وفجأة … ظهرَت سيارة شرطة!
قال «أحمد»: إننا لا نريد أن نُثيرَ شكَّ «شريف»، في نفس الوقت يجب أن نذهب للعيادة الليلةَ؛ فقد يكون فيها مفتاحُ ما نبحث عنه.
قال «فهد»: إذن ننقسم إلى مجموعتَين؛ مجموعة تذهب إلى «شريف»، ومجموعة إلى السيارة على أن نكون على اتصال دائم؛ فربما تطلَّب الأمرُ شيئًا.
مرَّت لحظةٌ صامتة غَرِق فيها الشياطين في التفكير؛ فقد كان انقسامهم إلى مجموعتَين يجعلهم أقلَّ قوةً، خصوصًا وأنهم قد يتعرَّضون لمغامرة تحتاج إلى أفراد آخرين.
فجأةً قال «مصباح»: أقترح أن يذهب «أحمد» وحدَه إلى «شريف»، وأن نكون نحن الثلاثة في خطة العيادة.
قال «أحمد»: إن ذلك قد يُثير ريبةَ «شريف» فعلًا، خصوصًا وأننا حاصرناه بالأسئلة.
صمت لحظةً، ثم أضاف: إنني أقترح أن ننفذ اقتراح «فهد»؛ فإذا احتاجت أيةُ مجموعة جهودَ المجموعة الأخرى، فإن ذلك لا يكون صعبًا.
استقروا في النهاية عند هذا الرأي، يذهب «أحمد» و«فهد» إلى «شريف»، ويتجه «قيس» و«مصباح» إلى عيادة الدكتور «برايت». ولهذا أسرعوا إلى غُرَفهم؛ لينال كلٌّ منهم بعضَ الراحة. عندما أصبح «أحمد» وحده، أخذ يقلب الموقف في رأسه، إن ما يحدث الآن يمكن أن يُنهيَ المغامرة، ويمكن أن يجعلها معقدةً تمامًا؛ فلو أن الآنسة «جافيز» كانت هي «جاك الصلب» فإن العملية تكون قد انتهَت بالنجاح، وإذا لم تكن، فإن المسألة سوف تبدو غامضةً أيضًا إذا ظهر أن أحدًا ليس في العيادة، فسوف تكون المحاولة فاشلةً.
ظل «أحمد» مستغرقًا في تفكيره، قال لنفسه: إذا كانت الآنسة «جافيز» سوف تقوم بخطف «شريف»، فإن هذا يتطلَّب أن يكونوا بجواره.
توقَّف لحظةً، ثم قال لنفسه: مَن يدري؛ فقد تكون الآنسة «جافيز» مجردَ طُعْم يأخذ «شريف» إلى حيث يوجد «جاك الصلب»، فيكون «شريف» هدفًا سهلًا للتخلُّص منه.
عند هذه النقطة توقَّف «أحمد»؛ فقد كان هذا الاحتمال يبدو قريبًا من الصحة. إذا كانت الآنسة «جافيز» سوف تأخذ «شريف» إلى «جاك الصلب» فإن على الشياطين أن يكونوا هناك.
لم يستطع «أحمد» النوم. قام يمشي في الحجرة، ثم قال لنفسه: إن «جاك الصلب» قد تنكَّر في صورة آنسة، لكن هل يمكن إجراء عملية تجميل له؟ … توقَّف عندما سأل نفسه هذا السؤال ثم أجاب: إذا تمَّت جراحةُ التجميل، فإن هذا يعني أن «جاك الصلب» سوف يظل في صورة آنسة مدى الحياة، ولا أظن رجلًا يمكن أن يوافق. توقَّف لحظةً، ثم أدار الموقف في رأسه، وقال: لماذا لا يكون «جاك» قد لبس قناعًا له ملامح آنسة. وفي هذه الحالة يمكن أن يتخلص منه بعد ارتكاب جريمته …
فجأةً رنَّ جرس التليفون، فأسرع إليه. رفع السماعة فجاء صوت «فهد» يقول: ينبغي أن تتحدث إلى «شريف» لتُخبرَه أننا سنكون اثنين فقط؛ لأنه سوف يحجز مقاعدَ لأربعة أشخاص.
