حديث تليفوني غريب … في بيت شريف!
وجد «أحمد» في حجرته معلوماتٍ كاملةً عن «جاك الصلب» وعن الدكتور «برايت» وعن «شريف عربي» في نفس الوقت، كانت أسماء المجموعة قد تحدَّدَت … فسوف يشترك فيها «أحمد»، و«قيس»، و«فهد»، و«مصباح». فكر «أحمد» لحظةً ثم قال في نفسه: هل تكفي هذه المجموعة للقيام بهذه المغامرة الصعبة؟ ثم أجاب على تساؤله: إن البحث سوف يدور حول «جاك الصلب» والدكتور «برايت»، ولكن البحث عنهما سوف يكون مضيعةً للوقت … فإذا بدأنا البحث عن الدكتور «برايت» فمَن يدري قد يكون «جاك الصلب» قد نفَّذ مهمته … إن العمليةَ كلَّها ينبغي أن تدور حول حماية «شريف عربي». نظر في ساعة يده، ثم قال لنفسه: ينبغي أن نبدأ الآن حتى لا نُضيعَ وقتًا.
رفع سماعة التليفون فجاء صوت «فهد»: نحن في انتظار البداية …
ابتسم «أحمد»، وقال: الآن وفورًا …
ثم وضع السماعة وأسرع في تجهيز حقيبته السحرية. وفي دقائق كان يأخذ طريقَه إلى الخارج. وعند نقطة اللقاء اجتمع الشياطين الأربعة، وبسرعة كانوا يأخذون طريقهم إلى المطار السري الصغير الذي يقع خلف مبنى المقر السري.
في دقائق كانوا يركبون الطائرة التي كانت جاهزةً للإقلاع، وفي ظلمة الليل غادرت الطائرة الخاصة المطارَ الصغير في طريقها إلى أمريكا، إن الرحلة إلى أمريكا طويلة فعلًا؛ فالطائرة تقطعها في حوالي تسعَ ساعات … لكن الطائرة الخاصة كانت تتميز بسرعة عالية أكثر من طائرات السفر العادية … ولذلك فهي تختصر الزمن إلى أربع ساعات فقط.
في صالون الطائرة جلس الشياطين، وأخذ «أحمد» يحدِّثهم عن أهمية «شريف عربي» وأبحاثه.
سأل «فهد»: ما المقصود بتنمية آبار البترول؟!
قال «أحمد»: المقصود هو تنمية مواردها … بمعنى أنه إذا كان عمرُ بئرِ البترول عشرَ سنوات مثلًا، ويعطي خمسمائة ألف برميل في اليوم … فإن تنميته تجعل عمرَه يتضاعف، مع إمكانية زيادة ما يُعطيه … ويحدث هذا عن طُرُق معروفة لجميع شركات البترول … لكن «شريف عربي» قد توصَّل إلى طريقة فريدة لتحقيق ذلك!
سأل «قيس»: هل قرأتَ شيئًا عنها؟
أجاب «أحمد»: للأسف لم ينشر «شريف عربي» بحثَه، وإن كان قد تحدَّث عنه؛ فالطريقة التي اكتشفها تعتبر سرًّا هامًّا وخطيرًا!
سأل «مصباح»: ولماذا يتخلصون من «شريف عربي» إذا كانوا هم أنفسهم يستفيدون من أبحاثه!
قال «أحمد»: المسألة لها أكثر من وجه … أولًا أن ينتهيَ عمرُ آبار البترول العربية … فلا تصبح هناك منافسة في السوق … ثانيًا تصبح الشركات الكبرى الغربية والشرقية هي صاحبة السوق الوحيد … وإذا حدث هذا، فإن الشركات التي أعتقد أنها خلفَ عملية التخلص من «شريف عربي» هذه الشركات سوف تفرض السعر الذي تريده!
سكت لحظةً، ثم أضاف: أنتم تذكرون حرب أكتوبر العظيمة التي انتصرنا فيها، والذي لعب سلاح البترول دوره كاملًا، وقد ارتفعت أسعارُه في تلك الفترة إلى ٤٢ دولارًا للبرميل، وهذا حقق للعرب ثرواتٍ هائلةً. وعندما انتهت الحرب أيقنت هذه الشركات أن العرب يملكون سلاحًا عظيمًا … إذا استخدموه حققوا الكثير … ولذلك أسرعت هذه الشركات إلى تخزين البترول العربي حتى إذا تشبَّع السوق العالمي به … بدأ سعره يتراجع حتى وصل إلى ٩ دولارات للبرميل، ولاحظوا الفارق الكبير بين الحالتين، سعره أيام الحرب وسعره أيام السلم.
قال «فهد»: إذن الشركات تستطيع أن تستردَّ ما دفعَتْه مرةً أخرى إذا هي تحكَّمَت في سعر سوق البترول!
