رحلة على الجليد
كانت الثلوج تهطل بغزارةٍ في سماء «زيورخ»، والطائرة من طراز «دي س١٠» تتأرجَح تحت وطأة الثلوج، وعصف الريح، ولاحَظَ «أحمد» أن زميله «مارك» يبدو مُضطربًا … ثم نظر إلى «هومو» فوجده يجلس صامتًا نابتًا كأنه يجلس في صالون منزله.
وأخذ «أحمد» ينظر من خلال زجاج النافذة التي تكاثر عليها؛ ليتفرَّج ويرى قمم الجبال التي غطَّتها الثلوج، وبعد ساعاتٍ سيكون هناك عند قمة «سان أنطوان».
وأخذت الطائرة تئنُّ، وهي تهبط على أرض المطار، وكان «أحمد» يعرف أنهم يَرشُّون الثلوج التي تُغطِّي ممرات الهبوط بسائلٍ خاصٍّ لإذابة الثلج … وإلا انزلقت الطائرة، وحطمت ما في طريقها …
وتوقفت الطائرة … ثم توقفت المحركات … وبدأ الركاب يقفون استعدادًا للنزول، وعندما خرجوا من المطار، قاد «هومو» سيارةً سوداء طراز «بي إم دبليو»، وركب «أحمد» و«مارك» في المقعد الخلفي …
قال «مارك»: ظروفٌ جويةٌ سيئةٌ.
أحمد: هل هذا يُعطِّل ذهابنا إلى «سان أنطوان».
مارك: مطلقًا، إننا لا بد أن نصل في الموعد … إن الرجل الذي سيسلمنا الرسومات لن ينتظر دقيقةً واحدة.
أحمد: متى نذهب.
مارك: إننا ذاهبون الآن، فموعدنا مع الرجل فجر الغد، وسنأخذ أول «تلفريك» إلى هناك … حيث يقع الكوخ بين أشجار الغابة.
ساد الصمت، والسيارة تَمضي ببطءٍ على الأرض الزلقة … ومضت ساعتان و«أحمد» يفكر في المغامرة القادمة، وفي «مادونا» التي تركها في «نابولي»، وفجأة قال «مارك»: هل كنت تعرف «جياكومو».
أحمد: لا … لم أعمل معه من قبل.
مارك: شيءٌ مُدهشٌ أن يُقتَل هذا الرجل … لقد كان شديد الحذر … شديد البراعة في استخدام الأسلحة.
أحمد: هل عملتَ معه.
مارك: نعم … ولكن في عمليةٍ واحدةٍ، وقد أعجبتني جدًّا قدرته على التنظيم والتنفيذ.
أحمد: لقد قتلته الخيانة.
مارك: كيف.
أدرك «أحمد» أن لسانه انزلق في الكلام، ولعلَّ «مارك» هذا لا يعرف شيئًا عمَّا يحدث داخل المنظَّمة، فقال: يقولون إن أحد الأشخاص وشى به لدى عصابة الخنجر الأسود.
مارك: هل تعني أنهم كانوا يَعرفون خطواته مُقدمًا.
أحمد: شيءٌ من هذا القبيل.
مارك: وهل حضورك إلى «نابولي» كان لهذا السبب.
أحمد: لا، لقد حضرت لتعزية أسرة «جياكومو» فقط.
عندما وصلوا إلى القرية الصغيرة النائمة تحت سفح جبل «سان أنطوان» كان الظلام قد خيَّم على الدنيا، وبدَت مئات المصابيح تُشعُّ ضوءًا خافتًا، كأنها تتنفَّس ببطءٍ في الجو القارس البرد.
صعد «أحمد» إلى غرفتِه التي كانت تقع بين غرفة «هومو» وغرفة «مارك» … وتمدَّد على الفراش يُفكِّر في الساعات القادِمة والمُهمَّة التي يتولَّاها وفكَّر في «مادونا»، وعلى الفور رفع سماعة التليفون واتَّصل بها … ردَّت الأم وقالت إنها خرَجَت مع صديقتَين في جولة بالمدينة.
أحمد: إيطاليتَين.
الأم: لا، إنَّهما من العرب.
