مفاجأة في القطار
بعد راحةٍ قصيرةٍ دخل «أحمد» إلى المحطة … لم يكن فيها إلا موظَّفٌ واحد … رجلٌ عجوز يتسلَّى بحلِّ الكلمات المتقاطِعة … ويبدو أنه لم يكن يتوقَّع أن يرى أحدًا في هذه العاصفة … فرفع عينَيه، وخلع النظارة ونظر إلى «أحمد» في دهشةٍ …
قال «أحمد»: صباح الخير يا سيدي.
ردَّ الرجل تحية الصباح، ثم نظر إلى الدماء تُغطِّي كتف «أحمد»، فقال «أحمد»: لقد أُصبت أثناء جولةٍ في الغابة.
الرجل: يجب أن تَعرض نفسك على طبيبٍ فورًا، إنك شاحبٌ جدًّا.
أحمد: متى يأتي القطار.
نظر الرجل إلى ساعةٍ عتيقةٍ أمامه، ثم قال: إنه على وشك الوصول.
أحمد: تذكرة من فضلك إلى جونولييه.
كان «أحمد» يعرف أن هناك مصحَّة عالمية، يعمل فيها طبيبٌ مصريٌّ قريب له.
وشكر «أحمد» الرجل، وانتظر داخل المحطة، حتى توقف القطار، فأسرع إليه، لم ينزل منه إلا راكبٌ واحدٌ … ثم أطلق القطار صفارته وانطلق، واستلقى «أحمد» في مقعده، وأغمض عينيه، وأخذ يستعرض شريط الأحداث التي مرت به، منذ قال له رقم «صفر» إن في المنظمة خائنًا يقوم بالوشاية بهم، وأنه فقد ثلاثة من أفضل رجاله في عملياتٍ مضمونةٍ … ثم رحلته إلى «نابولي» ومقابلة «مادونا» … ومغامرة الليل في «نابولي»، ثم رحلته لمقابلة «مارك» في مطار «روما» و«هومو»، وخطة الاستيلاء على رسومات الكومبيوتر العملاق، والرجل القتيل في الكوخ … ثم اختفاء هذا الرجل بعد ساعةٍ، أشياء لا تُصدَّق، ونظر إلى الحقيبة التي يُساوي ما بها ٣٠٠ مليون دولار … وفكر أن يحملها مباشرةً دون الالتقاء برئيس شبكة العملاء في أوروبا «بليك» كانت هذه أفضل خطةٍ فهو في حاجةٍ إلى علاجٍ سريعٍ بعد ما نزف منه من دم … وهو في حاجةٍ إلى الحديث إلى رقم «صفر»؛ ليحكيَ له كل الأحداث التي مرَّت به …
وتوقف القطار في محطةٍ … ثم استأنف السير … وبعد دقائق فُتح باب المقصورة التي يجلس بها «أحمد»، ودخل أحدُ الركاب … وعرف «أحمد» دون أن يَرفع رأسه مَن القادم … كان «هومو».
رفع «أحمد» عينَيه إلى «هومو» الذي قال وهو يجلس: توقعتُ أن أجدك هنا.
أحمد: إنك شديد الذكاء يا «هومو»، ولكن أين كنت؟
هومو: لقد عزلتني العاصفة عنك.
أحمد: لقد كنت مُعرضًا للقتل.
هومو: لقد سمعت بضع طلقاتٍ، ولكنني لم أتوقع أن تكون موجَّهةً إليك.
ونظر «هومو» إلى الحقيبة، وقال: لقد حصلتَ عليها.
أحمد: وكنت سأدفع حياتي ثمنًا لها.
هومو: المهمُّ أنك حيٌّ.
جلس «هومو» في مواجَهة «أحمد»، كان القطار خاليًا في هذا اليوم العاصف، وتأكَّد «أحمد» أنه لم يَلتقِ به مصادفةً، وأنه كان يبحث عنه … عاد «هومو» إلى الحديث: إلى أين أنت ذاهبٌ؟
أحمد: إلى جونولييه …
هومو: ولماذا جونولييه؟
أحمد: لأتلقَّى علاجًا سريعًا … لي قريبٌ هناك سوف أذهب إليه، حتى لا أتعرَّض للاستجواب بسبب الرصاصة.
هومو: هل الرصاصة ما زالت في كتفك؟
أحمد: لا … إنها نفذت من اللحم.
