حدث في الليل
عندما انتصف الليل خُيِّل ﻟ «أحمد» أنه يسمع حركةً في الغرفة المجاورة … غرفة «هومو» … فأصغى السمع، وسمع خطوات «هومو» الحذرة، ثم سمع باب غرفته يفتح ويغلق بهدوءٍ فقفز من فراشه، وانتظر نصف دقيقةٍ، ثم فتح هو أيضًا الباب، وشاهد «هومو» عند رأس السلَّم، وهو ينزل محاذرًا … تسلَّل «أحمد» خلف «هومو»، ونزل السلم بعده بمسافةٍ كافيةٍ، حتى لا يشعر به …
خرج «هومو» إلى ساحة الفندق … توقف قليلًا … كان الجو قارسَ البرودة … وكان «هومو» يحمل شيئًا ملفوفًا تحت إبطه … وبعد لحظاتٍ ظهر «والتروليامز» … كان يركب سيارة يقودها بنفسه … وأسرع «هومو» إليه … بينما أسرع «أحمد» إلى السيارة السوداء اﻟ «بي-إم-دبليو» السوداء التي جاء بها مع «مارك» و«هومو»، ولحُسنِ الحظ وجد المفاتيح في السيارة.
انتظر لحظاتٍ حتى تحركت سيارة «والتر»، ثم أدار المحرِّك، وانطلق … كانت الطرقات التي غطَّتها الثلوج خاليةً من المارة … عدا بعض سياراتٍ تمرُق هنا، وهناك … ظلت سيارة «والتر» تسير بسرعةٍ معتدلةٍ، حتى خرجت من القرية … ووصلت إلى مزرعةٍ ضخمةٍ يحيط بها سورٌ مرتفعٌ.
فُتح السور على الفور ومرقت السيارة منه … ثم أغلق على الفور … دار «أحمد» بالسيارة حول السور المرتفع … واختار شجرةً عاليةً بجوار السور، قرر أن يتسلَّقها ويدخل الفيلا القابعة وسط الثلوج.
وركن السيارة ونزل، وتسلَّق الشجرة … ولكنه لم يكدْ يقترب من السور، حتى هدته حاسته إلى شيءٍ … إن السور مكهربٌ، ويمكن أن يصعقه على الفور … وفكر في نفس الوقت أنه يعمل مع أصدقاء.
ﻓ «مارك» و«هومو» كلاهما من رجال «بليك» رئيس شبكة عملاء رقم «صفر» في أوروبا، والتعليمات التي تلقَّاها من رقم «صفر» أن يتعاون مع «بليك» في الوصول إلى شخصية الخائن في المنظمة، فلا داعي لإثارة مشاكل وهو على وشك القيام بمهمَّةٍ صعبةٍ للحصول على رسومات العقل الإلكتروني …
عاد «أحمد» إلى السيارة، وانطلق عائدًا، وكانت الليلة شديدةَ البرودة، فلم يلمح أحدًا في الطريق حتى اقترب من الفندق … وكم كانت دهشته عندما وجد سيارات الشرطة تُحيط بالمكان، وهي تُطلق أضواءها الحمراء الكاشفة … وأحسَّ «أحمد» بخطرٍ … فهُم يقومون بمهمةٍ خطيرةٍ … وهناك أسلحةٌ في الغُرَف، ومن الممكن أن يكون الخائن عرف كل شيءٍ، فأطلق رجال الشرطة في أثرهم …
ركن «أحمد» السيارة في مكانٍ مُظلمٍ، بعيدًا عن أعين رجال الشرطة، ثم سار متلصِّصًا … حتى وصل بجانب شخصين يتحدَّثان، عرف في أحدهما موظف الاستقبال الذي كان يتحدث مع الواقف معه.
كان موظَّف الاستقبال يقول: لقد جاء الثلاثة معًا … الرجل الطويل الغريب ذو الوجه الصارم، والشاب ذو الملامح الشرقية، والثالث الذي قُتل.
