الرجل الروبوت
جلَس «أحمد» في مطار «نابولي» في انتظار إقلاع الطائرة التي ستُقلُّه إلى «روما» … وكان يَتذكَّر الأيام القليلة الماضية وما جرى فيها …
تذكَّر عندما طلبه رقم «صفر»، وقال له إن هناك خائنًا في صفوف العاملين في منظمة «ش. ك. س» … وإن نتيجة هذه الخيانة كانت مصرع عملاء رقم «صفر» في «باريس» و«مدريد» و«روما» … وإنه من المُمكن أن يسقط آخرون نتيجة هذه الخيانة … بل إنَّ المنظَّمة كلها معرَّضةٌ للخطر الشديد؛ لأنه ما زال هذا الخائن موجودًا بين صفوفها …
لقد كان آخر القتلى «جياكومو» من «نابولي»، ولم يكن سفر «أحمد» إلى «نابولي» واللقاء مع «مادونا» ابنة «جياكومو» … ومُحاولة اقتحام منزل «جياكومو» للبحث عن الأشرطة، والمستنَدات والوثائق … ومحاولة قتل «أحمد» في الشارع … وكيف استطاع أن يُخلِّص «مادونا» من الهجوم؛ كل هذا يُؤكِّد أن الخائن شخصٌ قريبٌ.
والآن ها هو في مطار «نابولي» مسافرٌ إلى «روما» لمقابلة أحد رجال «بليك» المسئول عن رجال المنظمة في أوروبا. كان في رأس «أحمد» شكوكٌ كثيرةٌ حول شخصية الخائن … ولكنه لا يستطيع أن يقول اسمه؛ فقد يعلم، ثم يكون الانتقام من «أحمد» شخصيًّا … وليس مهمًّا شخص «أحمد»، ولكن ربما لا يستطع أحد غيره أن يعرف من هو «الخائن»، وهكذا يستطيع أن يُدمِّر المنظمة …
ارتفع صوت الميكروفون يعلن عن قيام الرحلة رقم ١٣٣ إلى «روما» … ولكن «أحمد» أسرع إلى كابينة التليفون، حيث طلب «مادونا».
كان صوت الفتاة يَخفق في التليفون وهي تردُّ: ألم تُسافر بعد؟
أحمد: بقيت دقائق … أردت أن أتَّصل بك … فقد خطرتْ لي فكرة.
مادونا: ما هي؟
أحمد: سأُرسل في طلب فتاتَين من الشياطين تُقيمان معك.
مادونا: وماذا يُمكنهما أن تفعلا؟ …
أحمد: تفعلان الكثير … إن كلًّا منهما تُساوي عشرة رجال.
مادونا: غير معقولٍ.
أحمد: هذا صحيح … سأتَّصل بك من «روما».
مادونا: تشاو.
أحمد: تشاو … أو إلى اللقاء باللغة العربية.
أسرع «أحمد» إلى الطائرة، وأخذ يتذكَّر المعلومات التي قالها له «بليك» عن الرجل الذي سيُقابله في مطار «روما» … اسمه «مارك» يرتدي حُلَّةً رماديةً وقميصًا أزرق، وربطة عنقٍ حمراء … ووردة حمراء أيضًا في عُروة الجاكت …
لم تَستغرِق الرحلة أكثر من ساعةٍ … ووجد «أحمد» نفسه في مطار «روما»، ولم يكن من الصعب التعرف على «مارك»؛ فقد كان يضع وردةً حمراء ضخمةً … وربطة عنق حمراء داكنة اللون.
كان رجلًا سمينًا يشبه موظف في بنكٍ … وُدهش «أحمد» لأن يكون هذا الرجل السمين القصير من أعوان «بليك».
اتجه إليه «أحمد» على الفور … وتبادَلا بضع كلماتٍ شفريةٍ …
قال «أحمد»: إن «روما» مدينةٌ مفتوحةٌ.
ردَّ «مارك»: كانت.
أحمد: ولكن ما زالت الفورماجينو رائعة.
مارك: هل تحبُّها؟
أحمد: إنها أروع أنواع الجبن في العالم.
