الشياطين … يقتربون من الهدف!
ضحك «شريف»، وقال: ما رأيكم في حضور هذه المحاضرة، هذا إذا كان عندكم بعض الوقت.
ردَّ «أحمد» بسرعة: إن هذا يُسعدنا جدًّا.
مرَّت لحظة سريعة، ثم سأل «أحمد»: هل هذا النادي معروف في المدينة؟
ردَّ «شريف»: جدًّا، وهو ينظِّم ندوات للمشاهير، وأصحاب الاكتشافات والأبحاث، وندواته تُعدُّ نوعًا من المؤتمر الصحفي!
سأل «فهد»: هل هذه أول مرة تُدعَى فيها للنادي؟
ردَّ: نعم. غير أني حضرتُ عددًا من اللقاءات التي عُقِدت فيه.
سكت لحظةً، ثم ظهرَت على وجهه علاماتُ الاستفهام، وسأل: أرى أنكم تقومون بتحقيق معي!
ضحك الشياطين، وقال «أحمد»: فقط نريد أن نعرف؛ فهذه أول مرة نلتقي فيها معك … وأول مرة ننزل فيها مدينة «دلاس»!
ردَّ «شريف»: مع ذلك، فالأسئلة تجعلني أشك فيما وراءها!
مرةً أخرى ضحك الشياطين، وقال «فهد»: هل نستطيع أن نعرف فيما تشك.
تردَّد «شريف» لحظةً، ثم قال: لا أدري. إلا أن الأسئلة تجعلني أذهب بتفكيري بعيدًا!
فجأةً رنَّ جرس التليفون. أسرع «شريف» إليه خارجًا من الغرفة. قال «مصباح» بسرعة: يجب تسجيل هذه المكالمة؛ فأنا أشك كثيرًا في الآنسة «جافيز» وفي نادي الصحافة الدولي، ولا تنسَوا أن «جاك الصلب»، يظهر في شكل آنسة!
ضغط «أحمد» زرًّا في جهاز صغير يحمله في الحقيبة، فبدأ في تسجيل المكالمة. غاب «شريف» ثم عاد … وقال: إنهم سوف يُرسلون سيارة لتنقلني إلى هناك غدًا.
ثم ابتسم، وقال: هل لديكم سيارة؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: مع الأسف لا نملكها!
ضحك «شريف» وقال: إذن يمكن أن تستخدموا سيارتي، ما دمتُ سوف أستقلُّ سيارة الآنسة «جافيز»!
ابتسم الشياطين، وقال «أحمد»: متى ستصل السيارة؟
ردَّ «شريف»: في الحادية عشرة صباحًا.
قال «أحمد»: إذن اسمح لنا أن نكون هنا في العاشرة!
قال «شريف»: لا داعي، فسوف أرسل لكم السيارة حيثما كنتم.
قال «فهد»: نفضِّل أن نكون معك من البداية.
وقف «أحمد»، فقال «شريف»: إلى أين؟ إنني سأدعوكم لقضاء الليلة معي!
ثم أضاف: يمكن أن نسهرَ في أحد الأندية المعروفة في مدينة «دلاس»!
ردَّ «أحمد»: لا بأس، ونرجو أن تسمح لنا بالانصراف؛ نحن في حاجة إلى الراحة وتغيير ثيابنا!
ابتسم «شريف»، وقال: إذن، إلى اللقاء … ولو أنني سوف أظل أشك فيما دار من أسئلة.
ابتسم الشياطين. وحيوه، ثم انصرفوا.
في الطريق، قال «مصباح»: ينبغي أن نسمع تسجيل المكالمة!
أخرج «أحمد» الجهاز من حقيبته ثم ضغط الزر، فجاءت المكالمة مسجلةً للطرفين. قال «شريف»: مَن المتكلم؟
صوت آنسة: الآنسة «جافيز»!
نظر الشياطين إلى بعضهم. قال «شريف»: أهلًا!