فكر «أحمد» قليلًا. كانت وجهةُ نظرِ «فهد» سليمةً. قال: سوف أتصل به حالًا، لكن …
ولم يُكمل جملته. فجاء صوت «فهد» يسأل: لكن ماذا؟
ردَّ «أحمد»: عندما نلتقي سوف أُخبرك. إلى اللقاء!
ثم وضع السماعة. كان يريد أن يقول ﻟ «فهد» كلَّ ما دار في رأسه. لكن خشيَ أن يكون التليفون مراقَبًا. رفع السماعة وتحدَّث إلى «شريف»؛ فهو يعرف رقم تليفونه من البداية … جاء صوت «شريف» يقول: مَن يتكلم؟
قدَّم «أحمد» نفسَه دون أن يذكر اسمه، فقال «شريف» متسائلًا: كيف عثرتَ على رقم تليفوني؟! …
ابتسم «أحمد» وقال: هذه ليست مسألةً صعبة! …
ردَّ «شريف»: بل صعبة جدًا؛ فرقم تليفوني لا يعرفه إلا القليلون!
ابتسم «أحمد»، وقال: ونحن منهم. المهم.
ثم صمت لحظةً، وصمت «شريف» في الطرف الآخر. قال «أحمد»: سوف أُخبرك فيما بعد كيف حصلتُ على رقم التليفون، فلا تفكر كثيرًا. المهم.
ثم صمت حتى يعرف ردَّ الفعل عند «شريف». جاء صوته يقول: ما المهم؟
فَهِم «أحمد» أن «شريف» قد استجاب لرغبته، وترك حكايةَ البحث عن التليفون. قال: إن اثنين من الزملاء يعتذرون عن السهرة الليلة، فهل هذا يُضايقك؟
ردَّ «شريف» بسرعة: بالتأكيد، وقد حجزتُ أماكنهم.
صمت «أحمد» لحظة. كان يفكر في حيلة يغطي بها الموقف. جاء صوت «شريف» يسأل: هل هناك شيء؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: إطلاقًا. لكني سوف أحاول معهما مرةً أخرى.
جاء صوت «شريف» يقول: إن اعتذارهما يجعلني أشك مرةً أخرى في نواياكم.
اندهش «أحمد» لهذه الكلمات، فقال بسرعة: لا أظن أن هذه مسألة تدعو للشك … سوف نحضر جميعًا. فقط قد يتأخر الزميلان بعض الوقت.
ثم أضاف بسرعة: أرجو أن تثقَ في نوايانا، وسوف تعرف كلَّ شيء فيما بعد.
فجأة دُهش «أحمد» مرةً أخرى؛ فقد شعر أن خط التليفون مراقَب، فقد حدَث صوت خلال الحديث. قال بسرعة: إلى اللقاء أيها العزيز «شريف»، وسوف يكون الأصدقاء كلهم معك، إلى اللقاء!
وضع السماعة لكنه استغرق في التفكير: هل تكون المكالمة قد سُجِّلت. وهل هناك أحدٌ يُراقب تحركاتِ الشياطين؟ توقَّف لحظةً ثم قال لنفسه: المؤكد أن العصابة تُراقب «شريف»، وهذه مسألة يجب أن تكون في حسابنا …
جاء صوتُ طرقاتٍ على الباب، فأسرع «أحمد» يفتحه، كان «فهد» و«قيس» و«مصباح» على الباب. دخلوا بسرعة، ثم قال «قيس»: ماذا هناك؟
كان وجه «أحمد» قلقًا، متوترًا، وهذا ما جعل «قيس» يسأل السؤال. تنهَّد «أحمد» بشدة، وقال: يبدو أننا مراقَبون.
