الفصل الرابع
كان أيسر شيءٍ على عيدروس أن يشتري أرض أُختَيه بأبخس الأثمان، فقد خشِيَ أن يسبقهما إلى الآخرة، فتُقاسِمان سعدية الأرض، فحين عرَض الشراء على عزيزة ووهيبة شجَّع فهمي عزيزة بمِثل ما شجع به حسين وهيبة؛ نحن لا نأخذ من الأرض إلا ما شاء هو أن يُقدِّمه لنا، ولا يجرؤ أحدٌ منَّا أن يُحاسِبه؛ فلنأخُذ ما يجود به علينا ثمنًا لها، ونُصبح بعيدِين عن سَطوته وجبروته. وتمَّ الشراء وسجَّله عيدروس من أُختَيه إلى ابنته مباشرةً واثقًا أنَّ لطفي يرتعِد أن يُفكِّر في الحصول على ريع الأرض، أما مراد فقد انتهز عيدروس فرصة الصباح قبل أن يُعاقِر خمرَه، وقال له: ما رأيك يا مراد أن تبيع أرضك لابنتي سعدية؟
ووجَمَ مراد لحظاتٍ وقال لأخيه: أخاف يا عيدروس.
– منِّي؟
– بل من نفسي.
– أنا أعرف كما تعرِف أنَّني حين أشرَب أُصبح مُسرفًا لا قيمة للمال عندي، وأخشى أن ينتهز الذين يُشاربونني الفرصة فيستولوا على مالي كلِّه في بضعة أيام، وأُصبح يا مولاي كما خلقْتني.
– تفكير سليم.
– لا تخَفْ مِنِّي، فإنني حين أكون مُفيقًا يتلبَّسُني العقل حتى أشرَب.
ولم يكن عيدروس يتوقَّع أن يكون أخوه مُستطيعًا أن ينظُر إلى المستقبل بهذا الحرص، وأدرك مراد ما يُفكِّر فيه أخوه، فقال: لا تعجَب فلو لم أكن قادرًا على بُعد النظر أحيانًا لتزوَّجت. وضحك عيدروس ملء فمه، وواتَتْه فكرة سارع بعرضِها على أخيه.
– عندي فكرة.
– وأنا تحت أمرك.
– أنت تعلَم طبعًا أنني لا بدَّ أن أشتري الأرض.
– أعلم ولو أنَّ الله وحدَه هو الذي بيدِه الموت والحياة، ومن يدري ربما كنتُ أسبق إلى لقائه منك، فالموت لا يعرف أعمارًا.
– أنا أعمل احتياطي.
– معقول.
– ما رأيك أن أشتري منك الأرض، وأقسِّط ثمنها على أقساط شهرية، وأكتب لك كل شهرٍ كمبيالة بالباقي من ثمنها، حتى إذا متُّ قبلك تستوفي باقي الثمن من سعدية.
وصمَتَ مراد بعض الحين، وأدار ما يعرضه عليه أخوه في رأسه فوجدَه معقولًا.
– نتوكَّل على الله.
وهكذا اشترى عيدروس أرض مراد باسم سعدية، ولم ينس أن يكتُب أرضه هو كلَّها باسمها أيضًا.
ووقَّعَت سعدية كمُشترية في الشهر العقاري، وكان لُطفي أحد الشهود، ولكنه كان واثقًا كما كانت سعدية واثقةً أن هذا الانتقال للملكية ليس له أي معنى ولا عواقب ما دام عيدروس على قَيد الحياة.