جاء صوت «جافيز»: أهلًا، كنت أفكر أن أعرض عليك إرسال سيارة خاصة بالنادي لتنقلك إلينا.
مرَّت لحظةُ صمت. مرةً أخرى نظر الشياطين إلى بعضهم. طالَت اللحظة، فقال «قيس»: يبدو أن «شريف» يفكر في القرار.
جاء صوت «شريف»: لا بأس، ولكن معي بعض الضيوف.
مرَّت لحظةُ صمت مرةً أخرى، ثم جاء صوت الآنسة «جافيز»: مرحبًا بهم، لكن أظن أن السيارة لن تتَّسع لكثيرين.
ثم لحظة صمت أخرى، وجاء صوت «جافيز»: كم عددهم؟
جاء صوت «شريف» يرد: أربعة.
جاء صوت الآنسة «جافيز» يقول بسرعة: إذن لا بد من استخدام سيارة أخرى.
ردَّ «شريف» مباشرةً: لا بأس، سوف أُعطيهم سيارتي.
فجأةً، أوقف «فهد» السيارة، وهو يهتف: انظروا.
وأشار إلى اتجاه. فنظر الشياطين بسرعة إليه، وامتلأت وجوهُهم بالدهشة. لقد كانت هناك لافتة معلَّقة فوق إحدى شقق عمارة ومكتوب عليها: دكتور برايت، دكتوراه في جراحة التجميل.
قال «فهد»: هذه فرصة جيدة.
قال «مصباح»: لاحِظ أن دكتور «برايت» قد اختفى.
ردَّ «فهد»: لا بأس من المحاولة.
مرَّت لحظةُ صمتٍ. كان الشياطين يفكِّرون خلالها في اتخاذ قرار. هل يحاولون؟! … أو أنه لا داعيَ حتى لا يُضيعوا وقتَهم. إنهم يعرفون أن «برايت» قد اختفى كما قال رقم «صفر».
وأن الصعود إلى عيادته، لن يُفيدَهم بشيء. مع ذلك، قال «أحمد»: إننا لن نخسر شيئًا، ينبغي أن نحاول!
مرَّت لحظة، ثم قال «مصباح»: دعوني أحاول!
فتح الباب، وغادر السيارة، التي تقدَّم بها «فهد» قليلًا، ثم توقَّف. في نفس الوقت كان «قيس» يراقب خطوات «مصباح» إلى العمارة. وعندما اختفى داخلها، قال «قيس»: أفكر في الاقتراب من العمارة؛ فقد يُفاجَأ «مصباح» بأية مفاجأة، ويحتاج لأحد بجواره!
مرَّت دقيقة، ثم قال «أحمد»: لا بأس، تستطيع أن تفعل ذلك.
بسرعة غادر «قيس» السيارة، واتجه إلى العمارة. ظل «أحمد» يُراقبه حتى توقَّف أمامها. لحظة ثم انتقل «قيس» إلى الرصيف الآخر، فكانت العمارة مقابلةً له تمامًا، كانت لحظةً مشحونة بالقلق؛ فلا أحدَ يدري ماذا سيحدث. مرَّت نصف ساعة، ثم فجأة، ظهر «مصباح». عندما رأى «قيس» أشار إليه إشارةً خفيةً ثم اتجه إلى السيارة. وعندما وصل عندها لم يركبها، بل سار في طريقِه مباشرةً، لكنه أشار إلى «أحمد» أن يتبعوه عند أول شارع جانبي. انحرف «مصباح»، ودخل الشارع.
كان «أحمد» ينظر إلى «فهد»، ثم همس: ماذا يعني تصرُّف «مصباح»؟
قال «فهد» بسرعة: لا بد أن عنده أسبابًا.
دخلت السيارة الشارع، وكان «مصباح» يقف على الرصيف. عندما اقتربت منه قفز فيها بسرعة. في نفس الوقت كان «قيس» قد اقترب، فركب هو الآخر، وانطلقت السيارة. قال «مصباح»: لقد خشيت أن يكون أحدٌ يتبعنا؛ فإن ما رأيتُه في العيادة يُثير الريبة.
