في ذكر المغفلين من القراء والمصحِّفين
عن عبد الله بن عمر بن أبان أن مشكدانة قرأ عليه في التفسير: «ويعوق وبشرًا» فقيل له: «ونسرًا» فقال: هي منقوطة بثلاثة من فوق. فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.
وعن محمد بن أبي الفضل قال: قرأ علينا عبد الله بن عمر بن أبان: «ويعوق وبشرًا»، فقال له رجل: إنما هو «ونسرًا»، فقال: هو ذا فوقها نقط مثل رأسك.
وقال أبو العباس بن عمار الكاتب: انصرفت من مجلس مشكدانة فمررت بمحمد بن عباد بن موسى، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند مشكدانة فقال: ذاك الذي يصحف على جبرائيل، يريد قراءته: «ويعوق وبشرًا» وكانت حكيت عنه.
قال ابن كامل: وحدثنا أبو شيخ الأصبهاني محمد بن الحسين قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير: «وإذا بطشتم بطشتم خبازين»، يريد قوله: «جبارين».
وعن محمد بن عبد الله المنادي يقول: كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا وقال: ن وَالْقَلَمِ في أي سورة هو؟
قال الدارقطني: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير «فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية» فِي رَحْلِ أَخِيهِ فقيل له: السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فقال: أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم.
وقال القاضي المقدمي: قرأ علينا عثمان بن شيبة: جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ فقيل له: في فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فقال: تحت الجيم واحدة.
وعن محمد بن عبد الله الحضرمي أنه قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة: «فضرب بينهم سنور له ناب»، فقيل له إنما هو: «بسور له باب» فقال: أنا لا أقرأ قراءة حمزة، قراءة حمزة عندنا بدعة.
قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى قال مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ: «ولله ميزاب السموات والأرض» فقلت: يا شيخ ما معنى «ولله ميزاب السموات والأرض» قال: هذا المطر الذي تراه. فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير، يا هذا إنما هو وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.
وعن أبي عبيدة قال: كنا نجلس إلى أبي عمرو بن العلاء فنخوض في فنون من العلم ورجل يجلس إلينا لا يتكلم حتى نقوم، فقلنا: إما أن يكون مجنونًا أو أعلم الناس. فقال يونس: أو خائف، سأظهر لكم أمره. فقال له: كيف علمك بكتاب الله تعالى؟ قال: عالم به. قال: ففي أي سورة هذه الآية:
فأطرق ساعة، ثم قال: في ﺣﻢٓ الدخان.
وعن أبي عبد الله بن عرفة أنه قال: اصطحب ناس فكانوا يتذاكرون الآداب والأخبار وسائر العلوم، وكان معهم شاب لا يخوض فيما يخوضون فيه سوى أنه كان يقول: رحم الله أبي ما كان يعدل بالقرآن وعلمه شيئًا. فكانوا يرون أنه أعلم الناس بالقرآن، فسأله بعضهم في أي سورة:
فقال: سبحان الله! من لم يعرف هذا؟ هذا في ﺣﻢٓ عسق. فقالوا: ما قصر أبوك في أدبك. فقال لهم: أفكان يتغافل عني كتغافل آبائكم عنكم؟
ونبأنا في هذا المعنى أن رجلًا قدَّم ابنًا له إلى القاضي فقال: أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي. فقال له القاضي: ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟ قال: يقول غير الصحيح، إني أصلي ولا أشرب الخمر. فقال أبوه: أصلح الله القاضي أتكون صلاة بلا قراءة؟ فقال القاضي: يا غلام تقرأ شيئًا من القرآن؟ قال: نعم وأجيد القراءة. قال: اقرأ. فقال: بسم الله الرحمن الرحيم:
فقال أبوه: واللهِ أيها القاضي ما تعلَّم هاتين الآيتين إلا البارحة؛ لأنه سرق مصحفًا من بعض جيراننا. فقال القاضي: قبحكم الله أحدكما يقرأ كتاب الله ولا يعمل به!
قال: حدثني أبو بكر محمد بن جعفر السواق قال: كان عليَّ وعد أُنفِذُه لابن عبدان الصيرفي، فأخَّرته لضرورة، فجاءني يقتضيني وقال لي في عرض الخطاب: أقول لك يا أبا بكر كما قال الله تعالى: «وشديد عادة متنزعة» فقلت: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، والله ما قال الله من هذا شيئًا. فاستحيا وقام، فما عاد لي أيامًا فلما حضرت الدراهم أنفذتها إليه.
وعن يحيى ابن أكثم قال: قدَّم رجل ابنه إلى بعض القضاة ليحجر عليه، فقال: فيم؟ قال للقاضي: أصلحك الله إن كان يحسن آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه. فقال له القاضي: اقرأ يا فتي فقال:
فقال أبوه: أصلحك الله! إن قرأ آية أخرى فلا تحجر عليه. فحجر القاضي عليهما.
وعن أبي عبد الله الشطيري قال: كان إبراهيم يقرأ على الأعمش فقال: «قال لمن حولِه ألا تستمعون»، فقال الأعمش: لِمَنْ حَوْلَهُ فقال: ألست أخبرتني أن «من» تجر ما بعدها؟
قال: حدثني الدارقطني قال: ثنا علي بن موسى قال: قرأ أبو أحمد العراقي على عبد الله بن أحمد بن حنبل: «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعِه» بكسر العين فقال له: إنما هو «يَرْفَعُهُ»، قال: هكذا الوقف عليه.
كان رجل كثير المخاصمة لامرأته وله جار يعاتبه على ذلك، فلما كان في بعض الليالي خاصمها خصومة شديدة وضربها فاطَّلع عليه جاره فقال: يا هذا، اعمل معها كما قال الله تعالى: «إما إمساك إيش اسمه أو تسريح ما أدري إيش».
وجه فزارة صاحب مظالم البصرة رجلًا يومًا في حاجة فقضاها ورجع إليه، فقال فزارة: أنت كما قال الله تعالى:
قال المأمون لبعض كُتَّابه: ويلك ما تحسن تقرأ؟ قال: بلى والله إني لأقرأ من سورة واحدة ألف آية.
سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها فأقام عنده أيامًا فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم، وقد أشكل عليَّ في القرآن بعض مواضع. قال: سلني عنها. قال منها في الْحَمْدُ لِلهِ: إياك نعبد وإياك، أي شيء تسعين أو سبعين؟ أشكلت عليَّ هذه فأنا أقولها تسعين، آخذ بالاحتياط.