في اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية
في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، وفي غرفة ملحقة بغرفة مدير الإدارة الثقافية يجلس الدكتور محمد عوض محمد والأستاذ شفيق غربال والأستاذ محمد بدران والأستاذ محمد فتحي والدكتورة سهير القلماوي والأستاذ مصطفى حبيب.
يتحدث الحاضرون مع بعضهم، لقد دعاهم الدكتور طه حسين لمقابلته اليوم باعتباره رئيسًا للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، وهو المنصب الذي طلب إليه عبد الخالق حسونة باشا الأمين العام للجامعة أن يتولاه.
يقول الدكتور محمد عوض للأستاذ محمد بدران: «ما دمت أنت قد دُعيت لحضور هذا الاجتماع فلا بد أن الدكتور طه حسين سيحدثنا عن عمل من أعمال الترجمة.»
ويقطع السكرتير الحديث بدعوتهم للدخول، وطه حسين يرحب بهم، ويقول لهم إنه عندما عرض عليه حسونة باشا رياسة اللجنة الثقافية قبل مسرورًا، لأن هذه اللجنة يمكن أن تكون أداة للعرب جميعًا ليقوموا متعاونين بعمل عظيم الأثر في سعيهم نحو النهضة ونحو الوحدة، وإنه أراد أن يجتمع بزملائه الذين تفضلوا بالحضور اليوم ليبحث معهم مشروعًا يفكر فيه، ويعتقد أن تنفيذه ممكن بتعاونهم وتعاون نظرائهم في البلاد العربية الأخرى كلها.
ويقول الدكتور عوض: «كنت أقول للأخ بدران لازم فيه ترجمة.»
ويقول الدكتور طه: «بالضبط، في عصر المأمون في بغداد كانت دار الحكمة تغص بالمترجمين إلى العربية من كل اللغات وفي كل العلوم، نحن سنكون أكثر تواضعًا، نريد أن نترجم أهم الأعمال الأدبية العالمية، وأن نبدأ بترجمة أعمال شكسبير.»
يقول الدكتور عوض: «شكسبير! سنكون إذن سكسونيين!»
ويرد طه: «لا بد من إتاحة منابع الثقافة كلها لقراء العربية، وقد دعوتكم أولًا لتبادل الرأي في المشروع نفسه، وفيمن يمكن أن يتعاون معكم من أدباء اللغة العربية في ترجمة الأعمال الكاملة لشكسبير، وقد كتبت فعلًا إلى بعض الإخوة العرب مثل الأستاذ عبد الحق فاضل من أدباء ودبلوماسيي العراق، وغيره من الزملاء العرب، وأعتقد أن خير من يقدم هذه الأعمال مترجمة إلى اللغات العربية هو الأستاذ عباس محمود العقاد.»
ويقول الدكتور عوض: «هذا عمل عظيم يحتاج إلى جهد ضخم، وفقكم الله! واختياركم الأستاذ عباس محمود العقاد اختيار موفق جدًّا.»
ويستأنف الدكتور طه حسين حديثه فيقول: «وبعد شكسبير يأتي راسين.»
ويقول الأستاذ شفيق غربال: «أعتقد أن الزملاء كلهم يشاركونني الرأي في أن هذه الترجمات هي من أهم المشروعات التي يمكن أن تنهض بها الجامعة العربية في عهد رياستكم للجنة الثقافية، ولكن كيف يكون النشر؟»
ويرد الدكتور طه حسين قائلًا: «سأعرض الموضوع أولًا على اللجنة الثقافية، وعندما تتم الموافقة ثم عندما تتم الترجمة نبدأ النشر بالتعاون مع بعض الناشرين.»
ويقول الدكتور عوض: «وننتقل بعد شكسبير وراسين إلى الأدب الألماني والروسي والفارسي، وهكذا إن شاء الله!»
ويرد طه حسين قائلًا: «إن شاء الله.»
ويدخل السكرتير فيقول: «حان موعد اجتماع اللجنة.»
ويقول الأستاذ شفيق غربال: «إذن نستأذن الآن في الانصراف، وعلى بركة الله! ويتقدم كل منا باقتراحاته عن المترجمين وعما يترجمون. ويخرج الجميع ويبقى طه حسين والسكرتير.»
يقول السكرتير: «وصلت دعوة من هيئة الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية في بيروت لندوة تقيمها هناك في العام القادم.»
ويرد طه حسين: «الجامعة الأمريكية في بيروت؟ يجب أن تهتم البلاد العربية نفسها بثقافتها المشتركة، نحن محتاجون إلى تعاون الشعوب العربية وإلى مؤازرة حكوماتها، لقد تلقينا تبرعًا كريمًا من مواطن عظيم الفضل من مواطني المملكة العربية السعودية، وبفضله سننشر كتابًا من أهم كتب التاريخ العربي في القرون الثلاثة الأولى، نحن محتاجون إلى أن نثير اهتمام البلاد العربية بالعمل الثقافي العربي المشترك، ألا يمكن عقد اجتماع اللجنة الثقافية للجامعة العربية في العام القادم خارج مصر؟ سأثير هذا الموضوع مع أعضاء اللجنة.»
ويقول السكرتير: «أذكركم بتقرير الدكتور صلاح الدين المنجد مدير معهد المخطوطات، فقد ذكرتم أنكم يمكن أن تتحدثوا في موضوعه مع السادة أعضاء اللجنة.»
ويرد طه حسين: «آه، نعم، نريد أن نصل إلى توحيد منهج النشر لمخطوطاتنا العربية القديمة، والأستاذ المنجد أعد دراسة نظر فيها للمتبع في الخارج في جمعية «جيوم بيديه» وفي مجمع دمشق وغير ذلك، وعدَّد قواعد للنشر العلمي بأمل الاتفاق عليها في جميع البلاد العربية، وهذا خير، ومن الخير كذلك أن تتبادل الهيئات العربية المختلفة المعلومات عما هي بسبيل نشره من المخطوطات، وأعتقد أن الإدارة الثقافية بالجامعة العربية يمكن أن يكون لها هنا دور هام.»
وبعد الاجتماع بأيام يتحدث طه حسين في التليفون مع عبد الخالق حسونة باشا أمين الجامعة.
يقول طه حسين: «نعم، تقرر عقد اللجنة بالسعودية، وقد تلقينا ترحيب المملكة، وسوف تكون الاجتماعات برعاية سمو الأمير فهد وزير المعارف.»
ويوافق الأمين العام على أن الاجتماع في السعودية في حد ذاته يحقق هدفًا من أهداف التعاون الثقافي العربي.
ويقول طه حسين: «سأحضر الاجتماع فإن شوقي لزيارة الحرمين كبير، وما زلت أعيش في تلك الأماكن المقدسة منذ أخذت في إملاء «على هامش السيرة».»
ويسأل الأمين العام عما إذا كان الدكتور سيسافر بالطائرة.
فيقول طه حسين: «لا، لقد طلبت أن يبحثوا إمكان سفري بالمركب، أنت تعرف يا باشا أنني لا أركب الطائرة أبدًا، تعرف أن الشاعر القديم كان يقول:
ويكفي إذن أن نركب الماء، لا ضرورة لركوب الهواء.»
ويقول: «يسافر معي إن شاء الله الأستاذ أمين الخولي والأستاذ محمد فتحي، كما يصحبني سكرتيري فريد.»
في مدينة جدة، يجلس طه حسين مع زملائه المصريين، ويقول لهم: «وصلت قصائد كثيرة من الإخوة السعوديين، حقيقة هنا شعراء بارزون لم يلقوا حقهم من الشهرة وذيوع الصيت كما يقال.»