الفصل التاسع
تسامَع الناس في قرية الدلجمونة بأمر أبي سريع، وأنه أخذ أماناتهم إلى غير رجعة.
وذهبوا جميعًا إلى وجدي الذي أدرك آنذاك لماذا باع له أبو سريع أرضَه، ولكنه سأل جميعهم إن كان أحدٌ منهم يملِك ورقةً تُثبت حقَّه، ولكن هيهات.
شبَّ في البلدة حريق، واجتمع منهم عددٌ كبير، وذهبوا إلى لُطفي بالبنك، وكان قد عرَف ما فعله أبوه وواجهَهُم لطفي في صلافةٍ قائلًا لهم في صفاقة: ليُعطِني أيُّ واحدٍ منكم ورقةً آتِ له بالمبلغ في هذه اللحظة، أما أن تُشنِّعوا على أبي بمجرد كلام، فإنه أمر لا يمكن السكوت عليه، وليُبلغ الحاضر منكم الغائب أنكم إذا جئتم لي بلا ورق، فسأبلغ الشرطة أنكم تتَّهِمون أبي ظلمًا وزورًا وعدوانًا وأتهمكم بإساءة السُّمعة.
وتخاذل الجمع، وأدرك كلٌّ منهم أنه لا سبيل له أن يصِل إلى ماله، وخشِيَ كثير منهم تهديد لطفي، فانصرفوا إلى غير عودة.
وعرف عبد الحميد أبو جريشة ما حصل، فأصابه الذُّعر والهلَع؛ لقد فقد عمره كله؛ الماضي والقادم. قال لسلامة: بنا إلى بيت قمر.
وذهبا، وقال لها: يا بنت الحلال، المال الذي كان عندي سُرق، وهو الذي كنتُ سأحميك به من خدمة البيوت، وهو الذي كنتُ سأعطيك منه المهر، فإن قبلتِ شيخًا أعمى لا يملك إلا مائة جنيه هي الباقية معي، والحمد لله نجَتْ من براثن أبو سريع أهلًا وسهلًا.
– لا أهلًا ولا سهلًا، ولا يلزمني الزَّواج جميعًا.
– لك حق، قُم بنا يا سلامة.
وهكذا انهارت البقيَّة الباقية من آمال عبد الحميد في الحياة جميعًا، وعزم أمرَه على شيءٍ انتوى منذ تلك اللحظة أن يُكرِّس حياته في سبيل إنفاذه.