عرف «أحمد» … أن رسالته إلى رقم «صفر» قد وصلت، وأن الفتاتَين من مجموعة الشياطين وأحسَّ بارتياحٍ شديدٍ، وقفز من الفراش … وفتح الباب وخرج ولدهشتِه الشديدة سمع باب «هومو» يفتح وظهر العملاق، وقال «أحمد»: إنني أريد أن أتناول عشائي …
هومو: سنَنزل جميعًا.
ودقَّ باب «مارك» الذي خرج على الفور، ونزل الثلاثة إلى المطعم … وعندما جلسوا لاحظ «أحمد» أن «هومو» ينظر في اتجاهٍ معيَّنٍ، وقد بدا عليه لأول مرة الانفعال.
نظر «أحمد» إلى حيث يَنظر «هومو» ووجد رجلًا أنيقًا يضع ساقًا على ساقٍ، وقد انهمَكَ في قراءة صحيفةٍ … كان رجلًا متوسط العمر بادي الذكاء والقوة، وكان مُستغرقًا في القراءة، دون أن يُعير التفاتًا إلى أي شيءٍ آخر …
تظاهر «هومو» بأنه يعدل مفرش المائدة … ثم قال ﻟ «أحمد»: هل ستَخرج هذه الليلة.
أحمد: إلى أين.
هومو: لعلك تُريد معرفة أنواع الأسلحة التي نُعدُّها لمعركة الغد.
أحمد: في هذه الحالة يُهمني جدًّا أن أخرج.
هومو: بعد تناول العشاء سنَخرج معًا لهذا الغرض.
جاء العشاء … تناوله «أحمد» بشهيةٍ مفتوحةٍ؛ فقد كان سعيدًا لأنَّ «مادونا» وجدت الحماية، وعليه الآن أن يَتفرَّغ لمهمَّة الحصول على الوثائق المهمة ورسومات العقل … الإلكتروني العملاق …
عندما قرَّروا الخروج، حرص «أحمد» على المرور بالقرب من الرجل الأنيق، كان لا يزال مُنهمِكًا في قراءة جريدة «التايمز» الإنجليزية …
ركبوا نفس السيارة، وقادَها «هومو» في حرصٍ وحذرٍ على الطريق المغطَّى بالجليد، ودخلوا في نفقٍ صغيرٍ، ثم انحرَفُوا يمينًا إلى بابٍ في سور حديقةٍ فتح على الفور، واجتازوا الباب إلى فيلا صغيرةٍ، دخلُوها … وقادَهما «هومو» إلى سلم يَنزل إلى قبو، فتحه، وأضاء النور، وشاهد «أحمد» معرضًا رائعًا للأسلحة من كل نوعٍ … من الرشاشات إلى البنادق السريعة الطلقات، والمسدسات … والخناجر، والقنابل اليدوية وبجوار هذه الأسلحة مجموعة من أدوات التزحلق على الجليد.
اختاروا مجموعة من الأسلحة التي تُناسِب المهمَّة … وكان ضمن ما اختاره «أحمد» خنجرًا رفيعًا، ولكنه صلبٌ، ثم حملوا أدوات الانزلاق وخرجوا … وعند مرورهم على أحد المحلات، اشترى «أحمد» مجموعة من الجرائد بينها جريدة «التايمز» …
وعادوا إلى الفندق، وصعد «أحمد» إلى غرفته على الفور … وتمدَّد على فراشه، وأمسك بجريدة «التايمز»، وأخذ يَفحصها …
وفجأةً في إحدى الصفحات الداخلية شاهد صورة رجلٍ … نفس الرجل الذي كان يقرأ الجريدة … وقد كُتب تحت الصورة «والتروليامز» … أما المقال فكان عن تجارة السلاح في العالم …
وأخذ «أحمد» يقرأ المقال باهتمامٍ، وعرف أن «والتروليامز» اسمٌ مستعارٌ لتاجرٍ من أكبر تجار الأسلحة في العالم، كان هناك بعض الاختلاف في الملامح، ولكن نظرة «أحمد» الفاحصة أكَّدت أنه نفس الشخص.