كوب الشاي … هو كلمة السر!
قال «أحمد»: سوف نتصرف بخدعة. الجانب المقابل لسيارة الشرطة، يفتح الأبواب ولا ينزل، أما الجانب الآخر فيفتح الباب وينزل بسرعة. ينبغي أن تأخذوا حذركم!
كان الاتجاه المقابل للسيارة يجلس فيه «فهد» وخلفه «مصباح»، أما الجانب الآخر ففيه «أحمد» وخلفه «قيس». نزل «أحمد» و«قيس» في الوقت الذي فتح فيه «فهد» و«مصباح» الأبوابَ فقط، وفجأةً انهالَت طلقاتُ الرصاص كالمطر. فأغلق «فهد» و«مصباح» الأبواب، في حين انبطح «أحمد» و«قيس» على الأرض. ظلَّت طلقات الرصاص كالمطر. همس «أحمد» ﻟ «قيس»: ينبغي أن ندخل السيارة حتى لا يُصيبَنا الرصاص؛ فهي سيارة مدرعة.
وفي لحظة كانَا يقفزان داخلها. فجأةً توقَّفَت طلقاتُ الرصاص، وزعق موتور سيارة الشرطة وهي تبتعد هاربةً. كانت إطارات السيارة قد أصابها بعضُ الطلقات. لكنها أخذَت تنتفخ من جديد، فاستقامت السيارة. قال «أحمد»: هذا ما توقعتُه.
أكمل «فهد»: لقد انكشف الموقف الآن، وأصبحَت الصورة واضحة …
وقال «مصباح»: المهم هو «شريف عربي»!
قال «أحمد»: أظن أنهم لن يفعلوا شيئًا الليلة؛ ﻓ «شريف» رجل مهم، وهذا يمكن أن يُوقعَهم لكنهم كما أتوقع سوف يحاولون ذلك غدًا، وهو في طريقه إلى نادي الصحافة.
بسرعة أدار «فهد» الموتور، ثم انطلق إلى فيلَّا «شريف». وفي الطريق قال «أحمد»: ينبغي ألَّا يعرفَ «شريف» شيئًا.
صمت لحظةً، ثم أضاف: إنني أتوقع الليلة شيئًا؛ فما داموا قد اكتشفوا وجودَنا، فإنهم سوف يحاولون التخلص منَّا. ولذلك علينا أن نكون حذرين تمامًا.
وصلَت السيارة إلى فيلَّا «شريف»، وعندما وصلوا إلى الباب وجدوا مظروفًا معلَّقًا في صندوق الخطابات، وعنوانُه: إلى الأصدقاء. أسرع «أحمد» وفتحه. كانت هناك رسالة قصيرة يقول فيها: أعزائي، اضطُررتُ للخروج لموعد مفاجئ، أعتذرُ. وموعدنا الليلة في «البيج بوم»!
نظر «أحمد» إلى الشياطين، ونقل إليهم الرسالة. كان الموقف يبدو غامضًا. عادوا إلى السيارة وانطلقوا بها. كانت الساعة تدقُّ السابعة مساءً. وهذا يعني أن بعض الوقت لا يزال أمامهم …
قال «مصباح»: هل يكون «شريف» قد اختفى، وأنهم ضغطوا عليه لكتابة هذه الرسالة؟
ردَّ «فهد»: لا أظن، وأعتقد أن المسألة عادية تمامًا.
فقال «قيس»: أنا أيضًا أعتقد ذلك، وأعتقد أن ترتيبَ التخلص من «شريف» سوف يكون غدًا، وبعد اجتماع نادي الصحافة.
قال «أحمد»: تمامًا، لقد فكرتُ نفس التفكير.
صمت لحظةً، ثم أضاف: وإن كنت أخشى أن يتغير الترتيب؛ فما حدث اليوم يمكن أن يقلب كلَّ شيء رأسًا على عقب.
سأل «مصباح»: كيف؟
ردَّ «أحمد»: إن ظهورَنا فجأةً قد غيَّر خُططَهم، وعرفوا ربما من زيارتنا ومن محادثتي التليفونية مع «شريف» أننا يمكن أن نكون عائقًا أمامهم؛ ولهذا وقعوا في خطأ الهجوم علينا؛ فهم الآن قد كشفوا أنفسَهم من جانب، وأعلنوا عن وجودنا من الجانب الآخر؛ ولذلك أخشى أن يكون الخلاص من «شريف» هذه الليلة، ربما وهو في طريقه إلينا في «البيج بوم»، أو ربما عند العودة؛ فظهورنا يعني أن يتخلصوا منه بسرعة.
مرَّت لحظةُ صمت، ثم قال «فهد»: إذن، ما العمل الآن؟
قال «أحمد» بسرعة: أخشى أن يكون التخلص من «شريف» قد بدأ ربما وهو عائد من موعده المفاجئ.