هومو: من السهل أن تقول إنك أُصبت بشيءٍ آخر.
أحمد: لكن أنا الآن في حاجةٍ إلى الراحة.
هومو: إن جونولييه لا تَبعد عن «جنيف» بأكثر من خمسين كيلومترًا … فدعنا نذهب إلى «جنيف»، وسأتولَّى العناية بك هناك.
أحمد: وهذه الحقيبة.
هومو: سأُحدِّث «بليك»؛ ليُرسل من يتسلمها.
أحمد: لقد انتهت مهمَّتي معكم، وجئتُ بالحقيبة، فخذها أنت ودعني أذهب إلى جونولييه.
هومو: كيف تتصوَّر أن أتخلَّى عنك وأنت مصابٌ؟
أحمد: إن هناك ما هو أهمُّ … خُذ الحقيبة واذهب إلى «بليك»، أما أنا فسأذهب إلى جونولييه.
كان القطار يقترب من المحطة التي سينزل فيها «أحمد»، فقام واقفًا … حاول «هومو» أن يمنعه، ولكن «أحمد» أصرَّ على النزول، فقال «هومو»: سآتي لتوصيلك إلى المكان الذي ستذهب إليه.
نزلا معًا … واستقلَّا سيارةً، وطلب «أحمد» الذهاب إلى مصحَّة جونولييه، وانطلقت السيارة وساد الصمت بين «هومو» و«أحمد» طوال الطريق الذي استغرق نحو ساعةٍ، وصعدت السيارة تلًّا مرتفعًا، ودارت مراتٍ، ثم وقفت أمام المصحَّة الضخمة … فنزل «أحمد»، ودارت السيارة وعادت تحمل «هومو» ومعه الحقيبة …
اتجه «أحمد» إلى الاستقبال، تحدث مع الموظفة، وطلب منها توصيله بالدكتور «حسين» الذي ردَّ على الفور، ولم يكد يسمع صوت «أحمد»، حتى صاح: أين أنت؟!
أحمد: إنني في الاستقبال.
حسين: استخدم المصعد على اليمين، وأنا في انتظارك في الدور السادس.
ركب «أحمد» المصعد … كان يُحسُّ أن الدنيا تدور … لقد نزَف كثيرًا من الدماء … وعانى كثيرًا من المشقَّات، وعندما فتح باب المصعد ليخرج، وما إن رأى وجه الدكتور «حسين» ابن عمه … حتى ذهَب في غيبوبةٍ …
عندما استيقظ «أحمد» وجد نفسه في غرفةٍ نظيفةٍ بيضاء، وشاهد وجه الدكتور «حسين» يلفُّ ويدور … ثم قال «حسين» مبتسمًا: ماذا حدث؟ لقد نزفتَ نصف دمك.
أحمد: هذه قصةٌ طويلةٌ … كم الساعة الآن.
حسين: إنها الثامنة مساءً.
أحمد: هل أستطيع الاتصال بالقاهرة.
حسين: طبعًا … فورًا … بالمناسبة هناك شخصان سألا عنك، وقد قلتُ لهما إنك لا تستطيع الحديث تليفونيًّا.
أحمد: هذا أفضل … ولا تدعهما يدخلان إلى غرفتي مُطلقًا.
حسين: هذا ممكنٌ … ومن المُمكن ألا أجعلهما يدخلان المستشفى أصلًا، هناك حرسٌ.
أحمد: اتصل بهذا الرقم في القاهرة فورًا.
رفع الدكتور «حسين» السماعة، وطلب الرقم بعد إضافة «الكود نمبر» بين سويسرا والقاهرة، وعندما سمع الجرس على الطرف الآخر ناول «أحمد» السماعة، ثم غادر الغرفة.
جاء صوتٌ من القاهرة واضحًا … يسأل: من؟
أحمد: أنا رقم واحد.
الصوت: أين أنت يا رقم واحد؟ إن رقم «صفر» يسألُني عنك كل دقيقةٍ.
أحمد: كنت في مهمةٍ كلَّفني بها «بليك».
الصوت: ليست عندي معلوماتٌ عن هذه المهمة.
أحمد: اطلب من رقم «صفر» أن يَحضُر إلى «جنيف» أنا في مصحَّة جونولييه الوقت ضيقٌ، لقد عرفتُ الخائن.
ووضع «أحمد» السماعة، وقد أحسَّ بإعياءٍ شديدٍ.