْرٍ من السُّلطة على الأمور المالية في أمريكا بعد دروس لكن بفارقٍ كبير. فلو كانت هناك صفقةٌ يقف فيها الجنرالُ ومعه العالمُ كلُّه ضد دروس، لراهن أغلب رجال وول ستريت على تغلُّب دروس عليهم. كما أن الجنرال كان يُعرَف بكونه رجلًا شريفًا، وهذا ما لم يكن في صالحه؛ إذ كان الجميع يعلم أن دروس كان معدومَ الضمير. أما لو عُرِف أن دروس وسنيد سيتَّحِدان في صفقةٍ بعينها، لكان على عالم المال في نيويورك أن يبحث عن ملجأٍ له منهما. لذا، فعندما رأى أهلُ نيويورك دروس العجوز يتسلل كفهدٍ يمشي على ساقين ويُرسل نظراتِه المختلَسةَ تتفقد القاعة الكبيرة، حتى عثر على سنيد فناداه بإيماءة جانبية لا يكاد أحدٌ يلحظها، ثم انتحى به في ركنٍ بعيد كان قد دُبِّر فيه من الخراب أكثر مما دُبِّر في أيِّ مكان آخرَ على الأرض، ويتحدث إليه بحماس؛ لزم السوادُ الأعظم من الرجال الصمتَ كأن على رءوسِهم الطيرَ، وتوقَّف القلبُ المالي لبلدٍ بأكمله عن النبض. وعندما رأَوا سنيد يُخرِج دفتره ويُومئ بالإيجاب لطلبِ دروس أيًّا كان، ارتعدت فرائصُ عالم المال في نيويورك، وامتدَّ الارتعادُ إلى العالم عبْر الإبراق، فأطلقت المراكزُ المالية في لندن وباريس وبرلين وفيينا إنذارًا بعاصفة وشيكة.
شلَّ عدمُ اليقين أسواقَ الأرض بسبب حديثٍ تهامسَ به مُقامِران عجوزان على مرأًى من جمْعٍ من الرجال الذين يُتابعونهما من طرْفٍ خفي.
قال جون بي بولر، رجلُ القمح البارز: «أنا مستعدٌّ لدفع نصف مليون لمعرفة ما يُدبِّر هذان الشيطانان العجوزان»، وكان جادًّا فيما يقول، وهو ما يدل على تعذُّر معرفة المرء لفائدةِ ما يريده، وعدم رضائه البتَّة عما يريد لو حصل عليه.
قال دروس: «اسمع يا جنرال، أريد منك أن تُسديَ إليَّ معروفًا.»
رد الجنرال: «بالطبع.» ثم أردف: «كلِّي آذانٌ مصغِيَة.»
قال دروس وهو يحكُّ ذقنَه ولا يعرف كيف يشرحُ الأمر في الجوِّ المالي البارد الذي وجَدا فيه نفسَيهما: «الأمر يتعلَّق بفتاتي الصغيرة.»
قال سنيد والحيرةُ تبدو عليه: «أوه! يتعلَّق بزوجة إد؟»
قال دروس: «نعم. إنها في حالةِ اضطرابٍ شديد بسببِ رفضِ ابنتَيك زيارتَها. وجدتُها تبكي لهذا السبب بعد ظهر السبت الماضي.»
قال الجنرال والحيرةُ لم تزَل على وجهه: «أترفضان زيارتها؟» ثم أردف: «ألم تزوراها بعدُ؟ اسمع، أنا لا أُولي مثلَ هذه الأمور الكثيرَ من الاهتمام.»
قال دروس: «ولا أنا. كلَّا، إنهما لم تزوراها. لا أفترضُ أنهما تعْنيان شيئًا بذلك، لكنَّ فتاتي الصغيرة تعتقد أنهما تعْنيان شيئًا بالفعل؛ لذا قلتُ لها إني سأُحدثكَ في هذا الشأن.»
قال سنيد: «من الجيد أنك حدَّثتَني. سأتدبَّر الأمر فور وصولي إلى المنزل. في أيِّ وقتٍ ينبغي أن أجعلهما تزورانها؟» وأخرج العجوز البريءُ دفتره وقلمه الرصاص دون أن يفهم كثيرًا ما يَعِدُ به جيدًا، ونظر إلى دروس مستفهِمًا.