سأل «مصباح»: ثم ماذا؟
ردَّ «أحمد»: ليس أمامنا إلا أن ننتظر؛ فنحن لا نعرف أين هو الآن؟
فجأة أضاءَت لمبةٌ حمراء في تابلوه السيارة. رفع «أحمد» السماعة بسرعة، فجاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: إن «شريف» في النقطة «ﺟ» وهو موعد عمل فقط. عليكم باليقظة! إنني أعرف بوجودكم منذ أن وصلتم إلى مطار «دلاس». أخشى أن يكون موعد «شريف» الليلة. الرقم ٩٢ … تحياتي …
كان «أحمد» يستمع دون أن يردَّ، حتى انتهت المكالمة، وضع السماعة، ثم نظر إلى الشياطين، وشرح لهم ما دار، ثم قال: هل نذهب إلى «شريف»؟
مرَّت لحظةُ صمت. كان الشياطين يفكِّرون في قرار: هل يذهبون أم لا؟
قال «أحمد»: نقلِّب الأمر ونُناقشه … ولكن بسرعة.
قال «مصباح»: نترك السيارة ونذهب متفرقين حتى لا يكشفَنا أحد.
قال «فهد»: نجعل الموقف عاديًّا، ونذهب إلى «البيج بوم»!
قال «قيس»: نذهب نحن الثلاثة؛ «أحمد»، و«مصباح»، وأنا، بدون السيارة، في الوقت الذي يتبعنا فيه «فهد» بالسيارة؛ فربما احتجناها في أية لحظة.
وكان رأي «قيس» هو الرأي الذي أخذوا به. اتجَّه «فهد» إلى النقطة «ﺟ»، وقبل أن يَصِل إليها بقليل. توقَّف، فنزل الشياطين بسرعة. كانت المنطقة هادئةً تمامًا، ولم تكن إضاءةُ الشوارع لامعةً بل كان الجو يبدو شاعريًّا تمامًا.
همس «أحمد»: إنه وقتٌ جيد للتخلُّص من أيِّ إنسان. هدوءٌ وإضاءةٌ خافتة.
فجأة قال «مصباح»: هل ترى أن النقطة «ﺟ» هي مؤسسة البترول الكبرى؟
قرأ «أحمد» اللافتة، وارتفع بعينَيه إلى حيث يرتفع المبنى. كان يبدو كئيبًا؛ فهو من الحديد والزجاج الأسود، ولم تكن تلمع فيه سوى نافذة واحدة مضاءة. قال «أحمد» بسرعة: أعتقد أن الخطة قد تغيَّرَت، وأن «جاك الصلب» موجودٌ الآن في مكان ما …
همس «قيس»: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: أعني أن «شريف» قد خرج لتحقيق خطتهم تمامًا. إنه الآن يجلس في مقابل النافذة المفتوحة.
ثم رفع عينَيه إلى المبنى المقابل، وهتف: إنني متأكد أن «جاك الصلب» أو الآنسة «جاك الصلب» تقف في نافذة مظلمة مقابلة للنافذة المضيئة. وتبدو المسألة عادية وغير لافتة للنظر، وفي دقيقة تكون بندقية «جاك الصلب» قد برزَت، وخرجت منها طلقة لينتهيَ كلُّ شيء.
قال «قيس»: إذن علينا أن نكون هناك!
ردَّ «أحمد» بسرعة: لا، المسألة ينبغي أن تكون محكمةً أكثر.
استغرق في التفكير لحظةً، ثم قال: سوف أصعد ﻟ «شريف»، في نفس الوقت تصعدون أنتم إلى النافذة المقابلة.
انتظر لحظةً، ثم قال: إن نافذة «شريف» في الدور الأربعين، إذن عليكم أن تصعدوا إلى الدور الأربعين في العمارة المقابلة.
تساءل «مصباح»: هل أنت متأكد؟!
ردَّ وهو يضع يدَه في جيبه ويُخرج جهازًا دقيقًا: سوف أتأكد الآن!
ضغط زرَّ الجهاز، فانطلق شعاعٌ غيرُ مرئي إلى الطابق الأربعين، وتحرَّك المؤشر، فقال «أحمد»: كما توقَّعتُ، هناك نافذة مفتوحة وفيها أحد!
قال «قيس»: أخشى أن نكون مخطئين؛ فالمسألة ليست مؤكدة.
قال «أحمد»: هي مؤكَّدة بالمنطق، وحتى إذا لم تكن مؤكدةً، وكنَّا مخطئين، فإن الخطأ مردود، أما إذا وقفنا ننتظر فسوف نخسر «شريف» حتى النهاية!
أخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالةً سريعة إلى «فهد» يطلب منه الانضمام إليهم، في نفس اللحظة تحرَّك، وهو يقول: إنني في الطريق إلى «شريف»، وعليكم أن تكونوا في المكان المقابل في نفس اللحظة.