ظهرَت الدهشةُ على وجوه الشياطين. وسأل «مصباح»: ما الذي جعلك تشكُّ في ذلك؟
شرح لهم «أحمد» حكايةَ الصوت الذي حدث أثناء المكالمة، وشرح لهم كلَّ ما دار في رأسه من أفكار. استغرق الشياطين في التفكير؛ فإن ما طرحه عليهم «أحمد» يجعلهم يحسبون كلَّ لحظة. أخيرًا قال «فهد»: إن كلَّ ما توصلتَ إليه يبدو صحيحًا …
قال «أحمد»: ولهذا أقترح أن نذهب جميعًا مع «شريف»، ومسألة الدكتور «برايت» لا تهمُّنا كثيرًا؛ فمهمُتنا هي الحفاظ على «شريف» نفسه، وليس البحث عن الدكتور «برايت»؛ فحتى إذا وجدناه لن يُضيفَ إلينا كثيرًا.
استقر رأيُ الشياطين على أن يذهبوا مع «شريف» إلى «نادي الصحافة»، ثم يلبُّوا دعوةَ السهرة، غير أن «مصباح» قال: إن «شريف» سوف يُرسل لنا سيارته. وهذا يعني أنه سوف يكون وحدَه. وقد يسبقنا إلى النادي، ثم نلحق به. صمت لحظةً ثم أضاف: إنني أقترح أن نذهب إليه قبل الموعد المحدد، وحتى قبل أن يفكر في إرسال السيارة.
قال «أحمد»: هذه مسألة ضرورية، المهم الآن علينا أن نذهب إليه في الفيلَّا، وأن نكون مستعدين لأيِّ مفاجأة؛ فأظن أن المفاجآت سوف تبتدئ!
ظهرَت الدهشةُ على الشياطين، وتساءل «فهد»: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: أعني أنه ما دامت المكالمة التليفونية قد سُجِّلت أو حتى كان تليفون «شريف» مراقَبًا، فإن ذلك يعني أننا أصبحنا داخل اللعبة.
نظر في ساعة يده، ثم أضاف: ينبغي أن نتحرك حتى نصل إليه في وقت مناسب. أما لقاء الغد فسوف نرى ماذا سيحدث الليلة.
تحرَّك من مكانه، وهو يقول: سوف أرتدي ثيابي بسرعة.
وفي دقائق كانوا يُغادرون فندق «دلاس». رَكِبوا سيارتهم إلى هناك … لكن الطريق إلى «شريف» لم يكن سهلًا هذه المرة … فعندما خرجوا من شارع الفندق، وانحرفوا يمينًا في اتجاه «شريف» ظهرَت أمامهم سيارةُ شرطة، ثم اعترضَت طريقَهم. توقف «فهد»، وهمس «أحمد»: يبدو أن الألاعيب قد بدأت …
قال «قيس» هامسًا: إنها سيارة شرطة …
ردَّ «أحمد»: ولو. إنهم يستطيعون عملَ أيِّ شيء …
لم يغادر أحدٌ منهم السيارة. لكن كان أحدُ ضباط الشرطة بملابسه الرسمية يقترب منهم. تفحَّص «أحمد» في ملامح الضابط، ثم همس: إنني أشك كثيرًا في أنه ضابط شرطة …
تحفَّز الشياطين، اقترب الضابط حتى توقَّف عند نافذة «فهد»، ثم قال: التصاريح.
ردَّ «فهد»: هل هناك خطأ ما؟ …
قال ضابط الشرطة: إنها إجراءات أمن، إلا إذا لم تكن لديكم تصاريحُ مرور …
مدَّ «فهد» يدَه في تابلوه السيارة، ثم أخرج رخصة السيارة ورخصة القيادة وقدَّمهما إليه. نظر فيهما الضابط بهدوء. ثم قال: يجب أن تغادروا السيارة.
سأل «أحمد»: لماذا؟
قال الضابط: هذه تعليمات …
ثم أضاف: اتبعوني!
ثم ترك المكان عائدًا إلى سيارته. نظر الشياطين إلى بعضهم. لقد كانت لحظةً غريبةً، فيها كل الاحتمالات.