قال دروس: «أوه، لا أعرف. أيُّ وقتٍ يُناسبهما. أعتقد أن النساء يعلَمْن هذه الأمورَ جيدًا. فتاتي الصغيرة تقبع في المنزل معظمَ وقتِ ما بعد الظهر، على ما أعتقد.»
تصافح الرجلان بودٍّ، وانهارت السوقُ على الفور.
استغرق الأمرُ ثلاثة أيام لعودةِ الوضع المالي إلى ما كان عليه. ولم يكن دروس كثيرَ الظهور في العلَن، وهو ما زاد نُذُر الخطر وَطْأةً. لم يتخلَّ كبارُ رجال الأعمال عن الحذر؛ لأنَّ الضربة المنتظَرة لم تكن قد وُجِّهَت بعد. وأبدَوْا رفضهم للاطمئنان، وقالوا إن تأثير الإعصار سيكون فادحًا عندما يضربهم بالفعل.
ظهر العجوز دروس بينَهم في اليوم الثالث، ولزم صمتًا مطبقًا أثار انزعاجَ مَن دأَبوا على دراسة قَسماتِه. وتعقَّد الموقف عندما بدا أن الجنرال كان يُحاول تجنُّبَه. لكن ذلك لم يَعُد ممكنًا في النهاية، والتقى الرجلان، وتبادلا بعضَ الكلمات ثم تمشيا معًا. وبدا دروس مُقلًّا في الكلام، واستمرَّ صمتُه التامُّ كما هو، في حين تحدثَ الجنرال بسرعةٍ وبدا أنه يطلب طلبًا لم يلقَ ردًّا. وارتفعت الأسهمُ على الفور ببعض النقاط.
كان الجنرال يقول: «اسمع يا دروس، الأمر كما يلي: للنساء عالَمُهن الخاصُّ، ولنا عالَمُنا الخاص. إنهن إلى حدٍّ ما …»
قاطعه دروس بسؤال باقتضاب: «هل ستزورانها؟»
قال سنيد: «دعني أُنهِ ما كنتُ سأقول. للنساء قواعدُهن في التعامل، ولنا نحن …»
كرَّر دروس سؤاله بالنبرةِ الجافَّة نفسِها: «هل ستزورانها؟»
نزع الجنرال قبَّعته ومرَّر منديله على جبينه والجزءِ الخالي من الشعر في رأسه. وودَّ لو كان في أي مكانٍ آخر، ولعن في سره جنسَ النساء وكلَّ سخافاتهن. وبعد أن مسح العَرق عن جبينه واستعاد زمام نفسِه، تحدَّث بلهجة احتجاج.
«اسمع يا دروس، دَعْك من هذا كلِّه، ولا تضَعْني في موقفٍ محرج. افترض أني طلبتُ منك أن تذهب إلى السيدة إد وتُخبرها بألا تُقلقَ نفسَها بالتفاهات، هل تعتقد أنها كانت ستكفُّ عن ذلك فقط لأنك طلبتَ منها ذلك؟ فلتتعقَّل!»
فهم الجنرال من صمت دروس أنه يُوافقه الرأي.
فواصل كلامه قائلًا: «رائع جدًّا، إذن. أنت أكبرُ مني مقامًا، وإذا لم تستطِع أن تتدبَّرَ أمرَك مع شابةٍ واحدة تطلب رضاك، فماذا تتوقَّع أن أفعلَ مع امرأتين متقدمتَين في السنِّ شديدتَي العناد؟ الأمر كلُّه محضُ تُرَّهات سخيفة على أي حال.»
ظل دروس صامتًا. وبعد وقتٍ من التوقُّف المزعج، واصلَ الجنرال المتحير حديثه المرتبك قائلًا:
«كما قلتُ في البداية، للنساء عالَمُهن، ولنا عالَمُنا. اسمع يا دروس، أنت رجل تتميز بحُسن التمييز. ماذا سيكون رأيك لو أتت السيدة إد إلى هنا وأصرَّت على شرائك لأسهمِ واباش وأنت تريد شراءَ الكثير من أسهم ليك شور؟ أترى مدى سخف ذلك؟ رائعٌ جدًّا، إذن نحن ليس لنا حقٌّ في التدخل في شئون النساء كما ليس لهن حقٌّ في التدخل في شئوننا.»