وكان «أحمد» يحبُّ الفورماجينو فعلًا … فقد كانت نوعًا رائعًا من الجبن، وأحيانًا عندما يكون في إيطاليا، كان يأكُل ربع كيلو منها في الوجبة الواحدة …
سارا معًا إلى خارج المطار … وكانت في انتظارهما سيارةٌ مرسيدس سوداء … بها تليفونٌ … وسائق … وقام «مارك» بالاتِّصال تليفونيًّا، وقال كلمةً واحدةً: «وصل.»
وكانت أذنا «أحمد» المدربتَين على الاستماع … تلتقطان الرقم الذي طلبه «مارك»، وهو يُخفي قرص التليفون … ومرةً أخرى أدرك «أحمد» أن هذا الرقم ليس غريبًا عليه، فلقد سمعه المرة الأولى في منزل «مادونا».
قطعت السيارة شوارع «روما» التي بلَّلها المطر … حتى وصلت إلى حدائق «بورجينري»، وقال «مارك»: ستنزل في هذه الفيلا.
ثم أشار بإصبعه إلى فيلا صغيرة قابعة في الظلام، وحولها حديقة وسور مرتفع …
وعاد «مارك» يقول: استمتِع بوقتك … وسوف نتصل بك.
نزل «أحمد» من السيارة، ووجد حارسًا على باب الحديقة حيَّاه «أحمد»، ثم دخل واجتاز الحديقة … ورغم المطر والظلام، كان في إمكانه أن يُحسَّ أن هناك رجالًا يتحركون في الظلام …
دون أن يدقَّ الجرس فتح الباب … وشاهد «أحمد» أغرب شخصٍ رآه في حياته … كان رجلًا شديد الطول، حتى إن رأسه يكاد يصل إلى الباب … أصلع الرأس … ضخم الفم والفكين ينظر نظرةً ثابتةً كأن عينَيه من زجاج … ويتحرَّك ببطء كأنه «روبوت».
انحنى الرجل دون كلمةٍ واحدةٍ، ثم سار أمام «أحمد» … كانت صالة الفيلا صغيرةً … ومزدحمةً بالتماثيل واللوحات، يسودُها جوٌّ مُتوترٌ رغم الإضاءة القوية … وصعد الرجل سلَّم الفيلا الداخِلي، وصعد «أحمد» خلفه، ولاحظ وجود انتفاخ تحت ذراعِه الأيسَر، وعرف أنه يَحمل مسدسًا ضخمًا …
قاد الرجل «أحمد» إلى غرفة نومٍ فتحها دون أن يَتكلَّم، وأشار إلى «أحمد» بالدخول، ثم أشار إلى جرسٍ بجوار الفراش، وقال في كلماتٍ بطيئةٍ باردةٍ: إذا شئت شيئًا دُق الجرس.
وخرج الرجل، وأغلق الباب خلفه … وكان أول ما فعله «أحمد» أن فكَّ جهاز التليفون بحذرٍ … ومهارةٍ … وعرف على الفور أن جهاز التليفون متَّصلٌ بجهازٍ آخر … وأن من الممكن الاستماع إلى أيِّ حديثٍ … وكان يتمنَّى أن يتَّصل ﺑ «مادونا» … ولكن خشيَ أن يتصل فقد يُعرِّضها اتصاله بها للخطر.
قام «أحمد» ودار دورةً في الغرفة … فتح النافذة الوحيدة التي بها … كانت تُطلُّ على الجانب الخلفي للحديقة … ودون حاجةٍ إلى البحث أدرك أنه مُراقَبٌ.
دُهش «أحمد» كثيرًا لما يحدث … فالمفروض أنه في ضيافة زملاء له … وعلى رأسهم «بليك» مسئول مجموعة العملاء في أوروبا … فلماذا كل هذه الرقابة التليفونية والبشرية؟ …
تُرى هل وقع في كمينٍ؟ … ومن هو الذي أعدَّ الكمين؟
هل يتَّصل ﺑ «بليك» ويُخبرُه؟
إنَّ تليفونه مُراقَبٌ … وقد يَحدث ما لا تُحمد عُقباه … خلع ثيابه وارتدى جلابية … ثم تمدَّد على الفراش.