في ذكر المغفلين من رواة الحديث والمُصحِّفين
قال أبو بكر بن أبي أويس: بينَا عبد الله بن زياد يحدث انتهى إلى حديث شهر بن حوشب فقال: حدثني شهر بن خوشب فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان اسمه من أسماء العجم. فقلت: تريد شهر بن حوشب؟ فعلمنا أنه يأخذ من الكتب.
وعن عوام بن إسماعيل قال: جاء حبيب كاتب مالك يقرأ على سفيان بن عيينة، فقال: حدثكم المسعودي عن جراب التميمي. فقال سفيان: ليس هو جراب إنما هو خوات. وقرأ عليه: حدثكم أيوب عن ابن شيرين. فقال: ليس كذلك إنما هو سيرين.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه يقول حكاية عن بعض شيوخه قال: قال رجل لهشيم: يا أبا معاوية، أخبركم أبو حرة عن الحسن. فقال هشيم: أخبرنا أبو حرة عن الحسن ووصف شيخنا ضحك هشيم هه هه.
وعن محمد بن يونس الكندي أنه قال: حضرت مجلس مؤمل بن إسماعيل فقرأ عليه رجل من أهل المجلس: حدثكم سبعة وسبعين. فضحك المؤمل وقال للفتى: من أين؟ فقال: من مصر.
حدثنا إسحاق قال: كنا عند جرير فأتاه رجل وقال: يا أبا عبد الله تقرأ علي هذا الحديث فقال وما هو؟ قال: حدثنا خربز عن رقبة. قال: ويحك! أنا جرير.
حدثنا محمد بن سعيد قال: سمعت الفضل بن يوسف الجعفي يقول: سمعت رجلًا يقول لأبي نعيم حدثتك أمك؛ يريد حدثك أمي الصيرفي.
قال أبو نعيم: كتب عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم أن «احص» من قبلك من المخنثين. فصحَّف الكاتب فقرأ بالخاء فخصاهم. فقال بعض المخنثين: اليوم استحققنا هذا الاسم.
حدثنا يحيى بن بكير قال: جاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيف حدَّثك نافع عن النبي ﷺ «في الذي نُشِرَتْ في أبيه القصة»؟ فقال الليث: ويحك! إنما هو «في الذي يشرب في آنية الفضة.»
قال الدارقطني: وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العيناء قال: حضرت مجلس بعض المحدِّثين المغفَّلين فأسند حديثًا عن النبي ﷺ عن جبرائيل عن الله عن رجل، فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟! فإذا هو قد صحَّفه وإذ هو عز وجل. وقد نبأنا بهذه الحكاية أبو عبد الله الحسين بن محمد البارع قال: سمعت القاضي أبا بكر بن أحمد بن كامل يقول: حضرت بعض المشايخ المغفَّلين فقال: عن رسول الله ﷺ عن جبريل عن الله عن رجل. فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟! فإذا هو «عز وجل» وقد صحَّفه.
قال: سمعت محمد بن حمدان يقول: سمعت صالحًا — يعني جزرة — يقول: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام، وكان عنده كراس فيه عن جرير فقرأت عليه: حدثكم جرير عن ابن عثمان أنه كان لأبي أسامة خرزة يرقي بها المريض. فصحفت أنا الخرزة فقلت: كان لأبي أسامة جزرة، قال الخطيب: وبهذا سمي صالح جزرة.
قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني أن أبا موسى محمد بن المثنى قال لهم يومًا: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، وقد صلى النبي صلى الله عليه إلينا؛ لِما روي أنه ﷺ صلى إلى عنزة. توهم أنه صلى إليهم وإنما العنزة التي صلى إليها النبي ﷺ هي حربة كانت تُحمَل بين يديه فتنصب فيصلي إليها.
وعن أبي حاتم الرازي أنه قال: كان عمر بن محمد بن الحسين يصحِّف فيقول معاد بن حبل، حجاج بن قراقصة، وعلقمة بن مريد. فقلت له: أبوك لم يسلمك إلى الكُتَّاب؟ فقال: كانت لنا صبية شغلتنا عن الحديث.
