الفصل السابع والعشرون
كان سيد في طريقه إلى بيت وصفي باشا حين التقى به فجأةً زميله في الجماعة عبد العاطي بسيوني، وحاول سيد أن يروغ من اللقاء، ولكن عبد العاطي لم يُتِح له فرصة، وأمسك به: أين أنت يا أخي؟
– في الدنيا.
– لقد أرسلنا إليك بعد خروجك من المعتقل فلم تأتِ.
– آتي إلى أين؟
– إلى الأسرة.
– أي أسرة؟
وذهل عبد العاطي، وقال له في سخرية: ألست السيد عبد البديع الدكر؟
– هذا أمر لا شك فيه.
– هل جُنِنتَ في المعتقل؟
– لا، بل عقلت.
– ألا تعرف الأسرة؟
– لا، ولكن أعرف أن الجماعة قد حُلَّت …
– لكننا نجتمع.
– لا شأن لي باجتماعكم.
– أكفرتَ بمبادئنا؟
– نعم، وآمنتُ بنفسي.
– أتحنث في يمين أقسمتها؟
– أنا لم أقسم على القتل.
– هذا مروق!
– اسمع، أنا في طريقي إلى وصفي باشا شكري بناءً على طلبه، وأعتقد أنه قد أعدَّ لي وظيفة، وسأقبلها فورًا، وقد خطب لي أبي عروسًا من أقربائنا وسأتزوَّجها، فأرجوك أن تعتبرني مستقيلًا من الجماعة، أنا لم أعُد عضوًا، أنا أريد أن أعيش يا أخي … ابعدوا عني.
– إن لنا يومًا سيأتي.
– فليكن هذا اليوم لكم وحدكم، كل ما أريده وظيفة.
– أنت مارق، تتصل بأعداء الله وتخالف تعاليم الشريعة.
– أبدًا وشرفك، إنني سأصلي الخمس، وسأصوم الشهر، وسأحج إن استطعت سبيلًا، وسأؤدي الزكاة إذا وجبت عليَّ الزكاة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
– خدعتك الدنيا.
– بل إني أعمل للآخرة أيضًا.
– سترى … دولة الظلم ساعة، والحق إلى قيام الساعة.
– انتظروا أنتم قيام الساعة، وأما أنا فسأعمل بقول ربي: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
– ولكنَّ أولي الأمر لا يطيعون الله، لو أكملت الآية لذكرت قول ربي: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا صدق الله العظيم.
– فدعوهم لله يحاكمهم، كيف تعرفون أنتم الحق من الباطل؟ مَن أعطاكم الحق في الحكم على الناس وعلى أعمالهم؟!
– كتاب الله نطبقه.
– كتاب الله للجميع … وإنه يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فمالكم أنتم تتصدون للمحافظة عليه وحدكم؟ كيف تعرفون أن أحكامكم على الناس هي الصادقة؟ وكيف تثقون أن تفسيركم أنتم لآيات الله هو التفسير الحق؟ الدين للديَّان يا عبد العاطي.
– هذا فراق ما بيني وبينك! أنت كافر.
– مع السلامة يا عبد العاطي، مع السلامة يا أخي، دعني أعيش يا أخي، مع السلامة.
ومشى عبد العاطي مغضبًا دون أن يرد تحية أخيه سابقًا، وأكمل سيد طريقه إلى بيت وصفي باشا.
وحين أذن له الباشا بمقابلته قال له: ستذهب غدًا إلى سكرتير وزير المعارف، وستجد طلبك عنده مؤشرًا عليه بالتعيين.
– أطال الله عمرك يا سعادة الباشا.
– في هذه المرة استطعتُ أن أنقذك، في المرة القادمة لن أحاول.
– أطال الله عمرك يا …
ولم يكمِل، فقد دق جرس التليفون، وسمع الباشا يقول في جزع: ماذا يا هناء؟
ثم سمعه يقول: متى؟
ثم وضع الباشا السماعة وهو يقول: «لا حول ولا قوة بالله …»
ولم يستطع سيد صمتًا، فقال للباشا دون وعي: خير يا سعادة الباشا؟
فقال الباشا في ذهول: هذه آخرة لعب العيال، لقد قُبِض على أحمد بتهمة الشيوعية، ماذا نفعل الآن؟ الأمر في يد النيابة، ربنا يلطف بأمه.
وثبت سيد في مكانه دهشًا قانطًا ألمًا، لم يستطع إلا أن يقول في حسرة وذهول: أحمد بك.