قال «أحمد»: هذه حقيقة، فإذا انتهى البترول العربي عُدْنا تحت رحمتهم، يفرضون علينا ما يشاءون، وهذه هي قضية «شريف عربي» عالِمِنا الشاب!
جاء مضيف الطائرة وقدَّم إليهم الشاي، ثم اختفى في نفس الوقت … جاء صوت كابتن الطائرة يقول: كابتن الطائرة وطاقمها يحيُّونكم، ويتمنَّون لكم رحلة موفقة!
أخذ الشياطين يحتسون الشاي الساخن في هدوء لم يقطعه سوى صوت «مصباح»: أقترح أن ننام بقية الوقت … فإن المغامرة لن تُعطيَنا وقتًا للراحة!
عندما انتهَوا من شرب الشاي، استغرق كلٌّ منهم في النوم مباشرة حتى «أحمد» استغرق هو الآخر في النوم، ولم يُوقظهم سوى صوت الكابتن يقول: نحن نقترب من القارة الأمريكية، وبعد ساعة بالضبط سوف نكون في مطار «دلاس»!
برغم أنهم جميعًا قد استيقظوا إلا أن أحدًا منهم لم يبرح مكانه، ظلُّوا في مقاعدهم في حالة استرخاء تام … وعندما قال الكابتن مرةً أخرى إن الطائرة تدخل مطار «دلاس» قفز الشياطين بسرعة، وأصبحوا مستعدين للخروج، وبرغم أنهم كان يجب أن يظلوا في مقاعدهم حتى تقف الطائرة … إلا أنهم لم يفعلوا ذلك … لقد كانوا قلقين تمامًا.
ﻓ «جاك الصلب» يمكن أن يكونَ قد اقترب من «شريف عربي» إن لم يكن قد قضى عليه عندما توقَّفت الطائرة على أرض مطار «دلاس»، كان النهار في منتصفه … وقال «أحمد»: إنه فارق التوقيت بين المقر السري وولاية تكساس!
نزل الشياطين بسرعة … بعد أن حيَّوا الكابتن، وشكروا طاقم الطائرة … وعندما أصبحوا خارج المطار … كانت هناك سيارة في انتظارهم … ما إن وقعَت أعينُهم عليها حتى عرفوها، أخرج «أحمد» جهازًا دقيقًا من حقيبته السحرية، ثم ضغط عليه، فانفتحَت أبواب السيارة، قبل أن يصلوا إليها … جلس «فهد» إلى عجلة القيادة، وبجواره «أحمد»، وجلس في الخلف «قيس» و«مصباح» … عندما أدار «فهد» موتور السيارة تحرَّك مؤشر البوصلة … فعرف «فهد» اتجاهَ السيارة؛ حيث يوجد بيت «شريف عربي». في نفس الوقت كان «أحمد» يحمل رقم البيت … قطعوا الطريق من المطار إلى شارع «١٦١» في أقل من ساعة …
قال «أحمد»: الرقم «٢٨»!
في ثلث الشارع أضاءت لمبة حمراء في تابلوه السيارة، فتوقَّف «فهد»، وكان وقوفه أمام فيلَّا صغيرة يحوطها سورٌ حديدي … تلتفُّ حوله النباتات … لكنها لا تُخفي الفيلَّا. نظر «أحمد» إليها، فقرأ «رقم ٢٨»، همس: هنا يسكن «شريف عربي».
قال «قيس» ينبغي أن نتعرف عليه.
أكمل «مصباح»: ولا يجب أن يعرف مهمَّتَنا … فقد تكون معرفتُه معطلةً لنا!
اقترب «فهد» بالسيارة من الباب … فأصدر صوتًا عاليًا … أوقف السيارة على الجانب الأيمن … ونزل «أحمد» إلى باب الفيلَّا … فصدر صوتٌ آخر مختلف … ثم جاء صوتٌ يقول: مَن بالباب؟
ردَّ «أحمد» في ميكروفون صغير مثبَّت في سور الفيلَّا: ضيوف عرب!
كان يتحدث بالعربية، فجاءه الصوت يقول: مرحبًا بكم … منذ مدة لم أسمع أحدًا يتحدث العربية!
تقدَّم الشياطين إلى الباب، فانفتح، ودخلوا … ألقى «أحمد» نظرة سريعة على المكان … كانت هناك حديقة صغيرة تُحيط الفيلَّا … وكان أكثرَ ما يميزها نخلةٌ عالية … وعددٌ من أشجار البرتقال … ابتسم «مصباح»، وقال: «شريف عربي» لم ينسَ بلاده، فاصطحب معه نخلة!
رنَّت ضحكةٌ واثقة، وجاء صوت يقول: وهل يمكن أن ننسى بلادنا!