قال الدارقطني: وأخبرني يعقوب بن موسى قال: قال أبو زرعة: كان بشر بن يحيى بن حسان من أصحاب الرازي، وكان يناظر فاحتجوا عليه بطاوس، فقال: يحتجون علينا بالطيور!
قال أبو زرعة: وبلغني أنه ناظر إسحاق في القرعة، فاحتج عليه إسحاق بالأحاديث الصحيحة فأفحمه فانصرف، ففتش كتبه فوجد في حديث النبي ﷺ القزع فصحف بالراء، فانصرف وقال لأصحابه: قد وجدت حديثًا أكسر به ظهره. فأتى إسحاق فأخبره فقال: إنما هو القزع.
وسأل حمادَ بن يزيد غلامٌ فقال: يا أبا إسماعيل حدَّثك عمر أن النبي ﷺ نهى عن الخبز؟ قال: فتبسم حماد وقال: يا بني، إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟ وإنما هو نهى عن الخمر.
وعن يحيى بن معين قال: قدِم داود بن أبي هند عليهم الكوفة فقام مستملي أهل الكوفة فقال: كيف حديث سعيد يكفن الضبي في ثوب واحد؟ يريد «يكفن الصبي في ثوب واحد.»
وعن الحسن بن البرا قال: كان لعمر بن عون ورَّاق يلحن فأخَّره وتقدم إلى وراق أديب أن يقرأ عليه فقرأ: حدثكم هسيم. فقال ردونا إلى الأول فإنه يلحن وهذا يمسخ.
وجاء رجل إلى الليث بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي ﷺ في الذي نشرت في أبيه القصة؟
قال: حدث أبو حفص بن شاهين عن النبي ﷺ أنه قال: «يوشك أن تسير الظعينة بلا خفير.» فصحف فقال: بلا خفين.
قال: كان حيان بن بشر قد تولَّى قضاء بغداد وأصبهان، وكان من جملة رواة الحديث، فروى يومًا: أن عرفجة قطع أنفه يوم الكلام، وكان مستمليه رجلًا من أهل كجة، فقال: أيها القاضي إنما هو الكلاب، فأمر بحبسه فدخل الناس إليه فقالوا: ما دهاك؟ فقال: قُطِعَ أنف عرفجة في الجاهلية وابْتُلِيتُ أنا به في الإسلام.
وعن عبد الله بن ثعلبة قال: كان رسول الله ﷺ يمسح وجهه من «القيح» قال عبد الله: أخطأ فيه وصحف — يعني المخزومي — إنما هو «الفيح».
وعن معاوية ابن أبي سفيان قال: لعن رسول الله ﷺ الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر، قال أبو نعيم: شهدت وكيعًا مرة يقول: يشققون الحطب. فقلت: بالحاء؟ قال نعم.
عن عامر بن صعب قال: «اعتكفت» عائشة عن أختها بعدما ماتت. كذا قال وإنما هو «أعتقت».
قال حدثنا الشافعي قال: قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله ﷺ قال إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا وصلت خلف المقام ركعتين؟ قال: نعم.
قال: حدثنا إسحاق بن وهب قال: كُنَّا عند يزيد بن هارون، وكان له مستملٍ يقال له بريح، فسأله رجل عن حديث فقال يزيد: حدثنا به عدة. فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة ابن من؟ قال: عدة بن فقدتك.
قال: حدثني الفضل بن أبي طاهر قال: صحَّف رجل في قول النبي ﷺ: «عم الرجل صِنو أبيه.» فقال: «عم الرجل ضيق آنية.»
وعن زكريا بن مهران قال: صحَّف رجل: «لا يورث حميل إلا ببينة.» الحميل: اللقيط. فقال: «بثينة.»
قال: حضرت أحمد بن يحيى بن زهير ورجل من أصحاب الحديث يقول له: كيف الزبير بن خريت؟ فقال له: ابن زهير لا خريت ولا كنت، إنما هو خرِّيت والخريت الدليل الحاذق.
قال العسكري: روى شيخ مغفَّل أن النبي ﷺ احتجم وأعطى الحجام آجُرَّة (بضم الجيم وتشديد الراء).
