الرجل الغريب
استيقظ «أحمد» على صوت باب غُرفته، وهو يُفتَح بهدوءٍ … فقفَز واقفًا ومسدَّسه في يده، ولكن لم يكن هناك ما يَستحق الفزع … فقد كان «هومو» يدخل وهو يَحمل صينية عليها طعامُ إفطارِ «أحمد» …
قال «هومو»: صباح الخير.
ردَّ «أحمد»: لقد أفزعتني.
ابتسم «هومو» لأول مرةٍ، وقال: كنتُ أريد أن أختبر ردَّ فعلك، والواقع أنه أكثر من ممتازٍ … ولو شاء أيُّ شخصٍ أن يُفاجئك لما استطاع.
تناول «أحمد» إفطارًا سريعًا، وأسرع خلف «هومو» إلى السيارة، ولدهشتِه وجد «هومو» قد أعدَّ أدواتٍ جديدةٍ للانزلاق وأسلحةً ممتازةً، وأدرك أنه يَتعامل مع مُحترفٍ، يعرف كيف يُنجز مهمته.
بعد مُضيِّ أقل من ربع ساعةٍ من استيقاظ «أحمد» كانت السيارة تَنطلِق بهما فوق الجليد البراق إلى محطة «التلفريك» … حيث كانت الرحلة الأولى تبدأ في السادسة صباحًا بالضبط …
وفي الطريق قال «هومو»: إن مصرع «مارك» يُعدُّ لغزًا شديد التعقيد … فليس هناك من يعلم بوجودنا، إلا نحن الثلاثة و«بليك».
أحمد: هذا ليس أول كمين يقع فيه رجالنا، لقد قُتل منهم قبل هذه الحادثة ثلاثة آخرون.
هومو: لقد سمعتك قبل الآن تتحدَّث عن وجود خائنٍ في صفوف المنظمة.
أحمد: كان هذا مجرَّد استنتاجٍ.
هومو: ألم تحصر شبهتك في شخصٍ معينٍ؟ …
أحمد: لا … كيف أعرف … لا بد أن «بليك» عنده معلومات أكثر.
هومو: إن «بليك» مثلي ومثلك يبحث عن هذا الخائن.
وساد الصمت … بينما كانت السيارة تشقُّ طريقها إلى محطة «التلفريك» وصلا في الموعد المناسب، وقاما بارتداء أحذية الانزلاق …
كانت هناك عشر دقائق باقية على انطلاق «التلفريك» في رحلته الفضائية بين الجبال …
وكان «أحمد» و«هومو» يَبحثان عن ثلاثة رجالٍ … هم الذين سوف يذهبون لمقابلة الجاسوس الذي يحمل رسوماتِ العقل الإلكتروني العملاق … وكانا يظنَّان أن عدد الركاب في هذا الصباح المثلج لن يكون كثيرًا، ولكن المفاجأة أن «التلفريك» كان كامل العدد، ويحمل نحو عشرين شخصًا …
وقد كان المفروض أن يحمل أحد الرجال الثلاثة الحقيبة التي تَحمل الرسومات للرجل الغريب …
ولكن لم يكن بين الركاب من يحمل مثل هذه الحقيبة التي كانت لا بدَّ أن تكون ضخمةً …
ولكن «أحمد» فكَّر في ذهنه أنه من المُمكن تصوير هذه الرسومات الضخمة على «ميكروفيلم»، ويُمكِن حمل هذه الأفلام كلها في لفةٍ صغيرةٍ لا تَزيد على حجم علبة السجائر.
انطلق «التلفريك»، وتحدَّث «أحمد» و«هومو» همسًا أنهما سيَتبعان أيَّ ثلاثة أشخاصٍ يتحركون في اتجاهٍ واحدٍ …
ومضى التلفريك في رحلته … وعندما وصل إلى محطة الوصول … أسرع «هومو» إلى «أحمد» قائلًا: لقد تعرَّفت عليهم.
أحمد: عظيمٌ جدًّا.
أشار «هومو» إلى رجلٍ ضخمٍ يلبس ملابس حمراء داكنة، وقال: هذا هو رئيسُهم.
أحمد: سنتبعه.
