الفصل الرابع
اندفع وصفي في تيار رغبة عنيفة أن يتمَّ زواجه هذا، لقد كان يخشى الأيام، أو هو يخشى نفسه إن مرَّتْ عليه الأيام، كان قد وصل إلى قراره هذا بعد تردُّد، وكان العقل وحده هو الدافع إلى هذا الزواج، كان يريد زواجًا مُستقِرًّا غير مفزع بأشباح من الماضي، وخيالات من رعونة الشباب.
كان يعلم أن قلبه نافر من زواجه هذا إلى هواه الأول، وكان قلبه الشاب قوي النبض، عنيف الحجة، ولكن استطاع في لحظة أن يضع حول قلبه سياجًا من المنطق، فخفتَ النبض هونًا، وانبعث وصفي في غفوة من قلبه يُتمُّ الزواج، في اندفاعة خائف، وفي سرعة قلق، وفي عزم حيران.
يصبح الصباح فيندفع وصفي إلى التليفون يطلب إلى العاملة أن تصله بمنزل إسماعيل باشا مصطفى، وبعد هنيهة يكون وصفي على موعد أن يلتقي بالباشا في منزله في الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم ذاته.
وفي الساعة الخامسة يكون وصفي قد أخذ مكانه من إسماعيل باشا مصطفى، والباشا يرحِّب به في إجلال، فهو يعرفه من زمن بعيد، ويلاحقه كاتبًا وسياسيًّا، ويحمل له في نفسه — إلى جانب الحب — إكبارًا، وقد كان وصفي عالمًا بمكانه من نفس الباشا، ولكن علمه لم يمنع الخجل أن يلعثم لسانه بعض الحين، بعض الحين فقط، ثم سرعان ما جرى الحديث فيما قُدِّر له أن يجري وسرعان ما تحدَّدَ موعد الخطبة، وصفي متعجِّل والباشا مسرور بهذا التعجُّل، وصفي يخشى أن يطغى عليه قلبه إن تراخى الموعد، والباشا يظن تعجُّل وصفي عدم صبر عن لقاء عروسه.
والتقت الرغبتان وإن اختلفتِ البواعث والظنون، وتم الحديث، واستأذن وصفي وخرج، وعند باب المنزل التقى وصفي بأم وديدة تحمل فوق رأسها بقجتها، فحياها تحية عابرة، وانصرف عنها باهتة ذاهلة أن لم يَمِل وصفي على أذنها ولم يُتِح لها أن تميل على أذنه.
ركب وصفي عربته وأمر السائق أن يسعى به إلى بيت عمه أحمد باشا، وما أن أتمَّ إصدار أمره حتى صكَّت حوافر الخيل مسامع أم وديدة وهي في طريقها إلى باب الحريم.