وقال العسكري: وأنبأ أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبي قال: قرأ القطربلي على ثعلب بيت الأعشى:
قال حجاج: جاء رجل إلى عبد القدوس بن حبيب فقال له: أعد عليَّ الحديث الذي حدثت به. فقال: لا تتخذوا شيئًا فيه الروح عرضًا (بالعين المهملة والراء المفتوحة)، فقال له الرجل: ما معنى هذا؟ فقال: هو الرجل يخرج من داره القسطرون يعني الروشن والكنيف. قلت: وهذا صحف الحديث وفسَّره على التصحيف، وإنما الحديث: «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا.» (بالعين المعجمة).
حدثنا سعيد بن عمر قال: قال لي أبو زرعة: أظن للقاسم بن أبي شيبة رأي في كتاب إنسان عن ابن فضيل عن أبيه عن المغيرة عن سعيد بن جبير: «المرجية يهود القبلة.» فعلقه ولم يضبطه، فكان يحدث به عن ابن فضيل فيقول: «المرء حيث يهوى قلبه.»
قال الدارقطني: وسمعت أبا العباس ابن أبي مهران يقول: كان ابن جميل الرازي يريد أن يُخرج التفسير، فأخرجه في رقاع، فأخرج ذات ليلة رقعة إلى الوراقين فقال: «الأكثرون هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا» في أي سورة هو؟ فقال له الوراق: ليس هذا من القرآن. فخجل ولم يخرج التفسير بعد.
قال: سمعت البرقاني يقول: قال لي الأهوازي الفقيه: كنت عند يحيى بن محمد بن صاعد فجاءته امرأة فقالت له: أيها الشيخ، ما تقول في بئر سقطت فيها دجاجة فماتت، هذا الماء طاهر أم نجس؟ فقال يحيى: ويحك! كيف سقطت الدجاجة في البئر؟ قالت: لم تكن البئر مغطاة. قال يحيى: ألا غطيتِها حتى لا يقع فيه شيء! قال الأهوازي: فقلت: يا هذه، إن كان الماء قد تغير وإلا فهو طاهر.
قال: كنا عند بندار فقال في حديث عن عائشة قال: قالت رسول الله ﷺ فقال رجل يسخر به: أعيذك بالله ما أفصحك! فقال: كنا إذا خرجنا من عند روح دخلنا إلى أبي عبيدة. فقال: قد بان ذلك عليك.
قال: حدثنا عبد الله بن موسى والفريابي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: برز عيينة وشيبة والوليد فقالوا: من يبارز؟ فخرج من الأنصار … قال عبد الله: ستة. والفريابي: شيبة. قال الدارقطني: قوله ستة تصحيف والأصح ما قاله الفرياني؛ لأن الذين خرجوا من الأنصار ثلاثة.
قال الدارقطني: وقرأت في أصل أبي عبد الله بن مخلد عن يحيى بن معين قال: قال الوراق في حديث عائشة أن النبي ﷺ لما أتى البقيع حسَا رايته.
قال الدارقطني: حدثنا أبي قال: ورد يحيى بن آدم فقال أخطأ في حديث كعب قال: قال الله: أنا أشج وأداوي. وأخطأ يحيى خطأ قبيحًا فقال: أسحر وأداوى.
قال أبو الهيثم القاضي: سمعت أحمد بن صالح يقول: قدمت «أُبُلَّةَ» فتلقيت سلامة بن روح، فسمعته يحدث حديثًا لسقيفة فقال فيه: ولا بيعة للذي بايع بعرة أن يفتلا. فقلت: إنما هو «تغرة أن يقتلا.» فقال لي: لا هو كما قلت لك. قلت: فما معناه؟ قال: البعرة تفتلها في يدك تفتيلًا فتنتشر.
قال الدارقطني: أملى علينا أبو بكر الصولي حديث أبي أيوب: «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال …» فقال: شيئًا من شوال.
وروى أحمد بن جعفر الحنبلي حديث أبي سعيد: «لا حليم إلا ذو عثرة.» فقال: غيره (بالغين المعجمة والياء).
قال الدارقطني: وحدثنا محمد بن أحمد قال: أملى علينا أبو شاكر مولى المتوكل في حديث: «اكتحلوا وترًا واذهبوا عنا.» أراد وادَّهنوا غبًّا.