قال دروس بغضبٍ متصاعد: «لو أرادت فتاتي الصغيرة كلَّ أسهم واباش سستم، لاشتريتُها لها غدًا.»
قال الجنرال: «يا إلهي! كان ذلك سيُحدِث هبوطًا كبيرًا في السوق!» وقد طغت فداحةُ ردِّ دروس مؤقتًا على عدم الارتياح الذي شعر به الجنرال. ثم واصل: «ومع ذلك، ينبغي ألا يؤثِّر ذلك على صداقتنا بأيِّ نحو. وإذا كان بإمكاني أن أساعد ماليًّا بأي نحو، فبكل تأكيد ﺳ…»
قال دروس باستهزاء: «أنا أحتاج إلى مساعدة مالية منك؟!» ولم يتلقَّ هزيمتَه بصدرٍ رحب. ومع ذلك فقد استعاد زِمامَ نفسه بعد دقيقة أو اثنتين ويبدو أنه تناسى مشكلته.
وقال بعد أن تمالكَ نفسه: «ما هذا الهُراء الذي أقوله؟» ثم أردف: «كلنا نحتاج إلى المساعدة من وقتٍ إلى آخر، ولا نعرف متى قد نكون في أمسِّ الحاجة إليها. في الواقع، هناك صفقة بسيطة أردتُ الحديث معك عنها اليوم، لكن هذه المشكلة السخيفة أنسَتْني إياها. كم تمتلك من الأوراق المالية الخاصة بجيلت إيدجد؟»
رد الجنرال وقد انفرجَت أساريرُه بعد أن تجاوزا المشكلة: «ما تبلغ قيمته ثلاثةَ ملايين تقريبًا.»
قال دروس: «سيكون هذا كافيًا لي إذا أمكن أن نعقد اتفاقًا. فلنذهَب إلى مكتبك. فهذا المكان عامٌّ أكثر مما يُناسب حديثنا.»
فخرجا معًا.
قال الجنرال، بينما كان ينهض دروس حاملًا الأوراقَ المالية في حقيبة يده: «إذن ليس هناك أيُّ مشاعر سلبية فيما بيننا؟»
قال دروس: «نعم. سنُركز على العمل فقط فيما بعد، وندَعُ المسائل الاجتماعية جانبًا. بالمناسبة، لتأكيد عدم وجود أي مشاعر سلبية، لمَ لا تأتي معي إلى البحر لنستنشق بعض الهواء؟ ما رأيك في يوم الجمعة؟ لقد أرسلتُ برقيةً لتجهيز اليخت لتوي، وهو سينطلق من نيوبورت اليوم. سيكون على متنه بعض الشمبانيا الفاخرة.»
قال الجنرال: «أظن البحارة يعتبرون يوم الجمعة يومَ شؤم!»
قال دروس: «ليس بحَّارتي. هل تُناسبك الساعة الثامنة أم سيكون ذلك مبكرًا جدًّا بالنسبة إليك؟ دعنا نتقابَلْ على رصيف مرفأ توينتي ثرد ستريت.»
تردَّد الجنرال. فقد أصبح دروس وَدودًا لدرجةٍ لافتة فجأة، وكان يعرفه بما يكفي للارتياب منه قليلًا. لكنه عندما تذكَّر أن دروس نفسه سيأتي معه قال: «أين يمكن أن تصلَنا أيُّ برقيات مهمة؟ فالسوق مضطربة قليلًا، ولا أحب أن أكون خارجَ المدينة طَوال اليوم.»
قال دروس: «وجودنا معًا على اليخت سيجعل السوق تستقر. لكن يُمكننا التوقفُ في لونج برانش لتسلُّم الرسائل إذا كان ذلك ضروريًّا بالنسبة إليك.»
قال الجنرال بارتياح كبير: «اتفقنا.» ثم أردف: «سأقابلك في تونتي ثرد ستريت الساعة الثامنة صباح الجمعة إذن.»