عندما خرجوا من المحطة إلى الفضاء كان منظرًا لا يُنسى … الجبال مُغطاةٌ بالثلوج … الأشجار الغارقة في الثلج تشبه أسماكًا صغيرة في نهرٍ متجمدٍ … قليل من الطيور تنتقل بين قمم الأشجار البارزة … كل شيءٍ أبيض كأنه لوحةٌ رسمها فنان بلونٍ واحدٍ …
قال «هومو» هامسًا: إذا افترقنا، فسوف نلتقي مع «بليك» في «لندن»، والعنوان «أرابيلا كورث» المتفرِّع من «آبي رود»، هل حفظت العنوان؟
أحمد: «أرابيلا كورث» من «آبي رود».
واستعدَّ الجميع للانزلاق … كانت عينا «أحمد» على الرجل الذي يرتدي الملابس الحمراء … أو الرجل الأحمر كما فكَّر فيه …
انطلق الجميع في اتجاهاتٍ مختلفةٍ … وانتظر «أحمد» حتى تحرَّك الرجل ذو الرداء الأحمر، وتبعه … كان الرجلان الآخران يتبعانه عن بُعدٍ … ولكن الثلاثة وخلفهم «أحمد» كانوا ينطلقون في خطوطٍ متوازيةٍ تقريبًا … وأخذ «أحمد» يبحث عن «هومو»، واستطاع أن يَلمحه ينزلق خلفهم جميعًا …
كان «أحمد» معه مجموعة ممتازة من الأسلحة، بالإضافة إلى الخنجر الذي ربَطه خلف ساقه، وكان وهو يَنزلِق سريعًا على جوانب التلال الثلجية يُفكِّر في الخائن الذي قتل حتى هذه اللحظة أربعةً من أعوان «بليك» آخرهم «مارك» …
من هو الخائن؟! هل هو «هومو»؟! أم أنه خارج المنظمة، ويعرف كل شيءٍ عنها مثل «والتر» تاجر الأسلحة؟! وما دخْلُ تاجر الأسلحة في هذه العمليات كلها؟! …
ولماذا قابل «هومو» ليلًا؟ أسئلة كثيرةٌ بلا إجابةٍ عليها.
اتجه الرجل الأحمر إلى قلب الغابة … وتبعه الرجلان عن بُعدٍ … وخلفهم «أحمد» … كان يحفظ الخطة جيدًا … الرجال الثلاثة سيُسلمون الرجل الغريب الرسومات المطلوبة للعقل الإلكتروني العملاق، ويسلمهم الثلاثمائة مليون دولار، وعندما يخرجون … يدخل «أحمد»؛ ليأخذ الرسومات من الرجل الغريب.
ظل الرجل ذو الرداء الأحمر يشقُّ طريقه لمدة عشر دقائق، ثم انحرف يمينًا، وتبعه «أحمد»، وكان من السهل عليه وسط الثُّلوج البيضاء أن يرى الرجل ذا الرداء الأحمر بوضوحٍ … لم تكن هناك مشكلةٌ …
عند تلٍّ من الثلوج المرتفعة … توقَّف الرجل ذو الرداء الأحمر قليلًا … وتوقف الرجلان اللذان يتبعاه … وكذلك توقف «أحمد»، ثم أشار الرجل بيده ناحية مجموعةٍ من الأشجار … ثم تحرك متجهًا إليها … وتبعه الرجلان … وتحرك «أحمد» خلف الثلاثة.
عندما انحرف «أحمد» داخل الأشجار … أطبق الظلام على المكان … وشاهد «أحمد» خلف الأشجار كوخًا صغيرًا غطَّته الثلوج، لم يشكَّ لحظة أنه الكوخ الذي سيتم فيه تبادل الدولارات مع الرسوم … لم يعد ممكنًا في الظلام الدامس أن يُتابع «أحمد» الرجل ذا الرداء الأحمر، ولهذا اعتمد على أصوات انزلاق الأقدام، وكان متأكدًا أن هذا الانزلاق سيؤدي في النهاية إلى الكوخ الصغير …
وصل «أحمد» إلى قرب الكوخ … وتمهَّل بجوار شجرة عالية، حتى وجد الرجال الثلاثة يقتربون من الكوخ، ثم يدخلون.
ظل في الانتظار لحظاتٍ، وسمع في الصمت المُخيِّم صوت طلقاتٍ مكتومةٍ تنطلق داخل الكوخ، ثم شاهد الرجال الثلاثة يخرجون.
اتجه إلى الكوخ على الفور … وعندما دخل وجد الرجل الغريب مُلقًى على الأرض ميتًا … وفكر لحظات ثم انحنى على الجُثة، وكانت المفاجأة … الجثة باردةٌ.