قال: وقد روى ابن لهيعة أن رسول الله ﷺ احتجم في المسجد، وإنما هو احتجر.
قال الدارقطني: بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدِّث وبين يديه مقدار ألف نفس فقالت له: حلفت بصدقة إزاري. قال: بكم اشتريتِه؟ قالت: باثنين وعشرين درهمًا. قال: اذهبي فصومي اثنين وعشرين يومًا. قال: فلما مرت أخذ يقول: آه آه! غلطنا واللهِ؛ أمرناها بكفارة الظهار.
حدثني محمد بن عدي البصري قال: رأيت رجلًا وهو يقول: قال النبي ﷺ:
قال حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا عباس قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عن سعيد بن مسلم، كان عنده كتاب عن منصور فقال له رجل: سمعت هذا الكتاب؟ فقال: حتى يجيء أبي وأسأله.
قال الدارقطني: سمعت حمزة السهمي يقول: سمعت على شيخ وأخذنا بكتابة السماع، فقال: اكتبوا اسمي معكم. فقلت للإسماعيلي: من الغُّفَلة ذلك؟ قال: نعم. حدثني أبو الحسن بن خلف الفقيه قال: كتب لنا بعض المشايخ خطه في إجازة ولم يكتب اسمه فقلنا له: اكتب اسمك. فقال: والله لا أفعل ولا أكتب اسمي لمن لا أعرفه.
وعن أحمد بن علي بن ثابت قال: قرأت في كتاب أبي الفتح عبد الله بن أحمد النحوي بخطه: سمعت القاضي أحمد بن كامل يقول: ما جمع أحد من العلم ما جمع محمد بن موسى البربري، ودخلت عليه يومًا وهو مغموم فقلت له: ما لك؟ فقال: فلانة — يعني امرأته — حملتني على أن أعتقت هذه الجارية وقد بقِيتُ لا أمَة لي تخدمني ولا أحد يعينني. قلت: وأي شيء مقدار ثمن الجارية؟ فقال: إن امرأتي دفعت إليَّ دنانير أشتري لها بها جارية، فاشتريت هذه الجارية. فقلت: تعتق ما لا تملك؟ قال: كأنه لا يجوز؟ قلت: لا، الجارية لها على ملكها. فجعل يدعو لي.
قال الجاحظ: أمليت مرة على إنسان عَمرًا فاستملى سترًا وكتب زيدًا.
قال إسماعيل بن محمد الحافظ: كنا بمجلس نظام الملك فأملى:
فقال المستملي: وتلية؟ فقيل له: وبلية. فقال: وملية؟ فضحك الجماعة، فقال النظام: اتركوه.
ذكر محمد بن الحسن عن بعض المغفلين وقيل له: فلان مات في الري. فقال: إلى الري رحلتان لا أدري في أيهما مات.
وذكر أبو إسماعيل الخطابي أن عبد الله بن عمار قال: سرقت مني عبية ومعنا رجل متهم. فجئت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقلت: قد هممت أن آتي به مصفودًا. فقال: بغير بينة؟ قال الخليل: هذا ممَّا صحَّف فيه الراوي، إنما قال عمر: تفترسه؟ يعني تتقوى عليه؛ لأنه لو أقام عليه البينة لم يكن له في الحكم تكتيفه.
ويحكى أن يحيى بن معين قال: صحَّف رجل في حديث أبي عبيدة أنه كان على الحسر فروى على الجسر، والحسر جمع حاسر وهو الذي لا درع عليه.
قال الخطابي: وصحَّف بعضهم: لو صليتم حتى تكونوا كالحنائز.
وصحَّف آخر في حديث يأجوج ومأجوج، أنها إذا هلكت أكلت منها دواب الأرض فتشكر — أي تسمن — فصحَّف فقال: تسكر من سكر الشراب.
وحكى لنا أبو بكر بن عبد الباقي البزاز صحَّف رجل فقال: حدثنا سقنان البوري عن جلد المجدا عن اتش عن النبي ﷺ قال: اذهبوا عنَّا، أراد سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أنس عن النبي ﷺ قال: «ادهنوا غبًّا.»