كان يخت دورس الذي يحمل اسم سيهاوند سفينةً بُخارية عظيمة، حجمه مُقاربٌ لحجم العبَّارات التي تقطع المحيط الأطلنطي. وشاع اعتقادٌ في نيويورك ذلك الحينَ أن دروس يحتفظ به فقط ليتمكَّنَ من الهروب على متنه إذا فاض الكيلُ بالبلاد منه وطالبت بدمِه. وسرَت شائعاتٌ مفادها أن صابورة يخت سيهاوند التي تُثقِل وزنه لتثبيته أثناءَ إبحاره كانت بها قِطعٌ من الذهب الصُّلب وأن اليخت كان مزوَّدًا بمؤنٍ تكفي لعامين. غير أن السيد بولر رأى أن الطبيعة تميل إلى العودة إلى وضعها الأصلي، وأنه في صباح يومٍ صَحْوٍ سيرفع دروس الرايةَ السوداء ويُبحر بعيدًا ويمتهن القرصنة بمفهومها الحقيقي.
كان المضارِب العتيد يرتدي بِذْلةً بَحْريَّة كاملة وينتظر الجنرال، ثم وصل الجنرال في عرَبتِه وما إن صعد على متن اليخت حتى أُلقي بحبال الرسو وانطلق يختُ سيهاوند ببطءٍ في الخليج. كان الضباب كثيفًا بعضَ الشيء ذلك الصباح فاستلزم ذلك التحرُّكَ بحرص، وقبل أن يَصِلا إلى الحاجز الرسوبي زادت كثافة الضباب مما اضطرَّهم إلى التوقُّف، وقُرعت الأجراس وانطلقَت الصافرات. وظلوا في مكانهم حتى الحاديةَ عشرة تقريبًا، لكن الوقت مرَّ سريعًا؛ فقد كانت كلُّ صحف الصباح موجودةً لِيَقرَآها، ولم يكن أيُّ الرجلين قد حَظِي بفرصةِ قراءتها قبل مغادرة المدينة.
ولما انقشع الضباب وأُعيد تشغيل المحركات، أرسل القبطان مَن يطلب من السيد دروس الصعودَ إلى سطح السفينة للحظة. وكان القبطان رجلًا يتَّسم بالدهاء ويفهم مُراد رئيسه.
قال القبطان: «هناك قاربٌ قادم نحونا يا سيدي، يشير إلينا أن نتوقف. فهل نتوقف؟»
حكَّ العجوز دروس ذقنه متفكرًا، ونظر إلى مؤخَّرة اليخت. فرأى قاربًا يتصاعد منه دخانٌ أسود ويتوجَّه نحوهم صاعدًا فوق تكتل من الزَّبد الأبيض. رفرفَت بعض الرايات من الصاري الوحيد الموجود في مقدمة القارب، وقطعت الصافرات القصيرة الحادة سكونَ الهواء.
سأل دروس: «هل يمكن للقارب اللَّحاقُ بنا؟»
ابتسم القبطان. وقال: «لا يمكن لشيء في المرفأ اللحاقُ بنا يا سيدي.»
قال دروس: «رائع جدًّا. انطلق بأقصى سرعةٍ إذن. لا تردَّ على الإشارات. تظاهَرْ بأنك لم ترَ شيئًا!»
رد القبطان: «حسنًا سيدي»، وانطلق للعمل.
على الرغم من أن حركة محركات يخت سيهاوند لم تكن محسوسة تقريبًا، فلم تُفلح كل محاولات القارب للَّحاق به. وعندما أطلق اليختُ العِنانَ لسرعته تأخَّر القارب البخاري الصغير عنه تدريجيًّا حتى كفَّ عن مطاردته التي لم تكن لتُفلح. وعندما أصبح اليخت في عُرض البحر، طرأ عُطلٌ ما في المحركات، فتوقفوا للمرة الثانية لعدة ساعات. فاستُبعِدَت فكرة التوقف في لونج برانش.
قال الجنرال: «قلت لك إن الجمعة يومُ شؤم.»