ثم أضاف: مرحبًا بكم!
تقدَّموا من باب الفيلا الذي انفتح أمامهم، فتقدَّم «أحمد» وتَبِعه الآخرون بعد أول خطوة ظهر «شريف عربي»، كان شابًّا بين الثلاثين والأربعين قويَّ البنيان … أسمرَ اللون، له لحيةٌ صغيرة أنيقة، يبدو الذكاءُ في ملامحه! تُغطِّي وجهَهُ ابتسامةٌ طيبة، رحَّب بهم وهو يمدُّ يدَه إلى كلٍّ منهم ويسلِّم سلامًا قويًّا: أهلًا … «شريف عربي»!
ردَّ «أحمد» وهو يهزُّ يدَه بقوة: أهلًا بك وأنت لستَ غريبًا عنَّا؛ فنحن نعرفك تمامًا.
ابتسم «شريف عربي» ابتسامةً عريضةً، وحيَّا «فهد»، ثم «مصباح» وأخيرًا «قيس»، ثم دعاهم إلى صالون ذهبي اللون … كانت حجرةُ الصالون خاليةً من أية صورة … ولم تكن هناك سوى آية قرآنية تقول «فالله خير حافظًا». ابتسم «أحمد» عندما قرأها، وهمس وهو ينظر إلى «شريف عربي»: هذه حقيقة!
ابتسم «شريف عربي» وهو يقول: بالتأكيد … فإذا كان الله سبحانه لا يحفظ الإنسان … فمَن يحفظه؟!
عندما جلسوا … قال: قبل أن نبدأ الحديث: ما رأيكم في القهوة العربية؟
ابتسم «فهد»، وقال: إنها ضيافتنا!
قال «شريف عربي»: إذن سأتغيَّب عنكم دقائق … أجهِّز لكم القهوة وأنتم في بيتكم … ولستم ضيوفًا!
ثم أخذ طريقَه خارجًا. جرَت أعينُ الشياطين بسرعة في أرجاء الصالون تكشف ما فيه … كانت هناك نخلةٌ من النحاس، يرقد تحتها جمل، ونموذج صغير لخيمةٍ عربية، وبعض المشغولات، في نفس الوقت كان هناك بابٌ مغلق غير الباب الذي خرج منه «شريف عربي». أما النوافذ فكانت هناك اثنتان تُطلَّان على الحديقة. وقف «أحمد» ينظر إلى الحديقة من النافذة ويرصد إمكانية الحركة فيها … فجأة جاء صوت «شريف عربي» يقول: إنها تكفي … فلا داعيَ لحديقة كبيرة …
التفت «أحمد» إليه فوجده يحمل صينيةً من الفضة … فوقها خمسةُ فناجين للقهوة وإبريق، أضاف «شريف عربي»: إن رعاية حديقة كبيرة يُكلِّف الكثير، لكن هذه فهي تأخذ مني يومًا أرعاها فيه.
كان يتحدث وهو يصبُّ القهوة، ويقدِّمها لهم، وعندما جلس، سأل «فهد»: هل أنتم في مهمة خاصة.
ابتسم «أحمد»؛ فقد كان هذا هو التعبير الصحيح … لكنه قال: نحن في رحلة سياحية.
ضحك «شريف عربي» وهو يقول: لعلني أصبحتُ أحدَ المعالم السياحية في مدينة «دلاس»!
ابتسم «أحمد» وقال: أنت فخر لنا جميعًا. إن العالم الشهير «شريف عربي» تفخر به أمَّتُه العربية!
ظهرَت الدهشة على وجه «شريف عربي»، وقال: أنت تبالغ كثيرًا يا صديقي!
فجأة … تردَّد صوتُ رنين التليفون. ضغط «شريف عربي» على زرٍّ في منضدة صغيرة بجواره، ثم تحدَّث دون تليفون، وقال: مَن هناك؟
جاء صوت خشن يقول: نادي الصحافة الدولي!
ردَّ «شريف عربي»: ماذا تريد؟
قال الصوت: سوف تتحدث إليك الآنسة «جافيز» سكرتيرة النادي!
انتبه الشياطين، وجاء صوت الآنسة «جافيز» يقول: مساء الخير يا سيدي!
ردَّ: مساء الخير … هل من خدمة أؤدِّيها؟
قالت: نرجو أن تشرِّفَنا بإلقاء محاضرة عن بحثك الجديد … في أيِّ يوم تُحدِّده!
انتبه الشياطين أكثر، وقال «شريف عربي»: أرجو أن تعاودي الاتصال غدًا لنتفق.
شكرَته الآنسة «جافيز» ثم انتهَت المكالمة … لكن الشياطين كانوا يفكرون في شيء آخر …