ظهرَت الدهشةُ على وجوه الشياطين، فأكمل «مصباح»: الدكتور «برايت» في إجازة، كما قال واحد في العيادة، وقد وصفه بأنه ضخمُ الجسم، قويُّ العضلات؛ مواصفات لا أظن أن لها علاقةً بالطب. عندما سألتُه عن الدكتور «برايت» وادَّعيتُ أن عندنا حالةً تحتاج إلى جراحة تجميل، ردَّ بغلظة: إن الطبيب ليس هنا، وإنه في إجازة، وإنه لا يعرف متى سيعود. سألتُه إن كنتُ أستطيع أن أعود مرةً أخرى. قال لا داعي، وينبغي أن أبحث عن طبيب آخر.
كان الشياطين يستمعون باهتمامٍ. أكمل «مصباح»: فجأةً سمعتُ حركةً داخل العيادة الصامتة الهادئة والموحشة أيضًا. وبرغم أن هذه الحركة المفاجئة لفتَت نظري، إلا أن ردَّ فعلِها على وجه الرجل كان لافتًا للنظر؛ فقد تجهَّم وجهه، وبدَا أنه قد أُثير. وإن كنتُ قد حاولت أن أُخفيَ مشاعري عنه، لكني حاولتُ أن أبقى وقتًا أطول؛ فربما يكون خلف الحركة المفاجئة شيء. إلا أن الرجل قال بغلظة: ينبغي أن تنصرف، ولا تضيع وقتك؛ فلا أحد هنا … وكانت هذه الجملة كافيةً لأن أشك فيه؛ فقد كان من الواضح أن هناك أحدًا بالداخل، لكنه مرةً أخرى قال بغلظة: تفضَّل بالانصراف.
ولم يكن أمامي إلا أن أنصرف.
كانت السيارة تمشي ببطء، فقال «أحمد»: ينبغي أن نبتعد الآن؛ فنحن في حاجة إلى التفكير. وحتى لا نكون تحت عين أحد في نفس الوقت، نحن في حاجة إلى العودة مرة أخرى.
سكت لحظةً. كان «فهد» قد رفع سرعة السيارة، فأضاف «أحمد»: إن الوقت ضيق أمامنا؛ فنحن لا يجب أن نكون بعيدين عن «شريف عربي». في نفس الوقت نحن في حاجة إلى معرفة ماذا في العيادة. وأظن أن الدكتور «برايت» داخلها.
ظهرَت الدهشة على وجهَي «فهد» و«قيس»، أما «مصباح» فقد قال: إنني أعتقد ذلك أيضًا. إن قلقَ الرجل وعصبيَّتَه يقولان إن هناك شيئًا.
قال «أحمد»: إذن يجب أن نَصِل إلى أيِّ فندق الآن، ويا لَيته يكون قريبًا …
أخرج «فهد» خريطةً صغيرة للمدينة قدَّمها ﻟ «قيس» الذي بسطها على رجلَيه. لقد كانت خريطةً لمدينة «دلاس». أخذ يحدِّد مكانهم، ثم مكان فيلَّا «شريف عربي»، وأخيرًا عيادة دكتور «برايت»، ثم قال: يوجد فندق يتوسط المسافة بين فيلَّا «شريف»، وعيادة «برايت».
ثم أشار بإصبعه على رسم صغير لمبنًى، وقال: إنه فندق «دلاس»!
قال «أحمد» بسرعة: لا بأس. فلنذهب إليه.
وتبعًا للخريطة. كان على «فهد» أن ينحرف بالسيارة في أول شارع ليظهر أمامهم فندقُ «دلاس». وفي دقائق كانت غرفة «أحمد» تضمُّهم ليضعوا خطةَ تحرُّكِهم الليلة. بين دعوة «شريف» وعيادة «برايت»؛ فقد شعروا أنهم يقتربون فعلًا من الهدف.