كانت الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم قبل أن يُصبح يخت سيهاوند أمام رصيف شارع تونتي ثرد.
قال دروس: «سأُضطرُّ إلى إيصالك إلى الشاطئ في قاربٍ صغير، وأتمنى ألا تُمانع في ذلك. فالقبطان ليس متأكدًا من سلامة المحركات ولا يُريد الاقتراب من البر.»
قال الجنرال: «أوه، أنا لا أُمانع على الإطلاق. طابت ليلتك. كان يومًا رائعًا.»
قال دروس: «يُسعدني أنك استمتعتَ به. سنخرج في رحلةٍ أخرى معًا في وقتٍ آخر، وأتمنى ألا يحدث حينها الكثيرُ من الأشياء مثلما حدث اليوم.»
وجد الجنرال عربته في انتظاره، لكن الضوء الآخذ في الخفوت لم يكن كافيًا ليرى ابنَه حتى أصبح على البرِّ مرة أخرى. وذُعر العجوز عندما رأى النظرة التي كانت على وجه ابنه.
قال الجنرال: «يا إلهي! جون، ماذا حدث؟»
رد ابنُه: «حدث الكثير. أين الأوراق المالية التي كانت في الخزينة؟»
رد الجنرال في ارتياح: «أوه، إنها في مأمن.» ثم خطرَت له فكرة، فتساءل كيف عرَف جون أنها ليست في الخزينة. فقد كان سنيد يُدير كلَّ أموره بنظامٍ صارم، ولم يعلم أحدٌ غيرُه الرقم السري لفتح الخزينة.
سأل الجنرال: «كيف عرَفتَ أن الأوراق المالية ليست في الخزينة؟»
أجابه ابنه: «لأني اضطُرِرت إلى فتح الخزينة بتفجيرها الساعة الواحدة اليوم.»
قال الجنرال: «فجَّرتَ الخزينة! يا إلهي، لماذا فعلت ذلك؟»
قال ابنه: «اركب العربة وسأخبرك ونحن في الطريق إلى المنزل. لقد انهار كلُّ شيء. كل أسهُم سنيد انهارَت بسرعةٍ كبيرة. أرسلنا قاربًا ليلحقَ بك، لكن ذلك الشيطان العجوز أخذك بعيدًا. لو تمكنتُ من أخذِ تلك السندات لكان بمقدوري وقفُ الانهيار على الأغلب. كان من الممكن إنقاذُ الموقف حتى الواحدة بعد الظهر، لكن بعدما تجاوزَ الوقتُ الواحدة ولم يرَنا رجالُ وول ستريت نحرِّك ساكنًا، لم يكن لمخلوق أيًّا كان أن يوقف الانهيار. أين السندات؟»
قال الجنرال: «بِعتُها لدروس.»
سأله ابنه: «وكيف قبَضتَ الثمن؟ نقدًا؟»
رد الجنرال: «أخذت منه شيكًا يُصرَف من مصرف تراست ناشونال بانك.»
صاح الشاب: «وهل صرفتَه؟ هل صرفته؟» ثم أردف: «وإذا كنتَ قد فعلتَ فأين النقود؟»
قال الجنرال: «طلب مني دروس ألا أصرفَ الشيك قبل الغد.»
صدرت عن الشاب إيماءةٌ تدل على اليأس.
وقال: «لقد انهار تراست ناشونال اليومَ في الساعة الثانية. لقد أصبحنا فقراءَ يا أبي، لم يَعُد في حوزتنا سنتٌ واحد بعد الانهيار. وموضوع الشيك من الواضح أنه وسيلةُ احتيال … لكن ما فائدة الكلام؟ العجوز دروس هو مَن بحوزته النقود، ويُمكنه رِشوةُ كلِّ مَن يريد من رجال القانون في نيويورك. يا إلهي! ليتني ألتقي به للحظاتٍ وفي يدي مسدَّس ذو سبعِ طلقات محشوٌّ بالطلقات! يمكننا عندئذٍ أن نعرف بمَ قد ينفعه رجال القانون.»
هزَّ الجنرال سنيد رأسه في أسًى تعبيرًا عن الرفض.