وقعت كلمة القتل على «أحمد» كالصاعقة، فمعنى كلام موظف الاستقبال أن القتيل هو «مارك» … إذن فقد سارع الخائن وضرَب ضربته، ولولا أنه خرج خلف «هومو» ربما كان هو المُستهدَف بالقتل، أو الثلاثة معًا …
انسحب «أحمد» مُسرعًا، كان يريد أن يُبلغ «هومو» بما حدث قبل أن يدخل الفندق …
وقرر أن يُسرِع بسيارته إلى حيث كان «هومو» مع تاجر السلاح «والتروليامز» … ولكنه لم يكد يُدر محرك السيارة، حتى شاهد سيارة «والتر» تقف ويَنزل منها «هومو» … بقامته المرتفعة …
انتظر «أحمد» لحظاتٍ حتى انطلق «والتر» بسيارته، وبدأ «هومو» التحرُّك ناحية الفندق، فنزل «أحمد»، وأسرع إليه قائلًا في صوتٍ خافتٍ: «هومو» … «هومو».
توقَّف الرجل بعد أن وضع يده بسرعةٍ على مقبض مسدسه …
قال «أحمد»: لا تدخل الفندق.
عرف «هومو» صوت «أحمد» فاتجه إليه، فقال «أحمد» هامسًا: لقد قتلوا «مارك».
ردَّد «هومو» الجملة مذهولًا: قتلوا «مارك».
أحمد: نعم، وقد اضطررتُ للهرب من الفندق خوفًا من استجواب رجال الشرطة.
هومو: خيرًا فعلت، ولكن من الذي قتله.
أحمد: إنه ليس أنا طبعًا.
هومو: ليس هذا وقت المزاح، هل عرفت من الذي قتله.
أحمد: طبعًا لا.
هومو: إنها مشكلةٌ معقَّدةٌ.
أحمد: كيف.
هومو: إن «مارك» هو الذي يَعرف مكان الكوخ الذي سيتمُّ فيه تسليم رسومات العقل الإلكتروني.
أحمد: هذا مأزقٌ خطيرٌ.
هومو: هيَّا بنا يجب ألَّا نعود إلى الفندق مطلقًا.
ركب الاثنان السيارة، وتولَّى «هومو» القيادة حتى وصلا إلى نفس المكان الذي كان فيه «هومو» منذ ساعةٍ، وأطلق «هومو» ضوء السيارة ثلاث مراتٍ، وفُتح الباب فورًا، واجتازا الحديقة المُظلِمة، ووقفا أمام باب الفيلا، ثم نزلا واجتازا صالة مغطَّاة بالسجاد الفاخر، ودخلا غرفة مكتب أضاء «هومو» أنوارها، ثم جلسا.
قال «هومو»: مشكلة.
أحمد: فعلًا.
هومو: ولكن أين كنتَ عندما قُتل «مارك».
أحمد: كنت أشعر بأرقٍ فنزلت إلى صالة الفندق؛ لأتناول بعض المشروبات، ثم خرجت إلى الحديقة لأتمشَّى … فمن عادتي أن أمشي قليلًا قبل النوم.
هومو: كم استغرق كل هذا من الوقت.
أحمد: ربما ربع ساعةٍ فقط، ولكن أين كنت، إنهم يبحثون عنك وعنِّي.
لم يبدُ على وجه «هومو» أيُّ تأثيرٍ، وقال: كان عندي مُهمةٌ ليلية، فقد اتصل بي مستر «بليك» من لندن، وطلب منِّي الذهاب إلى شخصٍ معينٍ للاتِّفاق معه على صفقة، والحصول منه على معلومات.
أحمد: وهل قتل «مارك» يُغير من خطتنا.
هومو: لا … لقد فكرت طوال الطريق، أن الرجل الغريب ينتظر في كوخٍ صغيرٍ داخل الغابة ومعه الرسومات … وهو في انتظار وصول الرجال الذين سيُسلِّمونه الرسومات، وبعد أن يخرجوا سنقوم بمهاجمته.
أحمد: ولكنَّنا لا نعرف الطريق إلى الكوخ.
هومو: سوف أحلُّ المشكلة، سنعرف من هم الرجال الثلاثة الذين سيسلمون الرسومات، وسيركبون «التلفريك» مبكرًا، وسنتبعهم.
أحمد: عظيم.
هومو: لتذهب إلى النوم الآن، فأمامنا غدًا عملٌ شاق.
أحمد: فعلًا.
غادرا المكتبة، ودلَّ «هومو» «أحمد» إلى الطريق إلى غرفة نومه … وتبادَلا تحية المساء، وبعد دقائق كان «أحمد» مُستغرقًا في نومٍ عميقٍ …