قطع عرضَ الشارع بهدوء. وعلى باب العمارة وقف؛ فقد كان الباب مقفلًا. أخرج جهاز الأشعة وصوَّبه للباب، فانفتح، وتوجَّه إلى المصعد وضغط زرًّا، فبدأ المصعدُ في النزول … وفي دقيقة كان المصعد يأخذ طريقَه إلى الطابق الأربعين … لكنه ما إنْ وصل وفتح الباب حتى كان خنجرٌ لامع يأخذ طريقَه إليه. لكنه كان مستعدًّا؛ فقد — في نفس الوقت — برز له رجل وحاول أن يضربَه بشدة، فتراجع أحمد بسرعة … وضربه ضربةً قويةً فترنَّح الرجل، ثم عاجلَه بضربةٍ عنيفة وأخرى خطافية، فاصطدم بالحائط، وسقط على الأرض. لم يكن يوجد في هذا المكان أحد غير هذا الرجل الذي انتهى.
أخرج جهاز الأشعة وأخذ يحدِّد مكانَ الغرفة التي بها «شريف». الآن تحرَّك مؤشر الجهاز، تَبِعه «أحمد» إلى حيث يتَّجه. فجأةً جاءَته رسالة من الشياطين تقول: إنهم في الطابق الأربعين ويقفون خلف الغرفة المقابلة تمامًا … وجَّه جهازَ الأشعة إلى الغرفة التي فيها «شريف»، فظهرَت أمامه كاملة. كان «شريف» يجلس، وحوله أربعةُ أشخاص، وهناك حديث يدور. أخرج «أحمد» سماعةً مطاطيةً دقيقة ولصقَها على جدار الغرفة وبدأ يسمع. كان الحديث يدور حول الاكتشاف العظيم الذي اكتشفه «شريف». وكانوا يساومونه للشراء منه، وكان هو يضحك ويرفض بلباقة.
فجأةً التقطَت السماعةُ كلماتٍ تقول: في الثامنة تمامًا سوف يقف «شريف» ليأخذ كوبَ الشاي، وهذه هي اللحظة!
لمعَت عينَا «أحمد» دهشةً وفرحًا، وأسرع يُرسل المعلومة الهامة إلى الشياطين في المبنى المقابل. نظر في ساعته، كانت الثامنة إلا خمس دقائق. وجاء صوتُ أحدِ الموجودين في الغرفة يقول: هل تأخذ شايًا.
قال «أحمد» في نفسه: إنه الشاي الأخير؟ وجَّه «أحمد» جهازَ الأشعة إلى باب الغرفة، فانفتح بسرعة، في نفس اللحظة كان «شريف» يقف وهو يمدُّ يدَه ليأخذَ كوبَ شاي، قفز «أحمد» قفزةً قوية، واصطدم ﺑ «شريف»، فوقع الاثنان على الأرض. في نفس اللحظة التي أُصيب فيها أحدهم، وكان يحمل كوب الشاي الذي سيأخذه «شريف».
كانت لحظةً مفاجئة بالنسبة لهم، لكن بالنسبة ﻟ «أحمد» فقد كانت لحظةً مريبةً تمامًا، وقبل أن يُفيقوا من المفاجأة كان «أحمد» قد قفز في فضاء الغرفة وضرب الاثنين الباقيَين معًا. كانت الضربة مفاجئة، فأطاحت بأحدهما إلى النافذة المفتوحة فسقط منها، أما الآخر فقد ارتطم بالجدار وسقط على الأرض بلا حَراك.
نظر «شريف» إليه، فقال «أحمد» بسرعة: لا داعي الآن للأسئلة، لقد كانت هذه هي النهاية، هيَّا.
وبسرعة خرجَا من الغرفة جريًا إلى المصعد، ومنه إلى أسفل المبنى. وكانت المفاجأة الجديدة، أمامهما رجال الشرطة الحقيقيون، ومعهم الشياطين وعددٌ من الرجال مقبوضًا عليهم وبينهم آنسة. التفَّ الشياطين حول «شريف»، وقال «فهد» ضاحكًا: الآنسة «جاك الصلب» … كان «جاك الصلب» يبدو في ثيابِ آنسةٍ جميلة.
تقدَّم «أحمد» وظلَّ ينظر إليه. ثم أخذ يبحث بأصابعه أسفل رقبته عن شيء ما، ثم فجأةً نزع القناع، فظهر وجه «جاك الصلب» الخشن، وانتابَت الجميعَ نوبةٌ من الضحك حتى «شريف» نفسه الذي احتضن «أحمد».
ترك الشياطين رجال الشرطة يقومون بواجبهم، بينما اصطحبوا «شريف» معهم، وفي الطريق أرسل «أحمد» رسالةً إلى رقم «صفر»: «انتهى.»
وجاء الرد: الاجتماع بعد غد!
وضحك الشياطين لسرعة الاجتماع.