وقال: «لا فائدة من ذلك يا جون.» ثم أضاف: «نحن نفعل مثلَه، لكن هذه المرة نحن مَن وقَعنا ضحية. لقد خدَعني ببراعةٍ متظاهرًا بالتودُّد إليَّ.» ولم ينبس أيُّ الرجلين بكلمة بعد ذلك حتى توقفَت العربة أمام القصرِ المبنيِّ من الطوب البنِّي الذي كان يملكه الجنرال حتى وقتٍ سابق من ذلك اليوم. كان في انتظاره ستةَ عشر صحفيًّا، إلا أن العجوز تمكَّن من الهرب منهم ووصل إلى غرفته، وترك جون يتولى أمرهم.
وفي صباح اليوم التالي امتلأَت الصحف بأخبار الكارثة. وذكرت أن العجوز دروس خرَج في رحلة على يخته إلى ساحل نيو إنجلاند. واستنتجَت الصحفُ من ذلك رغم كل ما جرى أن دروس قد لا تكون له يدٌ في وقوع الكارثة، فخالفوا بذلك دأبَهم في إلقاء اللوم عليه في كلِّ ما يحدث. ومع ذلك، فقد أقرَّت الصحف بأنه رغم تكبُّد الكثيرين للخسائر، لم يلحَقْ بأسهمِ دروس أيُّ ضرر. وأجمع الجميعُ على الانهيار التام لآل سنيد، بصرفِ النظر عما قصَدوه بذلك. ولم يسمح الجنرال لأيِّ صحفي بمحاورته، أما سنيد الابن فلم يسَعْه سوى إطلاقِ لسانه باللعنات.
وقبل الظهر بقليل، تسلَّم الجنرال سنيد الذي لم يكن قد غادر المنزل رسالةً حملها إليه رسول.
فتحَها متعجلًا؛ إذ تعرَّف على خط يدِ ذلك المضارب العتيد فيما كان مكتوبًا على المظروف.
عزيزي سنيد
ستُلاحظ مما كُتب في الصحف أني خرَجتُ في رحلةٍ بحرية، لكن الصحف أخطأت كعادتها عندما تكتب عني. نمى إلى علمي أن اضطرابًا أصاب السوق ونحن في رحلتنا بالأمس، ويُسعدني القول إن سماسرتي الأذكياء ساعَدوني بأكثرَ من طريقة. أتساءل كثيرًا عن سبب حدوث هذه الاضطرابات، ولكني أفترض أنها تحدثُ لتُعلِّم المرءَ أن يشتريَ بعض الأوراق المالية الجيدة بسعرٍ مناسب إذا كان يملك ثمنها. وربما كان الغرضُ منها تعليمَ المتباهين بثرائهم درسًا في التواضع. ما نحن إلا كائناتٌ فانية يا سنيد، اليوم نعيش وغدًا نموت. يا لحمق التعالي! وهذا يُذكِّرني بأمرٍ آخَر: إذا حدث أن أدركَت ابنتاك أن الثراء لا يدوم كما أُدرِكُ أنا، أتمنى أن تطلب منهما الزيارة. لقد وضعتُ الأوراق المالية في صُرَّةٍ مغلقة ومنحتُها لزوجةِ ابني. إنها ليس لديها أدنى فكرةٍ عن قيمتها، لكنها تعتقد أنها هديةٌ بسيطةٌ مني لابنتَيك. إذا حدث أنْ جاءتا للزيارة، فستُقدِّمها لهما، أما إذا لم تأتيا، فسأستخدم محتوى الصُّرة في تأسيس مدرسةٍ لتعليم الأخلاق للشابَّات اللاتي كان أجدادُهن يتَّخذون من تربية الخنازير مهنةً، كما كان هو الحال مع جدي. إذا انسجمَتِ السيداتُ معًا، أعتقد أنه يُمكنني إبرامُ صفقةٍ معك الأسبوعَ القادم تُعوِّضك عما حدث يوم الجمعة. أنت تروقني يا سنيد، لكنَّ عقليَّتَك لا تصلح للتِّجارة. يُمكنك استشارتي أكثر.
زارت ابنتا آل سنيد السيدةَ إدوارد دروس.